ها هي الأيّامُ تمضي مسرعة، ونحنُ على إثرها غافلون .. ناسونَ ومتناسون .. ومنسيّونَ إلّا من شاءَ اللهُ أن يرفَعَ ذكره ..
إنّنا في أواخِرِ شعبانَ المُمَهِّدِ لرمضان .. ضيفُ الشّهور ..
وكما قيلَ إن كانَ عدد الشهور هوَ عددُ أبناء يعقوب الاثناعشر، فمنزلة رمضان فيها كمنزلةِ سيّدنا يوسُف عليه السّلام بينَ إخوته..
وكما يوسُف أحبُّ أولادِ يعقوبَ أبيه إليهِ-عليهما السّلام-، كذلك شهرُ رمضانَ أحبُّ الشّهورِ إلى اللهِ-تعالى-..
وهنا جاء في كتاب ( بستان الواعظين ورياض السامعين ) لابن الجوزي عبارات جميلة وضّح فيها منزلة رمضان:
( نكتة حسنة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن كان في يوسف من الحلمِ والعفوِ ما غمرَ جفاهم حين قال: { لا تثريب عليكم اليوم } (يوسف 92)
فذلك شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات والعتق من النار والغفران من الملك القهار ما يغلب جميع الشهور،
وما اكتسبنا فيه من الآثام والأوزار ... نكتةً حسنةَ الإشارة،
ففيه جاء إخوة يوسف-عليه السلام-معتمدين عليه في سد الخللِ وإزاحة العلل بعد أن كانوا أصحاب الخطايا والزلل..
فأحسن لهمْ الإنزالَ وأصلحَ لهم الأحوالَ وبلّغهم غايةَ الآمال وأطعمهم في الجوع وأذن لهم في الرجوع وقال لفتيانه:
"اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها" فسدَّ الواحدُ خللَ أحد عشرَ ، كذلك شهر رمضان واحد والشهور أحد عشر وفي أعمالنا خلل وأي خلل؟
وتقصير وأي تقصير؟ وتفريط في طاعة العليم الخبير، ونحن نرجو أن نتلافى في شهر رمضان ما فرّطنا فيه في سائر الشهور،
ونصلح فيه فاسد الأمور ويختمه علينا بالفرح والسرور ونعتصم فيه بحبل الملك الغفور إن شاء الله تعالى بمنّه وإحسانهِ وعفوهِ وغفرانه..
إنه سميعٌ بصيرٌ وهو نعمَ الوليُّ ونعم النصيرُ )
رمضانُ جاء .. فهل من مُشَمّرِ ؟
رمضانُ عاد .. أمِن هِمّة ؟
رمضانُ أقبلَ كما الأعوامُ الماضية، والسنون السالفة.. فهلّا سألنا أنفُسنَا وقلوبنا وجوارحنا .. ما الجديد ؟
ما الجديدُ الذي أضافهُ رمضانُ لك؟
ما الجديدُ الذي غيّره رمضان فيك؟
ما الجديد الذي ميّزك في رمضان؟
كيف أنتَ في رمضان؟
صلاتُكَ ؟ زكاتك؟ لسانك ... أحامداً شاكراً مستغفراً تائباً؟
ما موقعُ الطّاعات من قلبك و القرآن؟
هل ينقضي الشهر ولم تحفظ سورةً .. كنتَ ستشدو فخراً يوماً " أنّكَ حفظتها في رمضان" ؟
هل تدبّرت سورةً أو آيةً .. ستبقى راسخةً في ذاكرتكَ .. أنّكَ قرأتها في رمضان ؟
كم تختم القرآن عادةً في رمضان ؟ لعلّكَ تهدِفُ لختمهِ أكثر من رقمكَ السّابق ؟ أثمّةَ طموح ؟
أتُراكَ تتوق للتّراويح وصلاة الجماعة؟ .. أتتوقُ لقيامِ الليل؟ .. ولأصواتِ المآذنِ .. تسمعها بانشراح تُردّد "الله أكبر"
فاللهُ أكبرُ كلّ وقتٍ وكلّ حين!
هل تذكّرت كيفَ كانَ شعوركَ وأنت تختم القرآنَ في رمضان ؟ أتريدُ عيشَ ذاك الشعور مجددًا في نفسِ تلكَ الأجواء ؟ أتريد !
أتشتاقُ نفسُكَ إلى سنّة السحورِ والدّعاء وقتَ الفطور ؟
إلى التمام الأهل والأصحاب والأخلّاء على مائدة واحدة متشاركينَ ركناً عظيماً من أركان الإسلام بفخر ؟
كل عام يأتِ رمضان ويمضي آخر، فأين بصمتنا مع نفسنا وأخلاقنا وعباداتنا وأهلينا ومالنǿ
لا تدع رمضان يذهب فيكَ كما جاءكَ ..
رمضانُ ضيفٌ خفيفٌ سريعُ مبارك ..
رمضانُ فرصةُ لا يفوّتها إلا الخسارى ..
رمضانُ أبوابُ تُفتّحُ رحمةً .. وأخرى تُغلّقْ!
شمّر.. أيّها المحظوظ .. فنعمَ الشهرُ رمضانُ ..
شمّر يا من اغرورق بالمعاصي والفتن والآثام .. فثمّة أبواب توبة عظيمة أمامك ..
شمّر أيّها الإنسانُ .. فكلُّ ابنُ آدم خطّاء .. هنا رمضان !
لتكن ذا همّة .. اعمل .. أصلح قلبكَ وجوارحك .. جدّد النيّة وأخلصها لله وحده!
تصدّق.. ساعد مسكيناً.. اقضِ حاجة مكروبٍ ... شارك في إفطار صائم .. أرسل رسالة في برامج التواصل الاجتماعي حولَ
فضل رمضان .. أحاديث صحيحة .. أو آيات وتفسير مرفق ... زد على الحياةِ شيئًا لا تكن أنتَ زائداً عليها !
السلفُ الصّالح-رضوان الله عليهم-وهم خيرُ أصحاب لخير بشر .. كانوا حريصينَ أشدّ الحرص في رمضان على قراءة القرآن،
وكانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أجود ما يكونُ في رمضان ..
كلّنا سمعنا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-مرفوعاً: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الشيخان.
فهل من باغيٍ للخير .. طامعٍ بالعفو والغفران ؟
/
كفى برمضان فضلاً ليلةَ القدر .. التي هي خيرٌ من ألفِ شهر ..
كفى برمضان فضلاً أن يُنزّل فيه القرآنُ .. هدىً للنّاسِ..
كفى برمضان فضلاً أن يحويَ عبادةَ الصّومِ العظيمة .. التي خصّ اللهُ بها نفسه، فالصّومُ لله وهو يجزي به!
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عزوجل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة،
وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله
من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.
هيّىء قلبكَ لرمضان، وافتحهُ على مصراعيه، إنّما يدركُ رمضانَ بالطّاعات أولوا الألباب..
واسأل الله المعونة، فإنّكَ مهما تبذل من جهد فعلى الله المتّكل وهو وحده المعين ..
فلا يفرّطُ برمضان إلّا عاجزُ وجاهل بل كسول..
هنا نقف، فما كان صواباً فمـــن الله، وما كان خطأً فمـــنّي والشيطان ..
المفضلات