كيف يبدأ التغير ؟ وإلى متى يستمر ؟ وهل هو سهل أم صعب ؟ وإذا كان صعبا فالمصاعب التي سأواجهها ؟! كل هذه التساؤلات لم أجد الإجابة الفعلية لها إلا عندما قررت نقطة البداية ، تلك النقطة التي ابتدأت بالقرار بتغيير ما أنا عليه الآن ، فلا أكون اليوم مثل الأمس ولا أكون غدا مثل اليوم ، وبتنفيذي لهذا القرار اكتشفت كم هو صعب أن تُجبر نفسك على التغيير بدون أي قناعة عقلية فلقد صدق من قال : " الوشم على العقل قبل الوشم على الجسد " ، فبدون تلك القناعة بضرورة التغيير سوف يكون الأمر مؤلما وخصوصا عند مواجهة تلك الأعراض الإنسحابية والتي تتمثل في الاكتئاب وعدم الرغبة في الحياة واعتزال العالم وسيكون من الصعب على النفس أن تقول : سأعيد المحاولة وسأنتصر للتعامل مع اليأس الذي يلي تلك الإنتكاسة ، وقد تشعر كثيرا بأنك لا تستحق شيئا وحتى المساعدة ، قد تشعر بمشاعر الكره تجاه نفسك وتجاه هذه الحياة وأنك بحاجة ماسة إلى طبيب نفسي ليحررك من هذه المشاعر وتلك الأفكار الإنتحارية والناتجة عن العار الذي تشعر به ، وكيف لا تشعر بالعار والجميع يظن بأنك شخص مثالي لا تشوبه العيوب وأنت بداخلك تعلم حقيقة ما أنت عليه ، ولكن هل فكرت يوما وقبل أن تذهب إلى تلك العيادة النفسية بأن تردد بداخلك أنا سعيد ومسرور ؟! أخبرني يا صديقي هل فكرت يوما بأن ترد على إحساس من حولك بضيقك بأنك سعيد ومسرور ؟! بل هل تعلم ماذا سيحدث إن فعلت هذا ؟!
أعتقد أن الإجابة على هذه التساؤلات لا تحتاج إلى تفكير ، فبتأكيد ستصبح سعيدا ومسرورا متى غدت هذه عادتك ، فحتى إن كان " الطبع يغلب على التطبع " كما قال سلمان العودة ، فإنه مع المحاولة مرة واثنان وثلاثة وبطرق مختلفة قد توصلك إحداها للذي تريد ، ابدأ بالاعتقاد بأنك مؤهل للسعادة والنجاح ، وتمتلك الطاقة والقدرة على الإبداع ، أبدًا لا تحاصر نفسك بتلك الكلمات السلبية التي تقول لنفسك فيها بأنك فاشل ، غبي ، ضعيف الإرادة ومكروه ، وأن جميع الأبواب مغلقة بوجهك ، فبالنسبة لي هذا أول تحدٍ قد واجهته في رحلتي للتغيير والتي سأخبرك بنتائجها لاحقا .
في البداية كنت في وضع لا أُحسد عليه ، حيثُ الجميع يتفاجأ من أفعالي عندما أصبحت لا أغضب لأمور اعتدت على الغضب عليها ، وعندما عدت لأستمتع بالأشياء حولي مهما كانت صغيرة ، عندما أضحك للنكتة دون أن أفكر هل هي تستحق أو لا تستحق ، عندما تعاملت بطفولية مع البعض واستمتعت بتلك الوجبة وذلك الشاي دون أن أفكر كم أن هذه الأشياء صغيرة ولا تستحق السعادة لأجلها فعلمت بعدها أن السعادة هي عادة الاستمتاع بالأشياء ، وأصبحتُ أكثر سعادة عندما تخليتُ عن العظمة والكبرياء وتواضعت لنفسي واستمعت لاحتجاجاتها على تجاهلي لمتطلباتها وضروريتها .
في الحقيقة لم يكن الأمر سهلا ، ولم يحدث كل ما أريد في يوم وليلة ولم تظهر نتائج الأمر بالسرعة التي تخيلتها ولكنها وبالتأكيد كان ورائها فرحة طويلة أتتني من حيث لا أحتسب ، ولقد علمتُ سبب هذا لاحقا بمقولة سلمان العودة في كتابه أنا وأخواتها والذي يقول فيه بأننا " سنكون أكثر سعادة حين ندقق في اللحظة التي نعيش بها ، فنقرأ فيها مليارات النعم ، هل قلت مليارات ؟! بل تريليونات ...
