الديموقراطية .... تلك الكلمة التي تتداولها وسائل الإعلام يومياً حتى استهلكت ، وتدّعيها كل الحكومات والسلطات حتى ابتذلت. إنها الثوب البالي لهذا العصر الذي يعمل بغير ما يقول ويقول بغير ما يعمل. لقد حاولت كمواطن عربي بكل جد أن أجد معنى واضح ومقنع للديموقراطية التي يتشدقون بها ليل نهار فلم أتوصل إلاّ إلى تعريف واحد ووحيد. إن الديموقراطية هي فن خداع الشعوب والكذب عليهم. الفرق الوحيد بينها وبين الدبلوماسية هو أن الدبلوماسية هي فن الاستخدام أمّا الديموقراطية فهي الفن في ذاته وكنهه.
وعندما أعود لأتأمل هذه الكلمة ألحظ للوهلة الأولى أنها بالطبع ليست عربية الشكل ولا المعنى. لعلهم يقصدون بمعناها مبدأ الشورى الإسلامي الذي يربط الشعب والقادة برباط عادل مقدس يكفل للقائد الطاعة والولاء طالما أطاع الله فيهم وحفظ لهم حقوقهم ولم يظلم أحداً منهم ويكفل للعامة الحرية والعزة والمساواة والحياة الكريمة. إن الديموقراطية كلمة غربية غريبة على مجتمعنا ولا تعني أبداً العدالة والحرية والمساواة كما يراد لنا أن نفهم.
على أي حال لنترك البحث في المعنى الفلسفي للكلمة ولنحاول البحث في المعنى الواقعي لها في عالمنا العربي على وجه الخصوص. إن الديموقراطية في مجتمعاتنا بما تمليه علينا حكوماتنا هي التصويت للرئيس أو التصويت له في كل الأحوال وفي كل الأزمان ، والسلطة القائمة على استعداد لتقوم بكل شيء في سبيل تحقيق ديموقراطيتها تلك حتى يحصل الرئيس على النسبة المطلوبة من عد الرؤوس المقموعة منها والمقطوعة وهي نسبة 99,9% في العادة و 99% في أسوأ الأحوال. شيء مضحك للغاية. أعتقد أن مثل انتخاباتهم هذه لو أقيمت في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو النبي عيسى عليه السلام أو أي نبي آخر لما حصل أي منهم على مثل هذه النسبة وهم المؤيدون من الله العلي القدير ، بل لو تم التصويت في أي وقت لذات الله جل وعلى لما حصل على هذه النسبة كذلك. لعله من أبسط البديهيات أن يفكر المرء في قدسية هؤلاء الحكام الذين يتفوقون حتى على خالقهم ولا يجدر به أن يتساءل عن كيفية وآلية هذه الإنتخابات ولا أن يشكك بأي حال في مصداقيتها.
ولم تختلف الديموقراطية الفلسطينية في أول محاولة لإنشاء سلطة ذاتية وبناء مؤسسات عن إطار مثيلتها العربية إلا قليلا ، وهذا الاختلاف القليل يتلخص في زيادة جرعة الدكتاتورية لدى السلطة الفلسطينية وضعف التغطية القانونية والإعلامية. ويبدو أن أرض الأبطال في فلسطين لم تنجب من رجل حكيم أو بطل همام سوى تلك المرأة المدعوة سميحة خليل والتي لم يسمع بها أحد من قبل لتنافس الرئيس الأوحد ياسر عرفات في انتخابات الرئاسة الفلسطينية فلا تفوز إلا بستة أصوات فقط من مجموع ملايين الشعب الفلسطيني. ستة أصوات فقط ؟!! لكأنني اشعر أن سميحة خليل ذاتها قد صوتت لعرفات. نحن هنا نتجاهل بالطبع كل الإجراءات التي اتخذت لمنع معظم الشعب ممن لا ينتمون لحركة فتح من التصويت في انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية والبلدية بل وحتى النقابية.
تلك هي بعض ملامح الديموقراطية الفلسطينية التي يتباهى من فازوا بها أمام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والأخوة الحقيقية والمساواة في دولة القانون والمؤسسات. فهنيئأً لنا بقياداتنا التي لا يهزمها سياسياً إلا الموت ولا يتولى عروشها من بعد فنائه إلا أبناؤها وأحفادها وهنيئاً لكم أيها الصامتون.
المفضلات