مشاهدة النتائج 1 الى 6 من 6

المواضيع: شَخْصٌ يَكتُب .

  1. #1

    شَخْصٌ مَا يَكتُب

    حَاوَل إطلَاق العنان لِمُخيّلته، أمسَك بِقلمه واستندَ بِكف يدهِ الأبيض على ورقة بيضَاء لم تُخط بَعد،
    مكتبٌ خشبِي ومِصباح خافِت هادئٌ كصَاحِبه يبعثُ نُورًا دافِئَا يحتوي شيئا طفيفا للغاية من الصُّفرة ، ينظُر للورقة بجِدية بالغة كما لو أن حياته تعتمدُ بأكملها على ما سيُقدم عليه ..
    "الكِتابة" لطالما كانت موهِبتهُ التي أحبّها منذ صِغره، وموهبتهُ الوحيدة التي شعر بحق أنه ينتمي إليها رغم تخلّيه عدة مرات عنها،
    بدَأ بالكلمة الأولى؛ يخطها بخط غير متسّق بعض الشيء لكنه ولسبب ما بثّ فيه شعورا حانِيًا. لا يتذكر متى كانت آخر مرة كتَب فيها شيئا بِصدق وبرغبة حقيقية في الكِتابة؛ وربما ما كان لِيفعل ما لم يُواجه ما واجهه منذ فترة،
    يُقال أن الفنّ مَهرب وأن أولئك الفّنانين بِمختلف أشكال فنونهم يجدون فيه ملاذا لهم من أحداث الحياة الثقيلة؛ كانت هكذا بالنسبة له أيضا إلا أنه كان يهابُها ؛ في الواقع كان يهابُ كلّ ما يتعلق بما يُحب ويكره ، وبالنّسبة للكتابة فربما كان خوفه منها نابعا من اعتقاده أنه لا يمتلك ما يكفي لمواكبتها ،
    مواكبة ماذا ؟ لا أحد يعلم على وجهِ اليقين ؛
    لكنه الخوف الطبيعي الذي قد يصاحب أيا يكُن حينما يشرع في فعل شيء ما ؛
    الخوف من الفَشل والرفض ، الخوف من ألّا تكون موهبته كافية وجديرة بالإعجاب من قِبل الآخرين ، وأولاً مِن قِبل نفِسه .

    شَجرة ثابِتة تمتدُّ جُذورها إلى حيث لا يصِل الصّقيع
    ظلّ ينظُر إلى جملتِه الصّغيرة مقطبا حاجِبيه لبضع ثوانٍ ، ثُم ابتسامة خفيفة لاحَت كشبحٍ صغير على شفتِيه ، اِبتسامة حَسرة مُزجت بشيء طفيف للغاية لا يكاد يُذكر من الرّضا ؛ دام على حالِه هكذا لِدقيقة تتبعُها دقيقة ، وعقربُ الدقائق في مُنبهه الأصفَر الموضوع أمامه على مكتبه بمحاذاة جانبه الأيمن يُخبره بأن الدّقائق تمُر كما تمُر الأفكار في رأسِه ، إلا أن الفارق كان عدم قُدرته على التِقاط شيء منها أو حِساب عددها ، ألقى القلم بشيء من الإهمال و عاد بظهره إلى الوراء لِيستند إلى جذع كُرسيه الخشبي عاقِدا ذراعيه على صدره وقد ازدادّت تعقيدة حاجِبيه "أهذا كل ما يُمكنني كِتابته ؟"
    كان دائماً هكذا يشرع في الكتابة بدون خطة واضحة المعالِم عمّا سيكتُب ، لكنه في النهاية كان يُتم الأّمر ويُنهي ما يفعل بطريقة تُرضيه ؛
    إلا أن شيئا ما كان مُختلف هذه المرّة ، رُبما حقيقة أن خوفَه قد تفاقم لأنه لم يكتُب منذ فَترة طويلة بالإضافة إلى ثقته بنفسه التي باتت كحِفنة رملٍ صغيرة تحملها الرياح أينما ذهبت بلا حول ولا قوة ، ضعيفة ولا سُلطة لَها .

