السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا تأملت القرآن ستلاحظ أن للخالق أسلوباً في مخاطبة عباده .. من ضمنها ستلاحظ أن هناك نوعان من الإيمان يتم مخاطبتهم ..
هناك إيمان بالظواهر المدعومة بالدليل والحجة .. وهناك إيمان بغيبيات لا نراها ..
أفضل مثال أحداث "الإسراء والمعراج" ..
طبعاً كمسلمين نحن نؤمن بها .. لكن لنخاطب الإنسان المتشكك ..
الملاحظة الأولى : الإسراء قد تم على الأرض في أماكن يعرفها الناس .. فالناس تعرف المسجد الحرام كمكان والمسجد الأقصى كأماكن "مكان ظاهر" .. لكن المعراج إلى السماء هو مكان مجهول عنا كبشر "مكان غيبي" ..
الملاحظة الثانية : الرحلة الأولى وهي الإسراء أثبتها الرسول أمام السائلين .. فهو وصف مكاناً لم يذهب إليه في حياته في ليلة واحدة .. رغم ان المسافة تستغرق بالإبل أياماً طويلة .. بل إنه وصف القوافل التي في الطريق .. وهي أمور لن يعلمها إلا من اطلع وسافر بالفعل .. وهذا دليل على مخاطبة "الإيمان بالظواهر" التي نراها ..
الملاحظة الثالثة : ستلاحظ أن المعجزات بشكل عام تخاطب إيماننا بالظواهر .. أي أشياء نراها بأعيننا تفوق القوانين التي اعتدنا عليها .. ليدعم إيماننا بغيبيات لم نراها مذكورة في القرآن ..
فمن أسرى بعبده ليلا إلى المسجد الحرام .. لا عجب أبداً إن أسرى به إلى السماء كذلك ..
لكن لو فرضنا أنها كانت حادثة واحدة وهي المعراج إلى السماء فقط .. وان الرسول وصف ما شاهده من غيبيات .. فلربما البعض وصفها بأنها مجرد أضغاث أحلام .. فأين دليل القدرة .. لكن أن تكون مدعمة بحدث آخر تم على الأرض ويرد على حجج الناس فهنا الأمر مختلف ..
:
مثال من الحياة : عندما يدعي شخص أنه ماهر في الطبيخ .. وطلبت من الإثبات .. فقدم لك طبق لذيذ من المكرونة وكرات اللحم مع صوص الفطر .. وأعجبك للغاية .. عندها ستصدقه لو قال لك أنه قادر كذلك على طبق أصناف أخرى غير المكرونة .. لو قال لك انه شاطر بالسمك والأشياء الأصعب ستصدقه بناء على إثباته الأول .. أو باختصار فإنك ستنال ثقته في الأصناف الأخرى رغم انك جربت صنفاً واحداً ..
:
وهناك فالإيمان درجات .. وحولنا مظاهر كافية لإيماننا بالظواهر التي نراها "خلق الكون حولنا" فنحن نؤمن مبدئياً أن هناك خالقاً او صانعاً لم نكن نعرف من يكون .. وهنا جاء دور الكتب السماوية لتشير إلى غيبيات "بان هناك فعلاً خالقاً لا نراه" وتربطها بإيماننا بالظواهر الموجود فطرياً ..
لكن الفرق أن هناك من يهتم في التفكير عن خالق الكون حولنا .. وهناك من قرر ألا يهتم .. فليست المسألة وجود ادلة كافية من عدمه ..
:
::عبادة الأصنام والطبيعة اكثر سهولة ::
قد نستغرب وجود من يعبد الشمس او بعض الحيوانات أو حتى بعض المخلوقات الخيالية .. سنكتشف أن ما يعبدونه كان بناء على هواهم .. فالشمس لم ترسل تعاليم دينية مثلاً .. لكن الإنسان اختار ان يعبدها ..
السبب ببساطة لأنها معتقدات غير ملزمة .. ليس بها تعاليم كثيرة او صلوات .. فهو نوع من التكاسل .. لأن الديانات السماوية ملزمة بثواب وعقاب .. كما ان الديانات تخاطب العقل .. أما عبادة الطبيعة فلا تحتاج إلى ان تستخدم عقلاً فيكفي ان تتصرف حسب اهوائك او تخلق لنفسك بيئة معتقدات افتراضية ..
ولن تجد وجه للمقارنة بين اديان سماوية لها أسلوب محدد في المخاطبة للعقل والروح وبين معتقدات هشة من حيث الأساس الذي تعتمد عليه ..
:
:: المسيحيون لا ينكرون النبي محمد ::
كثير من المسيحيين لا ينكرون ان سيدنا محمد هو نبي من أنبياء الله .. كما أنهم يؤمنون أن القرآن كتاب سماوي .. ليست المسألة أنهم لا يصدقون .. لذا فهم مؤمنون بأن محمد هو رسول من الله .. لكن هم لا يريدون اعتناق الإسلام كمنهج .. لأسباب مختلفة .. ولعل منهم من يتمنى ان يكون مسلماً لكن يصعب عليه اظهار ذلك ..
لا تستغرب ابداً لو وجدت القرآن في مكتبات بيوتهم .. ولا تستغرب احترامهم او استشهادهم بأيات من القرآن كذلك ..
فنبينا محمد شخصية تاريخية مؤثرة في العالم ككل ..
:
:: غيبيات قابلة للأنكشاف وأخرى لا ::
هناك غيبيات تم كشفها مع التقدم العلمي وأثبتت ما اشارت به آيات القرآن .. وهناك غيبيات اختص خالقنا به لنفسه ..
فمثلا الجنة والنار وقيام الساعة هي غيبيات خارج حدودنا ..
وكلما تقدم الزمن وتقدم العلم تغيرت نظرتنا للأيات واكتشفنا أنها ذات دلالات أوسع مما كنا نعتقد ..
وهذا يثبت ايمان المؤمنين اكثر .. فكلما انكشفت احد الغيبيات .. زاد الإيمان اتجاه الغيبيات الأخرى ..
:
:: الإيمان بخالق لا نراه ::
لماذا لا نرى خالقنا يظهر لنا وينتهي هذا الجدل بخصوص المتشككين .. او بعض الوساوس التي قد تراودنا ..
لنتخيل انه ظهر لنا في السماء .. وقيد نفسه بقوانين العالم المادي الذي خلقه .. ألن تلاحظ أنه لكي نراه باعيننا الصغيرة فيجب أن يظهر بحجم أصغر من السماء او اصغر من الشمس.. عندها سيقول آخرون "السماء والفضاء أكبر حجماً واتساعاً فكيف لكائن بهذا الحجم الضئيل ان يخلق كل هذا" .. فالعقل ذاته سيرى عيباً في هذا التصور ..
لذا فمن يصغر نفسه ويقيد نفسه بقوانين ما خلقه فكيف يكون جديراً بأن يتم تصديقه .. "ولم يكن له كفواً أحد" ..
وكمثال بسيط :
أننا ندخل الجامعة .. ونتخرج .. مع ذلك ربما لم نرى مدير او عميد الجامعة .. لكن لو سألتك هل لهذه الجامعة رئيس او مدير .. سيكون ردك "أكيد" مع انك لم تره أبداً .. لكنك رأيت مظاهر وجود المدير وهي انه فيه فصول دراسية .. فهي حضور وانصراف .. فيه حركة وحياة بالجامعة .. أكيد فيه من يحرك هذه الأمور بالخفاء ..
يا أخي حتى لو كان يجيك مرتب .. هل المرتب يتحرك من نفسه .. أكيد فيه موظفين ومدير مالي وحسابات وغيره .. مع انك لا تعرفهم ولا تراهم .. أنت فقط ترى ماكينة السحب النقدية وترى الفلوس .. فهل يمكن ان تنكر وجود كل هؤلاء او احد منهم ؟!
فما بالك بخالق الكون كله .. هل لازم تشوفه بنفسك .. طيب انت انكرت وجوده .. طيب من فين جات هذه السماء والأرض .. من نفسها ؟!
:
الموضوع مقتبس من خواطر الشيخ الشعراوي الله يرحمه
تحياتي =)
المفضلات