مشاهدة النتائج 1 الى 3 من 3
  1. #1

    المغفلون (2) : "ضحية"

    بسم الله الرحمن الرحيم


    ضحية


    حينما رأى أن البيضة بدأت تفقس، شعر بالفخر الشديد.
    ليس فخر من يجد بين يديه حياة ضعيفة تعتمد عليه، بل فخر الصانع الذي أتقن الصناعة وتفنن فيها!
    لحُسن الحظ -وربما لسوئه- لم يكن يعيش في مجتمع يستخدم كلمات مثل
    "الخلق" و"الإيمان" إلا في الأمور الدينية، وهذا منعه من استخدامها في وصف فخره بنفسه.
    ربما كان عدم استخدام مثل تلك الكلمات كان سببا في عدم اعتراض الناس على مشاعره الغريبة؛ تماما كما لن يعترض أحد عليك حين تعبر عن حبك لشخص بأي كلمات تسمح بها لغتك بغض النظر عن هوسك بالحبيب، ولكنهم سيعترضون لو وصفته بالمعبود.

    حين بدأ الطائر الصغير بالظهور رافسا قشرة بيضته، ظن ذاك أنه هو من أعطى ذلك الكائن القوة لفعل ذلك، وحين كان الطائر يتوقف من حين لآخر كي يستجمع قواه، شعر ذاك بالغضب وكأن لحظات التوقف كانت إهانة مباشرة له ولقدرته أو كأنما الطائر كان يتظاهر بالكسل قاصدا السخرية منه واستنقاصه.

    حين ظهر الطائر كاملا بجسده الخالي من الريش، وحركته المحدودة، وعينيه المغلقتين؛ نظر إليه باستصغار يقابله إكبار لنفسه!
    -
    "أنا لستُ ضعيفا كهذا الشيء الصغير العاجز عن الحركة"
    هكذا فكر مرارا، شاعرا تارة بالزهو لكونه أعلا مقاما، وبالاستياء لأن
    "تحفته" ضعيفة وهشة! يجب أن تكون صناعتك قوية وعظيمة امتدادا لعظمتك وإثباتا لها!

    وبثقة عمياء قرر أنه سيدرب هذا الطائر الصغير كي يكون أقوى من بقية الطيور وأكثر موهبة ومهارة.. وفي زمن أقصر! فالزمن القصير عنصر هام يثبت التفوق والجدارة!
    ماذا فعل بالضبط؟ لم ينتبه أحد تماما للأمر. كان الطائر له، وبذلك لم يكن من مسؤوليتهم أن يراقبوا أيا منهما.
    لم يعلموا أن ذلك المغرور أراد أن يبهرهم بطائره، وكأن ذلك سيرفعه عندهم!

    صبر بضعة أسابيع، كانت صعبة جدا بسبب ضعف الطائر وعدم قدرته على الأكل بمفرده، وحاجته المستمرة للطعام والرعاية، وأيضا بسبب قلة صبر صاحبه وأهدافه المتعالية التي كان يسميها بالطُّموح!
    ما إن كسا الريش ذلك الجسد الهزيل، وبدأ يأكل بمفرده قليلا، ويعبث هنا وهناك بفضول يتميز به كل الأطفال -وإن كانوا صغار حيوانات- إلا وصاحبه يكاد يمزق نفسه حماسا كي يقفز في بحر النجاح مرفوع الرأس!

    لم يكن غريبا أنه لم يدرب طائرا من قبل، فهي خبرات تُكتسب، ولكن الغريب أنه لم يسأل أحدا، ولم يفكر في ذلك أصلا، ورغم توفر العديد من المعلومات عن تربية الطيور وتدريبها في شبكة المعلومات إلا أنه كان واثقا بعدم حاجته إلى أي منها معتقدا أن "فطرته السليمة" سوف تقوده في الاتجاه الصحيح.
    ببساطة: لم يُفلح في تدريبه قط. كان قليل الصبر، ويستخدم وسائل غير صحيحة، ولجأ أحيانا إلى العنف دون أن يفهم بأن غروره هو ما صور له بأن بطشه وغضبه يُشبهان ما يسمونه بهزة إيقاظ -أو ربما صفعة إيقاظ- تجعل من يتلقاها يصحو من غفلته فينقلب شخصا آخر كعنقاء مذهلة تخرج من الرماد!

