البارت الأول
لطالما كانوا يقولون أن النهاية هي بدايةً لشيءً جديد
وهذا ما بِتُ أؤمن به بعد أن هزَ الواقعُ كياني
حيث كانت نهايتُهما بداية سيري في طريق الوحدة والغوص في ألم النسيان
حيث كان نهايتهُما تفرش على ضريح قلبي ذِكراهُما وتُرسخ لي طريقٍ بقرابين السعادة التي بِتُ أرفُضها برحيلهُما
حيثُ كانت نهايتهمُا قد أبقتني في منزلاٌ وحيداً ومظلم مثلي ما بِتُ أأتنس فيه بدونهما
حيث كانت نهايتهُما بداية مرارة طريق الثامنة عشر
وها أنا كدميةً أضاعت صاحِبها أتخبط بذاتي ساهبةً في طريق العدم
بِتُ أقتاتُ على ذِكراهُما،عليّ أتناسى وحدتي ولكن أصر الزمن على إستئصال ذكرياتي،يظنُ بأنه سيشفيني،بدون أن يُدرك أين تمكن العِلةُ الأساسية بي
كانَ هذا قاسياً،لا ومؤلماً حيثُ كان الوقتُ يداهِمُني،يباغِثُ عمري الصغير من كُل جهةً ليُشعِرهُ بالضعف،بالإستصغار،بالخوف
وأنا كُنتُ كمعصوبةِ العينين أدورني،عليّ أجد من يضرِبُني،لكن لم يكن أحداً معني غير هذه الحياة
أنتويت لو أسعفتني قدماي وقتها،لو ركضتُ أسرعَ بقليل،لو لم أماطل سيري،لكان سيحدثُ إختلالاً طفيفٌ على الأقل في الزمن،فحيث أن الثواني والدقائق أصبحت تحِدُ من مصيرنا،وتُردينا قتلى لفارق الوقت الضئيل غيرَ واعيين لها
فذلك اليوم،تمرُ كذكرى عابرة ~
كان يومي وقتها مُريباً،لا بل غلف الخوف صفاء سمائي،حتى أظلمت خافيةً قُرص الشمس بين ثناياها،ورغم تلبد الغيوم التي عكرت الحِلكةٌُ نقاءها،كانت تُمطِرُ من حيناً لآخر ضوءً ينفه عن عتمتها ويُخبرني أنهُ قد تبقى بعضاً من السلام في دواخلي يطمأنني،ويخفُ من توتري
في عملي،الذي كان من المفترض أن يكون ثانويتي،أعملُ وما بغيتُ ذلكَ رغبةً مني،فقط الحاجة التي تهوى بالمرء في المجهول أجبرتني،ولكأنها تُجردُ من عُمري الشباب،تُرديني طريحة الأمر الواقع
العمل مُقابل أن تعيش بكرامةٍ،هذا إن بقيَ لديكَ ما تبقى منها
كُنتُ أعملُ على حاسبي،فمللتُ لكثرة ما قد طُرِحَ على عاتقي،وقررتُ دخولَ موقعاً كُنتُ قد إشتركتُ به سابقاً
أجولُ بين صفحات الآخرين حتى إستوقفتني صفحةً أثارت ريبتي
لم تكن كأي صفحة،ولم يكن نظامها كنظام الموقع
عند دخولكَ لأي صفحة يظهرُ لكَ الآتي:
المُتابَعون،المُتابِعون،والمنشورات
لكن هذه الصفحة قد قَلِبت موازينَ النِظام،حيث كان يظهرُ كالآتي:
مُعذبون،مسلوخون،موتى
ظننتُ بأنني أتوهم،ففرِكتُ مُقلتا عيناي براحة يدي،ولكن لم يكن يبدو هذا إلا واقعاً في نظري
إعتقدت بأنني دخلتُ موقعاً ما خطأً،لكن كان شعار الموقع ذاته الذي أنا مُشتركةً فيه مُرتكزاً على طرف الصفحة
تغلغلتني الريبة،وإستحضرت الخوفَ ونيساً لي،ورغم أنني أنتويت إغلاق الحاسوب بعذر أنني أتوهم لكثرة أفلام الرعب التي أُشاهِدها،والإنشغال بتكدسات عملي،إلا أن النفسَ تبقى فضوليةً عما تجهل
دعتني لأنقر بفأرة الحاسوب على 'مُعذبون'
وياليتني لم أفعل وأكملت ما عليّ بعيداً عما رأيت
صوراً لأُناس مُحيت ملامِحهم بين تورمات وُجُهِهُم المُغطاة بالدماء
جسدُهم عاري الملابس،يتبرع الدم بفرش إحمراره ليكسوهُم
أجدُ شخصاً منزوعةٌ أطرافِه التي تحتضن جسده،والآخر رأسهُ مفصول عن جسده الذي يبدو وكأن نصف طبقته الجلدية قد سُلِخت
وما كان مني بعد مُشاهدتي لهذه الفظاعة إلا بكتم صرخاتي بِراحةَ يدي
إنتفضتُ مِن مكاني هَلِعةً بعد أن تأكدتُ من إطفاء الحاسوب وحثثتُ خطاي نحو مرآب المخزن بجانب مكتبي الذي يُطل على بناية مهجورةً على مقربةً منا حيث أن مكتبي يقع في الدور الثالث من بناية العمل
أخذتُ أُعبئ رئتاي الفارغة وأنظم أنفاسي بإنتظام
ظللتُ أجول بنظري نحو البناية المهجورة،حتى وقعت عيناي على فتاةً واقفة هناك،ذبت الرُعب في أوصالي
شعرُها الأسود الطويل الذي يغطي جسدها يحفها بهالةً سوداء غير عيناها التي تشع بإحمرارً واضح
لم تسعفني الكلمات وقتها لأدقق بمنظرها،حيث أنها كانت مُرعبةً بوجهها المليئ بالعروق وأسنانها الحادة التي برُزت إثر إبتسامتها الخبيثة
تجمدت أطراف جسدي وقتها إثر الرعب المُنتشر في شراييني،جفَ حلقي وتوسعت حدقتا عيناي بذهول
أشارت بسبابتها لجثتين كانتا مُعلقتين على حائط البناية،بدت حالتهُما مثل أؤلئك الأشخاص في الصور التي رأيتُها
ثم أرجعت بسبابتها مشيرةً إلي لتضعها على رقبتِها وتمررها يميناً ويساراً،كما ولو أنها تُشيرَ إلي بالموت
وقتها غادرت الروحُ قدماي ورمت بثقل جسدي أرضاً
لم يغمى علي،ولكن لم أعد أشعر بأطرافي،أغمضتُ عيناي حينها بهدوء بعدما إزدردتُ من ريقي،وحاولت التمسك بالحائط للنهوض
خشيتُ رؤيتها،خشيتُ أن يكونَ هذا حقيقياً كتلكَ الصور البشعة،لكنني لم أجدها،إختفت مع الجثتين كالسراب،حتى دماء الجثتين التي لطخت الحائط لم تعد بموجودة
مُجدداً،ظننتُ بأنني أتوهم،ظننتُ أنهُ من التعب والإرهاق أصبحتُ أتخيل أنني أخوض أحداثَ إحدى أفلام الرعب
إستجمعتُ قواي وإعتدلتُ بوقوفي ممسكةً بالحائط لأصلَ إلى مكتبي
***
بعدما إرتحتُ قليلاً وإرتشفتُ بعضاً من العصير يروي عطشي،قررتُ العودة إلى منزلي،العودة لأحضان والداي الدافئة،الآمنة،حيث يستقر قلبي بينهُما
لملمتُ أغراضي وخرجتُ مسرعةً بدون الإلتفات لزُملائي اللذينَ يودعونني
كُنتُ أمشي ببطء إثر شرودي بما شاهدتهُ اليوم ولم أعي أن الإشارة كانت حمراء،السيارت تسابق الريح بسرعتها حيث أن أحدها كادت تصدمني لولا الشاب الذي إنتشلني من على الطريق لأحضانه منقذناً إياي
سألني بإقتضاب بعد أن أبعدني عن أحضانه مُمسكاً بكتفيّ
-هل أنتِ بخير؟
بعدما وعيتُ لنفسي أنحيتُ لهُ شاكرةً إياه لإنقاذي
إبتسمَ بخفوت يتفحصُني
-لا داعي للشُكر،هذا واجبي،ولكن مرةً أُخرى كوني أكثر حذراً
أومأتُ له وإلتفتُ للجانب الآخر شارعةً بالركض في منتصف حديثه حيث أنني لم أنتبه لشيئاً مِما قال سِوى
-بِالمُناسبة،إسمي كيم..
***
ركضتُ بكل سرعتي لأصل إلى منزلي،فتوقفتُ على بُعد خطوات بعد مُشاهدتي للشُرطة تُحاصر المنزل وتغلقهُ بالشريط الأصفر وسط تجمع سُكان الحي
تورات الظنون السيئة خاطري،والخوف عتمَ نظري
غصة في حنجرتي وسط تحشرج كلماتي
ركضتُ بغير وعي بعد أن تطايرت الدموع فارةً من قضبان جفوني،كدتُ أتخطى الشُرطة إلا أنهم أوقفوني
ظللتُ أحاول الفرار من بين قبضتِهم ولكن عبثاً
تقدم إلي شرطي ما يتفحصني من رأسي حتى أخمص قدماي مُتسائلاً
-أين تظُنين نفسكِ ذاهبةً يا فتاة؟
لم أعد أستطيع النطق بحرفاً واحد،شعرت كما وكأنني بكماء،تعابيري الباكية هيَ ما جعلتهُ يستفسر بالحديث قاطباً حاجبيه بفضول
-هل أنتِ إبنة السيد والسيدة بارك؟
أومأت برأسي بإقتضاب بينما أشار هو للضباط ليفكو وثاقي
وضع كِلتا يديه على كتفي بملامحاً تبدو مشفقةً عليّ
-يؤسفني إخبارُكِ،أن والديكِ قد تُوفيا
أكانَ يُخبرُ الليلَ أن القمر ما عاد يُنيرُه
أم كان يُخبِرُه أن الحِلكة قد إبتلعت نجومه
ماذا يقول !
المفضلات