تريليونات الخلايا العاملة في أجسادنا ومثلها في الهواء والماء والبر والبحر والجو ، فضلا عن تلك المشاعر والأحاسيس التي لا تدخل في عالم المادة ؛ الإيمان مثلا ، الحب ، للذوق ، اللغة ، الحنين ، الإعجاب ، الأمل ...
ربما نكون أكثر سعادة حينما ندرك أن السعادة ليست طردا يأتينا بالبريد من حيث نريد أو لا نريد ، ولا شهادة أو مستوى نحصل عليه ، إنها إحساس اللحظة الآنية إذا أحسنا استثمارها ، وقررنا أن نجعلها سعيدة ... "
إذا السعادة قرارنا ولكن أتعلم ما لذي سيجعلك فعلا أكثر سعادة ؟! عندما تعطي ذلك القرار الأهمية كغيره من القرارات وتبدأ بتنفيذه دون تواني لطرد ذلك الوهم المسمى بالاكتئاب والذي ربما وجدت بعض أعراضه تنطبق عليك عند تصفحك للإنترنت ، قد تكون لم تبحث عنه مثلي ولكن لا تجعل نفسك مهيأة لتقبل هذا الوهم ، ولا تخف من المستقبل أو تتحدث عنه وكيف ستكون سعيدا فيه بل تحدث عن الحاضر ومدى سعادتك فيه ، فقد قال سلمان العودة " ليس من الوهم أن تلح على نفسك بأنك سعيد ومحظوظ ؛ فالسعادة بقربك وفي متناولك ، وهي ينبوع يُبعث في داخلك ، قطراته صغيرة ، ولكنها كافية ومبهجة متى استمعت إلى وقعها أو شاهدت لحظات انبثاقها الجميلة " .
قد لا تستطيع الاستمتاع بكل اللحظات وهذا عن تجربة بالنسبة لي ، ولكن لا تبقى في تلك الدوامة كثيرا ، انهض واستجمع شجاعتك وأعلم مالذي قد عكر صفوك لتعد له العدة قبل أن يواجهك ، ولا تكن ضعيفا تقبل الشك والوسواس وكن واعيا بذاتك ، كن واعيا بما تحب وبما يداهم تلك القائمة اللامتناهية من المشاعر السلبية فيقضي عليها ، فإن ذلك الوعي سوف يُساعدك كثيرا في الخروج من تلك المعاناة ، وكنصيحة لك لا تستخدم عدتك وخططك بشكل متكرر دونما تنويع فتسأم وتفشل في الخروج بعد ذلك ، خطط دائما للفوز وتوقع الفوز وأستعد له وأنا أعدك بأنك ستجد في الخارج حياة مختلفة تماما .
سوف تجد الجمال والأصدقاء والمحبة في كل شيء ، بل ستستقبل كل ما يسرك من جميع الاتجاهات ، فابسط الأمور مثل رؤية ابتسامة ذلك الطفل في التلفاز تُسعدك ، قد تسعد لتلقيك الثناء من أصدقاءك القدامى في أمور قديمة جيدة حصلت منذ قديم الأزل ، كتلك الصديقة التي رأت شرحي في بعض المواضيع قبل سنوات وشبهتني بإحدى المعلمات التي أحبتها لنشاطها وقدرتها على إدخال روح المتعة والتفاؤل أثناء الشرح ، أو قد تسعد بسماع تلك لعبارات قمت بتعليقها على جدار غرفتك وكلك أمل بأن تستطيع سماعها في يوم ما مثل أن يقول الجميع أن الدنيا لاتزال بخير عند رؤيتك ، ومن الجميل أيضا أن تكون ودون علمك ذلك الشخص الذي يبعث في الأنفس الطمأنينة عند رؤيته ، بل الأجمل من هذا كله عندما تبدأ رحلة التغيير دون أن تُخبر أعز أصدقائك فيشعر بالإختلاف ويقول لك : أنا أحببتُ هذه الفترة جدا ، فأنت تُبهرني بتحولك ، وغيرها من الأمور التي جعلتني لا أدرك هل أنا في حقيقة أم حلم ؟! فأشياء عجيبة ولها جمال لامتناهي تحدث ، وأنا متأكدة بأنه سيختلف هذا الجمال من شخص لآخر ، وأنه فقط علينا أن نعقلها ونتوكل على الله ، وأن نقوم بنفض الغبار عن ذلك القرار ونبدأ بتنفيذه ونستمتع بنتائجه العجيبة والتي ستستمر بالتجدد يوما بعد يوم .
النهاية ...
المفضلات