    لكن الطائر الصغير كان يفر بسرعة كلما استطاع ذلك معلقا نفسه في أعلا نقطة ممكنة، ويعض يد صاحبه عضا كلما قُبض عليه. كان يريد أن ينفذ بجلده من ذلك الوحش العملاق عديم الريش!
    وذات يوم، وفي لحظة غضب من ذلك الطائر الجاحد، أتى بحركة طائشة جعلت الطائر يخر على الأرض صارخا بطريقة غريبة ومفزعة.
    انكسر جناح الطائر وصار عاجزا عن الطيران!

    بعد عدة سنوات، وبعد عدة تجارب، صار ذلك الشخص خبيرا في تدريب الطيور، ويقابل الناس ويحادثهم كيف يعاملون طيورهم، ويلفت انتباههم لما يجب اجتنابه أثناء ذلك، ويصف لهم بحنكة أن الطيور كائنات رقيقة ورائعة!
    في كل مرة يفعل ذلك، يشعر بعينين صغيرتَين لائمتين تحدقان به في صمتٍ مطبق وراء قضبان أحد الأقفاص.. هما عينا ذلك الطائر مكسور الجناح!


    النهاية



    مرحبا بكم!! أرجو أن تكونوا بخير.
    هذه قصة مرتجلة أنهيتها للتو، وهذا أمر نادر عندي (كأني قلتُ هذا الكلام من قبل؟)
    اشتقت للمنتدى فعلا وأرجو أن أعود قريبا بكتابات جديدة!

    أرجو أن تعجبكم، وبانتظار تعليقاتكم،
    ويمنع النقل!

    في حفظ الله
    اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد

    sigpic348259_3

    أسباب في غاية القصر والبساطة للكتابة للمؤلف أحمد مشرف:
    https://drive.google.com/file/d/0B-LfJc_YRsHobjVQcTh1UHl3dkE/view


  2. ...

  3. #2
    مرحباً بالأخت العزيزة أمواج036..
    هل هي أول مرة اكتب فيها رد لك؟!
    رغم أنني قرأت عدد من القصص القصيرة هنا لك واعجبت بها للغايةe20c..فالأسلوب سلس ويحمل معانِ عميقة في نفس الوقت ..
    يمكن تخيل انسان مكان الطائر المكسور واستخلاص العبر والعظات أيضاً biggrinbiggrin..
    استمتعت بقراءة قصتك العميقة هذه وتقبلي ردي القصير هذا« لم أكن أريد أن أمر دون كتابة شيء هنا...
    شكراً على الطرح036.

  4. #3
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة شارون فينارد مشاهدة المشاركة
    مرحباً بالأخت العزيزة أمواج036..
    هل هي أول مرة اكتب فيها رد لك؟!
    رغم أنني قرأت عدد من القصص القصيرة هنا لك واعجبت بها للغايةe20c..فالأسلوب سلس ويحمل معانِ عميقة في نفس الوقت ..
    يمكن تخيل انسان مكان الطائر المكسور واستخلاص العبر والعظات أيضاً biggrinbiggrin..
    استمتعت بقراءة قصتك العميقة هذه وتقبلي ردي القصير هذا« لم أكن أريد أن أمر دون كتابة شيء هنا...
    شكراً على الطرح036.
    وأهلا بك عزيزتي
    لا أذكر في الحقيقة ninja <== بالكاد تتذكر ماذا أكلت على الغداء

    يسرني أن قصصي نالت إعجابك؛ شرف لي! embarrassed
    وأجل؛ يمكن تخيل إنسان بدل الطائر المسكين.. من الجيد أن يفكر الناس في هذا الأمر! laugh

    شكرا لك على مرورك ��
    في الحقيقة انتظرت ردودا أكثر خاصة أنني كنت أنتظر شخصا قال لي بأنه سيرد! laugh
    في حفظ الله

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter