بسم الله الرحمن الرحيم
مَاذا يُخبِئ نَابليُونْ؟
What is Napoléon Hiding?
غطست أقدام (بو) الصغيرة وسط الماء العكر ، بينما كان يتفادى فروع الأشجار التي مالت بشده فوق المكان، وبعض الأغصان المتعفنه التي تتساقط من وقت لآخر، والتفت بعض الطحالب المعلقة منها حول كتفه واخرى كانت تسبح في الماء التفت حول حذائه الاصفر ذو العنق الطويل، استطاع أن يسمع صوت نقيق الضفادع وَ أزيز الذباب من حوله .. وزاد صرصار الليل معزوفته الخاصة على المكان الرطب وَ شبه المظلم.
كان (بو) يحمل في يده عصا خشبية يغرسها في المياه أمامه قبل أن يمشي فيها ، فهذه المياه تغطي الكثير من الأشياء الخطيرة وَكذلك الأشياء غير المثيرة للخوف تحتها لكن لا أحد يستطيع أن يعرف ماذا يمكن أن يكون تحته في أي لحظة. عندما تظهر ثورة من الفقاعات على السطح قد يكون ذلك بسبب تحريك بعض الشجيرات أو ربما هو تنفس لتمساح يستعد للصيد وقت غدائه . الاسوأ حقًا هو أن تلتصق العلقيات ذات الجسد الأسود اللزج على جلدك وتبدأ بالإنتفاخ وَ هي تمتص من دمك فيتعين عليك أن تنزعها بالقوة وتستمع لصوتها المقزز أثناء ذلك، لكنه هو (بو) سيد المستنقع الصغير خلف المكان الذي لا يعرف غيره بيتًا، يستطيع أن التعامل مع كل هذا، وهو أيضًا الوحيد الذي يحب قضاء جُل أوقاته هنا ... والسبب لا يمكن أن يعرفه إلا هو وَ سكان هذا المكان فقط.
عندما وصل لمنتصف المستنقع ، أخذ نفسًا عميقًا استشنق فيه الهواء الرطب وَ بعض التراب ، ثم أخذ يطرق صخرة صغيرة كانت قمتها تطفو فوق سطح الماء، لم يكن الطرق عشوائيًا .. كانت طرقات ملحة، لكن بنغمة منتظمة وَ معدة مسبقًا ... صاح (بو) : فيلوباتس تريبليس! فيلوباتس تريبليس! توقفت كل الأصوات المحيطة به فجأة، وبعد برهة من الصمت المطبق ، بدأت الفقاعات تتصاعد على السطح على مقربة من (بو) ثم ظهر رأس أخضر صغير جدًا بعينين خرزيتين سودواين وقال بصوت مرتج :
- سيّد المستنقع الصغير، مرحبًا بك!
قال (بو) : مرحبًا فيلوباتس! تعال اقترب مني.
قفز العلجوم الصغير بضعة قفزات حتى وصل ليد (بو) واستقر بهدوء عليها ثم تحدث مجددًا بصوت أكثر استقرارًا وَ أكثر قربًا لصوت يمكن أن يكون لأحد القضاة المحترمين :
- أنا سعيد لرؤيتك يا صاحبي، لدي الكثير من الأشياء العظيمة التي يجب أن أحكي لك عنها، كان من المفترض
أن تستمر رحلتي أكثر ولكنني ظننت أنك تنتظرني بالفعل وقد تقلق ..
قال (بو) عابسًا:
- لستُ قلقًا، كنت غاضبًا ... لقد خدعتني ، وعدتني أنكَ ستأخذني معك في رحلتك لكنك ذهبت من دوني
قفز فيلوباتس حركة تنم عن الاستنكار ربما ، ثم قال :
- بالفعل، كنت سأخذك معي لكنني تلقيت أخبارًا بأن اصطحاب رفيق من أمثالك مستحيل يا صاحبي... هل اعتقدت اني تخليت عنك؟
رفع (بو) رأسه محدقًا قليلًا بالضباب الثقيل والملتف حوله ثم قال بصوت اثقله الحزن:
- نعم، ظننت ذلك ... ذلك اليوم انتظرتك هنا طويلًا ، أكثر من أي وقت أمضيته في هذا المكان من قبل، حتى أن الليل حلّ دون أن ادري ، لم أكن أرغب في العودة حيث اعيش.
