في ليلة عاصفة ظلماء كانت الرّياح الشّديدة تهب كـ زوبعة المآسي بين فينة وأخرى متمَرّدةً على غابة
تكاد أشجارها تُقلتع من أماكنها بقسوة، والسّماء متدثّرة برداءٍ رمادي كئيبٍ يُنبأ بانهمار دموعها
على أرضٍ كسته الخُضرة..
من بعيد يمكنك لمحُ شبحِ قلعةٍ لا تزال شامخة بعظمتها وتبدو لك حينما يكتسح البرق ظلمة اللّيل،
وبين جدران تلك القلعة الضّخمة في البهو الشّاسع والفَسيح الذّي ملأه الفراغ بوحشته،
أخذ ذاك الكرسي الأحمر الذّي خالجه لون الذّهب مكانه في وسط البهو وأميرتا القصرِ تدوران حول الكرسي
كأنما تقضيان وقت فراغهما في التسلية واللّهو بـ لعبة كرسي الموسيقى،
لكن لم يكن هنالك أي موسيقى يُسمع في المكان عدا صوت هزيم الرّعد الصّادر من الخارج..
كانت الملكة شوك متربّعة على عرشها المتوج الذّي اعتلى مكاناً راقياً في القاعة الملكليّة الرّحيبة،
وفي يديها كتبٌ تقرؤها قد سطّرت فيها حروف ذهبية من إبداع راعيتها في مملكة القصص والرّوايات..
ما إن رفعت بصرها عن الكِتاب الذّي تقرأه حتّى جلست إحدى الأميرتان على الكرسي فوراً،
وقد اتّضح الأمر الآن حيث أنّهما استبدلتا الموسيقى بقراءة المكلة للقصص..
- غير ممكن.. هذا ليس عدلاً يا غيهب..
قالتها تلك الأميرة بتذمّرٍ وهي تكتّف ساعديها وتضرب الأرضية الرّخامية بقدمها ليصدر صوتاً تردد صداه
في سكون الفراغ.
- ولِمَ ليس عدلاً يا پورنيما ؟ فقد جلستُ قبلكِ لذا تمّ إقصاؤك..
سُمع ضحك الأميرة غيهب وهي تتلذذ بنشوة انتصارها السّاحق والملكة تصفّق بيدها مبتسمة،
لكن لم يدم هذا طويلاً حينما ضربت پورنيما يديها ببعضها لتهتف بمكرٍ وكأنّما إلهامٌ قد أناخ إليها :
- وجدتها..
ثمّ استدارت وأطلقت لقدميها العنان لتجري في البهو المهيب وصوت وقع خطوتها على البلاط يصدر صدىً متردداً..
- أين ذهبت؟
تساءلت غيهب وهي تنظر في طريق الممر من البهو الذّي سلكته الأخيرة لتردّ الملكة شوك :
- فكرة جديدة !
فوق أحد أبراج القلعة التّي كانت أشبه بـ ناطحة سحابٍ شاهق تلامس السّماء المنذرة بمطرٍ غزير،
وأمام سياجِ البرج وقفت وهي تنظر للأفق المظلم البعيد والرّياح تلعب دورها في التلاعب بشعرها
وردائها الملكي الفخم،
وفي يديها تحمل لوحة خشبيةً كبيرة وطباشير بيضاء ناصعة،
لم تنتبه لوصول الملكة التّي أقبلت للمكان وفستانها الفاخر والطّويل يلامس الأرض ليعطيها مسحة ملكية،
والأميرة غيهب ترافقها للبرج العملاق، وشرعت پورنيما في خطّ حروف على تلك الخشبة بانتباه..
شقّت ابتسامةٌ عريضة محيّاها بـ حماسة وهي ترفع الطبشور عن سطح الخشبة لتمعن النّظر إلى ما حفرته،
اقتربت الأميرة مع ملكتها في الوقت الذّي انتصب فيه پورنيما على حافّة السياج والريّاح تعصف بجسدها،
ثمّ رفعت لوح الخشب بيدها معقّدة حاجبيها هاتفة بعزمٍ :
- بداية اللّعبة..
لمع البرق واكتسح ضوؤه السّاطع عتمة المكان ليكشف عن اللّوحة تلك الجملة المكتوبة بوضوح :
" أقلامٌ عزَفَت ما بِطَيِّ الخيال! "
*
*
المفضلات