مشاهدة النتائج 1 الى 7 من 7
  1. #1

    معزوفة: اشتطَاط / الليمونة / خمسة عشر سنة

    attachment






    attachment

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الفكرة تتكلم عن مأساة حزينة لخادمة قضت 15 سنة في خدمة عائلة ما
    (( كانت تكن لهم الحب والاحترام والولاء )) في ليلة ماطرة تم قرار طردها فوراً
    بسبب شهادة زور من خادمة اخرى بأنها قد سرقت علبة مجوهرات - سبب تلفيق هذه التهمة
    هوا ان الخادمة الاولى اكتشفت بأن الثانية تخطط مع اشخاص ما لعملية سرقة واغتيال للعائلة فأرادت التخلص منها .

    نقاط
    عنوان القصة متروك لكم
    التصنيف العام : حزين + لكم حرية اضافة تصنيف آخر او لا


    الموضوع خاص بمسابقة :
    أقلامٌ عزفَت ما بِطيِّ الخيال! [ مسابقة ] - المرحلة الأولى #4

    المشتركين:-

    المفكرة:
    Lady Deidara
    الكاتبات:
    H A N A - أُنسٌ زَهَر - مجوكـهـ



    يتبع


    اخر تعديل كان بواسطة » هدوء الملاك في يوم » 03-03-2018 عند الساعة » 13:55


  2. ...

  3. #2

    اشتطَاط



    اشتطَاط

    -رواية-
    صوت احتكاك قلم حبر جاف على ورق خشِن، يتسارع و يتباطأ تُمده ذاكرةُ تلكَ الأخيرة، تُغلق عينيها لتتذكر، و ما تلبث أن تُسرع بالكتابة خوفًا من أن تنسى شيئًا من ذلك المشهد الذي بات واضحًا في ذاكرتها و كأنها تعيشه الآن، لتطرح بمشاعرها العميقة على الورق، تبكي تارة، و حينًا تضحك بهستيرية، بجانبها شمعة قد ذاب أغلبها، لتلفظ أنفاسها الأخيرة توًا، مانعةً صاحبة القلم من الكتابة، تأففت حين حلَّ الظلام المكان، كان ذلك أشبه بتلك الليلة المُظلمة قبل عِدة أيام، نظرت إلى سقف الغرفة الخشبي القديم، و بدأت تحكي: الأمر صعبٌ أشعُر بذات المشاعر القديمة تعود، يوم ربيعي جميل، طالت فيه يد النسمات الرقيقة إلى بستان القصر فمسحت أرضه وردًا و ريحانًا و ياسمين، و راحت السماء زرقاء و الأرضُ مكسوَّة بفستان أخضر ملون و عِطر فاتِن يلُفها، كُنت يومها أمسحُ الرواق، حين حضرت باتريشيا و معهَا فتاة جمِيلة بشعرٍ أشقر مُصفف بعناية و قوامٍ جميل لوهلّة توقعتهَا من أقرباء أصحاب القصر، لولا فستان الخدمة الذي ترتديه مِثلي، حينها أشارت باتريشيا بيدهَا إليها و قالت " آن هذهِ الخادمة الجديدة نتالي " هززت رأسي و مططتُ وجهِي كاملاً في محاولة للابتسام ، و خرجت مرحبًا بكِ بصعوبة من شفتاي، ما إن ذهبتا حتى فكرت ما الذي حلَّ بالبلاد ؟ أصبحت أرى الكثير من الخادمات الشابات و هاهي الأخيرة ربما بعمر ستة عشر عامًا، كم كانت حياة عائلتهَا صعبة حتى يرسلوها إلى هنا للعمل! صِرت حقًا أجهل مدى التفاوت الطبقِي الذي أصبح يسري في البلاد، تنهدت فالأمر أصعب من أن أتخيله، فبالنسبة إلي لا أحد لأعيله، كان محددًا علي أن أصبح خادمة مذ كنت في دارِ الأيتام، وضعت الممسحة في الدولاب، لقد غربت الشمس و لقد تأخرت على غسيل الملابس، الليلة سأتأخر في النوم لغسل الملابس، كم هو صعب غسيل الملابس في الليل، أشعر و أن يديَّ تصبحان متجمدتان، و كأنها ستنكسر لو اصطدمت بوعاء الغسل المعدني، دخلت إلى مائدة العشاء، كالعادة يبقى القليل لي، لكن أنا سعيدة بهذه الكمية القلية، فأنا أبات شبعى، و أشعر أن دفئ ذلك الطعام يسري في شراييني، يا الله كم هو طيب، بعد هنيهة أتجه إلى الغرفة السفلية، مخيفة تلك الغرفة، دائمًا أحاول أن أنهي أعمالي قبل الغروب، و لكنني بدأت أعتاد هذه الغرفة، بذات الوقت أشعر و أنها لا تزال تزداد غرابة كل يوم و الظلام يغطيها أكثر، و النوافذ المفتوحة بها تكاد تدخُل منها عواصف أو غاز سام فأموت بتلك الغرفة المخيفة، بدأت أغسل الملابس و كأنها تزداد بطريقة غريبة لحد أشعر و أنه لا يوجد قطعة أخيرة لهذه الملابس، و كأن الليل يصبغها صبغة سوداء كالشؤم و كالحداد، و ما إن تنطرح بين يدي آخر قطعة ملابس، حتى أشعر ببوابة الضوء للخروج من هذه الغرفة في كفّي، أنهيتها و وضعت الملابس في السلة ثم علّقتها بالخارج، يا للجمال إنه عبق أزهار القرنفل، أشعر و أنها تدخل إلى رئتي و تستقر إلى أن أستنشق أريجها مرة أخرى، تسكنني تلك الأزهار الجميلة، تُذكرني بمنزل أكاد لا أرى تفاصيله، و امرأة تحملني تلفها رائحة أزهار القرنفل، لا أذكر تلك المرأة سوى شعورًا جميلًا و عبير الأزهار، قادتني قدمي المتعبتان إلى السرير، أشعر بتعب لكن و كأن رائحة القرنفل حطت بجناحها على عيني لتغفو بسلام ..