قال فيلوباتس بصوت متردد:
- هل ... جاءت السيدة هايفر؟ هل .. ؟
قال (بو) : نعم، جاءت وكانت شديدة الغضب وكادت تنفجر غضبًا عندما اخبرتها عنك وأنني ارفض الذهاب معها لأنك ستأخذني معك، قالت أنها سيئة الحظ لأنها مضطرة لرعاية المجانين أمثالي ، وعاقبتني لوقت طويل...
زعق فيلوباتس بكلام غير مفهوم وبدا صوته الان ضفدعيًا تمامًا ثم سأل بعدها : هل قامت بضربك؟ حرمتك من الطعام؟
هز (بو) رأسه نافيًا : لا ، حبستني في غرفتني لأيام وكانت تأتي كل يوم لتخبرني أنني يجب أن اتخلى عن حكاية القصص عنك وعن سكان هذا المستنقع وانكم مجرد وهم شيطاني يدعوني للجحيم وعلي أن ابتعد من هنا.
مرّت لحظة من الصمت بين الصبي وَ علجومه حتى قال الأخير:
- لنؤجل سرد حكايات رحلتي لوقت آخر إذن، سأنتقل للأمر الذي جئت اليك من أجله ، الساعة التاسعة هذه الليلة استعد ، سأتي إليك بنفسي وَ هذه المرة سأفي بوعدي.
-*-
في الساعة التاسعة ، وبينما كانت السيدة هايفر تقوم بجولتها التفقدية في غرف الأطفال التي ترعاهم في منزلها وترى إن كانوا يعبثون ويشاكسون أم قد ارتدوا مناماتهم و رقدوا على اسرتهم بهدوء وطاعة، سمعت صوتًا يأتي من العليّة ... حيث يقطن أصغر الأطفال ، وأكثرهم سوءًا وخطرًا ، استطاعت أن تميّز ضحكته فزفرت بقوة وصاحت : ياللشيطان! واسرعت متجهة نحو السلالم الضيقة المؤدية لغرفة العليّة الوحيدة ثم فتحت باب الغرفة وهي لا تزال تسمع ضحكات الصغير الذي من المفترض أنه ينام وحيدًا، لكن حين دخلت كانت الغرفة خاليّة تمامًا، سحبت غطاء السرير وهي تصيح : " نابليون!" ولم تجد الطفل تحته .. سقطت على الأرض لتنظر تحت السرير " نابليون!" لكنه لم يكن تحت السرير ... استشاطت غضبًا وهي تتجه نحو قطعة الأثاث الوحيدة مع السرير - دولاب الملابس- وفتحته بعنف لكنها لم تجد سوى مجموعة ذابلة بائسة من الملابس الصغيرة فقط.
سمعت ضحكاته مجددًا خلفها وحين التفت لتنظر اليه ، فُتحت النافذة بقوة كمن دفعتها رياح قوية غير محسوسة، لكن أيضًا لم يكن هناك أحد.
وقفت السيدة هايفر ترتعد بسبب الغضب تارة والخوف تارة آخرى، ماذا يخبئ هذا الطفل! وماذا عليها أن تفعل لتعثر عليه؟ لكن لحظة .. ماهي حكاية نقيق الضفادع المزعج الذي تسمعه الآن... أنه يزداد ويعلو بشكل مربك! تقدمت من النافذة لتنظر منها وتتبين السبب فوجدت أمامها ضفدعًا وحيدًا، اخضر وصغير ، أخذ يحدق بها بصمت حتى فتح فمه على أقصاه وبدلًا من النقيق ، ظهر صوت القاضي الرخيم وقال : سيدة هايفر ، ستنالين عقابك لأنك أذيت ابن الشيطان ولن نسامحك!.
في صباح اليوم التالي استيقظت السيدة على سريرها وبجانبها ممرضة تنظر إليها بعطف وتقول :
- هل أنتِ بخير سيدتي؟ أرجو أنكِ لم تصدمي رأسك بحافة شباك النافذة بقوة ؟
[ تمت ]
المفضلات