جيمس بوند . .
في خريف عام 2003، اوردت صحيفة (الغارديان) خبراعن وفاة بطل حرب بريطاني يحمل رتبة لفتنانت كوماندر بحري يدعى(باتريك دالزيل) عن عمر ناهز 90 عاما، وقالت الصحيفة انه ملهم شخصية العميل السري جيمس بوند التي نسجها الكاتب الانكليزي ايان فليمنج (1908 ـ 1964)، وانه قام بعمليات استطلاع جريئة خلف خطوط العدو اثناء الحرب العالمية الثانية تحت قيادة ايان فليمنج نفسه، الذي خدم في مخابرات البحرية البريطانية، والذي ذاع صيته لجراته وحماسته في الاعداد والتجهيز للكثير من العمليات، اهمها انشاؤه فرقة الكوماندو(30)، التي نجحت في عملتي (محطة الرادار والارشيف البحري). وقيادته عملية(نارفيك) 1940، التي خالف فيها الأوامر لانقاذ جميع النساء والأطفال وكبار السن من بلدة نارفيك النرويجية في زوارق محلية قبيل ان تدمر البلدة بقصف الماني. ولكن فليمنج يترك العمل في المخابرات بعد نهاية الحرب واستسلام المانيا، وينصرف بوحي من افكار الجاسوسية والشفيرات في نسج شخصية العميل السري جيمس بوند، الذي يعتبر مزيجا من اقوى رجال المخابرات البريطانية الذين عاصرهم فليمنج أو قرأ عنهم في الملفات السرية لجهاز(M16) مكتب العمليات الخارجية البريطاني. وبوند الذي رسم فليمنج شخصيته بدقة يبلغ طولها 183 سم، ووزنها 76 كجم، بعلامات خاصة مثل ندبة علي كتفه الأيمن، وآثار جراحة تجميل في اليد اليمني، ومعني الصفرين اللذين يسبقان رقمه السري الشهير (007) أنه مسموح له بالقتل، وهو يجيد عدة لغات، ويعمل في المخابرات البريطانية من أجل جلالة الملكة، وهو خبير في إطلاق الرصاص، وملاكم ورامي سكاكين، وأهم عيوبه عشقه للخمر والنساء.
في عام 1952 أصدر فلمينج روايته الأولى (الكازينز الملكي)، ولم تلق نجاحا يذكر، ولكن هذا لم يثبط عزيمة فلمينج الذي أصدر روايته الثانية في نفس العام وكانت بعنوان (ماسات للأبد) وحدث معها نفس ما حدث لسابقتها، ولكن روايته الثالثة (دكتور نو)، لاقت نجاحا كبيرا من جميع الاوساط البريطانية، التي لم تعتد على مثل هذا النمط من ( الادب البوليسي).وطوال 12 عاما من تأريخ ظهور اول رواية له حتى مماته عام 1964 بصورة مفاجئة، عمل فليمنج بجد ومثابرة، وكان يهرب كل شتاء من برد بريطانيا الى جامايكا التي كتب فيها معظم رواياته. ومن الطبيعي ان تنتبه السينما والمنتجون الى رواياته، وقام المنتج (ألبرت بروكلي) بعقد صفقة مع فليمنج لتحويل الرواية التي شهرت بوند ( دكتور نو) إلى فيلم سينمائي اخرجه هاري سلتزمان، وتم اختيار الممثل المغمور في ذلك الوقت (شون كونري) لأداء الدور. وفي صيف عام 1962 عرض الفيلم، الذي حقق نجاحا كبيرا، محققا في اسبوعه الاول 45 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت، الامر الذي دفع المنتج بروكلي الى الاسراع بانتاج الفيلم الثاني (من روسيا مع حبي) عام 1963، وكان افضل من الفيلم الاول من نواحي عديدة، وبعد عام انتج الفيلم الرابع (الإصبع الذهبي)، لكن مع نهاية ذلك العام وأثناء الإعداد للفيلم الرابع (كرة الرعد)، مات فليمنج بذبحة قلبية ألمت به في عز نشوته بالشهرة والمجد الذي أعطاهما إياه بوند الذي لم