    -اشتباك-

    وقبل أن تفتح الشمس عيونها الغافية وتتثاءب بتكاسل واضعة رأسها المشتعل على الجبال الشرقية، ذهبت إلى بائع الجرائد، وبطريقي كانت السماء تبدل فستانها الأسود الذي ارتدته البارحة في سهرتها التي استمرّت إلى الآن، لتسدل حريرًا أزرق اللون طبقات خفيفة فوق بعضها، وراحت تمسح بيدها على الشمس لترتفع، كان الطريق طويلاً، ورويدًا رويدًا يتضح على جنباته ذلك الزرع الأخضر، والورود المنثورة بشتى الألوان عليه، واتضح من البعيد ظل لفتاة، يا للشعر الأشقر الجميل، وعندما اقتربت منها لأتجاوز للمدينة، لقد ألِفت ذلك الوجه إنها نتالي و معها رجل غريب، لربما هو أخوها يعمل في المدينة يتعاونان لإعالة عائلتهما، جميلة تلك التضحية حين تجتمع مشاعر نقية بدون أنانية، كم هو دافئ شعور الأسرة، لحظة ذلك الرجل لا يشبهها، و بينما مررت بجانبهما سمعت صوت أجش كان الرجل يتساءل نتالي" كم تملك تلك العائلة من السبائك الذهبية ؟" فأجابته نتالي بابتسامة رضا "إنها تملك الكثير من السبائك الذهبية في غرفة بباب خفي بجانب مخدع نومها، فقط لمسة خفيفة على الباب أثناء التجوال وتكتشف ذلك السحر الجميل الذي يوصل لجنَّة ذهبية" ضحك الرجل وربَت على كتفها وبرضا أخبرها "ما خلقت يداكِ لتتسخ بالخدمة يا عزيزتي" فرفعت نتالي حاجبيها "وخلقت يداك الغليظة للقتل" وامتلأ الهواء بضحكاتهما فأصبح خانقًا، وحينما لمحتني نتالي، كاد قلبِي يتوقف وأنا أمر بجانبهما، وعندما التفتُ إليها، ابتسمت ابتسامة رقيقة، كم خفت من تلك الابتسامة! كم دخلت آلاف الأفكار لرأسي، وراحت تتصارع في عقلي، حتى قدماي ترتجفان، سقطت بمنتصف الطريق، حاولت استجماع شجاعتي، رفعت يديَّ في محاولة لإمساك الهواء بارتجاف يبدوا حتى هو أكثر ثباتًا مني علِّي أقف بهذه الرجلين المرتجفتين، أحتاج أن أصل لبائع الجرائد الذي يبعدُ عني عشرة أقدام، كم تبدوا حياتي مثيرة للشفقة، وكأن كل شيء بها بدى سيئًا أصبح جميلاً بعينيَّ، أتى بائع الجرائد إلي عندما لمحَ حالتي المثيرة للشفقة، و سألني ما بكِ؟ بصوت مرتجف بلعت ريقي رفعت رأسي لأقرأ من ملامحه السخط فأخبرته "أريد جريدة الصباح" فأحضر لِي جريدة، وبلهجة شديدة استطرد "لو سمحتِ لا أريد مدمني كحول أمام محلّي، هلّا تبتعدين؟" قدّمت له النقود، فنظر إلي بصرامة "لا أريد نقودكِ فقط ابتعدي من هنا، لا يمكن كم أصبح الشباب عديمي إحساس ليتناولو الكحول في الصباح" تحركت قدماي حينها، و هربت من ذلك المكان، و أنا أقهقه ضاحكة، و انهمر دفءٌ على وجنتاي لأغطيه بكفاي، لأنتبه إلى أن الجريدة قامت تشاركني البكاء، لقد أفسدتها! لا أستطيع العودة للبائع، كم عشت حياة نقية لأقابل اليوم قاتل وغدّارة، ورجلٌ ينعتني بالمدمنة، يا رب اربط على قلبي حتى أستطيع إكمال هذا اليوم، وصلت إلى القصر، لا أعلم كيف سأدخّله! لقد كان يبدوا أكبر مما يكون دائمًا وبعيدًا جدًا وهو يبعد عني خمسة سنتيمترات، ضربت على قلبي، لقد كنت شجاعة ووصلت هنا، وسأدخل متظاهرة بأني لا أعلم شيئًا، وأحذّر السيّدة مارغريت من المؤامرات التي تدور حولها، أشعر بصوت خطواتي يشبه صوت خطوات الفيلة، أشعر وكأن كل شيء يلتفت إلي، حتى أزهار القصر يصل صوتها مع النسيم "لم رجعتِ إلى هنǿ" دخلت إلى غرفة الخدم لأتفاجأ برئيسي يسحبني من يدي، كدت أموت رعبًا، وترك يدي بقوة حتى أحسست بأن يدي قد انفصل معصمي فيها، لأنتبه للسيدة جالسة، وبجانبها علبة مجوهرات، بلهجة غاضبة "آن لم أتوقع أن ينتهي بك الأمر بسرقة علبة مجوهراتي التي أحبها كثيرًا، لو أنك سألتني أن أعطيكِ بعض المجوهرات لأعطيتك" حركت رأسي برفض يمنة و يسرة "كلا سيدتي لم أسرقها" فاستكملت بذات اللهجة "لم يعد لك مكان هنا من الصعب حقًا التخلص من فتاة جيدة مثلك، لكن يؤسفني القول بأنه يمكنك أخذ نقودك من على الطاولة" و بإصرار أخبرتها "لا سيدتي! أرجوكِ أريد العمل هنا " فقامت من مكانها و أخبرت رئيس الخدم "إذا لم تخرج من هنا قبل الغروب ستُطرد معها" حملت النقود من على الطاولة، و اتجهت إلى غرفة الخدم أجمع أغراضي، أشعر و أني بكل خطوة أطأ حقلاً من حقول الجحيم المشتغلة، و استعرضت الحياة أمامي براثنها لأرى للمرة الأولى كم تبدوا أنيابها حادة، تطحن الأشخاص أحياء بين أسنانها، جمعت أغراضي، و مع كل غرضٍ أجمعه كان يتبلل بدموعي، محاولة إطفاء النار التي اشتغلت بداخلي بدون أي جدوى، خرجت من القصر و كأني لمحت نتالي بذات الابتسامة الرقيقة من بعيد تمتد بطول الأفق كما لو كانت ابتسامة شيطان ..

    -انقشاع-

    ضحكات تضجّ بالمكان، تتساءلون ما الذي حصل بالآنسة الرحيمة مارغريت؟ لقد ماتت على يدي غريشام، و أنا ؟ لقد أخذت كل السبائك الذهبية، و تخلّصت من غريشام، أعطيته حفنة من المياه للجنة، لقد كسبت الأرواح التي قتلها إلى جانبي، لا أمزح إن قُلت أني أعاني من الكوابيس بسبب تسميمه، لكن أشعر بالحزن على نتالي المسكينة طُردت في ثاني يوم عمل لها، و انتحرت من الجرف بجانب القصر، لقد تحوّل شعرها الأشقر إلى لون أزهار القرنفل القرمزية كانت تبدوا بديعة، و تكريمًا لها دفنتها تحت الأزهار ذاتها الحمراء منها، لقد كانت ليلة ماطرة، حين ودّعت العالم، لم تسمع صوت الرعد و هو يصرخ بي و بأصدقائي و نحن نتآمر، بالطبع عزيزي القلم الأحمق، لقد كان الفصل الأوسط من القصة بطلته نتالي و أنا كنت تلك المرأة مع غريشام، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، و نتالي اعتبرت الغدَّارة لأنها انتحرت، كم كان سهلاً جعلها هي الطرف المخطơ و إحراق قلوب عائلتها مع حطام القصر الذي كان مشتعلاً بذات وقت إخبارهم، تبًا لطالما كان وسيبقى القصر كابوسًا، أشعر و أني أعيش كل يوم في ذلك المكان الذي غدى شبحًا يمسح منزلي ليعود بذاكرتي إليه ، كم كانت الخمسة عشر عامًا كثيرة للمكوث في مكان واحد، أحتاج سبائكي الذهبية الآن لتغسلني من كل هذه الذكريات السيئة..






  4. #3

    الليومنة



    الليمونة

    يقومون بتعليمنا تلك القصص القديمة على أنها حقائِق لا مفر منها ، صحيحة تماماً ، غير قابلة للمشاورة وإعادة النظر ، فيكون فيها الظالم ظالماً إلى الأبد .. والمظلوم مظلوماً مسكيناً لا شك في ذلك أبداً .. لكن ماذا لو تسائلنا عن هؤلاء المساكين الذي ضحوا بسمعتهم في سبيل الخير ؟ هؤلاء الذين يكونون أشراراً بين سطور حكاياتنا لكنهم أفضل الناس خُلُقاً ، هم المظلومون الحقيقيون , هم الذي يلبسون الطاعة وتُتوّج رؤوسهم بحُليّ الرحمة والعطف ، بينما شخصيات القصة الباقية صُبغت بلون كاذب مُضلل .. أوليس هذا ممكناً ؟ لو نبشنا فستظهر لنا قصصٌ كثيرة حول هذا الأمر ، لكننا أجبن من أن نرفع الستائر المُغبرة .. فنحن لا نريدُ المشاكل أبداً .. أوليس كذلك ؟
    ولا اختلاف أبداً في قصة " الليمونة " حول هذا الأمر ، فالعالم كله كان يعلم أن خادمة السيد كلاديوس في العصور اليونانية القديمة قد حرقت قصره الصغير الذي يعيش فيه مع فتياته الثلاثة وزوجته المحبة بعد أن كانت ـ الخادمة ـ تدعي الولاء لأهل القصر ومحبتهم .. أصبحت الخادمة أماليا المثال للخيانة واللؤم على مدى الأجيال الأخيرة لتلك الإمبراطورية .. ما إن يحاول خادم ما أن ينتكس في طريقه في معاملة سيده حتى يقال عنه : " ذلك الخسيس ، إنه من أحفاد أماليا ، قبحه الله ! "
    لكن لم يتسائل أحد من قبل ، كيف جرى على أماليا أن تحرق قصراً ؟ ولماذا ؟ هذا بالفعل ما خبأه هؤلاء المنتصرون الذين يحبون إخفاء الحقائق خوفاً على مصالحهم .. وما أسرع ما يصدق الناس ذي العقول الصغيرة التي تمثل شعباً لتلك الإمبراطورية العملاقة .. فتنتشر الشائعات كما انتشرت النار بين زوايا قصر النبيل في ذلك اليوم ..
    لم تُحكى هذه القصة من قبل ولابد انها جديدة على مسامع أهل الإغريق ، لكنهم يعرفون الليمونة جيداً ، شجرة الليمون تلك هي التي ميّزت النبيل كلاديوس عن باقي أقرانه في الخفاء عند الملك ، كان الملكُ وكلاديوس يعلمان جيداً أن ذات يوم من أيام الصيف نبتت شجرة ليمون من اللاشيء في إحدى زوايا قصره ، هذه الليمونات الضخمة التي خرجت كان لها قدرة عجيبة وكارثية ، النبيل أحب الملك حباً صادقاً ، فكان يأتمنه على أسراره ، حيث أنهما أصدقاءٌ قدامى توالت بينهم الأيام واستطاعوا ثني المصائب عن طريقهما ، نبيلٌ وملك .. ربطت بينهما ذكريات عديدة .. لكن هذه الذكريات كانت لاشيء عندما طمع الملك بشجرة الليمون الأصفر التي لدى صديقه الأصغر سناً .. مهما بلغت محبة الإنسان لآخر ، حينما يتحول الأمر للطمع ، فبإمكان ولد أن يقتل أباه .. وأن يُسمم شقيقٌ أخاه .. عُرف هذا منذ العصور القديمة ولازال الأمر مستمراً ، إرادة البشر في الحصول على مايشتهون أقوى من أن تنحيها ذكريات قديمة مُستهلكة خصوصاً بالنسبة لهؤلاء الذين تحول كيانهم النقي لآخر شيطاني نزق ..
    وفي نزعة بطش ، أمر الملك مجموعة لصوص أن يسرقوا شجرة الليمون .. ثم من كان يعلم ، لو أن الملك سأل النبيل كلاديوس في ذلك الوقت لربما قبل الأخير بإعطاء سُلطانه شجرة الليمون عن طيب خاطر ، لكن الحاكم ظن وللحظة أن النبيل يمتلك ذات المشاعر ، آفة الجَشع قد قتلت أفكاره ، وقد حَسب أن كل من حوله يمتلكون ذات النزعة ، لذا لم يبالي أبداً بأن يسأل أولاَ .. إنه يفضل أن يقوم بتخبئتها ، لكن أولن يعلم الصديق الصغير هوية سارقها ؟ من يدري .. قد يواجهه مستقبلاً .. ولهذا تجرأ أن يقول الملك لرعيته المتمردة ( أقتلوه في فراشه ولا تحدثوا جلبة ) إن هذه لمهمة صعبة على عصابة صغيرة ، لكنه كان يأمل أن يقوموا بالواجب على أكمل وجه .. وفوراً بينما تمر الأيام ، اندست تلك المجموعات الصغيرة لبيت النبيل .. أحدهم كطباخ ، وثلاثٌ منهم كعمال اسطبل .. خمس كحرّاس وآخر واحد كان خادمة شابة ذكية ذات حديثٍ عذب .
    بدا للوهلة الأولى أن كل شيء على ما يرام ، إلا أن القدر يستطيع أن يلعب بشكل مثير للإهتمام في توفير الصُدف الرهيبة ، أحد الأمثلة حينما تصادف رؤية الضحية لقاتلها فتعطي علامةً على هويته قبل أن تموت في لحظاتها الأخيرة ، كموقف إجراميّ نادر الحدوث ، لكن ما الذي حصل هذه المرة لينهار كل شيء ؟
    أصغرُ ابنة من بنات النبيل تُدعى أكواريس ذات تسعةِ أعوام . كانت تخاف من المطر بشكل رهيب ، وهذا الخوف يجعلها كل مرة تبحث عن زاوية تحشر نفسها فيها ، الأطفال يستطيعون ملاحظة الكثير من الأماكن التي لا تخطر على بالِ البالغين ، وفي لمح البصر وجدت نفسها ذات ليلةٍ ماطرة في زاويتها المفضلة لمخزن مغبر ذو باب صدئ يصعب فتحه ، لتقضي وقتاً مؤقتاً فيه إلى أن يخفّ هطول المطر فترجع إلى غرفتها . لا أحد يعلم عن هذه العادة السريّة لها ، لكن أين كان مربط الفرس في جلوسها ؟ مباشرةً بعد أن سكن هطول المطر بشكل تام ، وحينما همّت بالنهوض لتذهب لغرفتها في أمانٍ سمعت حواراً يدور بين أفراد تلك الجماعة . الاطفال عادةً يرتكبون الكثير من الأخطاء حول المسائل الجدية ، أكواريس لم تعرف إلى أين تلجأ لتبوح بهذه المعلومات التي يصعب الإحتفاظ بها كثيراً ، خصوصاً لو كان الأمر يتعلق بموت أبيها ، وفي لحظة هلع هربت لتلقي بنفسها نحو أماليا .. وبالنسبة لخادمة وفية تستطيع تدبر أمورها ، همّت بعملٍ أرجح الظن للجميع أنه كان عملاً صائباً .. لكن لم يبدو ان إخبار سيدها كلاديوس كان عملاً حسناً في نهاية المطاف .. فبينما كانت الإمبراطورية تثور حول الكثير من مواضيع الشائعات وتخريب العلاقات وتشويه السمعة ، خُلط على سيدها الكثير من الأمور حول هذا الموضوع .. خصوصاً حينما تم إتهامها أنها سرقت عُلبة مجوهراتٍ من زوجته ، وأثناء لحظة عابرة من الشك والنبذ .. طرد أكثر خادمة قد استفاد منها . تتذكر إحدى الخادمات الصبية أكواريس وهي تناشد والدها ببكاء أن ما تقوله أماليا هو عين الحقيقة ، إلا أن الذهن المشوش كان أكثر ما يعتري والدها .. ولا أحد يمكنه أن يعترض حول قرار سيد القصر .. فالكلمة الأخيرة للرجل دائماً وهذا ما أثبته منزل النبيل .
    بين صمت حزين وترقب فرح من كُل الجهات ، استطاعت أيادي الملك أن تضع اللمسات الأخيرة لما ستقوم به ، لكنها كانت تحتاج مضحياً .. مضحياً واحداً يستطيع أن يقوم بمهمة قتل سيدهم ، لكن لم يتجرأ أي واحدٍ فيهم أن يتحرك خطوة واحدة ناحية غرفة كلاديوس وزوجته ، وحينها اقترحت الخادمة بشيء من المكر أن احرقوا القصر بساكنيه .. لكن كيف يستطيعون ذلك بكل جُرأة ؟ سيكون ذلك فوضوياً بشكل كبير.. وللحظة أحسّ الجميع بإحباط كان محموداً لأهل هذا المكان ، إلا أنهم أحسّوا أن الحل أمامهم في شجرة الليمون .. ليمونةٌ واحدة تستطيع أن تُحوّل أحدهم من شخص متزنٍ عاقل إلى مخبولٍ محب للتخريب وافتعال الشجار ، السرق، وأهم خصلةٍ هي محبة افتعال الحرائق !
    لكن من الذي سيضحي بنفسه وبروحه وعقله في سبيل الملك ؟ أي شخص وفيّ للحاكم لهذه الدرجة ، أن تتحول لمجنونٍ كان أمراً غير وارد لدى تلك المجموعة ، فعرفوا أن الدور المناسب للشخصية الشريرة في مسرحيتهم التي سيمثلونها اليوم يجب أن يكون لِأماليا .. تلك المسكينةُ التي طُردت جوراً .. لم يكن خداعها بالأمر الصعب أبداً ، ولم يكن تهديدها وإجبارها على أكل ـ مجرد ليمونة ـ أمراً جللاً أبداً .. لكنها في الدقائق الأخيرة كانت تحاول إقناعهم على إخراج العائلة من القصر ، أو على الأقل ما تبقى منهم .. الوعودُ التي تُعطى بلسانٍ لعوب تكون وعوداً رخيصة كأصحابها ، لكن تلك الخادمة كانت ساذجة لأبعد حد .. لم يعرف أحد عن أمر شجرة الليمون إلا الملك والنبيل ، لكن الملك أخبر الفتاة من مجموعتهم بهذا السر ضامناً وفائها بمبلغ ضخم من الأموال .. وبعد نصف ساعة ، تم إغلاق الأبواب بشكل تام وحُصّن القصر الصغير لدرجة لا يستطيع أي أحد الخروج منه .. كانوا يراقبون جيداً كيفيّة عمل الخادمة فاقدة الإدراك والوعي ، وبعد ساعةٍ كاملة ، توهجت الجدران بالنيران .
    انتشر الخبر بين سكان الإغريق ، وأصبحت أماليا رمزاً للخادم الشقي الذي على الجميع رجمه حد الموت ، تم تدنيسُ اخلاقها من دون أن ينبش أحد للحقيقة الخفية ، ومن دونِ أن يعلم أي شخص عن شجرة الليمون السّحرية هذه ، لم يكن من الوارد أن يتحدث هؤلاء عن ماقاموا به ، ولم يكن الملك يريد أن يفضح أحد ، مادام كل اللوم وقع على شخصٍ واحد فكل شيء سيكون على ما يرام ، فهم بعيدون تماماً عن التهمة ، ولن يفكر أحد أن الملك الحزين الذي يبكي وينعي صديقه المحبوب هو القاتل ، ولن يفكر أحد أيضاً ان الخادمة الهاربة منذ حادثة الحريق هي شخصٌ متورط قد تم استغلال سذاجته .. يقول أحدهم أنه شاهدها وهي ترقص بين النار في غرفة المعيشة ، ترقص كالشياطين الذين يستأنسون وجود أجسادهم في أعماق لهيب جهنم ، لكن الشّاهد الوحيد كان يقسم أنه لاحظها تبكي ، وقد قال كصوتٍ ضعيف لم يهتم له ضجيج الجمهور :

    " لقد كان وجهها أكثر وجه بائس وحزينٍ رأيته في حياتي "






    اخر تعديل كان بواسطة » Lady Ɖeidara في يوم » 04-05-2017 عند الساعة » 10:42

  5. #4

    خمسة عشر سنة



    خمسة عشر سنة


    سارت بخطواتٍ متباطئة ناحية المخرج، من المؤلم ألا تجد أحداً ينتظرك أو حتى يحاول معرفة أخبارك بعد كل هذه المدة الطويلة، أخفت عينيها عن أشعة الشمس حتى اعتادتا على الضوء القوي، إنه يومٌ دافئ ولطيف.. بعكس تلك الليلة الباردة. حين كانت نتف الثلج تتساقط ببطء، تنذر بالحاجة لمدفأة موقدة.

    تذكرت مجريات ذلك اليوم، والسبب الذي تركها تعيش في هذا المكان كل هذه الفترة. كانت تراقب الأرض البيضاء من خلف النافذة وقد اجتمع عليها ابتعدت عن النافذة المغلقة وأكملت سيرها حتى وصلت إلى الغرفة. طرقت الباب بهدوء وأنصتت للصوت القادم من الداخل يستفسر عن هوية القادم. أجابت بابتسامة: سيدي الصغير! إنها أنا.. جين، جئت لأشعل الحطب في المدفأة..

    حيته حالما دخلت وأسرعت بجمع الخشب فوق بعضه ثم أشعلت النار فيه بالكبريت. تناولت النيران وجبتها بشهية وأخذت تنشر حرارتها لتدفئ السيد الصغير مايكل. الرسمية هي الطابع الرئيسي لحياتها في هذا القصر إلا أنها حالما تدخل إلى هذه الغرفة يختفي هذا الشعور، بل وتحل السعادة في أعماقها. فالسيد الصغير لطيف جداً، يعاملها كشخصها.. لا كخادمة، ربما لأنها من اعتنت به، فوالدته كثيراً ما كانت تغادر المنزل تاركةً إياه في رعايتها حتى أصبح الأمر شيئاً عادياً.

    ألقت إليه نظرة وهي تتساءل عن سر هدوءه؛ رجحت السبب لانغماسه في الكتاب الذي يقرأه كالمعتاد لكن عينيه هذه المرة لم تكونا متعلقتين به.. كانتا تحدقان إلى شيء آخر.. انتقل اهتمامها إلى موضع اهتمامه ووجدت أنه كان يراقب الثلج البارد المتساقط. تمعنت بهدوء بالمنظر الجميل حتى لفت انتباهها شيء يمر بسرعة أمام زجاج النافذة، عقدت حاجبيها بتركيز، كان طيراً صغيراً جميلاً.. استغربت وجوده في المكان فقد كان في قفصه حينما قدمت له الطعام قبل قليل. اقتربت من النافذة لتفتحها وتُمسك به قبل أن يفر هارباً إلا أن مايكل استوقفها بعبارته: لقد أطلقتُ سراحه.. الثعالب ستنقض عليه الآن!

    اتسعت عينيها، خلَّف الطير الجميل بقعاً حمراء خلفه لوثت نقاء الثلج، لقد جُرح! التفتت بسرعة لمايكل، صعقتها الابتسامة المرتسمة على شفتيه، كانت ابتسامة متعطشة للمتعة، على الرغم من أنها معتادة على هذا المنظر المرعب إلا أنه لا زال يفزعها. أدركت من البداية أن شيئاً غير عادي يجري في عقل هذا الفتى الصغير.. فضوله اتخذ منحنى آخر يختلف اختلافاً شاسعاً عن بقية الأطفال في مثل سنه، أحب الأشياء الحادة بهوس، خنق بيديه عدداً من العصافير والطيور، قطع أذنيّ القطة التي كانت تعيش معهم في القصر، الحادثة لم تُصدق في البداية.. كلماتها لم يصدقها أحد أفراد العائلة، حاولت مراراً أن تريهم ضحاياه إلا أنهم أدانوها باقترافها تلك الجرائم؛ فقتلت أملها في حالة يأسها وقررت الاستقالة من العمل، لكن الابن الأكبر اتهمها بأنها المجنونة الوحيدة، فلرغبتها بالاستقالة من القصر افتعلت حجة واهية لتقنعهم بأن طفل العائلة قاتل! أي عقل سيصدق هذه الأكاذيب...!

    منذ ذلك الحين وهي تخشى المكوث مع مايكل لوحدها، تريد أن تهرب بأي وسيلة، أن تبتعد عن الجنون الذي تراه أمامها كل يوم.. إلى أن اختفت كل تلك الجرائم فجأة! حيث لم يعد يلعب السيد الصغير بالحيوانات ويقتلها أو يؤذيهǺ استغربت ذلك الهدوء وظلت تراقبه عن كثب لتعرف السر وراء توقفه، صعب عليها أن تعرف السبب ورفضت أن تسأله فيحدث ما لا يُحمد عقباه. لكنه اعترف بالحقيقة قائلاً وقد سطر الحزن ملامحه على وجهه: أنتِ تخافين من لعبتي.. أليس كذلك جين؟

    صُدمت في تلك اللحظة، هل سيقوم بإيذائها لأنها تخاف مما يفعله! كيف ستهرب منه! كانت خائفة جداً، ترتجف برعب ورهبة من يديه الصغيرتين.. كيف لطفلٍ في مثل عمره أن يسبب هذه المشاعر؟ ويقلب الأمان الذي كانت تشعر به إلى خطر تخافه. اقترب منها بسرعة ويديه تمتدان للأعلى؛ تجمدت في مكانها وأغمضت عينيها منتظرة منه أن يخنقها لكن يديه عانقتا خصرها، فتحت عينيها البندقيتين ودموعها تتجمع في مقلتيها حتى قال بصوتٍ باكي: أنا أسف! لم أعلم أنكِ تكرهين ذلك.. لن ألعب مع الحيوانات أبداً..

    ازداد ارتجافها، اصطكت أسنانها ببعضها، أصابتها قشعريرة حادة ولم تعد قدميها قادرتين على حملها، سقطت جالسة ومايكل لا زال يحتضنها.. لعدة دقائق كانت غير قادرة على التنبؤ بردة فعله، انتظرته ليتركها لكن أنامله بقيت متعانقة كأنما ينتظر.. ينتظر منها أن تقوم بشيء.. أن توافقه على ألعابه الممتعة..

    بترددٍ شديد تركت راحتها تربت على ظهره ببطء، بالكاد استطاعت التنفس قبل أن تقول: أجل.. أنا لا أحب هذه.. اللعبة!

    فغرت فاهها وهي ترى الابتسامة تعود لمحياه، انتابها الرعب أكثر.. هل ما تراه حقيقي!

    تمتمت وهي تعود إلى واقعها: هل عاد إلى تلك اللعبة؟

    لمحت الطير يقترب من النافذة فأسرعت بمد يدها لتلتقطه قبل أن يبتعد وأغلقت النافذة على الفور قبل أن يستطيع أي ثعلب القفز إلى الداخل. حدقت بالكائن الضعيف وقد تضاعف شعورها وتأكدت بأن لعبته قد بدأت من جديد.. أخذت نفساً عميقاً وتحدثت أخيراً بتوتر وارتباك: ألم.. تترك هذه اللعبة؟ لأنني.. لأنني أكرههǿ

    عيناها التصقتا به، تتنظر ردة فعله. ألقت نظرة على المسافة التي تفصلها عن الباب، ثم عادت لتحدق بوجهه الذي بدت أمارات الغضب بالظهور عليه؛ ابتلعت رمقها وقد قررت الهروب قبل أن يفكر بالنهوض عن سريره. حملت الطير بيديها وهمت بالجري إلا أن دخول خادمة أخرى للغرفة استوقفها في مكانها، ملامحها المتكبرة ولسانها الساخط قد عزم على توبيخها بكلماته الجارحة في كل مرة تتقابلان فيها، لكنها هذه المرة قد ارتدت المكر بدلاً منه حين قالت بلهجةٍ أمرة: السيد الكبير يطلبكِ!

    عقدت حاجبيها بتساؤل.. فالسيد الكبير لم يحدثها منذ فترة طويلة، لديه خدمه الخاص فلم يحتج منها أي شيء، عندما تقابله تنحني له وينتهي الحديث بينهما دون كلمة تُسمع!

    فاجأتها نبرة مايكل المتألمة حين حدَّث الخادمة ليزا: لماذا.. هل ستغادر؟ هل طَلَبَتْ ماريا أن تغادر لأنني عدت للعبتي؟

    لم تجبه ليزا بل أسرعت الخطى خلف ماريا وفضولها يقودها ناحية الغرفة التي تحوي السيد الكبير وزوجته. عقد حاجبيه بعبوس. لا بد أنها ستنال بعض التوبيخ دون أن تفعل شيئاً..

    أما ماريا، فقد كانت واقفة أمام السيد الكبير وقد نال منها التوتر، مرت الدقائق الأولى كساعاتٍ عليها، ابتلعت رمقها عدة مرات حتى تحدث أخيراً بصوته الهادئ المرعب: أعيدي علبة المجوهرات وغادري هذا القصر في الحال.

    تساءلت بداخلها، أيحادثها هي؟ أم ليزا.. إنه ينظر إليها من خلف نظارته ذات العدسات الدائرية.. لكنها متأكدة بأنها لم تسرق علبة المجوهرات التي يتحدث عنها.. تسمرت في مكانها وقد بان عليها التهكم، لِمَ يتم اتهامها بالسرقة؟ ألم تكن هذه المغرورة تخطط لسرقة القصر مع أصدقائهǿ ألم توافق على اغتيال العائلة إن أدركوا خطتهǿ

    ـ سيدي! أنا لم أسرق علبة المجوهرات.. إنها ليست معي..

    اكتفى والد مايكل بطرق الأرضية بعصاه قائلاً: إذاً لن تعترفِ.. أجد أن السجن أفضل مكانٍ لكِ.

    ابتسمت ليزا بسعادة شديدة وهي تراقب ماريا التي تحاول بشتى الوسائل أن تثبت لأصحاب القصر براءتها إلا أن أحداً لا يرغب في سماع تبريراتها. خرجت الأخيرة من الغرفة باستسلام منقادة خلف أحد حراس المكان. تنهدت بيأس وتأملت حياتها الفائتة، خمسة عشر سنة مرت بسرعة شديدة.. ظنت أنها لن تغادر عملها هذا إلا لقبرها، لكنها ستبتعد عن القصر.. لن تعود إليه.. تنبه عقلها لشيء غفلت عنه؛ لقد حاولت طيلة السنوات الفائتة أن تغادر القصر، لكن قاطنيه لم يتركوها ترحل. أما الآن.. فهم من طردها وطلب مغادرتها.. ألا يجب أن تكون سعيدة بالخبر؟! صحيح أنها ليست المجرمة الحقيقة لكن السيد الصغير لن يكون معها، لن تشعر بالرعب بعد اليوم! ستكون في مأمن من أفكاره وألعابه المخيفة.

    أخذت نفساً عميقاً وبالكاد استطاعت إخفاء بهجتها، ستغادر مساءً بلا جعة. خطواتها البطيئة أصبحت أخف كما لو أن ثقلاً قد انزاح عن كاهلها.

    انتظر مايكل في غرفته قطعة الكعك الخاصة به بملل، مرت نصف ساعة على الموعد المعتاد، تساءل عن سبب تأخر ماريا في إحضارها، ألقى بالكتاب بعيداً وغادر الغرفة سريعاً. بحث عنها في المطبخ، ثم في أرجاء القصر وخارجه، لم يجد لها أثر، لم يسأل أي خادمة مرت بجواره لكرهه التحدث إليهن.

    حينما قرر أخيراً العودة إلى غرفته، تناقلت لمسامعه أصواتٌ غريبة، اتجه إليها بحذر، انقاد إلى غرفة تقع في آخر الممر، كانت مهجورة وهادئة؛ فقد كانت لجده الراحل ولم يجرؤ أحد على الدخول إليها بعد موته، ألصق أذنه بالباب، تعددت أصوات الخطوات، يستحيل أن تكون جميعها لشخصٍ واحد.. ابتعد قليلاً واختبئ في زاوية مظلمة ليراقب الأوضاع.

    ـ ماريا الحمقاء.. كانت تريد أن تفضح أمرنا.. تستحق ما جرى لها!

    ـ خطة ذكية! أن تجعليها هي السارقة. لكنها حُبست الآن.. إن سرقنا الممتلكات اليوم سيُشك بأمرنا..

    ـ لا بأس، فلن نعود إلى هنا، سنسرق ونهرب.

    اشتعل غيظاً، لهذا السبب لم يجدها، من يجرؤ على تلفيق هذه التهمة البغيضة عليها! لم يستطع التحكم في تصرفاته، حالما خرجوا من الغرفة لبداية عملية السطو وقف أمامهم: ما الذي تفعلونه هنǿ

    ألقى نظرة ساخطة على ليزا وهددها: فلتغادري هذا القصر حالاً! وإلا..

    تحدث دانيال، وهو أحد الشبان المرافقين لليزا رامقاً إياه بتهكم: وإلا ماذǿ هل ستخبر والديك؟
    أراد التشاجر معه وطرحه أرضاً؛ لكنه تذكر كره ماريا لألعابه، لا بد أنها ستكره عنفه، زم شفتيه، بصق في وجه الشاب وعاد أدراجه مقرراً البحث عنها بدلاً من تضييع الوقت. وجد أمامه أخيه الأكبر أليكس: ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت؟

    لم يجبه بل اكتفى بأن تركه يلمح العصابة من خلفه، عقد أليكس حاجبيه وهو يتجه ناحيتهم: من أنتم؟ وما الذي تفعلونه هنǿ

    اتسعت ملامحه دهشة واستغراباً حينما لمح ليزا معهم: ليزا! إذاً ماريا لم تكن السارقة..

    أراد أن ينادي الحراس، لكنهم لن يسمعوه حتى إن صرخ منادياً، الأفضل له أن يترك مايكل يذهب ليستدعيهم وسيتدبر هو أمر إبقاءهم في مكانهم لحين عودته، التفت لأخيه وأمره بجدية: مايكل، اذهب بسرعة وأطلب من الحراس الحضور لأخذ هؤلاء.. اتصل بالشرطة أيضاً.

    قبل أن يتحرك مايكل، انقض أحد الشبان على أليكس، سقطا أرضاً وهما يتعاركان، لم يرد أي من أفراد العصابة كشف أمرهم، لذا اندفع أخر ناحية مايكل ملوحاً بالسكين في وجهه. في غضون دقائق هزم مايكل وأليكس، لم يستطيعا ردع الشبان الذين حملوا السلاح وجرحاهما. غضب مايكل أكثر، زاد عراكه مع خصمه حدة، ليست لديه الرغبة في أن يكون الطرف الخاسر، لمح السكين الساقطة قرب قدمه، انحنى بسرعة والتقطها مهاجماً من أمامه الذي لو لم يتحرك لكانت إصابته حرجة.

    ـ هيه.. يا فتى! فلترمي بتلك السكين إلي.. إنها ليست لعبة للأطفال..

    اقتراح زعيم العصابة لم يعجبه لكن ما بحوزته أجبره على إطاعته، فقد كان يطوق على رقبة أليكس ويخنقه منتظراً إياه ليسلم السكين ويعلن استسلامه. حالما تأكد دانيال من أن مايكل سيعطيه السكين غرز الموجودة في يده في معدة أليكس. اتسعت عينا مايكل بصدمة، ألم يكن الاتفاق أن يعطيه السلاح فيرجع إليه أخيه!

    لفظ أليكس أنفاسه الأخيرة بعد عدة طعنات مؤلمة أجبرته على الصراخ. أُجبر على ترك مكانه والهرب بسبب صراخ أخيه بذلك، أراد منه أن يبتعد عن الأذى، أن يخبر البقية عن العصابة فلا تصل أيديهم له.

    جرى بما لديه من قوة، عيناه تمسحان المكان بسرعة خارقة، يريد أن يجد أي إنسان ليساعده، دون أن ينتبه وصل أخيراً إلى غرفة والديه، طرقها بسرعة وفتح الباب: أبي.. أمي.. هناك عصابة.. لقد قتلوا أليكس!

    نهض والداه من مكانهما وتسمرا بصدمة، ما الذي يقوله هذا الفتى؟ المنزل هادئ جداً، لا يستطيعان تصديق وجود عصابة آذت ابنهما الأكبر. عندما لم يبدِ أحدهما أية حركة تدله على أنهما صدقاه أو حتى استوعبا الخبر اتجه ناحيتهما وأخذ يجرهما خلفه. لكن قدوم شخص غير متوقع ألجمه هو أيضاً عن الحركة.

    ـ سيدي!! لقد قتلت ماريا السيد أليكس!

    ـ إنها ليزا وعصابتها.. هي من قتلت أليكس..

    حدج ليزا بحقد، خبيثة حمقاء! ما الذي تتفوه به! إنهما ومن معها من قتله.. لكن لم يهتم والديه لمَ قاله، لم يعيراه انتباههما، لأنهما متأكدان بأنه سيدافع عن ماريا مهما اقترفت من أخطاء!

    ـ قُتل أليكس! أليكس بني..

    أسرعت والدته ناحية مكان جثة الابن الأكبر، وليزا ترشدها. تبعها ووالده، لا بد أن جثته لا زالت في مكانها، وماريا لازالت محبوسة.. فكيف عساها تقتله!

    لكن المكان الذي اتجهوا إليه لم يكن موقع الجريمة الحقيقي. بل أخذتهم ليزا إلى غرفة حُطم بابها، كان أليكس مستلقي على الأرض وبجواره تجلس ماريا ودموعها تنهمر بغزارة. اندفعت والدته ناحيته ودموعها تسابق أنفاسها، احتضت جسد ابنها وهي تشتم ماريا وتدفعها بعيداً ناعتةً إياها بالقاتلة.

    حاول مايكل الدفاع عنها لكن أحداً لم يصغِ إليه، أراد من والده أن يلحق به ليريه أثار الاقتحام إلا أنه قوبل بالرفض.

    ـ يا لسيدي مايكل المسكين.. لحبه لهذه الخادمة المخادعة يحاول أن يبعد عنها التهمة.. إنها خادمة لا تستحق هذه الشفقة..

    لم يُرد السيد الكبير سماع كلمة أخرى منها، لا زال عقله في معركة حامية يحاول استيعاب الصدمة الملقاة أمامه، تمتم أمراً: استدعي الشرطة حالاً.. ليبقى الحراس مع هذه القاتلة حتى يأتي أحدهم ويزج بها في السجن.

    لم تكفهم تهمة السرقة، وها هم يلقون عليها تهمة أكبر ستتركها حبيسة السجن طوال حياتها، هل عليها حقاً أن تقبل بهذه التهمة مقابل أن تبتعد عن السيد الصغير، أيستحق الأمر كل هذه التضحية؟

    ضحكت بتهكم على نفسها، لقد قبلت حقاً بالأمر، وها هي أخيراً تخرج من السجن بعد تقليل سنوات حبسها لسلوكها المستحسن في السجن. سارت ببطء وهي تركل حجارة تلو الأخرى. تفكر في حياتها القادمة وطريقتها في كسب لقمة العيش حتى استوقفها ظل وقف صاحبه أمامها، رفعت عينيها عن الأرض لتقابله.. تراجعت للخلف عندما امتدت يده إليها، ابتسامته السعيدة كانت مصدر رعبها منه، فهي تنذرها بأن حالة جنونه على وشك الظهور أمامها. اختفت ابتسامتها فوراً، اتسعت مقلتيها وارتجفت؛ لقد عاد الكابوس ثانيةً.








    attachment

    “It wasn't me who was wrong, it was the world”
    Twitter
    //Ask

  6. #5
    ظلال من يقين gnmhS4gnmhS4gnmhS4
    الصورة الرمزية الخاصة بـ Memoяίes









    وسام مسابقة الصيادين وسام مسابقة الصيادين
    وسام سجن نور و هداية وسام سجن نور و هداية
    وسام الشعر و الخواطر وسام الشعر و الخواطر
    ستكون لي عودة بمشيئة الله
    وكم أدين لذاكرتي بذكريات عظيمة!

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

  7. #6
    ظلال من يقين gnmhS4gnmhS4gnmhS4
    الصورة الرمزية الخاصة بـ Memoяίes









    وسام مسابقة الصيادين وسام مسابقة الصيادين
    وسام سجن نور و هداية وسام سجن نور و هداية
    وسام الشعر و الخواطر وسام الشعر و الخواطر
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
    واخيرا استطعت قراءة القصص الثلاثة على مدار اربعة أيام hurt ليس لخطب فيها وإنما بسبب قلة حيلتي
    بشكل عام ... من بين الفرق الثلاثة التي قرأت لها
    وجدت هذه المعزوفة بمقاطعها الثلاث هي الأفضل!
    هانا
    أنس زهر
    و مجوكه

    أسلوب قوي ومتين
    حبكة ممتازة
    عناصر القصة القصيرة كلها متوفرة
    اللغة ذات الطابع السهل لكنها مع ذلك تتسم بالقوة والرصانة!
    هذه هي السمات المشتركة بينها

    لكن من بين الرائع هناك الاروع دائما
    الاخت أنس زهر تفوقت على زميلتيها في حبكتها وان تقاربت المستويات كثيرا
    بالنسبة إلي ما ميز الليمونة على اشتطاط و15 سنة هو تناولها للنفس البشرية وميلها للتملك وكيف يذهب الطمع بالعقل!
    مع وجود مسحة من الخيال ... أسلوب راق بحق!
    أما الجملة الأخيرة والتي ختمت بها الموضوع
    بالفعل كانت رائعة!

    هانا بقصتها اشتطاط
    لطالما أبهرتني بطريقتك في الوصف
    لكن المرة فاجأتني بهذه الحبكة الرائعة!
    كيف خدعتنا بهذه الطريقة؟ لكن كل الحق معك!
    فالتاريخ يكتبه المنتصرون
    احسنت هانا!
    كل يوم ازداد رغبة في قراءة المزيد مما تخطه يداك!

    مجوكه و15 سنة
    اعجبتني القصة كثيرا
    الاحداث كانت مشوقة وممتعة بحق!
    احببت ما خطته يداك اختي
    لكن المنافسة في هذا الفريق قوية جدا
    لو قرأت قصتك بمعزل عن الاخريات لا اعلم ماذا كنت سأقول لان الاسلوب جميل جدا
    حتى الحبكة والوصف كانا متقنيين
    لكن وضع القصة في مقارنة يقلب الموازين
    لكن لا شك انك وفقت في كتابتها


    للكتاب جميعا
    شكرا لكن عل هذه القصص
    لقد استمتعت بها

    للمفكرة
    لم اتوقع ان فكرة كهذه ستخرج لنا بهذه القطع الفنية الثلاثة
    كانت فكرة رائعة
    احسنت


    بالتوفيق لكم وتقبلوا مروري

  8. #7
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أولاً فكرة القصة جداً رائعة ومثيرة فحينما فرأت الفكرة تأكدت بأنها ستحمل في طياتها مشاعر اليأس والحزن
    وفعلاً هذا ما رأيته حينما قرأت القصص الثلاثة
    شعرت بالتحسر بحال الخادمة.. فقد كانت هذه الخادمة المخلصة تود حماية القصر وليس سرقة مجوهرات تلك السيدة..
    ياللظلم أن يتم اتهام شخص بجريمة شخص آخر ogre أتمنى لتلك الخائنة أن تذوق بأيامها القادمة سواداً وآلاماً كما فعلت بشخص بريء لم يفعل بحقها شيء
    شكراً بإمتاعنا بقصصكم القصيرة
    أتمنى لكم التوفيق جميعاً بالمسابقة
    شدوا الهمة بآخر مرحلة gooood
    أمّـا عَلِمـتَ كيــفَ خَبُـتَ الضِياء؟
    وَوَهـنَ النبــضُ بعدَ
    الرَحيــل..




بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter