.. بسم الله الرحمن الرحيم ..
أوّلُ السلسلة .. آدم عليه السلام
-• [كُتبت المقادير والقضاء قبل خمسين ألف سنة سبقت خلق السماوات والأرض] •-
خُلقت الأرض في يومين مُثبّتةٌ برواسي من جبال راسخةٌ، مباركٌ فيها .. خُلقت في أربع أيام فقط،
ليليها خلقُ السماوات التي كانت مجرد دُخان، مأمورةٌ هي والأرض في قوله:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت11،
أي ائتيا إليّ طوعاً أو كُرهاً .. فأجابتا طوعاً دون تخيير.
خُلق العرش، ثم الشمسُ والقمر يجريانِ في دربيهما،
ثم الملائكة مسبحين بحمدهِ، مقدّسين لاسمه.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30
ثم شاءَ الله أن يجعلَ في الأرضِ خليفة تسكنُ الأرض وتعمّرها،
فأخبرَ ملائكتهُ أوّلاً عن رغبته، فإذا بهم يعترضون!
الاعتراض لم يكن جرأة على الله، إنما خوفاً من أن يكونوا قد أغضبوا الله وقصّروا في حقه وفي تسبيحهِ
وهم ليل نهار ما انفكوا عن تقديس اسمه، وابتغاء معرفة الحكمة من خلق البشر.
(كيف تخلقُ غيرنا، ونحنُ دائبون على التسبيح باسمك وحمدك؟ هؤلاء الخلق الذين ستخلقهم على الأرض
سيتسابقون على منافعها، يلتهون عن ذكرك ويسفكون الدماء مزهقين الأرواح البريئة! كيف ذلك ونحنُ موجودن!)
وكأن الملائكة أرادت أن تكون بدلاً عن البشر تسكنُ الأرض وتزيد تسبيحاً وولاءً لربِ العالمين.
كيف استنتج الملائكة بأن البشر قد يسفكون الدماء أيضاً في الأرض؟
قيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن، قالهُ قتادة، وقال عبد الله بن عمر:
كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور.
[خـليـفـةُ الـلـــه ؟ ]
يرددُ الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلامٌ باطل وفيه كفر
لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي.
ثم إن هناك أمر آخر، يُقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه.
وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء.
على ردة الفعل القلقة هذه، أجابهم الله بما يُثلجُ صدورهم ويطمئنهم: { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
سأخلقُ ما أشاء وسترون بأنفسكم ما خفي عنكم. فإذا خلقتهُ، ونفختُ فيه من روحي، قعوا له ساجدين:
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29
[كيفية خلق آدم عليه السلام]
خُلق آدم -عليه السلام- من تراب كان بقبضةِ يد الله جمعها من كل الأرض مختلطة،
لذلك نرى البشر متفاوتين بألوان البشرة والملامح سبحان الله. ثم مُزج التراب مع الماء حتى أصبح طيناً
تُرك ليجف حتى أصبح كالصلصال بحيث إذا قرعته تسمع له صوتاً،
وأخيراً نفخ فيه من روحهِ فسرت فيه نسمةُ الحياة، وصار بشراً سوياً.
في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال:
" خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء
وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة
من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق."
[السجودُ له]
بعد خلق آدم، أمرَ الله الملائكة أن يسجدوا له، فاستجابوا وخضعوا لربهم،
مقبلين على آدم معفّرين جباههم لهُ ساجدين، إلاّ إبليس خالفَ أمر الله وعصاه معتبراً نفسه أرقى وأخير من خِلقة آدم
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12.
إبليس يرى بأن النار أشرف من الطين، في حين أن النار طيش، خفّة وسرعة احتراق، والطينُ رزانة، حلم ونمو.
إبليس جاهرَ بالعصيان، وصرّح بالمخالفة بكل استكبار، واستنكف عن أن يسجد لمن خلقهُ الله بيده،
فصار من الكافرين، وجازاهُ الله على عصيانهِ، وعاقبهُ على مخالفته:
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ }الحجر35.
غضب إبليس، فكانت هذه أول انطلاقة العداوة بينه وبين آدم وبنيه. طلبَ من الله أن يُنظره
أي يُمهله إلى يوم الدين (يطيل بعمره). فرد عليه سبحانه وتعالى: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} ص81
تحققت رغبة إبليس في أن يمهله الله، ولكنه لم يشكره على فضله، بل قابل نعمته
بالكفران والجحود وتوعّد إغواء آدم وبنيه: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }الأعراف16
سأترصّدُ لهم لغوايتهم واجتهدُ في إضلالهم.
{ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف17
طردَ اللهُ إبليس من رحمتهِ، قائلاً له: امضِ لسبيلك الذي اخترته، وسِر في طريق الشر الذي أردته
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ
فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }الإسراء64
[إبليس الشيطانُ الرجيم]
إبليس لم يكن من الملائكة أبداً، فهم مخلوقون من نور، وهو مخلوقُ من النار كالجن.
كان ممن أفسد في الأرض، فنفتهم الملائكة إلى جزائر البحور، وأُخذ هو من الأسرى للسماء.
قيل بأن اسمه: عزازيل، وفي رواية: أبو كردوس. كان من أشرف الجن علماً وعبادة، ومن أولي الأجنحةِ الأربعة،
إلاّ أن الله مسخهُ شيطاناً رجيماً حين عصاهُ واستكبر عن السجودِ لآدم عليه السلام.
من بعد العصيان والطرد من رحمةِ الله، أُمر بالهبوط للأرض، مما يدل على أنهُ كان في السماء.
هبط للأرضِ مذموماً مدحوراً يملئهُ الحقدُ والكراهية لبني آدم. هبوطه كان لحكمة أرادها الله ليختبر من عبادهِ التقي والشقيّ.
[عِلمُ آدم يفوقُ عِلم الملائكة]
بعد أن سجد الملائكةُ لآدم واقرّوا بمكانهِ، أرادوا أن يتعرّفوا على مدى عِلمه، وهل فُضّل عليهم أيضاً بهذا؟
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة31
علّم اللهُ آدمَ أسماء الكائنات كلها، وأفاض عليه من علمهِ ونورهِ الكثير، ثم عرض هذه الكائنات على الملائكة،
وطلب منهم أن يخبرهم بأسمائها. الهدف من هذا الطلب هو إثبات قصورهم، وإدراكهم أن حكمة الله
اقتضت أن يكون آدم أولى بمعرفةِ خلائقه. جاء اعترافُ الملائكة وعدم وجودهم سبيلاً للمعرفة، مقرّين بعجزهم وقصور علمهم:
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }البقرة32
تنزيهاً لك عن الاعتراضِ إليك، لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إياه، إنك أنت الوحيد العليم بشئون خلقك، الحكيم في تدبيرك.
وبما أن آدم الآن هو من اغترف من فيضِ عِلم الله، طلب منه الله أن يُخبر الملائكة عن أسماء هذه الكائنات
التي عُرضت لهم ليبيّن الحكمة من استخلافه الأرض، فأنبئهم بأسماء كل شيء: الشجر، الطير .. الخ.
[السكنُ في الجنـّة]
بعد أن طُرد إبليس، أُدخل آدمُ الجنّة من فضله، إن أطاع الله سيكافئ بالإحسان ويخلد فيها،
وإن عصاه سيخرج منها. سكنَ آدم الجنة وصار يتمتعُ بما فيها من كل ما تشتهيه الأنفس.
لكنه وحيد بلا أنيس، فنام نومةً استيقظ بعدها ليجد امرأة بجواره خلقها الله من ضلعه،
فسألها: مَن أنت؟ قالت: امرأة. قال: لوم خُلقتِ؟ قالت: لتسكن إلي.
فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما سامها يا آدم؟ قال: حواء،
قالوا. ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.
{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }الأعراف19
أباح الله لآدم وزوجتهِ حواء أن يأكلا ما يحلو لهما رغداً من طعام الجنة وثمارها،
ونهاهما أن يقربا شجرةً من بين أشجارها الكثيرة. وليزيل كل شك في أي الشجر هو مقصود،
أشارَ الله إليها ليبدد أي ظنون والتباس وريب قد يتسرّب إلى نفسيهما،
ووعدهما أن يمدهما بالمزيد من النِعم أن هما اجتنبا هذه الشجرة.
منظرُ آدم المطيع لله هو زوجه، واستمتاعهما بنعيم الجنّة، حزّ في نفس إبليس وعزّ عليه
أن ينعما بدلاً منه في حين أنه مطرود من رحمة الله مُبعد عن الجنة. على ذلك عزم على أن يسلبهما
السعادة والنعيم ليثأر لنفسه، وبدأ في الوسوسة لهما بكل الطرق فلم يترك باباً إلا طرقه،
ولا سبيلاً إلا ولجه إلى أن وصل لقوله:
{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }الأعراف20
المفضلات