السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تحية للزوار الكرام ، وصلِّ اللهم وسلم على نبيك خير الأنام ، وبعد ..
يجب على الإنسان أن يعلم أن الدنيا لا راحة فيها ، وأنها في مجملها ابتلاء وامتحان ، وأنه خُلق ليواجه المشقة فيها والتعب ، وبالتالي فإن كل مخلوق في هذه الأرض إن أراد الوصول إلى مبتغاه ، سيتوجب عليه الصبر والسعي خلفه ؛ ولذلك تفضل الله على المسلمين أن جعل من هذا الصبر حسنةً ، وعبادةً يؤجر عليها المرء ، شرط أن يطبقها بإخلاص ، وإيمانٍ بالله ، ورضى بالقدرِ والقضاء ، وعملٍ بالأسباب
وما أجمل أن يغتنم المسلم هذه الفرصة العظيمة والفضل الكريم ، فيحتسب كل انتظارٍ في حياته لوجه الله عز وجل ، فلا يحزن لتأخر وظيفة أو منصب أو زواج أو ذرية ، وينتظر الخيرة من الله عز وجل في هذه الأمور دون يأسٍ أو قنوط ، ولا يقطع الأمل في انتظاره لأمرٍ من أمور الحياة أيًا كانت ، بل يتذكر معية الله الخاصة للصابرين ومحبته لهم ، فيجدد ما بقلبه من إيمانٍ به تعالى ، وينتظر الفرَجَ بقلبٍ مؤمن ..
فإن نال العبد ما يرتجيه بعد الانتظار كان خيرًا له في دنياه وفي أُخراه ، وإن لم ينلهُ فعليه أن يعي أن أمر المسلم كله خيرٌ ، وأنه قد حظي بأجرٍ عظيم عند ربه ، جزاءً لجميلِ صبرِه ..
ولا يُثاب العبد على انتظار الفرج إلا إذا صُوحب باليقين القلبي التام أن الله سينجز وعده للصابرين دنويًا وأُخرويًا ، وبالعمل بالأسباب وإن لم تُكافئ المصيبة النازلة ، فإن علم الله سعي المسلم فيها سيجزيه على سعيه وإن قَلْ ، فلا يستوي المجاهدون والقاعدون عند الله ..
وإنَّ في احتساب انتظار الفرج لوجه الله تعالى لراحةً وشعورًا يختلف تمامًا عن انتظاره بتملل وتذمر ، أو بنسيانٍ لله تعالى ، كمن يصاحب انتظاره بالقعود والإستسلام للواقع والظلم بزعم التوكل على الله ، أو بشتم الظروف والليالي الطوال ، فلا هو الذي حقق مراده الدنيوي ، ولا هو الذي نال الأجر المترتب على انتظار الفرج ، بل وقد يَأثمُ على ذلك ، أما إن تذكر الإنسان أن الله عز وجل وحده القادر على كشف الكرب ، وإجابة المضطر ، ورفع البلاء ، وإيتاء الفرج ، وأن الأمر كله بيده تعالى مهما طالت الأيام والليالي ، فلن يشعر بالوقت وإن طال به الدهر في الانتظار ، بل وربما يُعجِّل الله له الفرج ، إحسانًا لعظيم إيمانه بالله ..
إن القدرة على انتظار الفرج والصبر على الشدائد أراها صفةً من صفات المسلم القوي ، فلن يصبر على الشدة إلا من كان قلبهُ قويًا ، سواءً قوة إيمان بالله أو قوة تحمل مصائب الحياة ، وإني لأراها أيضا من الخصال التي تعطي صاحبها عزةً في نفسه ، وتنزع منه سرعة الغضب وكثرة الشكوى ..
وكذلك ما نراه في بلادنا المسلمة من انتظارٍ لفرج الله ونصره على العدو ، فكلما ازداد البلاء وطال الانتظار مع اليقين بأن الفرج سيقبل ، أثابهم الله على حسن ظنهم به ، وكفَّر عنهم سيئاتهم لصبرهم الطويل على البلاء ..
أخيرًا ، فإنهُ لن يدرك فوائد المحن والشدائد والصبر عليها إلا أرباب البصائر ، وذوي القراءة العميقة لسنن الله القدرية والكونية ..
يقول إبراهيم بن عبَّاس :-
ولَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِها الفَتَى
ذَرْعًا وعِنْدَ اللهِ مِنْهَا المَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا
فُرِجَتْ وكَانَ يَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ
نسأل الله أن يكشف كرب المكروبين ، ويجيب دعوة المضطرين ، ويؤتي كل صابرٍ فَرَجًا قريبًا ..
.. تحية طيبة
Ernest
المفضلات