.ثلاثة مواعيد فقط
كانت جازلين تعلم بأنها لن تتزوج أبدا.ولم يكن هذا ليقلقها،فهي نادرا ما تفكر في الامر،رغم انها فكرة ثابتة في رأسها لا تتزحزح.
لكن هذا لا يعني انها تكره الرجال،فهي تخرج معهم كأي فتاة طبيعية في الثانية و العشرين من عمرها و غير مرتبطة بأحد.إنما حالما تلاحظ ان الرجل الذي تخرج معه بدأ ينظر الى علاقتهما جديا ،تقطع علاقتها به.و كان الحد الأقصى لعلاقتها باي شخص،عادة هو ثلاثة مواعيد.
و مساء يوم الأربعاء،و فيما كانت عائدة من عملها كسكرتيرة في إحدى اهم شركات لندن القانونية ، راحت تفكر في أن ما أعاد فكرة الزواج أو عدمه إلى رأسها هو أبوها الذي بدا أنه يأخذ علاقته مع صديقته الحالية بجدية أكبر.و غريس كرادوك صديقته تلك ، سيدة محترمة بعكس معظم صديقاته السالفات.
و نادرا ما استمرت علاقاته الأخرى لأشهر.إنما ها قد مضت ستة أشهر نذ أن عرفها أبوها على تلك المرأة التي تعرف إليها أبوها في حفلة عيد الميلاد.كانت غريس أكبر سنا من معظم النساء الاتي اعتاد أبوها أن يحضرهن إلى البيت.فقد بلغت الخامسة و الخمسين ، هي أصغر منه بسنتين ، مطلقة منذ سنوات عدة.لقد تزوج أبوها ثلاث مرات فهل يفكر في الزواج لمرة الرابعة؟
أدركت جازلين أن قلقها لهذا الاحتمال هو ما جعلها تفكر في الزواج كثيرا.أرادت لأبيها السعادة و كذلك لغريس فقد أولعت بها و لكن هل أبوها رجل مناسب للزواج؟ لا يبدو عليه كذلك.توفيت أمها و هي في الخامسة من عمرها عرفت بعدها زوجتان لأبيها و سلسلة من الخالاتو عاشت في بيت مشحون بثورات الغضب و المشاحنات و الاتهامات المخيفة أحيانا إلى حد يدفع أباها إلى إبعادها إلى منزل جديها و كانت تعود أحيانا قبل أن تهدأ الأحوال .....و لذلك أدركت جازلين في سن مبكرة أنها لا تريد لزواج إذا كن على هذه الشاكلة.
كانت سعيدة بعملها في شركة لاتيمر و براون و هي تعلم بأا ستنال ترقية هامة في آخر العام لأن إحدى السكرتيرات ستتقاعد قريبا. وبما أن مهنتها تعنى بالكثير من قضايا الطلاق المؤلمة ، فقد فضلتها على زواج يقتصر حظه من السعادة على ستين في المئة حسب الإحصاءات.
أوقفت جازلين سيارتها أمام بيتها في ضواحي باكنغهام شاير، و دخلت و لاقاها أخشن كلاب العالم مظهرا
ـ هالو يا ريمي
و رحبت به بحرارة و تذكرت كيف انه دخل متمهلا منذ سنوات إلى بيتها و أظهر رغبة في البقاء
وضعت جازلين إبريق الشاي على النار فلا بد أن أباها سمع صوت سيارتها إن لم يكن مستغرقا في الرسم و سيأتي لتناول الشاي.
وجهت كلامها للكلب :
ـ أظنك تريد بعض البسكويت
و أخذ الكلب يحرك ذيله بشدة عندما سمع كلمة بسكويت.
أطعمته و كانت على وشك ان تضع إبريق الشاي في الحوض عندما لمحت سيارة فارهة متوجهة نحو المنزل.
فتمتمت :
ـ يا لها من سيارة باهظة الثمن
و ذلك بالرغم من أنها اعتادت رؤية زبائن أبيها و خاصة الأثرياء منم الذين يقصدونه ليرسمهم.
كان يمكن لأبيها أن يصبح ثريا أيضا لو أنه قبل برسم ل ما يطلب منه من لوحات شخصية و لكنه فضل أن يرسم ما يتماشى مع مزاجه و كانت النتيجة أنهما لم يصبحا من الأثرياء و إن كان هذا لا يعني أنهما يهتمان للأمر مثقال ذرة.
أخذ ريمي ينبح قبل أن توقف السيارة عندما توقفت رأت من النافذة رجلا طويل القامة أسود الشعر في الثلاثينات من عمره يرتدي بذلة قاتمة و كأنه قادم لتو من مكتبه.ثم صاحت بالكلب ليهدأ .
