السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمضي بنا الأعياد وتتجدد معنا كل عام ، وفي كل مرة نظل نترقب قدوم العيد .. بل عيدان أكرمنا بهما الشارع عز وجل وتفرّد بهما المسلمون
من بقاع الأرض دون غيرهم ! وكذا الجمعة عيد المسلمين كل أسبوع .. لتغنينا عن الاحتفال ببقية أعياد غير المسلمين البدعية المخترعة من
قِبَلِهم ما أن نستشعر الفرح بها .. بتعظيم شعائر الله عز وجل .
حكم العيد :
بإجماع العلماء هو فرض على الكفاية _ إن قام به البعض سقط عن البقية_ ، وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يرى انه فرض عين لأن
الله أمر به في قوله عز وجل { فصلّ لربك وانحر } الكوثر .
وكذلك أمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج العواتق
وذوات الخدور والحيِّض ويعتزل الحيض المصلّى ؛ ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ) صحيح مسلم .
لكنها تجب على من تجب عليه الجماعة ؛أما النساء فليس عليهن جماعة ولا جمعة ،وحضورهن لصلاة العيد مستحب بل مشروع ..
لكن لا تخرج متزينة او متعطرة لتحريم ذلك اجتناباً للفتنة .. وللأسف الشديد نرى صورًا من المنكرات في هذا الباب يوم العيد !!
وقت صلاة العيد:
وقت ابتدائها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال _ أي إلى أذان الظهر _ كل هذا وقت لصلاة العيد ..
وعلى الرغم من ان السنة فعلها في الصحراء _ ضواحي المدن والقرى _ إذ أنه أفضل من إقامتها في المساجد ! فلا تشرع إقامتها في
البوادي والسفر .. إلا ان أهل مكة لهم استثناء ؛ وهذا على مرّ العصور ، وهو ما عمل عليه السلف .
ولا بأس بتعدد صلاة العيد في البلد إن دعت الحاجة إلى ذلك كما في صلاة الجمعة .
ما أفضل وقتٍ لصلاة العيد ؟
السنة في عيد الأضحى ان يبكر بها _أي بعد ان ترتفع الشمس قيد رمح لا يتأخر _ وذلك لرغبة المسلمين بذبح الأضاحي ليفطروا عليها
كما فعل عليه الصلاة والسلام .
وأما في عيد الفطر فالسنة أن يتأخر قليلاً ليتمكن المسلمون من إخراج زكاة الفطر ؛ فالسنة ان يرجع الرجل إلى بيته بعد صلاة الفجر ويفطر
على تمرات _أقلّها ثلاث تمراتٍ _ ثم يخرج زكاة الفطر ثم يذهب إلى المصلى ..فهنا الناس بحاجةٍ إلى التأخير ..فقد ( كان صلى الله عليه
وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ،ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي ) أخرجه أحمد والترمذي وغيره .
وفي حديث أنس رضي الله عنه: أنه ( كان صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ) كما في صحيح البخاري .
ومن سنن العيد أيضأً :
الاغتسال والتنظف والتطيب بالنسبة للرجال ؛وكل هذا من باب إظهار الفرح والتحدث بنعمة الله تعالى { وأما بنعمة ربك فحدث } الضحى..
وأما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى المصلى ، ولتعلم أيها المسلم أن السنة في التنظف ان تلجأ له متى ما احتجت إليه فلا يقتصر
ذلك على عيد او جمعة او غيره ! لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ترك التنظف لأكثر من أربعين يوما ) كما في صحيح مسلم ،
وهذا بالنسبة لأقصى حد .
كذلك بعضٌ من الآداب والسنن في العيد:
أن يهنئ الناس بعضهم بعضا .
ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر ؛ اقتداءً بنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم .. علماً بأن الطريقين يشهدان
له يوم القيامة ..وفيه إظهار لشعيرة صلاة العيد في البلد .. وتفقداً لأهل الأسواق من الفقراء وغيرهم ، والسنة أن يكون ماشياً إلا إذا احتاج
للركوب فلا بأس أن يركب .
ويشرع لمن يصلي العيد في المسجد أن يصلي تحية المسجد ؛ أما إن صلى في مصلى العيد فالمشروع عدم الصلاة قبل صلاة العيد .
ولا يشرع الأذان والإقامة لصلاة العيد ، ولا يُنادى لها كالصلاة جامعة وما شابه ذلك.. فكل ذلك لا أصل له وهو من البدع.
صفة صلاة العيد :
يكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ست تكبيرات؛ فتكبيرة الإحرام ركن، لا بد منها، لا تنعقد الصلاة
بدونها، وغيرها من التكبيرات سنة، ثم يستفتح بعدها لأن الاستفتاح في أول الصلاة، ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست، ثم يتعوذ عقب التكبيرة السادسة؛
لأن التعوذ للقراءة، فيكون عندها، ثم يقرأ.
ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال؛ لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله
عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسا في الآخرة) وإسناده حسن.
وروي غير ذلك في عدد التكبيرات: قال الإمام أحمد رحمه الله: اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير، وكله جائز .
ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ (لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير).
ويُسن أن يقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا
لقول عقبة بن عامر: (سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد؛ قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي) ورواه البيهقي بإسناده
عن ابن مسعود قولا وفعلا. وقال حذيفة: صدق أبو عبدالرحمن .
وإن أتى بذكر غير هذا فلا بأس؛ لأنه ليس فيه ذكر معين.
قال ابن القيم: كان يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات اهـ.
وإن شك في عدد التكبيرات، بنى على اليقين، وهو الأقل.
وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة؛ سقط؛ لأنه سنة فات محلها.
وكذا إن أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة؛ لم يأت بالتكبيرات الزوائد، أو أدركه راكعا فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يركع،
ولا يشتغل بقضاء التكبير.
وصلاة العيد ركعتان، يجهر الإمام فيهما بالقراءة، لقول ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء) رواه الدارقطني،
وقد أجمع العلماء على ذلك، ونقله الخلف عن السلف، واستمر عمل المسلمين عليه.
ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ويقرأ في الركعة الثانية بالغاشية؛ لقول سمرة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقرأ في العيدين بـ) (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) رواه أحمد.
أو يقرأ في الركعة الأولى بـ (ق)، وفي الثانية بـ (اقتربت)، لما في صحيح مسلم والسنن وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مهما قرأ به؛ جاز، كما تجوز القراءة في نحوها من الصلوات، لكن إن قرأ: (ق) و (اقتربت) أو نحو ذلك مما جاء في
الأثر؛ كان حسنا، وكانت قراءته في المجامع الكبار بالسور المشتملة على التوحيد والأمر والنهي والمبدأ والمعاد وقصص الأنبياء مع أممهم،
وما عامل الله به من كذبهم وكفر بهم وما حل بهم من الهلاك والشقاء، ومن آمن بهم وصدَّقهم، وما لهم من النجاة والعافية انتهى.
خطبة العيد :
تكون الخطبة بعد الصلاة ، ومن البدعة تقديمها على الصلاة فقد أنكر الصحابة رضوان الله عليهم ذلك .
والسنة أن تكون خطبة واحدة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وإن جعلها خطبتين فلا حرج ..وهذا قول معتبر قال به جمع من العلماء .
ولا يجب على من حضر أن يجلس للخطبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنا نخطب فمن أحب أن يستمع للخطبة فليجلس ، ومن أحب ان يذهب
فليذهب ) رواه أبو داود وغيره بسند صحيح .
ومن الأدب لمن جلس للخطبة أن يترك الكلام ورفع الصوت فلا يجوز له التشويش على من حوله كما هو الحكم في بقية حِلَقِ العلم والذكر ، وإن
أراد العبث بهاتفه فليلزم الهدوء .
والسنة في الخطبة في الجمعة والعيد أن يكون الإمام قائماً ، واختلف العلماء في استحباب خطبته على المنبر أو بدون منبر فالأمر في ذلك واسع .
التكبير في العيدين :
يستحب التكبير في ليلة العيد ؛ والتكبير نوعان :
أ / التكبير المطلق : في جميع الأوقات والأماكن فلا وقت محدد له ، ففي الأضحى يكون من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق ،
وهذا بالنسبة لغير الحاج .
وفي الفطر يبدأ من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى أن يحضر الإمام لصلاة العيد .
ب/ التكبير المقيد : ليس في عيد الفطر تكبير مقيد وإنما هو في الأضحى ؛ ويكون عقب الفرائض في الجماعة .
ما هي صفة التكبير في العيد ؟
له أن يقول تثليثاً : الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
أو أن يقول شفعًا : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة خاصة للتكبير ، وهذا ما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم .
ولا يشرع التكبير الجماعي في الأعياد ، ومن البدعة أن يكبر رجل ويردد الآخرون خلفه ، فالسنة أن يكبر كل إنسان منفردًا .. ويستحب للرجال
رفع الصوت، ويستحب للنساء رفع الصوت بالتكبير إلا إذا خافت أو شكت أن يسمع الرجال الأجانب صوتها وجب عليها أن تخفض صوتها .
هذا وصلى الله وسلم على معلمنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ..
وكل عام وأنتم بخير ..~
المفضلات