    عَينيه البُندقيتين كانتا تُركزان على الورقة التي أمامه ، إلا أن تعقيدة حاجبيه الداكنين بدأتا بالانفراج قليلا وابتسامة المتحسرة تضاءلت عندما رأى كائنا صغيرا لا يتجاوز حجمه حجم عقلة إصبعه يظهر من الظلمة التي لا يقع عليها الضوء ويتحرك على ورقته بروية ،
    خنفساء صغيرة حمراء اللون مرقطة هنا وهناك بالأسود تسير ببطء كما لو أنها تدعو سِرا ألّا يراها أحدهم دون أن تدرك أنها على مرآه بالفِعل ، ابتسم بعفوية ورفع إحدى حاجبيه بخفة مُتعجبا منها مدققا فيها وفي حركتها يتبعه شعوره بالدهشة عندما رأى ثلاثة أُخريات أصغر حجما بدأنَ يظهرن من خلفِها ،
    ينتقلن من المنطقة المظلمة على مكتبه إلى المنطقة المضيئة بفعل المصباح على الورقة ، "من أين أتَوا!" ذلك ما تساءله سِرا وهو يمسك بمصباحه ويعدله إلى يمين مكتبه محاولا استشفاف مصدرهم ؛ إلا أنه لم يجِد شيئا ، لذا ومجددا قام بتوجيهه إليهم حيث كانوا يكملون المسير إلى يسار مكتبه وقد انتهوا بالفعل من المرور على الورقة ، ظل ينير لهم الطريق ويتبعهم بمصباحِه ضاحكا على نفسه مما يَفعل ، لا بد أنه يشعر برغبة في الهَرب لدرجة أن الفضول بدأ يساوره لمعرفة إلى أين ستذهب خَنافِس في الساعة الثانية عشر ليلا هكذا ، كانت قد بدأت تتجه باتجاه الأرض وهي تسير بحذر على قواعد المكتب وصولا لها ثم باتجاه بَاب خشبي ليس بالقريب ولا بالبعيد كما لو أنها تنوي المغادرة لتزداد حِيرته "لِم صعدَت إلى مكتبي إذن ولم تسر من الأسفل فحسب؟" اتكَأ بكتفه الأيمن على بابِ منزله البسيط بعد أن قام بفتحه واضعا كفه الأيسر في جيب بنطالِه القماشي رماديّ اللون بينما يحمل المصباح بالآخَر وهو ينظر إليها ، صغيرة الحجم لكنها كفيلة بجذب ناظريه وواضحة بما يكفي تحت ضوء مصباحِه ليراها تتجه إلى شَجرة نصبت جِذعها على مقرِبة منه ومن منزله الصغير؛ شجرةٌ صغيرةُ الحجم نِسبيا ذات لحاء متوسط السّمك ، قصيرة بعضَ الشيء إلا أنها راسِخة بثبات في الأرض من تحتها بأغصانها المتشابكة والمتفرعة خَضراء الوَرق ؛ بالنّسبة له كانت شجرة مٌثيرة للانتباه وعلى ما يبدو فقد كانت كذلك بالنسبة للخنافس أيضا ، الخنافس التي بدأت تدلُف إلى داخِلها من خلال شق صغير من إحدى تلك الشقوق الصغيرة التي تقبع في نهاية جذعها بالقرب من الأرض ، للوهلة الأولى تبدو شجرة صغيرة فحسب إلا أنها قوية بما يكفي لتحتمل المَطر والمتقلبات الجوية ؛ ورُبما لهذا السبب اختارتها الخَنافس هذه المرة لتسكُن إليها، انتهى دخول آخر خنفساء ببداية سقوط أول قّطرات مَطَر لتقطع عليه شُروده في أثرِها ، رفع ببصرهِ إلى السماء ثم مد كفَ يده الأيسَر لتصافحها بضع القطرات وتُحييها بِخفة ، شدّ على شالِه الصوفي حولَ عُنقه ودلفّ للداخل ليحتمي بمسكنه المتواضع والبسيط من المطر المتزايد مغلقا الباب بإحكام .

    أمسَك بقلمه من جديد وقد جلس على الكرسي بعد أن جهز لنفسه كُوبا ساخنا من الحليب المُحلّى بٍالعَسل، بِضع الأفكار بدأت تلوح أمام ناظِريه بعد الحدثِ البسيط الذي حدَث للتو ، شرَع يكتبُ مُجدد وزخات المَطر بالخارج قد ازدادت مُظللة المكان بهدُوئها لتعانق صوت خربشةِ قلمِه
    تترنّح وُريقاتُها يُمنة بِخفة مع النَسمات العليلة التي تُلاطفها ، صوتُ الأطفَال ومُلاعبتهم لبعضهم البَعض ينضح بالحياةِ أمامَ طاوِلة الطعام الكبِيرة التي وُضعت في المنتصف مُقابل أربعة بيُوت متجاورة ، وقد حَملت ما حمَلت من أطباق وطعامٍ يتفاوت بين المالِح والحالِي على اختلاف طُرق طبخِها

    توقف لبُرهة ليعاود شرب شَربة من كُوبه الذي يُحاول تدفئة يديه الباردة عندما تحمِله ، ابتسم ابتسامة رضا خفيفة وهو ينظُر لكلماتِه مُكملا
    بينَما كان الكِبار يتسَامرون وتعلُو أصواتهم بين الفينة والأُخرى ، ليلةٌ لطِيفة في قَرية الجَبل الأَسود تَجمع بين بِضع أهالِيها لِيشتد عُودهم ببعضهم البعض بِمثل هذه الاجتماعات العائلية وإن لم يكُونوا عائلة يحملون الدماء ذُاتها ، إلا أّنّه وفي الواقِع لم تَكن ليلَة قَدر لَها أن تكُون لطِيفة حتّى النِهاية ...

    طرقع أصابع كفيه بعد أن توقف مُجددا ، ازادادت اِبتسامته واعتدل أكثر في جلستِه وقد بدأ يشعر بالتحسن والحمَاسة ، يرغبُ بالكِتابة حقا ؛ يرغبُ بإفضاء كل ما بجعبته من أفكار على هذه الورقة لا سِيما وأنها جلية أمامه الآن والكلمات كضوء المِصباح الذي يرَاه ؛ مُنيرة تُتيح له رؤيتها ، عاودَ الكِتابة ؛ وعلى نقِيض بدايتِه منذُ قُرابة النصف ساعة ، الآن رأسُه مُمتلئة وروحُه مُتيقظة ، والآن يَشعر .. أن بِوسعِه الكِتابة .

    تَمّت .
    [][]
    اخر تعديل كان بواسطة » بُوفَارديا ؛ في يوم » 14-02-2022 عند الساعة » 18:33


  2. ...

  3. #2
    سلامٌ عليكُم ورحمة الله وبركاته ،
    إذا ، مرحبا rambo
    في الواقع لا أعلم كيف أبدأ ،
    كل ما أعرفه أنني كتبت تلك الكلمات بالأعلى بعد انقطاع لثلاث سنوات عن الكتابة
    ورغبتي بنشرها كي لا تُترك طي النسيان في حاسوبي bored
    - ولا أعلم بحق كيف على تصنيفها biggrin -
    شعور غريب بعض الشيء بالعودة إلى هنا وكتابة شيء ما ، ونشره !
    لكنه شعور لطيف في الآن ذاته لذا أجل أتقبل كل الآراء ؛ classic
    مشاعر الشخص في الأعلى كانت كتعبير عما أشعر به أنا
    "ما الذي قد يشعرُ به شخص ما عاد لفعل ما يحب بعد فترة طويلة ؟"
    لا سِيما وأنني لم أكن أملك فكرة واضحة عما سأقوم بكتابته
    وكل ما كنت أريده هو أن أكتب شيئا ما لأنتشل نفسي من انقطاعي الطويل ذاك hurt
    لهذا فقد كتبت العنوان ثم شرعت بكتابة كل ما كان يلوح في مخيلتي أمامي وأنا أكتب squareeyed
    وتفريغ كل ما أشعر به على لوحة المفاتيح لأنتهي بشخصية وكلمات تُعبر عن كل ذلك
    ولأنه انقطاع لفترة طويلة فلابد وأنها قطعة مليئة بالأخطاء لذا أشعر بالفضول حيال انتقاداتكم البناءة cheeky
    وخِتاما ، كُونوا بِخير .. 036
    مُلاحظة : نظرًا لعدم اعتيادي على الكتابة هنا ستجدون أن حقيقة سوء التنسيق في الأعلى جلية للغاية hurt
    اخر تعديل كان بواسطة » بُوفَارديا ؛ في يوم » 14-02-2022 عند الساعة » 18:33

  4. #3
    قصة جميلة
    attachment
    في منتدى نور وهداية
    مكسات


  5. #4
    ❤️حكاية لطيفة مُتماسكة ومشهد جميل ومُعبّر .. بحثتُ عن شيءٍ يجلُو عتمة هذا المساء ويحمل معه ذلك القلق بعيداً فمررتُ بقصّتكِ


    عوداً حميداً
    شكراً لأنِك كتبتِ وشاركتنا هذا النص الرائع


    لديكِ أسلوب رائع وسلِس بعد هذا الانقطاع 😍 وأنا موقنة بأنه أجمل وأن في جعبتكِ أكثر من ذلك وقد عاد القلم للكتابة

  6. #5
    مرحباٍ ، كيف الحال ؟
    قصة رائعة ، تحكي عن معاناة كل كاتب ، في فترة انقطاعه عن الكتابة ، لقد مررت بذلك الشعور أيضاظ“ ، إنه شعور مزعج !، خاصة إن كنت قد خططت لأكثر من رواية في آن واحد
    عودا حميدا
    بالمناسبة ، إنها المرة الأولى التي أقرأ لك فيها ، وأرى أن أسلوب مذهل حقǓ
    p_1930oq4i91

    بإختصـــار
    رأتها جالسة على كرسي في الحديقة العامة ، تكتب قصتها ، سألتها بلطفٍ :
    - ما الذي تكتبينه ؟
    رفعت الآنسة قلم رأسها إليها ، لتجيبها بنبرة باردة غير مبالية :
    - كل شيء تكرهينه !!
    كتابة وتأليف / الآنسة قلم


  7. #6
    شاكِرة لمُروركم وتعليقاتكم جميعا 036
    â‌¤ï¸ڈحكاية لطيفة مُتماسكة ومشهد جميل ومُعبّر .. بحثتُ عن شيءٍ يجلُو عتمة هذا المساء ويحمل معه ذلك القلق بعيداً فمررتُ بقصّتكِ
    يُسعدني ذلك فعلا، رغم أنه تقريبا كانت هذه الكلمات هي آخر ما كتبته منذ حينها
    لكن إطراؤك منحني شعوراً طيبا ..

    بالمناسبة ، إنها المرة الأولى التي أقرأ لك فيها ، وأرى أن أسلوب مذهل حقǓ
    على ما أظن فهي المرة الأولى التي أنشر فيها شيئا هُنا
    وكم أسعدتني كلماتك بحق؛ قرأت لكِ في صغري حينما كان مكسات يضجّ بالكُتاب بالمناسبة
    تملكين أسلوبا لائقا أيضا 031

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter