السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اصدقائي واخواتي اهلا بيكم
أسعد الله اوقاتكم بكل خير
.
زمان كنت أعشق الجلوس للاستماع الى جدتي - رحمها الله - عن حكايات الناس بالأرياف وان الدنيا زمان كان عكس الموجود حالياً من طباع
ونفوس البشر وطبيعة المجتمع والاخلاق والقيم التي كان عليها والعادات والتقاليد التي توارثوها جيلاً بعد جيل وآليات الترفيه البسيطة جداً
والمحدودة التي كانت في المتناول انذاك.
ومن كثرة سماعي لحكايات الاجداد عشقت الريف والمناظر الطبيعية التي كنت اراها دائماً حتى طوال رحلتي القصيرة الى قريتي وموطني
الأصلي موطن الاباء والاجداد مروراً بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخلابة حيث يتوسطها المزارعون ودوابهم.
أجل عشقت الاراضي الزراعية بشكلها الخلاب والشمس تسطع وتنيره ليصبح في أحسن صورة فوتوغرافية وكان دائماً النظر لتلك الصورة
يبعث في النفس راحة نفسية بشكل غير طبيعي !
وبرغم أن سني يضعني في مرتبة الجيل الجديد وما لديه من اساليب ترفيهية عديدة كان بدايتها التلفزيون الا أن أجازتي الاسبوعية لم تكن
لتبدأ الا بتواجدي كل يوم خميس في قريتي حيث يقطن جدي واعمامي، فالبساطة والجمال كانت عنوان القرية وكان عنوان الناس ومنازلهم
وفي اجازتي الصيفية دائماً ما كنت اذهب كل فترة لاعيش هناك وأخذ دراجتي واطوف في القرية يومياً كل صباح لأرى القنبلة الخضراء
من حولي وأرى العائلات تذهب يومياً اليها للجلوس تحت الظلال والتمتع بالهواء النقي والتأمل في خلق الله وأجد الاطفال يلعبون
بأبسط ألعابهم ثم الرجوع الى منازلهم بالعشاء حيث يعم السكون القرية ليبدأ يوم جديد
كانت الحياة جميلة وبسيطة فعلاً
وفي حياتي بالمدينة أذكر جيداً الحدائق التي كانت تتوسط الشوارع الكبيرة والمقاعد التي كانت بها والمظلات التي كانت فوقها ليجلس
الناس بها مساء كل يوم وحولهم الاطفال، كما أذكر جيداً الحديقة التي كانت بمنطقة الاستاد المشهورة بمدينتنا حيث يتوافد اليها
الناس من كل مكان وبرفقتهم اطفالهم لكونها كانت تحتوي على ملاهي وألعاب صغيرة لهم ليتركوهم معها ويجلسوا ليتمتعوا ببعض
الهواء النقي ولكن للاسف الان اصبحت مكاناً مظلماً وزواره دائماً اشخاص ترتاب فيهم
أذكر أيضاً الميادين العامة والتي كانت تحتوي على نافورة مياة تعمل ليلاً بكل ميدان ومن حولها مساحة خضراء مضيئة يسر الناظرين
الوافدين اليها مساء كل يوم !
كما أذكر جيداً الحدائق الجميلة بالعاصمة والمدن الاخرى والتي كنت اشاهدها بالبرامج التلفزيونية وجلوس الشعراء والمفكرين وغيرهم
من أصناف الناس على ضفاف النيل - الكورنيش - ليستلهموا أفكارهم وأشعارهم ويلقوا بهمومهم أمام تلك الصورة الخلابة.
.
لكن بمرور السنين ومع تطور التكنولوجيا وسيطرة المادة على نفوس البشر اختفى كل ما هو جميل في حياتنا ! كل ما توارثناه من اجدادنا
من عادات سواء في القرية او من اباءنا في المدينة اختفى تدريجياً بمرور الوقت؛ اختفت متعة الذهاب للتأمل في خلق الله والاستمتاع بالهواء
اختفت متعة الذهاب للحدائق بنهاية كل عمل شاق او نهاية اسبوع مع افراد الاسرة للتنزه وتجديد روح الحياة ليوم جديد او اسبوع جديد !
