جدران بيضاء وأثاث بلون البيج الفاتح طاولة عريضة عليها تركيبات متناثرة، حوض سمك متوسط الحجم، المرايا ممنوعة فهو يكرهها، خزانة الملابس تبدو فارغة إلا من بضع قطع.
وكما عَهِدَته دائما يجلسُ متأملا لأشياء في صمت لاينقطع، يراقبُ حوضَ السمك، يلعبُ التركيبات الصعبة، يحب لألوان الهادئة، يحب والدته ويكرهُ أوامرها.
-نورس
يجيبها من دون استدارة
-ماذا هناك؟
كان يجيب بقلق فهو يخاف من أن يُطلب منه أن يجلس في مجلس يضج بالناس، أو يلقي التحية على إحدى صديقات والدته، أو يلبس ملابس يكرهها.
تسأله الخادمة مسك: ماذا تريدُ أن تأكل ؟
لم يجبها وظل ينظرُ إلى الوسادة التي على لأريكة، فَهِمت مسك أنه أنزعج من تغيير مكان الوسادة الغير مقصود ،ذهبت مسرعة لإعادتها على الكرسي.
يكرهُ التغيير ، يحبُ أن يكونَ كل شيء في مكانه، ينزعجُ من أدنى محاولة معهُ ليتغير.
أغمضَ عينيه في محاولة أن يهدأ فلقد أزعجهُ جدا منظر الوسادة، وفي الجهة المقابلة مسك تلتزمُ الصمت وتتركُ له المكان ليهدá فهي أكثر من يفهمه لشدة قربها منه منذ طفولتهِ المبكرة إلى بلوغهِ الثانية عشر.
بعد دقائق عادت ووقفت صامتة تتأمل الموقف بحكمة فما تعلمتهُ من الحياة كفيلٌ بأن يجعلها قاسية حين يتطلب الموقف.
-هل أنتَ بخير؟
يهزُ رأسهُ بالنفي.
تنظرُ إليه بصمت ، بدت نظراتها قاسية وبسرعة ذهبت اتجاه النافذة ورفعت الستار بعنف.
وبصوتٍ غاضب: نورس أنظر
تفاجأ من نبرتها الحادة لكنه لم يلتفت، سَمِعَ صوت خطواتها المقتربة ،وأرتعب!!
أمسكت أكتافهُ بعنف وأخذتهُ مُجبراً إلى حيثُ النافذة.
قالت بغضبٍ أكبر وبإصرار والصدى يتبعُ صوتها: أنظر يمكنكَ أن تُصبحَ مثلهم.
نظر إليهم ولازال متفاجئاً من تصرفات مسك الغريبة بين الفينةِ والأخرى، خمسة أطفال من أقربائه بين عمر الرابعة والخامسة عشرة يلعبون كرة القدم في حديقة المنزل، استدار يريد العودة الى حيث يجلس أمسكت أكتافهُ بإلحاح شديد مانعةً إياه من المغادرة!
اضطرَ أن ينظرَ إليهم ، شيئاً فشيئاً غَرِقَ في تأمله، خففت إمساكها العنيف بكتفيه حتى تباعدت عنه ووقفت بجانبهِ الأيمن كانت تعلم أنه لا يريد وباستطاعته، كانت تعلم أن اداركهُ أكبر من هؤلاء الخمسة فهو ودع الطفولة مبكرا منذ السابعة وهو الآن في الثانية عشر!!
صادق نورس لا تبتعدا عن الرصيف ، كان الرصيف طويلاً وعريضاً مساحة لا بأس بها للعب بكرة القدم.
أجاب صادق بجدية: حسنا لن نبتعد.
نظرت أم نورس إليه بتحذير: انتبه ايها المشاكس لا تتخطى الرصيف.
أجاب نورس بلامبالاة فهو يكرهُ الأوامر عموما ويكره القواعد في أي شيء يقومُ به.
-حسنا
تعالت الضحكات البريئة واستمرت اللعبة ، لكن نورس كعادتهِ يحبُ التحدي، قام بقذفِ الكرة حتى وصلت الى منتصف الطريق، قال متحديا صادق وبحماس:
-اعدها.
نظر إليه صادق بخوف
-وماذا ان صُدمت بسيارة .
رد قائلا محاولا اغاظةَ صادق: جباااان "أخرج لسانه"
استفُز صادق وبغضب ذهب مسرعا لإعادتها حتى جاءت سيارة مسرعة قذفته ارضا بدمائه.
صادق أصيب بشلل نصفي ،أما نورس بشلل نفسي !!! لم يستطع أن يتخلص من الشعور بالذنب رغم محاولات الجميع في اعادتهِ طفلا طبيعيا و جعله ينسى، إلا مسك كانت تحاول معهُ أن يعيش لا أن ينسى.
خرج صوته الذي لا يستخدمهُ إلا للضرورة: لا تعرفين معنى أن تفقدي شخصا تهتمين لأمره.
-أعرفُ أننا نخسر ولا يجبُ أن نخسرَ أكثر!!
-لا تشعرين بما أشعر.
- ليس مهما ، فأنتَ لا تعرفُ كم هو مهم أنه ضاعت منك خمسة أعوام في هذا العمر يجبُ أن تتغير.
"نظرت إليه باهتمام" وكان الشيب الذي يكسو رأسها يكفي بأن يجعل نورس يهابها أحيانا .
أضافت: لا يجب عليكَ الوقوف على الرصيف.
"أحيانا نقفُ على الرصيف لننتظر، وأحيانا لنودعَ أحدهم، لكن الأصعب أن نقفَ عليه وقفةَ الأطلال"
تمت
أرتبُ النسيان
المفضلات