غادرت المطبخ و أغلقت الباب خلفها لتحجز الكلب. و في الردهة و لسبب تجهله وقفت أمام المرآة تتفقد مظهرها.وجدت أنها تمكنت و بشكل ما من المحافظة على أناقتها رغم نهار العمل الشاق، باستثناء عدد من شعيرات الكلب القاسية.
بلغ طولها 170cm و بدت رشيقة في ثوبها الأزرق. تأملت شعرها الأشقر الطويل الكثيف المحيط بعينيها البنفسجيتين و بشرتها التي وصفت ذات مرة بالمذهلة. و رن جرس الباب
يا ترى هو هذا الرجل؟؟؟؟ و ما الذي سيحدث مع جازلين؟؟؟
و رن جرس الباب و اندفعت لتفتحه بسرعة فعليها ألا تدع زبائن أبيها ينتظرون.
وقف بالباب رجل أطول منها بحوالي 20cm و فيما تسارعت دقات قلبها قليلا ابتسمت للقادم بعفوية منتظرة أن يعلن عن غرضه متكهنة به سلفا.
لكنه و على أية حال لم يفعل ذلك على الفور بل حدق بها متأملا سحنتها الجميلة و عينيها و فمها الجميل قبل أن يقول بأدب :
ـ أود أن أرى السيد بالمر
كان صوته دافئا ساحرا يبعث الاضطراب في نفس من تسمعه
لقد شعرت فعلا بتسارع دقات قلبها لكنها ردت بحزم:
ـ لن يتأخر أبي هل تريد أن تتفضل و تنتظره
ـ شكرا
سارت جازلين أمامه قبل أن تنتبه أنها و لفرط تعبها نسيت أن تسأله عما أذا كان على موعد مع أبيها.
نوت أن تصحح هذا الخطأ حال دخولهما إلى غرفة الجلوس لكن رنين الهاتف منعها من ذلك.
فتحت باب الغرفة وهي تخاطب الزائر برقة قائلة:
ـ تفضل بالجلوس ريثما أجيب على الهاتف
ثم استدارت لترفع السماعة قائلة بمرح :
ـ آلو
وسرعان ما تبدد مرحها حين سمعت صوت توني جونستن الملهوف.
لقد خرجت معه اليلة الماضية و لآخر مرة و ظنت أنه أدرك من برودة تصرفاتها عندما راح يتصرف كعاشق ولهان أنها لن تخرج معه مرة أخرى لكن لا بد أنها أخطأت.
قال بحماسة:
ـ كنت واثقا من أنك وصلت إلى البيت
فأجابت:
ـ وصلت لتوي
ـ هل سأراك اليلة؟
آه تبا يبدو أنه لم يفهم فردت بأدب :
ـ لا مع الأسف
ـ غدا؟
عليها أن تكون فظة و أرغمت نفسها على القول :
ـ آسفة يا توني لقد استمتعت بصحبتك و لكن لن أخرج معك مرة أخرى
ساد صمت مطبق ما لبث أن خرقه صوت شبه باك :
ـ جازلين لقد ظننت أن هناك شعور ما بيننا
و تمسكت بموقفها لقد أعجبها في البدأ و إلا لما خرجت معه كما كانت تكره أن تجرح شعور أي إنسان لكن ما هذا الاضطراب الذي يبدو عليه و هي لم تخرج معه سوى أربعة مرات!
قالت له بلطف :
ـ آسفة لأن هذا غير صحيح
ـ ولكن كنت أفكر بعلاقة طويلة الأمد!
بدا هذا جنونا فهما بالكاد يعرفان بعضهما
ـ انا آسفة إذا تكون لديك مثل هذا الانطباع
ـ ظننت أننا قد نفكر بالخطوبة بعد عدة لقاءات
ـ الخطوبة!
تفكيره بالزواج جعل شيئا ما في داخل نفسها الرقيقة يتجمد.
ـ لم يكن هذا واردا على الإطلاق بيننا يا توني
ـ لقد جرحت شعورك الليلة الماضية و لكنك كنت جميلة للغاية.....
كان هذا سخيفا! فأوقفته جازلين قائلة:
ـ اسمع يا توني كما قلت لك لقد استمتعت بصحبتك و لكن لن أخرج معك مرة أخرى
ـ و لكن....
ـ ولكي احتفظ بالذكريات الحلوة عن لقاءاتنا أرجوك لا تتصل مرة أخرى
ـ ولكن أريد أن أتزوجك
بعد أربع لقاءات!
ـ انا آسفة جدا و لكن لا أريد أن أتزوجك
ـ جازلين!
ـ وداعا يا توني
ـ هل ستتصلين بي إذا غيرت رأيك؟
ـ طبعا
أجابته بذلك رغم علمها بأنها ن تفعل ذلك
و اعتبرت سؤاله كلمة وداع فأغلقت السماعة وهي تشعر بالحزن و الضيق
ثم استدارت و إذ بها تصعق لما ترى!!!!
لقد محا طلب الزواج الذي تقدم به توني من ذاكرتها أن زائرا ينتظر أباها و لو تذكرت ذلك اطمأنت إلى دخوله إلى غرفة الجلوس و أغلقت الباب لكي لا يتناهى إلى مسمعه حديثها.
لكن هذا لم يحدث فالرجل الغريب و بعد أن تجال دعوتها للدخول لم يتزحزح قيد أنملة من حيث تركته إنما بقي واقفا يستمع بتمعن إلى كل كلمة قالتها و إلى رفضها لعرض توني جونستن!!
و ليثبت أنه ليس أصم..و دون أن يعتذر و لو بكلمة عن إصغائه الوقح لحديثها ، قال معلقا بالوقاحة نفسها :
ـ غير مهذب
شعرت جازلين بالانزعاج و الاحمرار ، وتمنت لو أنها تذكرت ما قالته حرفيا.
ـ اضطررت لقول هذا
جاء ردها أشبه بالاعتذار رغم أنها تمنت أن تقول له أن يهتم بشئونه الخاصة. لكنها تذكرت في الوقت المناسب أن هذا الرجل زبون أبيها.
و قال بجرأة :
ـ أكنت مضطرة حقا؟؟
لم تكن تنوي مواصلة الحديث إنما شيء ما في هذا الزائر أو لعل ميلها للصراحة دفعها إلى أن تجيب :
ـ إنه ذنبي كان من المفروض أن أتوقع هذا لكن يبدو أني لم أنتبه إلى الدلائل
ـ الدلائل؟
فحدقت به جازلين ، إنه يدرك ما تعنيه ، إنما يبدو أنه يريد معرفة كافة التفاصيل.لكن لماذا تجيبه على سؤاله؟
ـ بعد أربعة مواعيد أخذ يتحدث عن الزواج.ما كان علي أبدا الخروج في ذلك الموعد الرابع فأنا نادرا ما أفعل ذلك
ـ و هل تنهين علاقاتك عادة بعد ثلاثة مواعيد؟
لم تصدق أنها تناقش هذا الأمر معه و أنها تجيبه من جديد :
ـ نعم إلا إذا كان شخصا أعرفه منذ وقت طويل و يعلم أني لا أهتم بالاستقرار
و همت بتغيير الموضوع بأدب إذ شعرت بأنها أكثرت من الكلام و لكن يبدو أن الرجل الغريب لم ينته بعد.
ـ ألا يهمك الزواج؟
حملقت فيه و لم تدري هل عليها أن تضحك أم تبكي.
ـ الزواج فكرة جيدة بالنسبة لأي شخص آخر.
ـ ولكن ليس بالنسبة لك؟
خاض في الموضوع أكثر مما ينغي و لم يعجبها ذلك..فهي لا تعرفه.
و عندما لم تجب عاد ليسألها :
ـ هل تداوين قلبا جريحا؟
و لم تستطع إلا أن تضحك بصوت خافت مبرزة أسنانها الرائعة المنتظمة و همست لنفسها:
ـ لا فائدة
لم تعرف كيف تتصرف مع هذا الرجل الذي يضحكها دون جهد في حين أنها مستاءة حقا. حدق فيها و بان عليه الإعجاب بأساريرها المشرقة.راحت تتساءل عن السؤال الذي سيطرحه الآن، حين سمعت أصواتا تنبئ بقدوم أبيها ، فقالت بأدب:
ـ أرجو المعذرة
و أدركت أنه هو أيضا شعر باقتراب شخص ما. قابلت أباها في آخر الردهة و تمتت :
ـ لديك زائر.
قرت أن تخرج الكلب في نزهة فصعدت إلى غرفتها لتغير ملابسها، و ارتدت بنطلونا و كنزة.
غابت جازلين عن البيت قرابة الساعة و حين عادت توصلت إلى قناعة حول جرحها مشاعر توني.فصحيح أنها خرقت القاعدة التي وضعتها لنفسها وخرجت معه للمرة الرابعة، لكنها لم توهمه و لو للحظةبأنا تكن له مشاعر معينة. و لو أظهر لها أن مشاعره نحوها تتعدى مشاعر شخصين يستمتعان بوقتهما معا لرفضت الخروج معه الليلة الماضية.
لم تر أثرا للسيارة الفخمة أمام البيت ، لكنها لم تتوقع رؤيتها.
ـ هل شربت الشاي؟
طرحت هذا السؤال على أبيها ، حين رأته يتصفح مجلة فنية في غرفة الجلوس، و اعترفت لنفسها بأنه لم يكن أول سؤال خطر لها.
السؤال الأول الذي لم تطرحه ، أجاب عليه أبوها من تلقاء نفسه ، حين سألها :
ـ أتعرفين من كان الزائر؟
المفضلات