واصبحت الشاشة هي المتحكمة في الانسان بجميع اشكالها سواء كانت شاشات التلفزيون او شاشات الكمبيوتر واللاب توب او شاشات
الهواتف المحمولة منذ بداية نشأتها وحتى ما وصلت اليه اخر التطورات.
أين ذهب كل ذلك ولماذا اختفت كل العادات التي توارثناها جيلاً بعد جيل ؟!
بل والأدهى من كل ذلك تم اعدام الحدائق من الشوارع الرئيسية الكبيرة والاماكن المخصصة لها لتوسعة الشوارع اكثر فأكثر وكأن الحدائق
كانت سبباً من اسباب الازدحام المروري وتكدس الشوارع بالسيارات ؟!
لماذا تم حذف ثقافة الحدائق من مجتمعاتنا ؟! في حين لو اي شخص سافر في باريس او مدريد او برشلونة او اسطنبول او لندن ستجد تلك
الثقافة موجودة بينهم ؟! ستجد الميادين العامة وستجد الحدائق وستجد مكاناً للمشاة وللرياضيين وستجد اماكن لركوب الدراجات للرياضة أيضاً.
عندما ذهب الامام محمد عبده إلى بلاد أوروبا لفت نظره أن الناس هناك يحترمون بعضهم بعضا، ويؤدون عملهم بإخلاص ودقة وأمانة
فلا ينال أحدهم من حرية الآخر، وكل منهم يحترم ثقافة الاخر فعقد مقارنة سريعة بين أخلاق الأوروبيين، وأخلاق المسلمين فوجد أن الأوروبيين
المسيحيين يتخلقون بأخلاق الإسلام فى معاملاتهم وأعمالهم على حين أن المسلمين بعيدون عن أخلاق دينهم فقال مقولته الشهيرة
-:[ رأيت فى أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفي بلدنا مسلمين بلا اسلام ]:-
كانت الشوارع سابقاً مليئة بالحدائق والمتنزهات العامة في منتصفها وبأركانها أما اليوم أصبحت العقارات وتوسعة وتهيئة الشوارع عنوان
كل محافظ او مسئول يشرف على مدينة من المهم عنده ان يقوم برصف الشوارع وازالة ما يمكن ازالته لتوسعتها حتى ولو على حساب تلك
المتنزهات والنتيجة خلو الارصفة من اشجار وخلو بعض المناطق السكنية من الحدائق والمتنزهات فيما بينها فأصبحت كل الأسر لا تجد مكانا
تأخذ إليه أطفالها أو تتمشى فيه في عطل نهاية الأسبوع , فأصبحت بذلك كل أيام الأسبوع متشابهة وذلك راجع إلى تقلص وسائل الترفيه.
والمحزن حقا أن الوقت الذي كان يقضيه الشباب في الحدائق أصبحوا يقضونه على الانترنت مما أدى إلى نوع من التفكك في العلاقات لأن
قضاء الوقت على النت يختلف عن قضاءه بالخارج وخصوصا ضمن مجموعة اصدقاء أو اهل لأنه يعزز فرص التواصل ويوطد العلاقات وينميها.
وقد اثبتت الدراسات ان التنزه في الحدائق والأماكن الخضراء له فوائد صحية وذهنية كثيرة؛ فالمشي بين المساحات الخضراء يبعث على الإسترخاء
لأن النظر غلى اللون الأخضر عموماً يُصفي الذهن ويُنعش العقل ويريح الشخص، أذكر أنه كان يحكى لي أنه كان من عادات الاباء والاجداد المذاكرة
في تلك الاجواء الجميلة بل كانت تساعدهم بنسبة كبيرة في تحصيل المعلومات الدراسية المطلوبة لأن تلك الأجواء تساعد على التركيز وإنعاش
الذاكرة بسبب الكمية الكبيرة المتوفرة من الأكسجين النقي الذي يغذي خلايا العقل والجسد بشكل كامل.
كما أن التنزه في الحدائق يساهم في تقوية العلاقات وتساعد في التخفيف من حدة التوتر والمشاكل، جرب كده يبقى عندك مشكلة وتروح
وتتمشى في حديقة او متنزه تجد اما المشكلة تتحل او نفسيتك تصفى وتروق فـ لماذا لا نعيد الحدائق والمتنزهات كمتنفس لحياتنا ؟!
قد ينتقد البعض ذلك السلوك وتلك الثقافة بحجة التطور ومواكبة العالم المتقدم وبداوة الفكرة ؟!
واعتقد ان تلك حجة واهية فـ المتنزهات والحدائق ثقافة يعرفها الغرب ويطبقها بمثالية شديدة من
حيث الشكل والمحافظة عليها سلوكياً واخلاقياً باتباع تعليماتها وعدم خرق قوانين التنزه.
.
على الهامش
يقول الفنان المصري الراحل يوسف وهبي -:[ عندما كنت امضي اجازة العام الماضي في اوروبا، زرت لندن، واستاجرت شقة مفروشة لاقامتي،
وما ان وضعت حقائبي فيها حتي زارني مستاجر الشقة العليا وسألني عن مواعيد نومي ويقظتي ! ودهشت في مبدأ الأمر ولكنني بعد ان عرفت
السبب أيقنت ان نجاح الانجليز في حياتهم الاجتماعية يعود بلا ريب الي معرفة كل فرد منهم بما له وما عليه.. لقد كان سبب الزيارة والسؤال،
هو ان جاري يرغب في تنظيم مواعيد لعب اطفاله بالحديقة بحيث لا تقع في أوقات نومي فتضايقني !! وان هذة الحادثة لتتمثل في ذهني
كلما وقع بصري علي أوجه الفوضى في حياتنا عموماً ! أن نجاح الدولة من نجاح الفرد. ونجاح الفرد يتوقف علي طريقة احترامه لحقوق الغير ! ]:-
مجلة الأثنين والدنيا سنة 1951
استنتج من ذلك ان للحدائق في الغرب سواء كانت عامة او خاصة ثقافة وحتى ولو لم يكن هناك قواعد منظمة في بعض الاحيان الا انها عرف
متعارف عليه بين الناس في المجتمعات، الطريف ان ما يصفه يوسف وهبي في كلامه من فوضى يعاني منها في بلده بزمن مقولته هو بالنسبة
لنا في عصرنا الحالي يشكل 1% من فوضى نعاني منها فوضى العصر الحديث !
لماذا لا نعيد ثقافة التنزه للمجتمع ونزين شوارعنا الرئيسية بحدائق وميادين يتوسطها نافورات المياه !
يجب الخروج من الروتين اليومي الذي اعتدنا عليه بمجتمعنا سواء كان في البيت او المدرسة او العمل او الشارع وقت قضاء المصالح، يجب
الاهتمام بأفراد المجتمعات وكسر الحواجز النفسية والروتين المعتاد لكون التهيئة النفسية للفرد ضرورة لاستمرارية الاسرة والمجتمع
والدولة بشكل سليم.
قد لا نكون مستعدين لعودة أي ثقافة حضارية لمجتمعنا، قد يكون بيننا جيلاً جديداً لا يعلم المباديء والقيم والاخلاق جيداً ولا يعلم الفرق بين
الصواب والخطأ قد نكون فعلا مسلمين بلا اسلام على قول الامام محمد عبده لكن هذا لا يعني ألا نحاول ان نعيد تلك الثقافات المندثرة مرة
اخرى الى مجتمعاتنا، لا يعني ألا نعيد تصحيح المفاهيم وما تناسيناه من عادات وتقاليد والا فأخشى أن يجيء علينا يوم يكون اقصى طموحاتنا
هو أسوء ما نراه الان !
فنحن أصبحنا امام انسان اقل عطفاً ومودة ورحمة، أقل شهامه ومروءة، واقل صفاءً من الانسان المتخلف.
#مصطفى محمود
.
سؤال اليوم
( سؤال اجباري وعليه عشرين درجة )
هل أنت من عشاق التنزه والتأمل ؟
اذا كنت كذلك اوصف لنا يومياتك مع تلك الهواية او ذكرياتك معها
شكر خاص لـ âœ؟ Bella âœ؟ على لمستها التصميمية الابداعية المميزة
..
.
المفضلات