مشاهدة النتائج 1 الى 8 من 8
  1. #1

    ابتسامه • ( أوّلُ السلسلة .. آدم عليه السلام ) •

    .. بسم الله الرحمن الرحيم ..

    أوّلُ السلسلة .. آدم عليه السلام

    adam

    -• [كُتبت المقادير والقضاء قبل خمسين ألف سنة سبقت خلق السماوات والأرض] •-


    خُلقت الأرض في يومين مُثبّتةٌ برواسي من جبال راسخةٌ، مباركٌ فيها .. خُلقت في أربع أيام فقط،
    ليليها خلقُ السماوات التي كانت مجرد دُخان، مأمورةٌ هي والأرض في قوله:
    {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت11،
    أي ائتيا إليّ طوعاً أو كُرهاً .. فأجابتا طوعاً دون تخيير.


    خُلق العرش، ثم الشمسُ والقمر يجريانِ في دربيهما،
    ثم الملائكة مسبحين بحمدهِ، مقدّسين لاسمه.
    {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
    وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30


    ثم شاءَ الله أن يجعلَ في الأرضِ خليفة تسكنُ الأرض وتعمّرها،
    فأخبرَ ملائكتهُ أوّلاً عن رغبته، فإذا بهم يعترضون!
    الاعتراض لم يكن جرأة على الله، إنما خوفاً من أن يكونوا قد أغضبوا الله وقصّروا في حقه وفي تسبيحهِ
    وهم ليل نهار ما انفكوا عن تقديس اسمه، وابتغاء معرفة الحكمة من خلق البشر.
    (كيف تخلقُ غيرنا، ونحنُ دائبون على التسبيح باسمك وحمدك؟ هؤلاء الخلق الذين ستخلقهم على الأرض
    سيتسابقون على منافعها، يلتهون عن ذكرك ويسفكون الدماء مزهقين الأرواح البريئة! كيف ذلك ونحنُ موجودن!)


    وكأن الملائكة أرادت أن تكون بدلاً عن البشر تسكنُ الأرض وتزيد تسبيحاً وولاءً لربِ العالمين.


    كيف استنتج الملائكة بأن البشر قد يسفكون الدماء أيضاً في الأرض؟
    قيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن، قالهُ قتادة، وقال عبد الله بن عمر:
    كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور.


    [خـليـفـةُ الـلـــه ؟ ]
    يرددُ الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلامٌ باطل وفيه كفر
    لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي.
    ثم إن هناك أمر آخر، يُقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه.
    وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء.


    على ردة الفعل القلقة هذه، أجابهم الله بما يُثلجُ صدورهم ويطمئنهم: { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
    سأخلقُ ما أشاء وسترون بأنفسكم ما خفي عنكم. فإذا خلقتهُ، ونفختُ فيه من روحي، قعوا له ساجدين:
    {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29


    [كيفية خلق آدم عليه السلام]
    خُلق آدم -عليه السلام- من تراب كان بقبضةِ يد الله جمعها من كل الأرض مختلطة،
    لذلك نرى البشر متفاوتين بألوان البشرة والملامح سبحان الله. ثم مُزج التراب مع الماء حتى أصبح طيناً
    تُرك ليجف حتى أصبح كالصلصال بحيث إذا قرعته تسمع له صوتاً،
    وأخيراً نفخ فيه من روحهِ فسرت فيه نسمةُ الحياة، وصار بشراً سوياً.


    في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال:
    " خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء
    وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة
    من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق."


    [السجودُ له]
    بعد خلق آدم، أمرَ الله الملائكة أن يسجدوا له، فاستجابوا وخضعوا لربهم،
    مقبلين على آدم معفّرين جباههم لهُ ساجدين، إلاّ إبليس خالفَ أمر الله وعصاه معتبراً نفسه أرقى وأخير من خِلقة آدم
    {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12.


    إبليس يرى بأن النار أشرف من الطين، في حين أن النار طيش، خفّة وسرعة احتراق، والطينُ رزانة، حلم ونمو.


    إبليس جاهرَ بالعصيان، وصرّح بالمخالفة بكل استكبار، واستنكف عن أن يسجد لمن خلقهُ الله بيده،
    فصار من الكافرين، وجازاهُ الله على عصيانهِ، وعاقبهُ على مخالفته:
    {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ }الحجر35.


    غضب إبليس، فكانت هذه أول انطلاقة العداوة بينه وبين آدم وبنيه. طلبَ من الله أن يُنظره
    أي يُمهله إلى يوم الدين (يطيل بعمره). فرد عليه سبحانه وتعالى: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} ص81


    تحققت رغبة إبليس في أن يمهله الله، ولكنه لم يشكره على فضله، بل قابل نعمته
    بالكفران والجحود وتوعّد إغواء آدم وبنيه: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }الأعراف16


    سأترصّدُ لهم لغوايتهم واجتهدُ في إضلالهم.
    {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف17


    طردَ اللهُ إبليس من رحمتهِ، قائلاً له: امضِ لسبيلك الذي اخترته، وسِر في طريق الشر الذي أردته
    {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ
    فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }الإسراء64


    [إبليس الشيطانُ الرجيم]
    إبليس لم يكن من الملائكة أبداً، فهم مخلوقون من نور، وهو مخلوقُ من النار كالجن.
    كان ممن أفسد في الأرض، فنفتهم الملائكة إلى جزائر البحور، وأُخذ هو من الأسرى للسماء.
    قيل بأن اسمه: عزازيل، وفي رواية: أبو كردوس. كان من أشرف الجن علماً وعبادة، ومن أولي الأجنحةِ الأربعة،
    إلاّ أن الله مسخهُ شيطاناً رجيماً حين عصاهُ واستكبر عن السجودِ لآدم عليه السلام.


    من بعد العصيان والطرد من رحمةِ الله، أُمر بالهبوط للأرض، مما يدل على أنهُ كان في السماء.
    هبط للأرضِ مذموماً مدحوراً يملئهُ الحقدُ والكراهية لبني آدم. هبوطه كان لحكمة أرادها الله ليختبر من عبادهِ التقي والشقيّ.


    [عِلمُ آدم يفوقُ عِلم الملائكة]
    بعد أن سجد الملائكةُ لآدم واقرّوا بمكانهِ، أرادوا أن يتعرّفوا على مدى عِلمه، وهل فُضّل عليهم أيضاً بهذا؟
    {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة31


    علّم اللهُ آدمَ أسماء الكائنات كلها، وأفاض عليه من علمهِ ونورهِ الكثير، ثم عرض هذه الكائنات على الملائكة،
    وطلب منهم أن يخبرهم بأسمائها. الهدف من هذا الطلب هو إثبات قصورهم، وإدراكهم أن حكمة الله
    اقتضت أن يكون آدم أولى بمعرفةِ خلائقه. جاء اعترافُ الملائكة وعدم وجودهم سبيلاً للمعرفة، مقرّين بعجزهم وقصور علمهم:
    {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }البقرة32
    تنزيهاً لك عن الاعتراضِ إليك، لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إياه، إنك أنت الوحيد العليم بشئون خلقك، الحكيم في تدبيرك.


    وبما أن آدم الآن هو من اغترف من فيضِ عِلم الله، طلب منه الله أن يُخبر الملائكة عن أسماء هذه الكائنات
    التي عُرضت لهم ليبيّن الحكمة من استخلافه الأرض، فأنبئهم بأسماء كل شيء: الشجر، الطير .. الخ.


    [السكنُ في الجنـّة]
    بعد أن طُرد إبليس، أُدخل آدمُ الجنّة من فضله، إن أطاع الله سيكافئ بالإحسان ويخلد فيها،
    وإن عصاه سيخرج منها. سكنَ آدم الجنة وصار يتمتعُ بما فيها من كل ما تشتهيه الأنفس.
    لكنه وحيد بلا أنيس، فنام نومةً استيقظ بعدها ليجد امرأة بجواره خلقها الله من ضلعه،
    فسألها: مَن أنت؟ قالت: امرأة. قال: لوم خُلقتِ؟ قالت: لتسكن إلي.
    فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما سامها يا آدم؟ قال: حواء،
    قالوا. ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.



    {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }الأعراف19
    أباح الله لآدم وزوجتهِ حواء أن يأكلا ما يحلو لهما رغداً من طعام الجنة وثمارها،
    ونهاهما أن يقربا شجرةً من بين أشجارها الكثيرة. وليزيل كل شك في أي الشجر هو مقصود،
    أشارَ الله إليها ليبدد أي ظنون والتباس وريب قد يتسرّب إلى نفسيهما،
    ووعدهما أن يمدهما بالمزيد من النِعم أن هما اجتنبا هذه الشجرة.
    منظرُ آدم المطيع لله هو زوجه، واستمتاعهما بنعيم الجنّة، حزّ في نفس إبليس وعزّ عليه
    أن ينعما بدلاً منه في حين أنه مطرود من رحمة الله مُبعد عن الجنة. على ذلك عزم على أن يسلبهما
    السعادة والنعيم ليثأر لنفسه، وبدأ في الوسوسة لهما بكل الطرق فلم يترك باباً إلا طرقه،
    ولا سبيلاً إلا ولجه إلى أن وصل لقوله:
    {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }الأعراف20
    اخر تعديل كان بواسطة » أواب في يوم » 10-05-2006 عند الساعة » 22:35


  2. ...

  3. #2


    [الإغـــــواء]
    {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}الأعراف22
    ظل هذا الإبليس يوسوسُ مقسماً لهما بأنهُ من الناصحين لهما لا يقصد الضرر أبداً،
    فشرع في تزيين الشجرة لهما بكل الطرق مغرياً إياهما بريحها، وبديع طعمها وحُسن لونها..


    قيل: هي الكرم، وتزعم يهود أنها الحنطة. قال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل.


    وقال الثوري عن حصين، عن أبي مالك: ( ولا تقربا هذه الشجرة) وهي النخلة.



    وقال ابن جريج عن مجاهد: وهي


    التينة. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي في الجنة حدث.



    وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا،




    كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.

    إلى أن اغترّا بقوله وفُتنا بزخرف لفظه ومعسول وعده، فزلاّ بإغوائه.


    فلما عصيا الله وخرجا عن طوعه، حرمهما جنته وناداهما:
    {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ }الأعراف22


    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً، كثيرا شعر الرأس كأنه نخلة سحوق،
    فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدأ منه عورته، فلما نظر إلي عورته جعل يشتد في الجنة،
    فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن عز وجل: يا آدم مني تفر؟
    فما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء"


    بكل خجل، أناب آدم وزوجه إلى الله نادمين على فعلتهما
    {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23


    لقد ظلمنا أنفسنا بالأكل من تلك الشجرة، فأن لم تغفر لنا وترحمنا سنكون
    ممن أضاعوا حظهم في دنياهم وآخرتهم (وهذه هي الكلمات التي دعا بها آدم وزوجه فتاب الله عليهما).
    تاب الله برحمته عليهما وغفر لهما هذه الزلّة، فاطمئنا وانبثق الأمل في نفسيهما بأن يبقيا في الجنّة،
    فعلم الله ما يجول بخاطرهما وأمرهما بالهبوط منها معلنا لهما العداوة بينهما
    وبين إبليس الرجيم والتي ستظل قائمة إلى يوم يُبعثون من جديد.


    إذن انتهى طور النعيم الخالص وحُرما البقاء في الجنة بسبب ميلهما لوساوس إبليس،
    وهبطا إلى الأرض دار الشقاء والتعب وأمامها طريقين: هدى وضلال، إيمان وكفر، فلاحٌ وخسران.


    [بدء الحـياة البشـرية .. أوّل زهرة تتفتح في رياض الإنسانية]
    بدأت الحياة حين استعدت حوّاء لاستقبال أولادها: قابيل وهابيل وأختيهما، فكانت حفيّة بهم شديدة الحب لهم
    رغم ما قاسته من آلام ولادتهم. وكان آدم مستبشراً بهم سعيداً بقدومهم،
    فشبّوا تحت رعايته تملأهم قوة الشباب ونضارته إلى أن بلغا، فنزعت البنتان إلى منازع النساء،
    وانبعث الولدان إلى نضارة الشباب والرجولة.


    [قابيل وهابيل .. الطمع .. الجمال موارد الهلاك]
    انطلق الأخوان يضربان في الأرض كسباً للرزق وابتغاءً للخير فكان قابيل من زرّاع الأرض،
    وكان هابيل من رعاة الأغنام. ومع الوقت أراد كل منهما أن تكون له زوجة ليسكن إليها ويطمئن بصحبتها،
    فأوحى الله إلى آدم أن يزوّج كل فتى من فتيانه بتوأمه.


    ذكر آدم ذلك لابنيه بأن يتزوج كل منهما أخته التوأم، فثار قابيل وغضب لأن نصيب جمال أختهِ التوأم
    أقل من نصيب جمال أخت أخيه هابيل! فلم يرضَ بالقسمة.
    فزع آدم من ذلك فلم يدر بخلده أبداً ولا بحسبانه أن تبدأ شرارات الغضب بالاندلاع لمثل هذه الأسباب،
    فهداهُ الله إلى اختبار يطلبه من ابنيه. على ذلك طلب آدم من ابنيه قِرباناً يُقدم إلى الله،
    فأيهما يقبله الله سيكون أحق بالفتاة الجميلة، فقدّم هابيل جملاً من أنعامه، وقدّم قابيل قمحاً من زراعته،


    وكل منهما يفيض صدره أملاً بأن يظفر بما يتمناه.
    عُرف عن هابيل التوفيق، فتقبّل الله منه قربانه بأن أنزل ناراً أكلته، ولم يتقبّل قربان قابيل
    لأنه عصا والده في المقام الأول، وهنا راح قابيل ضحيةً للثأر والحقد،
    ملقياً اللوم أيضاً على والده: أنت تدعو له ولا تدعو لي.

    [الحقـد، الحسـد والانتقام .. أول قتيل في البشرية]
    انبعثت شرارات الحقد من نفس قابيل فتوعّد أخاه بالانتقام: لأقتلنّك حتى لا أصاحبك شقياً وأنتَ سعيد،
    ولا أؤاخيك مبسوط الأمل وأنا مضطهد العاطفة، كاسف الباب.
    فرد عليه هابيل والحسرة تقطّع فؤاده لما آل عليه حال أخيه: كان أولى لك يا أخي ثم أولى
    أن تتعرف موضع الداء فتحسمه، وأن تتحرى مسالك السلامة فتنبعث إليها، لأن الله لا يتقبّل إلا من المتقين.


    هابيل كان رجلاً منّ الله عليه ببسطة العقل والجسم، فكان ممن يحمل الأمانة ويصونها،
    يعشق طاعة والديه ويرضى بالقسمة والنصيب مدركاً بأن متاعه زائل لا محالة. حزن أشد الحزن على حال أخيه فدأب
    على نصحه مراراً وتكراراً لعل قلبه يلين، دون أن يخاف من غضب أخيه لأنهُ طُبع على الطهارة فطبعه الله عليها ليوم الدين.
    اتجه إلى قابيل بالنصح: يا أخي إنك لجائر، مائلُ عن طريق الصواب،
    آثم في عزمك بعيدُ عن جادة الحق في رأيك، فأولى لك ثم أولى أن تستغفر الله، وأن ترجع عن غيّك.
    أما إذا عقدت عزمك، وكنت في تدبيرك ماضياً لا محالة، فإني أترك الأمر إلى الله، مخافة أن يلحقني إثم،
    أو يتعلّق بنفسي أثر لعصيان، فتحمّل وحدك الإثم فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاءُ الظالمين.


    [آصـرةُ الأخـوّة لم تشفع ..]
    الحقد المتقد في صدر قابيل طمس كل مبعث حنو ورحمة وعطف، فثار كالبركان الهائج
    دون مخافة من الله وتفكير بالوالدين، فأقدم على قتل هابيل - قيل بحديدة، وقيل بصخرة
    رماها على رأسه وهو نائم فشدخته، وقيل أنهُ خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع.
    ذلك كان أول جرم على ظهر البسيطة من الناس. راح هابيل فريسة الحماقة والجهالة والغرام!!
    ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتلَ أخاه، فعلقت ساقه إلى فخذه،
    وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت تنكيلاً به.
    اخر تعديل كان بواسطة » أواب في يوم » 10-05-2006 عند الساعة » 22:36

  4. #3


    [مـواراة السـوءة .. سنـّة الدفن]
    لم يعرف قابيل كيف يواري جُرمه، فحمل جثة أخيه في جراب على ظهره،
    وظل مضطرباً حائراً قلق النفس يقاوم الاعتراف بالذنب متحفظاً عنه، فبات معذّباً بلا نوم مشغول الباب بهمِ وعار.
    فهبطت عليه رحمة الله لا لأجلهِ بل لأجل تلك النفس البريئة الملقاة بلا اهتمام .. جثة هابيل ..
    وتلك كانت حكمة الرب في حفظ كرامة بني آدم، فأرسل غرابين فتنازعا أمامه وقُتل أحدهما،
    فقام الغراب القاتل بحفر الأرض بمنقاره ودفن الغراب القتيل.
    ها هو قابيل يتعلّم درساً من حيوانٍ أسودٍ ضعيف ليتعلم درساً وهو ذليل صغير النفس.
    {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ
    قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }المائدة31


