مشاهدة النتائج 1 الى 11 من 11

المواضيع: رصيف

  1. #1

    رصيف

    attachment

    جدران بيضاء وأثاث بلون البيج الفاتح طاولة عريضة عليها تركيبات متناثرة، حوض سمك متوسط الحجم، المرايا ممنوعة فهو يكرهها، خزانة الملابس تبدو فارغة إلا من بضع قطع.

    وكما عَهِدَته دائما يجلسُ متأملا لأشياء في صمت لاينقطع، يراقبُ حوضَ السمك، يلعبُ التركيبات الصعبة، يحب لألوان الهادئة، يحب والدته ويكرهُ أوامرها.


    -نورس
    يجيبها من دون استدارة
    -ماذا هناك؟
    كان يجيب بقلق فهو يخاف من أن يُطلب منه أن يجلس في مجلس يضج بالناس، أو يلقي التحية على إحدى صديقات والدته، أو يلبس ملابس يكرهها.

    تسأله الخادمة مسك: ماذا تريدُ أن تأكل ؟
    لم يجبها وظل ينظرُ إلى الوسادة التي على لأريكة، فَهِمت مسك أنه أنزعج من تغيير مكان الوسادة الغير مقصود ،ذهبت مسرعة لإعادتها على الكرسي.
    يكرهُ التغيير ، يحبُ أن يكونَ كل شيء في مكانه، ينزعجُ من أدنى محاولة معهُ ليتغير.

    أغمضَ عينيه في محاولة أن يهدأ فلقد أزعجهُ جدا منظر الوسادة، وفي الجهة المقابلة مسك تلتزمُ الصمت وتتركُ له المكان ليهدá فهي أكثر من يفهمه لشدة قربها منه منذ طفولتهِ المبكرة إلى بلوغهِ الثانية عشر.

    بعد دقائق عادت ووقفت صامتة تتأمل الموقف بحكمة فما تعلمتهُ من الحياة كفيلٌ بأن يجعلها قاسية حين يتطلب الموقف.

    -هل أنتَ بخير؟
    يهزُ رأسهُ بالنفي.

    تنظرُ إليه بصمت ، بدت نظراتها قاسية وبسرعة ذهبت اتجاه النافذة ورفعت الستار بعنف.

    وبصوتٍ غاضب: نورس أنظر
    تفاجأ من نبرتها الحادة لكنه لم يلتفت، سَمِعَ صوت خطواتها المقتربة ،وأرتعب!!
    أمسكت أكتافهُ بعنف وأخذتهُ مُجبراً إلى حيثُ النافذة.
    قالت بغضبٍ أكبر وبإصرار والصدى يتبعُ صوتها: أنظر يمكنكَ أن تُصبحَ مثلهم.

    نظر إليهم ولازال متفاجئاً من تصرفات مسك الغريبة بين الفينةِ والأخرى، خمسة أطفال من أقربائه بين عمر الرابعة والخامسة عشرة يلعبون كرة القدم في حديقة المنزل، استدار يريد العودة الى حيث يجلس أمسكت أكتافهُ بإلحاح شديد مانعةً إياه من المغادرة!
    اضطرَ أن ينظرَ إليهم ، شيئاً فشيئاً غَرِقَ في تأمله، خففت إمساكها العنيف بكتفيه حتى تباعدت عنه ووقفت بجانبهِ الأيمن كانت تعلم أنه لا يريد وباستطاعته، كانت تعلم أن اداركهُ أكبر من هؤلاء الخمسة فهو ودع الطفولة مبكرا منذ السابعة وهو الآن في الثانية عشر!!

    صادق نورس لا تبتعدا عن الرصيف ، كان الرصيف طويلاً وعريضاً مساحة لا بأس بها للعب بكرة القدم.

    أجاب صادق بجدية: حسنا لن نبتعد.
    نظرت أم نورس إليه بتحذير: انتبه ايها المشاكس لا تتخطى الرصيف.
    أجاب نورس بلامبالاة فهو يكرهُ الأوامر عموما ويكره القواعد في أي شيء يقومُ به.
    -حسنا
    تعالت الضحكات البريئة واستمرت اللعبة ، لكن نورس كعادتهِ يحبُ التحدي، قام بقذفِ الكرة حتى وصلت الى منتصف الطريق، قال متحديا صادق وبحماس:
    -اعدها.
    نظر إليه صادق بخوف
    -وماذا ان صُدمت بسيارة .
    رد قائلا محاولا اغاظةَ صادق: جباااان "أخرج لسانه"
    استفُز صادق وبغضب ذهب مسرعا لإعادتها حتى جاءت سيارة مسرعة قذفته ارضا بدمائه.
    صادق أصيب بشلل نصفي ،أما نورس بشلل نفسي !!! لم يستطع أن يتخلص من الشعور بالذنب رغم محاولات الجميع في اعادتهِ طفلا طبيعيا و جعله ينسى، إلا مسك كانت تحاول معهُ أن يعيش لا أن ينسى.



    خرج صوته الذي لا يستخدمهُ إلا للضرورة: لا تعرفين معنى أن تفقدي شخصا تهتمين لأمره.
    -أعرفُ أننا نخسر ولا يجبُ أن نخسرَ أكثر!!
    -لا تشعرين بما أشعر.
    - ليس مهما ، فأنتَ لا تعرفُ كم هو مهم أنه ضاعت منك خمسة أعوام في هذا العمر يجبُ أن تتغير.
    "نظرت إليه باهتمام" وكان الشيب الذي يكسو رأسها يكفي بأن يجعل نورس يهابها أحيانا .
    أضافت: لا يجب عليكَ الوقوف على الرصيف.

    "أحيانا نقفُ على الرصيف لننتظر، وأحيانا لنودعَ أحدهم، لكن الأصعب أن نقفَ عليه وقفةَ الأطلال"

    تمت
    أرتبُ النسيان
    اخر تعديل كان بواسطة » هدوء الملاك في يوم » 17-07-2018 عند الساعة » 11:49 السبب: إضافة الوسام = )


  2. ...

  3. #2

    جميلةٌ قصتكِ ، معبرةٌ و صادقةٌ .
    بسيطة بما يكفي ليصل إلينـا ..

    "أحيانا نقفُ على الرصيف لننتظر، وأحيانا لنودعَ أحدهم، لكن الأصعب أن نقفَ عليه وقفةَ الأطلال"
    سرّني المرور هنا .. بوركتِ 031


    -
    " قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ .. "

  4. #3
    كعادتك أرتب تفاجئيني بأفكارك وبطرحك ....
    تنسجين القصة نسجا بديعا
    ماهو السر في مغزلك ؟!
    وقفت للحظة مع نورس في محاولة التخطي الا أن الحدث أعادني بقوة لهول ماحدث!
    تعليق واحد فقط
    شعرت أن عقلية المتحدث اكبر من كونه طفلاً
    رائعه بحق
    دمت بخير
    GnK40379

  5. #4
    لَـيلَكْ
    أشكر مروركِ اللطيف
    أسعدني ذلك
    في حفظ الباري

    ترانيم الفجر
    أعلق على تعليقكِ حول عقلية المتحدث
    نعم أشعرُ بذلك، ولكنني لا أكتبُ حول طفلٍ عادي..
    فالحادث كان له أثر في تحويله من طفل كبقية الأطفال
    إلى طفل يتحمل ثِقلَ و مسؤولية ما حدث .
    والتركيبة النفسية لها دور..
    لا أدري إن كنتُ قد بالغت في رسم الشخصية..
    لكنني أؤمن بأن التجارب لها دورٌ كبير في تغييرنا..
    سواء كنا كبارا أو صغارا..

    أشكرُ مروركِ الذي حفزني
    في حفظ الباري

  6. #5


    سلام الله عليكِ عزيزتي نسيان
    إن للصباحات التي برفقة قصصك نكهة لذيذة لا يزول أثرها سريعا ..
    ما شاء الله، بارك لكِ الرحمن فيما وهب ..
    أظنني غالبا ما أسأل نفسي بعد قراءة قصة لكِ (كيف تكتبين؟)
    البساطة والبلاغة في نفس الوقت!

    اعتقدتُ نورسا مصابا بالتوحد، بما أنه يكره تغيير الأثاث وما شابه، وقد يكون كذلك فعلا، أو أن الوحدة تسكن في أعماقه، بتعبيرك (شلل نفسي)
    أحببتهُ بالمناسبة، كما أحببتُ اسمي (نورس ومسك)
    وكلمات هذه الأخيرة صادقة ومنطقية وحكيمة، عسى أن يتأثر بها نورس ويفرد جناحيه للحياة ثانية

    فما تعلمتهُ من الحياة كفيلٌ بأن يجعلها قاسية حين يتطلب الموقف

    إلا مسك كانت تحاول معهُ أن يعيش لا أن ينسى.
    دُرر .. دُرر ما شاء الله cry

    وإن لمسك نصيبًا من اسمها، فوجودها وكلامها يُطيّبان النفوس بحق

    عزيزتي أرتب أرجو أن تزيدينا، زادكِ الله من واسع فضله، إن نفوسنا تواقة للنهل من معين حروفك العذبة ..
    تبارك الرحمن â™،

    دمتِ بأمان الله.

  7. #6
    لعلّها تُحفة فنيّة أقرب من كونِها أقصوصة قصيرة ؟
    مدهشٌ هو أسلوبك في الكِتابة !..
    البساطة ، و السلاسة .. و فكرة إبداعية منطقية ؟
    لأكون صادقة ، خِلتُ أني سأجد قصة عاديّة قد لا أكملها ، لكني فوجئتُ بنفسي أصل لنهاية أسطرها بلمحة بصر !
    أبهرني الأسلوب !.. هو يجعل القارئ - رغماً عن أنفه - يُكمل القصة و إن كان ذلك لا إرادياً منه !
    .
    القصة كانت مُذهلةٌ !..
    تصويرك لتلك الصدمة النفسيّة و رغم صغر سنّ الشخصية الرئيسية.. حتماً كاتبة موهوبة !
    لأصدق القول خلتهُ مريضاً نفسياً ربما..
    فلم أربط بين الحادثة الأليمة و انزعاجه من تغيير مواضع الأشياء سوى بمرضٍ نفسي أقرب من كونه صدمة نفسيّة biggrin
    أشفقتُ على صديقه المشلول بشدة !.. و كذلك أحببتُ شخصية مِسك و صرامتها التي تُخْفِي خلفها الكثير و الكثير من الحنان
    .
    أبدعتِ !..
    أستمري بقوة...!
    تقبّلي مروري المتواضع ~ في أمـــــــــانِ اللَّهِ smile
    قد لا تكونُ جميع أيامنا جيدة و جميلة ؛ لكن حتماً هناك شيء جميل في كُل يوم نعيـشه

  8. #7
    جثمان ابتسامة
    أبدأ أولا في اعتقادك حول اصابتهِ بالتوحد...
    باعتقادي كل من يكتب لديهِ لغة واصطلاح..
    فاللغة هي المتعارف عليه والاصطلاح هو مايقصدهُ الكاتب...
    فهنا مثلا ظن البعض أنه التوحد تلك الإصابة المعروفة اليوم..
    اما ماقصدته قد يكون حالة توحد، فالمصابون بالتوحد ليست كل
    طباعهم غريبة أو بعيدة عن البشر ، فكلنا نصاب بحالة مؤقتة
    قد تكون توحدية انفصامية او اكتئابية او وسواسية سمها ماشئتِ ،
    وتكون ردة فعل طبيعية ناتجة عن موقف او حدث.
    تعليقاتكِ دائما تجعلني أتقدم...
    أشكركِ جدا
    في أمان الله

