كيف حالكم يارب بخير
يتجدد اللقاء مع سلسلة أعمال القلوب " الإخلاص " ~ لمحمد صالح المنجد أعادة كتب ونشر للإفادة إخوتي والأجر عند الله تعالى
الحمد الله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى اَله وصحبه أجمعين ,
الإخلاص : هو لب العبادة , وروحها , وأساس قبول الأعمال وردها , وهو أهم أعمال القلوب وأعلاها وأساسها , وهو
مفتاح دعوة الرسل عليهم السلام , كما قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )
وقال عز وجل : (أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص)
معنى الإخلاص :
الإخلاص في اللغة : مأخوذ من الفعل ( أخلص ) والذي مضارعه ( يخلص ) , ومصدره : ( إخلاصاً )
أي : أمحض الشيء , جعله محضاً ولم يخلط معه غيره , وأخلص الرجل دينه لله أي : جعله محضاً لله ولم يخلط معه في دينه أحداً
وقال تعالى : (إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وقرئ بالكسر " المخلِصين "
قال ثعلب النحوي -رحمه الله – : يعني بـ" المخلِصين " أالذين أخلصوا العبادة لله تعالى, "والمخلَصين" الذين أخلصهم الله تعالى
وقال الزجاج - رحمه الله - : في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىظ° غڑ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا) قرئ "مخلِصاً "
والمخلَص : ألذي أخلصه الله فجعله مختاراً خالصاً من الدنس ,
والمخلِص : الذي وحد الله تعالى خالصاً ولذلك قيل لسورة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) سورة الإخلاص .
وقال ابن الأثير- رحمه الله - : ( سميت بذلك لأنها خالصة في صفة الله تعالى وتقدس , او لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل )
وكلمة الإخلاص هي كلمة التوحيد .
والشيء الخالص: هو الصافي الذي زال عنه شوبه الذي كان فيه
وقال الفيروز آبادي - رحمه الله - : ( أخلص لله / تَرَك الرياءَ )
وقال الجرجاني - رحمه الله- : ( الإخلاص في اللغة ترك الرياء في الطاعات )
معنى الإخلاص في الاصطلاح :
ذكر العلماء في تعريف الإخلاص عدة تعريفات , وأهمها مايلي
قال ابن القيم -رحمه الله- : ( الإخلاص : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في طاعة )
وقال الجرجاني - رحمه الله-: ( الإخلاص : تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه وتحقيقه : أن كل شئ ستصور أن يشوبه غيره , فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه يسمى خالصاً , ويسمى الفعل المخلص إخلاصاً , ويسمى الفعل المخلص إخلاصاً , قال الله تعالى : ( مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا ) فإنما خلوص اللبن ألا يكون فيه شوب من الفرث والدم )
وقيل: ( الإخلاص : تصفية الأعمال من الكدورات )
وقال حذيفة المر عشي - رحمه الله - : ( الإخلاص : أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن )
وقال بعضهم : ( الإخلاص : أن لاتطلب على عملك شاهداً إلا الله , ولا مجازياً سواه )
وورد عن السلف الصالح معانٍ عديدة للاخلاص منها
- أن يكون العمل لله تعالى , لانصب لغير الله فيه .
- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين
- تصفية العمل من كل شائبة
والمخلِص : هو الذي لايبالي لو خرج كل قدرٍ له في قلوب الناس من اجل صلاح قلبه مع الله عز وجل , ولا يحب أن يطلع الناس مثاقيل الذرة من عمله .
وكثيراً مايرد في كلام الشرع والناس استعمال لفظ( النية) مكان (الإخلاص )
والنية في الأصل عند الفقهاء : هي تمييز العبادات عن العادات , وتمييز العبادات عن بعضها البعض
فتمييز العبادات عن العادات : كتمييز غسل التنظيف عن غسل الجنابة .
وتمييز العبادات عن بعضها البعض : كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر .
وعلى هذا التعريف فالنية ليست داخلة في موضوعنا , ولكن إذا أطلقت النية واري دبها تمييز المقصود بالعمل , وهل هو لله وحده لاشريك له أم لله وغيره ؟ فهذه هي النية التي تدخل في معنى الإخلاص .
والإخلاص في العبادة والصدق فيها متقاربان في المعنى
لكن هناك بعض الفروق بينهما , فالفرق الأول : أن الصدق أصل وهو الأول , والإخلاص فرع وتابع له . والفرق الثاني : أن الإخلاص لايكون إلا بعد الدخول في العمل , أما الصدق فقد يكون قبل الدخول فيه .
الأمر بالإخلاص
في القران الكريم :
لقد أمر الله عز وجل عباده بالإخلاص في مواضع من كتابه ,
فقال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصف نفسه بإخلاص العبادة لله , فقال تعالى ( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي)
وقال عزل وجل (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
ووصف تعالى نفسه بأنه ماخلق الموت والحياة ألا ليبلوَ الناس أيهم أحسن عملاً فقال عز وجل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا غڑ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )
قال الفضيل بن عياض – رحمه الله- : عن العمل الحسن
هو أخلصه وأصوبه . قالوا : ياأبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ .
قال : إن العمل أذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل , وإذا كان صوابا ولم يكن خالصاً لم يقبل , حتى يكون خالصاً صوابا , والخالص ماكان لله , والصواب ماكان على السنة )
قال ابن تيمية تعليقاً على كلام الفضيل وذلك تحقيق قوله تعالى ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
قال الأمير الصنعاني- رحمه الله- :
تقضت بك الأعمار في غير طاعة
سوى عمل ترضاه وهو سراب
إذا لم يكن لله فعلك خالصا
فكل بناء قد بنيت خراب
فللعمل الإخلاص شرط إذا أتى
وقد وافقته سنة وكتاب
ووصف الله تعالى أحسن الدين بأنه إسلام الوجه لله والإحسان , فقال تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ) واسلام الوجه لله : هو الاخلاص والاحسان
وقد أوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته معه أن يكونوا مع أهل الإخلاص , فقال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )
وصف الذين يردون وجه الله بأنهم هم المفلحون , فقال تعالى : (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
ووعد المخلص بالنجاة من النار , والرضا يوم القيامة , فقال تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى )
اضافة رد مع اقتباس
المفضلات