|مــقدمة |
امتلأت ساحة المسرح مجدداً بالحضور , فُتِح السِّتار تزامناً مع ارتفاع أصوات التصفيق و صافرات التحيّة الحارّة ,
ضوءٌ مخروطي انصبّ على من ارتدى بذلته السوداء الفخمة و بيده ظرفٌ أحمر كالياقوت تزين بالذهب الخالص , خلفه صف من الأجساد تحملها خيوط سحرية متوهجة تتحكم في حركاتهم كالدمى الخشبية ,
ابتسامات واسعة متلهفة و غريبة شقت وجوههم ,
تحت وهج الشموع الذي ملأ القاعة الواسعة الفارهة , جلس الملك هناك في ركن عالٍ بعيد يشاهد من شرفته المفتوحة الفاخرة من تقدّم قليلاً و هتف :
"سيداتي و سادتي , على شرف السعادة ! , في ضيافة بهجة القلوب و غياب المُتعِسِ المنكوب , يقام الليلة حفل تتويج الفرح و الأزاهيج , فارتدوا أقنعة السرور ولتعزفوا أحلى السطور "
بدأت الطبول تقرع في الأرجاء حين مزق المُقَدِّم طرف الظرف ليعلن الفائز بجائزة أسعد مواطن لهذا الشهر أمام الملك و حشدٍ من الشعب الكريم ,
هذه المسابقة تقام شهرياً في مملكة إفردين , فكرة الملك , ذكية طبعاً , يكافئ نفسه بالارتياح من وجع الرأس و الشكاوى بأن يقيم مسابقة بسيطة ليس بها أي هدايا قيّمة سوى شريط يضعه الفائز منهم حول عنقه لبقية الأسبوع .. بُلهاء صحيح ؟ .. آه ! .. أعني سعداء ! , فكر بالأمر قليلاً .. بالرغم من هذا هي ليست بهذا السوء .. أسعد مواطن للشهر ؟ .. همم .. فقط ابقَ سعيداً لشهر كامل و ستفوز , سهلة أليس كذلك ؟ , إنهم مستفيدون أيضاً , فبشكل أو بآخر سيجبرون أنفسهم على تجاوز كل السلبيات المحيطة و التركيز على النصف الممتلئ من الكأس وسرعان ما تنتشر عدوى السعادة في كامل المملكة ويعم الأمن و الأمان ,
دقت ساعة السندريلا موزّعة أوائل كؤوس الفرح , جرعة نقية ذهبية كاللؤلؤ من إكسير السعادة الأبدي مصنوعة على يد أمهر خبراء الأعشاب في مملكة إفردين , بل في الممالك المحيطة جمعاء ! .
دقت مجدداً فانطلق صوت جرسها المهيب بين أركان إفردين كلِّها ..عقاربُ أرسلت صوت النداء الآخير لتنذر كل الأهالي بأن الحفل مستمر , فالحضور واجب و الرفض من سابع المستحيلات .
يدٌ لا جسد لها ظهرت من ركنٍ مظلم للمسرح , تشير وسط ترقب الحاضرين إلى بومةٍ بيضاء كالطحين , من أين أتت ! , من شباك مفتوحٍ متين ,
جفل الحضور خائفين , فالبومة البيضاء علامة شؤم ! , إنها تعني أن شيئاً ما قد حدث في البرج الكبير ,
تقدم الوزير بترقب و قلق و فك رباطاً صغيراً قد رُبِط بطرف قدمها مختوم بختم المملكة التاريخي , لَم يُستخدم هذا الختم منذ عشرات السنين , رسالة سرّية ! , زاغت عينا الوزير و كاد يسقط مغشياً عليه لكنه تماسك
"نناشد الجميع بالهدوء , أنتم لا تزالون بحضرة الملك ! "
صاح صوتٌ جهور غاضب من الضوضاء التي اندلعت في المكان كنيرانٍ التهمت البستان , لكن بلا جدوى فقد تضاعفت حدة التوتر المتصاعد في النفوس حين فُتِح الباب على مصراعيه بقوة أجفلت الحضور و هتف الرجل :
"لقد سُرِق الدلو الخشبي !! "
المفضلات