يتوقف بوفاة مؤلفه بل أستمر حتى عام 1968 في فيلم ( أنت تعيش فقط مرتين)، عندما قرر كونري اعتزال الدور والبحث في أمريكا عن الفرص الذهبية بعد أن صدحت شهرته في هوليود. احتار بروكلي فيمن سيسند له الدور بعد النجاحات العظيمة لبوند مع كونري، وبمشورة من شريكه هاري سوزلند يسند الدور لممثل إنجليزي (من الصف الثاني) هو (جورج ليزبي) الذي كان يشبه في بعض ملامحه كونري، والذي ادى دور بوند في النسخة السادسة عام 1969 تحت عنوان (من أجل الخدمة السرية لجلالة الملكة)، ولم يكن اداء ليزبي مقنعا، وكان راي الجمهور ببساطة (انه اسؤ من قدم الدور حتى الان).الامر الذي دعا المنتج بروكلي الى تكثيف جهوده مع الممثل الكبير شين كونري ليقنعه بالعودة لبوند في عام 1971 في الفيلم السابع من هذه السلسة بعنوان ( ماسات للأبد)، الذي حقق نجاحا كبيرا، ولكن شين كونري اعلن ثانية قراره اعتزال تمثل دور بوند الى الابد.لتعود مشكلة البديل أمام بروكلي ثانية، الذي بحث عن البديل بنفسه وسط ممثلي التلفزيون ليجد ضالته في الممثل الإنجليزي بطل حلقات (القديس)، الممثل (روجر مور)، في عام 1973 صدر فيلم ( عش ودعهم يموتون) الثامن في السلسلة ليحصد نجاحات مذهلة لم يتوقعها النقاد، وطبعا لم يفوت بروكلي الفرصة أبداً ليصدر في نهاية عام 1974 فيلم (الرجل ذو المسدس الذهبي) لمور، كان مور ذا برود خاص وجاذبية رهيبة من حيث الصلابة والهدوء الطبيعي الذي لم يكن يتكلفه في أدائه لشخصية بوند مما ساعده على إقناع الجماهير بأنه أفضل من كونري نفسه في أداء الشخصية.وتوالت نجاحات مور مع بوند في سبعة أفلام، رأى النقاد انها من أروع أفلام بوند على الإطلاق هي على التوالي: (الجاسوس الذي يحبني1977)، و( سارق القمر 1979)، و(من أجل عينيك فقط 1981)، وفيلم (الإخطبوط 1983)، مع ملاحظة أن بعض المنتجين قد أقنعوا كونري بالعودة لبوند في نفس هذا العام 1983 في فيلم (لا تقل أبدا مرة أخرى)، الذي بدا فيه كونري عجوزا ثقيلا مما كاد أن يهدم تاريخه كله بسبب هذه الخطوة غير محسوبة العواقب، مع التأكيد على أن هذه الخطوة رفعت بالمقابل أسهم روجر مور في وجه تاريخ كونري. وتتكرر المشكلة مع روجر مورالذي قرر عام 1985 وبعد فيلم (مشهد للقتل)، الذي علل بقوله : (لقد تقدمت في السن وحان الوقت أن أترك المجال لشباب السينما بعد أن أديت دوري على أكمل وجه)، وعلى عكس كونري كان قرار مور نهائيا لا جدال فيه، مما دفع بروكلي لإعادة البحث مجددا عن البديل،وفي أواخر عام سنة 1986 عثر بروكلي على ضالته في شاب أيرلندي يدعى ( بيرس بروسنان) عرض عليه الدور فقبل به دون تردد ، وتم الإعداد لفيلم بوند مع بيرس، ولكن المنتجين الذين كان يعمل معهم الشاب في سلسلة (رومنتن ستيل) التلفزيونية رفضوا أن يتركهم بروسنان وألزموه بالعقد الذي بينهم مما جعل الدور يذهب لممثل إنجليزي آخر يدعى (تيموثي دالتون)، الذي قدم في عام 1987 فيلم (ضوء النهار الساطع) الذي كان ممتازا جدا، وفي العام 1989 قدم نفس الممثل (دالتون ) فيلمه الثاني والأخير (تصريح بالقتل)، والذي قرر بعده أن يعتزل الدور، مبررا انه بذل جهدا مضاعفا في هذبن الفيلمين.
واختفت افلام بوند اربعة اعوام (1989 ـ 1994)، ففي ذلك العام تمكن بروكلي من إقناع بروسنان بالقيام بدور جيمس بوند، وفي خريف عام 1995، ظهر الفيلم الثامن عشر من سلسلة بوند بعنوان (العين الذهبية)، الذي حقق من الإيرادات ما فاق أفلام بوند السابقة مجتمعةً، وابتدأ به الممثل بروسنان حياته المهنية، ويموت بروكلي منتج افلام بوند عام 1996، ولكن زوجته باربرا تصر على إكمال مسيرة زوجها مع بوند لتنتج في عام 1997 فيلم (غدا لا يموت أبدا) من بطولة بروسنان، وبقي النجاح نصيب بوند حتى ايلول عام 1999 عندما صدر فيلم (العالم لا يكفي)، و(متٌ في يوم آخر) في 2002، ليقرر بعدها بروسنان ما اقدم عليه كونري ودالتون ومور، اعتزاله دور بوند، ولنفس السبب وهو تقدم العمر، وقالأريد أن أكون حرا وأتمتع بالهدوء بعد هذا المشوار الطويل مع أفلام بوند، يمكنني أن أفعل ما أشاء الآن! فأنا لم أعد سجينا لهم أو للدور، ولم أعد امثل صورة معينة لا يمكنني الخروج عنها). ولكن مجلة فنية متخصصة قالت أن عمر بروسنان لم يعد ملائما لاداء دور بوند، وان خدماته انهيت بمكالمة هاتفية واحدة من المنتجين، بعد ان كان يمني نفسه بأربعين مليون دولار لاداء فيلمين من افلام بوند الجديدة.
وآخر من سيقوم بأداء شخصية جيمس بوند في الفيلم الذي يحمل الرقم (21) من هذه السلسلة هو الممثل البريطاني (دانيال كريغ)، بعد ان وقع اختيار شركة (مترو غولدن ماير) عليه، ليلعب دور البطولة في فيلم( الكازينو الملكي)، وهي اول روايات جيمس بوند التي كتبها ايان فليمنج، ويقوم المخرج مارتن كامبل باخراج هذا الفيلم الذي تصور معظم مشاهده في العاصمة التشيكية براغ. وقال الممثل دانيال كريغ (37 عاما) والذي يحمل الرقم 6 ضمن قائمة الممثلين الذين لعبوا دور جيمس بوند على الشاشاة الفضية "انه تحد كبير. الحياة هي التحدي، وهذا تحد كبير لي كممثل." واضاف (حصلت على سيناريو مدهش للفيلم، وفور ما قرأته شعرت انه ليس عندي خيار اخر)، واعترف كريج ان قبوله لعب بطولة احدث افلام جيمس بوند يعد مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه، ولكنه قال في الوقت ذاته انه "سيقدم على العمل. وقد لعب كريج دورا في فيلم (الطريق الى جهنم) الى جوار النجم توم هانكس عام 2002. كما شارك ايضا في فيلم المخرج الكبير ستيفين سبيلبرج الاخير (ميونيخ) .
جميع الحقوق محفوظة لدى و مكسات ©
اضافة رد مع اقتباس
المفضلات