مشاهدة النتائج 1 الى 3 من 3
  1. #1

    ملكة النجوم السعيدة!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    ملكة النجوم السعيدة!
    _____________________


    يُحكى أنه في أحد الكواكب البعيدة، كانت تعيش فتاة وحيدة، تُعرف بملكة النجوم السعيدة..
    كانت سماء الكوكب مزدانة بالنجوم الملونة بجميع الألوان والأحجام، وكانت الملكة تحرص أشد الحرص على أن تنعم جميعها بالسعادة، وتبذل جهدها لأجل ذلك..
    وذات يوم، لمعت نجمة زرقاء فريدة في سمائها على غير العادة، لتلقي عليها التحية بابتسامة تشع سعادة، قبل أن تقول:
    - لم أرَ سماء مليئة بالنجوم كهذه السماء من قبل! تبدو مميزة جدا بشكل خاص، ألهذا سر يا ترى؟
    أطرقت الملكة برأسها قليلا، في محاولة للتذكر، ثم أجابت:
    - ربما كان لذلك سببا لكنني لا أذكره، المهم أن منظرها يبعث على السعادة وهذا يكفي..
    قالت الملكة كلمتها الأخيرة، وهي ترفع ذراعيها عاليا وتفتح كفيها بابتهاج شديد، وكأنها تحتضن السماء، فعلقت النجمة الزرقاء:
    - يعجبني تفاؤلك ونشاطك الدائم أيتها الملكة، فمنذ أن رأيتك وأنا معجبة بهمتك، أتمنى أن تظلي سعيدة هكذا دائما، ويشرفني أن أكون بصحبتك..
    تأثرت الملكة بكلمات النجمة الزرقاء بشكل غريب، حتى ان دمعة نفرت من عينها، بل إنها لم تستطع الكلام لوهلة؛ فآثرت الصمت، فيما تابعت النجمة الزرقاء كلامها بمرح، وهي تلاحظ توهّج جواهر تاج الملكة:
    - أنت حقا محظوظة بامتلاكك هذا التاج الجميل، فجواهره تبدو بهية، خاصة تلك الجوهرة الوردية!
    فابتسمت الملكة:
    - اعتبريه هدية لك إذا أحببت..
    وهمّت الملكة برفع التاج عن رأسها، غير أن النجمة الزرقاء بادرتها بسرعة:
    - لا يمكنني أخذ شيء كهذا أيتها الملكة، إنه كنزك الثمين، وما أنا إلا نجمة عادية!
    غير أن الملكة أكدت بشدة:
    - لستِ عادية أبدا! منذ فترة طويلة لم تظهر في سمائي نجمة مثلك! ولن أمانع أن أعطيك تاجي متى رغبتِ!
    شعرت النجمة الزرقاء بالخجل الشديد، فأسرعت تغيّر دفة الحديث بقولها:
    - يبدو أنك لم تغادري هذا الكوكب منذ فترة طويلة أيتها الملكة، فما رأيك أن تأتي معي في رحلة ترين فيها سماوات كواكب مختلفة؟
    غير أن الملكة ردت بحزم:
    - هذا مستحيل! فأنا ملكة هذا الكوكب، ويجب أن اضمن سعادة نجومي السعيدة دائما!
    ثم استدركت بسرعة:
    - ولكن بالطبع سيسعدني أن تخبريني عن تلك الكواكب وكأنني أراها، فما رأيك؟
    وبالفعل انطلقت النجمة الزرقاء تحدث الملكة بكل شيء رأته خلال تجوالها في الفضاء الشاسع، وكانت الملكة تسعد بحديثها، وتأنس بقربها، حتى أنها بدأت ولأول مرة تتحدث عن نفسها، بدل الحديث عن نجومها فقط! ومع مرور الأيام؛ تأكدت الملكة أكثر وأكثر ان الشيء الذي كانت تفتقده طوال الوقت؛ قد وجدته أخيرا في النجمة الزرقاء، مما جعلها تحتل مكانة مميزة لديها، وكأنها جزء من روحها! فبدأت تطلعها على أخبار مملكتها، وأدق أسرارها، وتشاركها اتخاذ قراراتها وتهتم برأيها، ولم تكن النجمة الزرقاء لتبخل عليها بأي نصيحة أو مساعدة، مما ساعد في ازدهار الكوكب أكثر وأكثر..
    وذات صباح، وبينما كانت الملكة تستعد لاطلاع النجمة الزرقاء على آخر أسرارها، لعلها تزيح حملا ثقيلا عن رأسها؛ تفاجأت باختفائها من سمائها!
    في البداية لم تكترث للأمر كثيرا، فلا شك أن النجمة الزرقاء اشتاقت للتجول في الفضاء كسابق عهدها، وقد تعود لها بقصص جديدة كعادتها! غير أن انتظار الملكة طال كثيرا، وبدأ القلق ينتابها تدريجيا مع مرور الأيام، حتى انطفأت البهجة من عينيها، ولم تعد قادرة على أداء واجباتها، بل شعرت بالمرض يتسلل إلى جسدها، وهي تترقب ظهور النجمة الزرقاء في كل لحظة دون فائدة!
    لو أنها فقط تعرف إلى أين ذهت؛ لربما غادرت مملكتها بحثا عنها، ولكن هيهات لها ذلك!!
    كان الألم والحزن يعتصران فؤادها عصرا، ولم يكن هناك أحد يمكنه إدراك ما يحل بها، خاصة مع حرصها على الظهور بمظهر الملكة الواثقة أمام نجماتها السعيدة مهما كلفها الأمر، ومع ذلك.. لم يعد باستطاعتها رؤية سعادة النجوم حولها، فتنهدت:
    - لماذا أشعر أن السماء أظلمت، وكأن النجمة الزرقاء وحدها من كانت تنيرها؟ ألهذه الدرجة خطفت بصري فلم أعد أرى غيرها، أم أن تلك هي الحقيقة فعلا؟ ليتني أذكر كيف كنت أعيش قبلها! بل هل كنت أعيش أصلا قبلها؟ لم أعد أدري!!
    وإذ ذاك سمعت صوتا يصدر من قلبها:
    - يبدو أنك نسيت النجمة الزهراء!
    اقشعر جسد الملكة لوهلة، وهي تتلفت حولها بتوجس:
    - من أنت؟
    فجاءها الجواب بنبرة تنبعث من الأعماق:
    - أنا ذكرياتك التي قمتِ بدفنها في أعماق نفسك السحيقة..
    صمتت الملكة لبرهة من الزمن، لتتنهد بعدها بعمق قائلة:
    - فهمت.. أنا لم انس النجمة الزهراء، فقد كانت صديقتي المقربة..
    - هل هذا يعني أنها لم تعد كذلك؟
    - ليس الأمر هكذا.. فأنا أسعد برؤيتها بين الحين والآخر بلا شك..
    - وماذا إن غابت عنك لفترة طويلة؟
    - أنا أقدر انشغالها بلا شك، فأنا أيضا قد لا أكون متفرغة لها دائما..
    - ولماذا لا تفترضين الشيء نفسه مع النجمة الزرقاء؟
    بوغتت الملكة بسماع هذا، فاستدركت بسرعة:
    - النجمة الزرقاء مختلفة.. إنني اعتبرها جزء مني. لا يمكن مقارنة غيابها بنجمة أخرى!
    - أليس هذا ما كنت تقولينه عن النجمة الزهراء في الماضي؟ يبدو أنك نسيت الأمر حقا!
    صمتت الملكة مرة أخرى، وقد بدأت تشعر بصداع خفيف:
    - لست متأكدة.. النجمة الزهراء لا زلت اعتبرها صديقتي، ولكن اهتماماتنا أصبحت مختلفة..
    - ألا يمكن أن ينطبق الكلام نفسه على النجمة الزرقاء أيضا؟
    - مستحيل! أنا والنجمة الزرقاء متشابهتان تماما، وهي أكثر من تشاركني الاهتمامات نفسها، إنها الوحيدة التي يمكنني أن ابوح لها بأفكاري الخاصة، التي بالكاد أواجه نفسي بها! لذلك لا يمكن مقارنتها بأحد!!
    - يبدو أنك نسيت كلامك السابق عن النجمة الزهراء!
    - لا أدري لم تحاولين اقحام النجمة الزهراء في الموضوع الآن!!
    - الدهر كالدهر والايام واحدة.....
    فأسرعت الملكة تقطع ذلك الحديث:
    - لا.. لا يمكن للنجمة الزرقاء أن تكون مثلها، إنها مختلفة!!
    - ألم تكن النجمة الزهراء مختلفة أيضا؟
    - ربما كانت كذلك فعلا! لكن.. بالطبع ليست كالنجمة الزرقاء المتفردة..
    - أنت حقا بدأت تنسين الماضي بسرعة! هل نسيت ماذا حدث مع النجمة الزهراء؟
    - كان سوء فهم بسيط..
    - ومع ذلك.. هل نسيت كم استغرقك الأمر حتى تعافيت منه؟ هل تريدين تكرار التجربة؟
    - ولكن اليس من المبكر افتراض ذلك؟ لم يحدث أي سوء فهم بيني وبين النجمة الزرقاء، بل كنا متفاهمتين تماما..
    - إذن لم أنت حزينة؟
    - إنني قلقة عليها وحسب.. فلا أدري ما هو سبب اختفائها بعد، ولا أصدق أنها قد تختفي هكذا دون سبب.. أخشى أن يكون أصابها مكروها!
    - وهل لو عرفت أنها بخير ستكونين سعيدة؟
    - أجل بالطبع..
    - حتى ولو لم تعد لسمائك مجددا؟
    خيّم الصمت على الملكة كجبل ثقيل يكاد يقصم ظهرها، إلى أن تساءلت بصعوبة:
    - ولم قد تفعل ذلك؟ السنا أصدقاء؟
    - هذا ما تفترضينه أنت، ولكن ماذا عنها هي؟؟ قد لا تكوني أكثر من محطة عابرة في طريق رحلتها، فأنت بالنسبة لها ملكة هذا الكوكب، ولك شعبك الخاص! ربما لا تعلم بأهمية وجودها لك..
    - هذا مستحيل.. فقد أخبرتها بذلك مرارا وتكرارا، إنها تدرك تماما مكانتها عندي، وتعرف إلى أي درجة قد افتقدها!
    - حسنا.. لنفترض أنها تعلم، ومع ذلك لا تهتم.. فماذا ستفعلين؟
    تحشرجت الحروف والكلمات في حلق الملكة، حتى شعرت بالاختناق، فيما تابعت تلك النبرة العميقة كلامها بحزم:
    - هي ليست مجبرة أصلا أن تكوني محل اهتمامها، فهل ستقتلين نفسك من الهم؟
    وبصعوبة خرجت الحروف ببطء شديد من جوف الملكة:
    - ربما لو كنت قد أخبرتها بأنـ....
    - بدون "لو"!! يجب أن تحذفي هذه القنبلة الموقوتة من قاموسك، فهي أخطر من السم الزعاف..
    - وماذا بعد؟
    - إن كنت تحبين النجمة الزرقاء حقا؛ فيفترض أن ذكراها الجميلة ستبقى في قلبك، فلا تجعليها عقبة في دربك! تابعي بكل تفاؤل حياتك، وتذكري أن النجوم السعيدة بانتظارك..
    بدأت الغمامة تنقشع تدريجيا عن ذكريات الملكة، فهتفت بدهشة وهي ترى تلك اللوحة القديمة بوضوح:
    - أجل تذكرت.. لقد اتخذت وقتها قرارا، وكان لا بد من تنفيذه.. السعادة قرار، وها أنا سأقرر مجددا.. مهما حدث.. يجب أن أكون سعيدة!
    وأخيرا.. ابتسمت الملكة برضا، فيما انهمرت دموعها كسيل جارف، استحالت قطراته نجوم لامعة، رصعت سماءها بسعادة! وإذ ذاك سطعت من رأسها جوهرة كبيرة، بلون زرقة السماء الصافية، لم ير أحد أكبر منها ولا أروع؛ توسطت جواهر تاجها، طاغية على وجود بقية الجواهر بوهجها، وكأن التاج لا يحمل غيرها..

    *********
    تمت..
    _________

    يسعدني مشاركتكم هذه القصة، إن صح اطلاق اسم القصة عليها ^^
    على أغلب الظن أن فكرتها خطرت ببالي على غرار قصة الامير الصغير الشهيرة، وقد كتبت مسودتها الاولية قبل أكثر شهرين ونصف!
    أرجو أن تجدوا فيها ما يسعدكم، مع امنياتي ودعواتي للجميع بالرضا والسعادة 😊
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    sigpic268332_2
    يسعدني دعمكم ومعرفة آرائكم حول رواية ومانجا "مدرسة الفروسية" ^^
    https://nebrasmangaka.com/


  2. ...

  3. #2
    "بعض الكلِمات تبدو كما لو أنها كُتبت لأجل قارئِها"
    هذا ما فكرت به وأنا أقرأ كلماتِك ، ما حَدث بين الملكة والنجمة يبدو كشيء قد يحدث بين
    صديقتين في الواقع
    ومن الرائع حقا كيف قمتِ بالتعبير عن واقع كهذا بقصة خيالية عميقة الفكرة كهذه
    الحوار الطويل والعميق الذي دارَ بين الملكة وذكرياتها ، ووعدُها القديم المنسِي لنفسِها
    كل ذلك يبدو بحق كشيء قد يصادف البَشر ، وكشيء غريب لا يُعتقد أن الأمور ستؤول إليه في النهاية
    وهذا جميل بقدرِ غرابته ، القدرة على المِضي قِدما بعد حدوث شيء كهذا ؛ أحببتُها حقا 014
    أريد التعليق بكلمة رائع عن كل سطر في الواقع biggrin
    هذا لأنني لا أجد تعبيرا أكثر دقة من هذه الكلمة لمِثل هذه القِصة
    رُغم أنني لم أفهم تمام ما عُني بالسطور الأخيرة ، هل ظهرت الجوهرة الزرقاء في تاج الملكة
    لأنها قررت الاحتفاظ بالذكريات الجميلة التي بينها وبين النجمة الزرقاء في قلبِها والمضِي قدما ؟ paranoid
    - أنا ذكرياتك التي قمتِ بدفنها في أعماق نفسك السحيقة..
    أحببتُ هذه
    وأحببت حقا الحوار الواقعي الذي دار بينهما كامِلا ، كما لو أنها مُخاطبة بين العقل والقلب
    -
    ما كتبتِيه جميل لذا استمرّي cheeky
    "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"

  4. #3
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة بُوفَارديا ؛ مشاهدة المشاركة
    "بعض الكلِمات تبدو كما لو أنها كُتبت لأجل قارئِها"
    هذا ما فكرت به وأنا أقرأ كلماتِك ، ما حَدث بين الملكة والنجمة يبدو كشيء قد يحدث بين
    صديقتين في الواقع
    ومن الرائع حقا كيف قمتِ بالتعبير عن واقع كهذا بقصة خيالية عميقة الفكرة كهذه
    الحوار الطويل والعميق الذي دارَ بين الملكة وذكرياتها ، ووعدُها القديم المنسِي لنفسِها
    كل ذلك يبدو بحق كشيء قد يصادف البَشر ، وكشيء غريب لا يُعتقد أن الأمور ستؤول إليه في النهاية
    وهذا جميل بقدرِ غرابته ، القدرة على المِضي قِدما بعد حدوث شيء كهذا ؛ أحببتُها حقا 014
    أريد التعليق بكلمة رائع عن كل سطر في الواقع biggrin
    هذا لأنني لا أجد تعبيرا أكثر دقة من هذه الكلمة لمِثل هذه القِصة
    رُغم أنني لم أفهم تمام ما عُني بالسطور الأخيرة ، هل ظهرت الجوهرة الزرقاء في تاج الملكة
    لأنها قررت الاحتفاظ بالذكريات الجميلة التي بينها وبين النجمة الزرقاء في قلبِها والمضِي قدما ؟ paranoid

    أحببتُ هذه
    وأحببت حقا الحوار الواقعي الذي دار بينهما كامِلا ، كما لو أنها مُخاطبة بين العقل والقلب
    -
    ما كتبتِيه جميل لذا استمرّي cheeky

    جزاك الله خيرا لردك الجميل، ويسعدني أن القصة تركت هذا الاثر لديك، وعذرا لتأخري بالرد!
    استنتاجك الاخير صحيح..
    هل ظهرت الجوهرة الزرقاء في تاج الملكة
    لأنها قررت الاحتفاظ بالذكريات الجميلة التي بينها وبين النجمة الزرقاء في قلبِها والمضِي قدما ؟
    اجل بالضبط!!!
    يسعدني أن الفكرة وصلتك بكل هذا الوضوح ^^

    دعواتك
    وفي أمان الله
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter