السواك .. و الصيام

الدكتورحسان شمسي باشا

في الوقت الذي كان المسلمون يستعملون السواك في تنظيف الأسنان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كان الغربيون – كما يقول الأستاذ الدكتور شوكت الشطي – أقل تذوقا للنظافة من الشعوب المتوحشة . فقد كانوا يتمضمضون بالبول لوقاية أسنانهم كما كان شائعا عند نبيلات الرومان . وكانوا يفضلون البول الآتي من أسبانيا !، فإذا لم يتيسر استعاضوا عنه ببول الثيران !!. وقد كان ذلك شائعا حتى القرن السادس عشر .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه أحمد والنسائي وابن ماجة :
" السواك مطهرة للفم مرضاة للرب "

وفي مسند الإمام أحمد عن التميمي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السواك ، فقال : مازال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينـزل عليه فيه وحي" .
والسواك – لغة – يطلق على الفعل وعلى العود الذي يستاك به ، وفي الشرع استعمال عود أو نحوه في الأسنان وما حولها ليذهب الصفرة وغيرها عنها .
واتفق العلماء على أنه سنة لحث الشارع ومواظبته عليه وترغيبه فيه .
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " رواه الشيخان وفي صحيح مسلم عن شريح بن هانئ قال : سألت عائشة قلت : بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك "
و تعالوا نرى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي ليله :
يقول ابن عباس في حديث صحيح أخرجه أبو داود : بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ من منامه أتى طهوره ، فأخذ سواكه فاستاك ثم توضأ ، فأتى مصلاه ، فركع ركعتين ثم رجع إلى فراشه فنام ما شاء الله ثم استيقظ ففعل مثل ذلك ، ثم رجع إلى فراشه فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك ، كل ذلك يستاك ويصلى ركعتين ، ثم أوتر " .
ويقال أنه في موقعة الفسطاط التي أدت إلى فتح مصر ، رأى الكفار المسلمين وهم يستاكون ، فظنوا أن المسلمين يشحذون أسنانهم لأكلهم ، ولكن الحقيقة أن المسلمين كانوا يستاكون لينالوا مرضاة ربهم ، ويهبهم النصر .
وإن أحسن أنواع المساويك تلك التي تتخذ من شجر الأراك . فقد كان سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شجرة الأراك . وتنمو هذه الشجرة في المملكة العربية السعودية وفي طور سيناء والسودان وباكستان وإيران وغيرها .
ويروي عبد القاضي الخولاني في تاريخ داريا عن أنس رضي الله عنه قال :
" عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك ، يذهب بالحفر ، ينزع البلغم ، ويجلو البصر ، ويشد اللثة ، ويذهب بالبخر ، ويصلح المعدة ، ويزيد في درجات الجنة ، وتحمده الملائكة ، ويرضي الرب ، ويسخط الشيطان " .
قال القشيري : " عليكم بالسواك فإن في السواك أربعا وعشرين خصلة أفضلها أنه يرضي الرحمن ، يطيب النكهة ، ويشد اللثة ، ويسكن الصداع ، ويذهب وجع الضرس وتصاحبه الملائكة " .
ويعدد أحد الشعراء فوائد السواك ، فيقول :
إن السواك يستحب لسنة ولأنه مـما يطيب له الفم
لم تخش من حفر إذا أدمنته وبه يسال من اللهاة البلغم
وقد ذكر الشاعر من فوائد السواك أربعا : فهو سنة ثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو يطيب نكهة الفم ، ويحسن صحته ، ويقي من داء الحفر ( وهو التهاب ما حول السن ) وينزع البلغم

السواك في رمضان :
و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك مرارا في نهار رمضان ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عامر بن ربيعة قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم"
ويرى الشافعية والحنابلة أن السواك بعد الزوال غير مستحب ، بل قال بعضهم بكراهته لأنه يزيل خلوف الصائم الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك .
وهذا القول بالكراهة هو المشهور من مذهب الشافعية . وقد رد كثير من العلماء على القائلين بالكراهة ، وأن السواك مندوب للصائم في أول النهار وآخره .
قال أبو بكر بن العربي : قال علماؤنا : السواك لا يزيل الخلوف والسواك مطهرة للفم ، فلا يكره للصائم كالمضمضة ، وإنما مدح النبي صلى الله عليه وسلم الخلوف نهيا للناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيا للصوام عن السواك " .
وقد أوضح ذلك ابن القيم في كتابه " الطب النبوي " فقال :
( ويستحب السواك كل وقت ، ويتأكد : عند الصلاة ، والوضوء ، والانتباه من النوم ، وتغير رائحة الفم . ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث الواردة فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله .
وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا ، واستحبابا ، والمضمضة أبلغ من السواك. وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به . وإنما ذكر " طيب الخلوف عند الله يوم القيامة " حثا على الصوم لا حثا على إبقاء الراحة. بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر .
( وأيضا ) : فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .
( وأيضا ) : فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .
( وأيضا ) : فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف – الذي يزيله – عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك ، علامة على صيامه ولو أزاله بالسواك . كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك. وهو مأمور بإزالته في الدنيا .
( وأيضا ) : فإن الخلوف لا يزول بالسواك . فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة عن الطعام. وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .
( وأيضا ) : فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم . ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به . ولم يقل لهم يوما من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال . وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع . والله أعلم ) اهـ
والخلاصة أن جمهور العلماء يقول باستحباب السواك للصائم أول النهار و آخره، و أن المشهور من قول الشافعية و الحنابلة عدم استحبابه بعد الزوال حتى لا تتغير الرائحة التي هي أطيب عند الله من ريح المسك.

منقوووول


ولى موضوع آخر عن "السواك في الطب الحديث"