    [انطفأ مصباح قابيل، ليشتعل الحزن بنفس آدم]
    غاب عن الأفق .. وظل لفترة بعيداً عن أهله بلا اكتراث. آدم عليه السلام لم يكن يعلم،
    فاستوحش غياب ابنيه واشتاق لهما إلى أن رأى قابيل، فسأله عن أخيه،
    فرد عليه بكل طيش وبرود: ما كنتُ عليه وكيلاً، أو راعياً وحفيظاً. فعرف آدم عليه السلام بأن ابنه من لحمه ودمه قتل أخاه،
    فسكت على همٍّ وتبريح، وكبت في نفسه تلك الشعلة التي هاجت حزناً وأسى.


    [وفـاةُ آدم عليه السلام]
    كان لآدم ابنٌ يُدعى شيث "أي هبة الله" سماه بذلك بعد مقتل ابنه هابيل.
    قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة"
    ولما حضرت آدم الوفاة، عهد إلى ابنه شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار وعباداتها وأعلمه بوقوع الطوفان.


    لما احتضر آدم اشتهى قطفا من عنب الجنة، فانطلق بنوه ليطلبوه له، فلقيتهم الملائكة فقالوا:
    أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا: إن أبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة.
    فقالوا لهم: ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه
    وصلى عليه جبريل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.


    مكث آدم في الجنة مائة عام، وفي رواية ستين عام، وبكى على الجنة سبعين عاماً،





    وعلى خطيئته سبعين عاماً، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً.

    "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي.



    فقال الله:



    فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟



    فقال:



    يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي

    فرأيتُ على قوائم العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله،
    فعلمت أنك لم تضف إلي اسمك إلا أحب الخلق إليك.
    فقال الله:
    صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك"



    [الخـتـام .. دعاءُ آدم ]
    اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك،
    ربِ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين.
    اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربِ إني ظلمتُ نفسي، فتُب علي أنك أنت التوّاب الرحيم.

    الكاتبه الأصليّه / Lady Arwen

    ودمتم بحفظ الله ورعايته
    اخر تعديل كان بواسطة » أواب في يوم » 10-05-2006 عند الساعة » 22:37

  5. #4
    بسم الله الرحمن الرحيم
    جزاك الله أخي أواب على الموضوع و جعله الله في ميزان حسناتك
    ننتظر منك المزيد إنشاء الله
    و سلام عليكم و رحمة الله و بركاته

  6. #5

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مـرحـبـاً ^^

    Hunter_X_Chjr

    حياك الله أخي الكريم .. وبارك الله فيك .. وإن شاء الله استمتعت بقراءتك للموضوع ^^
    gooood

    ودمتم بحفظ الله ورعايته

  7. #6
    أوسكار&كايبا P2Q2CH
    الصورة الرمزية الخاصة بـ ღ♥جنى♥ღ








    مقالات المدونة
    7

    وسام "مراقب مثالي" وسام
    المركز الثالث المركز الثالث
    وسام منتدى القصص و الروايات وسام منتدى القصص و الروايات
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    جزاك الله اخي الكريم اواب على هذا الموضوع
    الرئع والجميل00
    بوركت وبورك خطاك وجعلت لك في ميزان حسناتك
    وابعد الله وجهط عن النار وحعلت الجنة مثواك
    وانشاء الله تكون ممن يدخلون الجنة بغير حساب
    احسنت كتابت وابدعت في موضوع وننتظر المزيد المزيد من اباعادك الرائعة
    والى الامام دوما00
    مع اطيب تحية00
    لك من اختك جنــى

    :Instagram

  8. #7
    جزاك الله خيرا وفقك وننتظر المزيد
    تحياتي
    Sanfura
    attachment

  9. #8
    السلام عليكم ...

    أخ "أواب" ....

    جزاك الله خير على الموضوع المهيب ... ضربتني قشعريرة لما قريت هالمقطع :


    فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟


    فقال:


    يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي

    فرأيتُ على قوائم العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله،
    فعلمت أنك لم تضف إلي اسمك إلا أحب الخلق إليك.


    سبحان الله و بحمده ....

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter