السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
" شكرًا أيها الحظ لعدم إعترافك بوجودي ! أصبحتُ متأكدًا بأن الحظ موجود في كل زاوية من زوايا الحياة و لكن أدركت بأن حياتي دائرية ! لماذا لا تدور من حولي أيها الحظ؟! هل الرشوة هي آخر الحلول لوقوفك بجانبي ؟! عزيزي الحظ ! أرجوك إلتفت قليلا للوراء لعلك تراني فأنا أصبحت لا أضرب أرقامًا قياسية إلا في النحس ! كلا إنتظر !!! لقد إكتشفت الأمر و الخدعة ! أنت مغناطيس .. و أنا خشبة .. هذا كل ما في الأمر و لكن أتدري ؟! ... ربما أنت لست موجودًا في هذا العالم الواسع من الأساس ! "
من السهل أن تتمنى الحصول على حياة تماثل حياة شخص آخر , أن تشتهي ما يمتلكه , أن تتمنى إمتلاك مهاراته , مواهبة , أصدقائه , ماله أو أسلوب حياته . و ذلك لأنك لا ترى إلا المظاهر الخارجية - أي ما يسمحون لك برؤيته - . و أنت على الأرجح لا تلاحظ إلا الأشياء التي تغار أو تحسده عليها .
عندما كنت طفلًا , كان هناك ذلك الفتى في فصلنا الذي كان متفوقًا في كل المواد و ينافسني في كل شيء على المركز الأول , كان ذكيًا جدًا لدرجة أنه لم يكن يحتاج حتى للمحاولة ! كم تمنيت أن أكون مثله . و لم أكتشف إلا بعد سنوات طويلة أن هذا الفتى كان يبذل جهدًا شاقًا أكثر مما كنت أتخيل ! كان ذكيًا و لكنه لم يكن خارق الذكاء بالدرجة التي كنت أتخيلها ! و كان السبب في بذله كل هذا الجهد هو أن أبويه كانا يفرضان عليه نظامًا صارمًا في الحياة ! و كانا لا يسمحان له بمشاهدة التلفاز أو الخروج من المنزل إلا حينما ينجز العمل الذي يتوقعانه منه . و بهذا الإدراك المتأخر , شعرت بالسعادة لأنه لا أحد استمع إلى أحلام طفولتي و لوح بعصا سحرية و أعطاني حياته ! فلو حدث هذا لكنت كرهت حياتي ! .
في الواقع , عندما أفكر في الأمر الآن , أجد أنه كان هناك الكثير من الأطفال ممن عانوا جميع أنواع المشكلات العائلية التي لم نكن نعلم عنها شيئًا في وقتها , الإدمان , الحرمان , الطلاق , الإيذاء الجسدي ... و لايزال هذا الأمر صحيحًا حتى بعد بلوغي سن الرشد ! فأنا لا أعرف نصف ما يدور في حياة الأشخاص الآخرين .
لذلك توقفت عن حسد الآخرين , و ذلك لأنني لا أعرف ما إذا كنت فعلا أتمنى أن أكون مثلهم أم لا . على الأقل أنا أعرف ما هو موجود في حياتي و أنا أعتدت على حياتي و أملك قدرًا من السيطرة عليها و هذا أمر مهم جدًا أيضا ! و حتى إن كان الأشخاص الآخرون يعيشون في سعادة حقيقية و كانت أحوالهم متيسرة الآن , فمن يدري ماذا ستكون حالهم في المستقبل ؟! أو ما هي الأمور السيئة السابقة التي حصلت لهم ؟! فقد ينهار كل ما لديهم - لا سمح الله - خلال سنوات قليلة و سوف أشعر أنا بالسعادة لأنني لم أكن في مكانهم و رضيت بحياتي متمنيًا لهم التوفيق في كل الأحوال .
إلى جانب ذلك , هل توقفت مرة للتفكير في الناس الذين يحسدونك ؟! أراهن أن هناك بعضًا من الناس يحسدونك ! أو ربما يجدون فيك شيئًا مميزًا ! ربما يحسدونك على كل شيء أنت لا تدركه و لا تدرك كم هو قيم بالنسبة لهم و يشعرهم بالنقص ! ثقتك بنفسك , جمالك , مهاراتك في كرة القدم , شعبيتك و أصدقاؤك , دعوات الحفلات التي تتلقاها , شهادتك الجامعية , وظيفتك , زوجك/زوجتك ! لذلك نحن دائمًا ما نتسم أو نتميز كبشر بنزعة التسليم بكل شيء نمتلكه و نركز فقط على الأشياء التي تنقصنا و موجوده في الآخرين و نتناسى ما نمتلكه من إمكانيات يرغب فيها المئات ! ربما ينبغي علينا أن نرى أنفسنا من منظور الآخرين بين الحين و الآخر و نفكر في كيف ينظرون الناس لنا على ما نمتلكه و ليس ما يمتلكه الناس لديهم ! فنحن جميعنا خلقنا بمزيج من السمات الإيجابية و السلبية و مزيجك الشخصي ليس أسوأ أو أفضل من مزيج أي شخص آخر ! .
و هنالك شيء آخر , مادمت أنك تركز على الأشخاص الآخرين و تحسدهم و تغار منهم و تتهمهم بالحظ منذ ولادتهم .. فإنك لن تتمكن من معالجة الأشياء التي لا تعجبك في شخصك و حياتك ! أو كما يقال إن إعتدت أن تغضب من كل شيء فـ لن تهدأ أبدًا !! و لهذا إن إستمريت من الإنزعاج و الحسد و الغيرة و إتهام الناس بأنهم محظوظين فـ لن تتمكن من حب أو الإعجاب بأي شيء في شخصيتك أو في حياتك ! فبدلًا من تمني إمتلاك ما يخص الآخرين لمَ لا تقضي بعض الوقت في التفكير في كيفية الحصول على ما ترغب فيه لنفسك ؟! بالقليل من الشفقة على الذات و بالمزيد من الهمة سوف تتوقف عن الحسد نهائيًا إن شاء الله ! .
لا تحسد الآخرين ! لا أعلم إن كان الحظ موجود في الأساس أم فقط هو نتاج جهد مبذول منذ زمن و لكن ... أستطيع القول إن كنت تؤمن بوجود الحظ ... فأنا أستطيع القول بأن حتى الحظ يعتبر مهارة ! .
المفضلات