قلبي امانة في رقبتك!
( كتبتها ونشرتها أول مرة في إحدى المجموعات يوم ١٧ ديسمبر ٢٠٢٠)
______________________


حدثتني إحداهن:
- لقد تعبت حقا، لم أعد أحتمل أكثر.. من الآن فصاعدا اعتبري نفسك أختي الكبيرة، وقلبي أمانة في رقبتك!!
كاد الدم أن يتجمد في عروقي من هول جملتها الأخيرة:
-لحظة لحظة.. يمكنك اعتباري أختك الكبرى بكل سرور، فأنا معتادة على هذا الدور، ولكن.. ما حكاية أن قلبك أمانة في رقبتي!!!!
- كما سمعتيها مني.. اكررها عليك بكل وضوح، قلبي أمانة في رقبتك..
- اسمعيني يا عزيزتي، أنا بالكاد أتحمل مسؤولية قلبي، فلا تزيدي علي العبء بقلب آخر!! يكفيني ما انا فيه!!
- لا دخل لي.. انت صديقتي وعليك ان تدفعي ضريبة الصداقة! ما زلت مصرة.. قلبي أمانة في رقبتك.. سأكررها إلى ما لانهاية.. قلبي أمانة في رقبتك.. قلبي أمانة في رقبتك...!!!
- حسنا حسنا فهمت.. رغم أنني لا أعرف كيف سأفعل هذا ولكن أمري لله..
- جيد فأنا تعبت فعلا من قلبي، ومن الآن فصاعدا سيكون أمانة في رقبتك، لذا تصرفي معه بالطريقة التي ترينها مناسبة، فهو لا يريد أن يتعلم إطلاقا!!
شعرتُ لوهلة أن حبلا ثقيلا يلتف حول رقبتي كلما تذكرتُ تكراراها لتلك الأمانة!! يبدو أن الأمر أخطر مما توقعت هذه المرة، فقلت لها:
- ولكن ماذا حدث بالضبط؟
- أعرف أنك قد تلومينني، ولكن لا اريد سماع أي توبيخ الآن!! فقلبي مكسور بمعنى الكلمة!! كنت في مرحلة ضعف.. قلبي لم يكن بيدي!
- لا تقلقي.. جميعنا نمر بمراحل ضعف، وقد لا نتصرف بحكمة ثم ندفع الثمن غاليا! ولكن المهم أن..
- لا تقولي أن نتعلم.. فقلبي لا يريد أن يتعلم إطلاقا!! هذه ليست أول مرة ولا الثانية ولا حتى العاشرة!!! لقد تعبت حقا!!
- حسنا.. المهم أن نتجاوز الأزمة! ابدئي من جديد وكأن شيئا لم يكن!!
- لا استطيع.. أشعر أنني حمقاء غبيـ....
- لا تقولي هذا عن نفسك!! مهما كان الأمر يمكنك تجاوزه بإذن الله!
- ما اجمل هذا الكلام النظري الخيالي!! ارجوك يكفي تنظيرا!! انت لا تشعرين معي كما يجب!!!
- لا.. لا تقولي هذا! إنني أشعر معك أكثر مما تتخيلين، لدرجة البكاء بحرقة ايضا!!
- حسنا صدقتك.. المهم ما هو الحل؟
- صلي على النبي مليون مرة!
- هل تمزحين معي!! هذا كثير!!
- حسنا مائة الف مرة!!
- ممم ايضا كثير!
- آخر عرض عندي.. الف مرة!
- حسنا.. سأحاول!
*********
كان وقت المحادثة ليلا، والعجيب أنه تزامن مع "قلق" كنت أشعر به!! وكأن الله أرسل هذه الفتاة لتحادثني.. كي أذكر نفسي بالحل أيضا!!
كثرة الصلاة على النبي تفعل الأعاجيب!! يكفي أنك ستكفى همك ويغفر ذنبك بإذن الله، كما ورد عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم!!
الجميل في الأمر أن هذه الفتاة صبّحتني في اليوم التالي بخبر جميل، له علاقة بالأمر الذي كان قد حطمها في الليلة السابقة..
ذكرتها:
- اسمعي يا فتاة.. انت الآن استعدت قوتك والحمد لله، فلا تتركي لنفسك العنان وتستدعي ضعفك مجددا!!
_____
هناك الكثير من القصص التي تحطم القلب بالفعل..
* فتاة كانت تترقب عودة صديقتها المقربة من السفر بفارغ الصبر، وقد أحضرت لها طقم ذهب لشدة معزتها عندها.. اكتشفت بعد فترة أن تلك الصديقة رجعت من السفر منذ اسبوع ثم سافرت مرة أخرى دون أن تخبرها، مما جعلها تكتشف حقيقة أخرى.. صديقتها تلك لا تعبرها أكثر من زميلة عادية!!!
__
* شابة مرت بظروف نفسية عصيبة جدا، في تلك الفترة ساعدها أحد زملاء العمل على تجاوز محنتها، ونشأت بينهم علاقة مقربة وكانوا على وشك إعلان الخطوبة، وكنوع من الامتنان والمعزة الفائقة أحضرت تلك الشابة هدية لهذا الزميل الذي سيصبح خطيبها قريبا؛ هدية مميزة جدا، كتبت عليها:
"أنت أعز عندي من أن ينتهي أثرك"
اتصلت به لترى أين هو حتى تسلمه الهدية، فأعطاها (مشغول) فاصلا الخ، قالت لنفسها لا شك أن لديك بعض الاوراق لاتمامها وسيحدثني فور أن ينتهي..
ثم خطر ببالها أن تذهب لمكتبه لكي تخبئ الهدية فيه وتفاجئه، فوجدته هناك يمازح إحدى الزميلات ويضحك معها، في مشهد غير جيد!!!!
اعتذرت على المقاطعة وخرجت..
____
شاب وضع ثقته الكاملة في صاحب العمل الذي كان يمدحه ويثني عليه باستمرار، حتى أنه شعر وكأن العمل هو منزله الثاني، مما جعله يتفاني فيه بكل اخلاص وحب، ولكنه يتفاجأ في آخر الشهر أن مرتبه ناقص لأنه لم يكن قد وقع على العقد بطريقة رسمية؛ فتم خداعه!
__
مؤلف تعب في كتابة روايته حتى شعر بأنها تحفة العصر، وعندما عرضها على أحدهم أخبره بأن لديه دار نشر وسيقوم بنشرها على حسابه لشدة روعتها، مما جعل المؤلف لا يصدق نفسه من شدة السعادة، وهو يمني نفسه بصفقة العمر!! غير أنه اكتشف بعد ذلك أن هذا الشخص مجرد مخادع يقوم باستغلاله!!
__
ممممم ماذا لدينا من القصص أيضا!!
مانجاكا كان يدعم الجميع ويشجعهم، ولا يترك فرصة لتقديم العون للآخرين إلا قدمه، وعندما نشر عمله الأول تجاهله الجميع!
__
حسنا.. كما تلاحظون، خيبات الأمل كثيرة ومتنوعة في هذه الحياة، واحيانا قد تكون من القوة بحيث تنجح في تحطيم الانسان إلى اشلاء، او تحويله لشيء آخر تماما!!
هل هذا يعني اننا طيبون اكثر مما ينبغي، ولأننا كذلك يتم خداعنا؟؟ وهذا يعني أن علينا أن نصبح اشرارا ونرد الصاع صاعين؟؟
هل هذا يعني أن لا نثق بأحد؟؟ أن لا نصدق أحد ونشك في كل شيء حولنا؟
باختصار.. ما هو الحل الأمثل حتى لا نتحطم ونحفظ قلوبنا في مكان أمين؟
__
ربما قلت هذا سابقا بأكثر من طريقة..
لا تعلق قلبك بشيء ولا بأحد، ليس لأنهم أشرار.. ولكن لأنهم بشر وقدراتهم محدودة!!
ليس بالضرورة أن يكون من خذلك شريرا او سيئا، ربما أنت فقط من تعلقت بهم أكثر مما ينبغي حتى تخيلتهم سوبر مان الذي سينقذك من كل المصائب والأهوال!!
إذا كنت لا تستطيع تقديم الخير والدعم للآخرين، بدون توقع أدنى مقابل؛ فمن الأفضل أن لا تحمل نفسك ما لا تطيق.. لأنك ستصدم عاجلا أم آجلا!!
بالمقابل..
تأكد تماما أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا!!
إياك أن تخسر طيبتك لأي سبب!!! فلم ولن تكون الطيبة الحقيقية سببا في حصول المشاكل لك، وشتان بين الغفلة والطيبة!!
الطيب انسان واثق بنفسه، يفعل الخير ويمضي في طريقه، واثقا من أن الله معه ولن يخذله أبدا!!
وإن حدث وتعثر قليلا أو تعلق بأحد أو شيء ما؛ فهو سرعان ما يراجع نفسه وحساباته، ولا يلقي اللوم على الآخرين بل ينطلق من جديد..
هناك أشرار بلا شك.. ولكن حتى هؤلاء يمكنك أن تتجنب أذاهم بطيبتك الحقيقية (وليست الساذجة وهناك فرق!)
(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)
***
الخلاصة:
اكتشفت أن أفضل رباط وثيق يحفظ العلاقات البشرية من خيبات الأمل والصدمات، والانقلابات العاطفية؛ هو: التقوى!!
(الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
___
لذلك.. لنحاول جميعا أن لا نعلق قلوبنا إلا بالله، ونكثر من ترديد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم:
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
ويا مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك
***
ونسأل الله السلامة والعفو والعافية 😊
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم