+_+بِشَارَةُ الشَّبَابِ+_+
بِمَا جَاءَ فِي غَضِّ البَصَرِ مِن الثَّوَابِ
بقلم :
أبُي الحَسَنَاتِ الدِمَشقِيِّ
(مختصر)
انَّ الحَمدَ للهَ نَحمَدُه وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِن شُرُورِ أنفُسِنَا وَمِن سَيِئَاتِ أعمَالِنَا،
مَن يَهدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ،
وَأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.وبَعدُ،
فإنَّ هذا الزمان الذي نعيشُ فيه، زمانٌ كثُرت فيه الشرور والفتن،
وَزادت فيه البَلايا والمِحَن،
فَليسَ لنا إلا أن نعتَصِمَ بحبلِ الله تعالى، ونتمسَّك بِه،
فنتبعَ أمرَهُ ونجتنِبَ نهيَهُ .
وإنَّ من أفضلِ ما يُعين عَلى فعل ما أمرنا الله به واجتنابِ ما نهانا الله عنهُ؛
مَعرفةُ فضلِ المأمور وثوابِهِ، ومعرفةُ ضَررِ المنهيِّ وعِقابه،
والمداومة على تَذكُّر ذلك واستحضَارِه .
ومِن هَذَا البَابِ، جمَعتُ هذه الرِّسَالةَ، تذكرةً لإخواني الشَّبابَ ،
ونصيحةً لهم، في أمر هامٍ مِن أمور دِينِهم، وهو غَضُّ البَصَرِ،
وليس قَصدِي مِن هَذِه الرِّسَالةِ بَيانُ تَفاصِيلِ أحكَامِ النَّظَرِ، وإنَّمَا أردتُ بِهَا أن أُذكِّر إخوانِي الشَّبابَ بِهذِه الفَريضَةِ، وأبيِّنَ لهم فَوائِدَها وَمنزِلَتَها في الشرعِ، وأسميتها :
« بِشَارَةُ الشَّبَابِ بِمَا جَاءَ فِي غَضِّ البَصَرِ مِن الثَّوَابِ »
وخَصَصتُ الشَّبابَ بهذه الرسالة، لأنَّ الشَّباب هم المعرَّضون للفتنة أكثَرَ مَّمَن سِوَاهُم،
****************
أولا:
فَصلٌ
في بيانِ خُطورةِ فِتنةِ النِّسَاءِ:
قَالَ َتَعَالَى : ﴿زُيِّنَ للنَّاسِ حُبُّ الشَهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينِ ﴾ الآية [آل عمرن:14] .
قَالَ الْحَسَنُ البَصريُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في تفسير هذه الآية: "زُيِّنَ أي: زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ" .
وقَالَ َتَعَالَى : ﴿وخُلقَ الإنسَانُ ضَعِيفَاً﴾ [النساء:14] .
قال طَاوسُ بنُ كيسَانَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في تفسير هذه الآية: "أيْ: ضَعِيفَاً في أمرِ النِّسَاءِ، ليسَ يكونُ الإنسانُ في شيءٍ أضعفَ منهُ في النِّسَاءِ".
عَنِ النَّبِىِّ قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" .
وَأَخْرَجَ مُسْلمٌ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ قَالَ:" إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ".
وَأَخْرَجَ الإمامُ أبو بكرٍ ابن أبي شَيبَةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى عَن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لم يكُن كُفرُ من مَضَى إلا مِن قِبَلِ النِّسَاءِ، وَهُو كائنٌ كفرَ من بَقيَ مِن قِبَلِ النِّساءِ".
وَأَخْرَجَ عن أبي صالحٍ رَحِمَهُ الله تَعَالَى قالَ: "بَلغني أنَّ أكثرَ ذنوبِ أهلِ الجَنَّةِ في النِّساءِ".
وَفي «صِفةِ الصَّفوَةِ»: عَن عَليِّ بنِ زَيدٍ عَن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ رَحِمَهُ الله تَعَالَى قَالَ: "مَا يَئِسَ الشَّيْطَانُ مِنَ شَيءٍ إلا أتَاهُ مِن قِبَلِ النِّسَاءِ" .
****************
ثانيا:
فَصلٌ
في معنى غَضِّ البَصَرِ و حُكمِهُ :
فغَضُّ البَصَرِ ِ:هُو عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ التَّحْدِيقِ وَاسْتِيفَاءِ النَّظَرِ،
وإنمَّا المقصُودُ: غَضُّ البَصَرِ خَوفَاً مِنَ اللهِ تَعَالى وَعِقَابِهِ، وَامتِثَالاً لأمرِِهِِ .
فَمِن المَعلُومِ مِن الدِّينِ ضَرُورةً أنَّ الشَرعَ أمَرَ بِحفظِ الفُروجِ وَحرَّم الزنا،
بَل إنَّ ذَلكَ مِن أعظَمِ مَقَاصِدِهِ، وَالأمرُ بحفظِ الفُروجِ يَتضمَّنُ الأمرَ بحفظِ الأبصَارِ لأنَّ النظرَ بَريدُ الزنا وَرَائِدُه، فَيكُونُ غَضُّ البَصَرِ مِن بَابِ سدِّ الذريعِةِ،
وَلكِنَّ اللهَ تَعَالى أمرَ بِغَضِّ البَصَر تصريحاً زيادةً في الاهتمَامِ والزَّجرِ .
وَقد دَلَّ الكِتابُ وَالسُنَّةُ وَالإجمَاعُ عَلى ذَلكَ،
أمَّا الكِتَابُ فَقولُه تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم إنَّ اللهَ خبيرُ بمَِا يَصنَعُونَ﴾ الآية [النور: 30].
وإما السُنَّة : فقد أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عن أَبي سعيد الخُدري ، عن النَّبيّ ، قَالَ : "إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ ! " فقالوا: يَا رَسُول الله، مَا لنا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ، نتحدث فِيهَا . فَقَالَ رسولُ الله :" فَإذَا أبَيْتُمْ إلاَّ المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ ". قالوا : وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ :"غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ" .
وأمَّا الإجمَاعُ فَقَد حَكَاهُ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلم، قال الإمام أبو مُحَمَّدٍ ابنُ حَزمٍ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «مراتب الإجماع»: "واتَّفَقُوا على وُجُوب غَضِّ البَصَرِ عَن غَيرِ الحَريمَةِ والزَّوجَةِ والأمَةِ، إلا من أراد نِكاحَ امرأةٍ حلَّ لهُ أنْ ينظُرَهَا" .
وقال الإمَامُ أبو بكرٍ بنُ عَبدِ اللهِ العَامِريُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «رِسَالتِه في أحكَامِ النَّظر»: "إنَّ الذي أجمعتْ عليه الأُمَّةُ، واتَّفَقَ عليهِ عُلماءُ السَّلفِ وَالخلفِ مِن الفُقَهاءِ والأئمَّةِ: هُو نَظَرُ الأجانِبِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، وَهُم مَن لَيسَ بينَهُم رَحِمٌ مِن النَّسبِ، ولا مَحرَمٌ مِن سَببٍ كالرِّضَاعِ وَغيرهِ، فََهؤلاءِ حرامٌ نَظَرُ بعضِهم إلى بَعضٍ" .
المفضلات