    Icè Pieceś
    أهلا بكِ
    ربطكِ بين الحادثة الأليمة وانزعاجه من تغيير الاشياء، والمرض النفسي
    أو الصدمة النفسية، ربما بعضُ الشخصيات التي تكره التغيير سيفهمون نورس اكثر
    فأحيانا ، يكرهُ المرء التغيير لا لعلة نفسية ، بل الأنه وقفَ المكان والزمان به
    عند حد معين كما حصل لنورس فيرفضُ تقبل فكرة ان ذلك الزمان قد ولى
    وان المكان قد تغير.

    أشكرُ ردكِ المحفز
    في حفظ الباري

  9. #8



    ,



    لعلَّ العُنوان لم يكُن جاذِبًا فقط.. بل كان عُنصُر مفاجأة لما قد كُتِب في الدَّاخِل!
    بكامل الاحترام أُثني إليكِ وجدي والفؤاد، لم أُبصِر ما كتبتِ فقط.. بل استبصرتُ الكثير

    أحيانا نقفُ على الرصيف لننتظر، وأحيانا لنودعَ أحدهم، لكن الأصعب أن نقفَ عليه وقفةَ الأطلال
    موجة من التَّصفيقِ العظيمِ لكِ، أحسنتِ وأحسنتِ وأحسنتِ!
    دُمتِ لنا وهجًا وتألَّقًا.

    : قطُوفُها دانِية *,
    ما هِي إلّا حروفٌ ضائعة تمّمتُها.

    Just SHOCK of everything
    - حين أتُوه.. فأنا هُنا.

  10. #9
    S h o c k
    أسعدني أن كلماتي المتواضعة قد وصلت إليكم..
    فلا شيء يسعدُ الكاتب سوى وصول كلماتهِ للقارئ
    أشكرُ ردكِ المحفز
    دمت بخير

  11. #10
    أرجوان ♥ P2Q2CH
    الصورة الرمزية الخاصة بـ ×hirOki×









    مقالات المدونة
    17

    Snowy Diamond Snowy Diamond
    مسابقة يوم صحي في رمضان مسابقة يوم صحي في رمضان
    نجمة القصص والروايات لعام 2019 نجمة القصص والروايات لعام 2019
    مشاهدة البقية
    .
    .
    .

    والآن يمكنني أن أتخيله
    بصمته والأحرف تخرج من نفسه ( وليس لسانه) بصعوبة
    بنظرات عينيه الفارغة وهو يرقب منزعجا ذلك التغيير في مكان الوسادة !
    إنها مصيبة كبيرة
    لقد عبر صادق ...ومنذ ذلك الوقت ظل نورس لا يريد لشيء أن يعبر
    شيء أليم وللأسف قاتم ويفطر القلب
    ولكن عذوبة قلمك تنثر عليه بلسما رطبا ولطيفا
    ستفعلها مسك ،، و سيصحو الصغير
    وسأشكرك كثيرا على هذا الجمال هنا
    .
    .

    e304










    .
    .
    .
    اخر تعديل كان بواسطة » ×hirOki× في يوم » 09-05-2018 عند الساعة » 17:25
    .

    و إذا يْنَفْعّك الله
    حاشا يضرّك إنسان

    e032


    my blog
    goodreads


  12. #11
    ×hirOki×
    ملاحظة صغيرة جدا ^_^]لو كان اسم الحكاية ( الرصيف) بدلا عن رصيف e413 ، لأنها بالتعريف تعطيه ثقلا وحجما أكبر وهذا ما سيناسبه فهو يلتصق بذكرى الصغير بصورة رهيبة

    وضعته من دون ال التعريف ليكون الاسم جذابا وخفيفا وشعرت انه مناسب الاقصوصة.
    أشكرُ مرورك اللطيف
    في حفظ الباري

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter