كانت تحفة ثاني اثنين مدخرة للصديق، دون الجميع، فهو الثاني في الإسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر، وفي سبب الموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات عن أثر السم ، وأبو بكر سم فمات.
أسلم على يديه من العشرة: عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص. وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقهما أحوج ما كان الإسلام إليها، فلهذا جلبت نفقته عليه «ما نفعني مال، ما نفعني مال أبي بكر» . فهو خير من مؤمن آل فرعون؛ لأن ذلك كان يكتم إيمانه والصديق أعلن به. وخير من مؤمن آل ياسين؛ لأن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين. عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح: «من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً» سورة البقرة، الآية 245، فألقى له حب المال على روض الرضا واستلقى على فراش الفقر، فنقل الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح، ثم قال في محاريب الإسلام يتلو: «وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى» الليل: 17-18.
نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار، كلما تليت فضائله على الصغار، أترى لم يسمع الروافض الكفار: «ثاني اثنين إذ هما في الغار» التوبة: 40؟ دعي إلى الإسلام فما تلعثم ولا أبى، وسار على المحجة فما زل ولا كبا، وصبر في مدته من مدى العدى على وقع الشبا، وأكثر في الإنفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا.
تالله لقد زاد على السبك في كل دينار دينار «ثاني اثنين إذ هما في الغار» . من كان قرين النبي في شبابه؟ من ذا الذي سبق إلى الإيمان من أصحابه؟ من الذي أفتى بحضرته سريعاً في جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه؟ فاعرفوا حق الجار.
نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الألحاظ. فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ. حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره، ولكن أين الفرار؟.
كم وقى الرسول بالمال والنفس، وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس. فضائله جلية وهي خلية عن اللبس.
يا عجبا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحادث. فقال الرسول: ما ظنك باثنين والله الثالث. فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث، فزال القلق وطاب عيش الماكث، فقام مؤذن النصر ينادي على رءوس منائر الأمصار «ثاني اثنين إذ هما في الغار» .
حبه والله رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية. فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية. لولا صحة إمامته ما قيل ابن الحنفية. مهلا مهلا، فإن دم الروافض قد فار.
والله ما أحببناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانا، ولكن أخذنا بقول علي وكفانا: «رضيك رسول الله لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا» . تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر. تالله لقد وجب حب الصديق علينا، فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنا عينا، فمن كان رافضيًّا فلا يعد إلينا وليقل لي أعذار.
من كتاب الفوائد
المفضلات