.. 22 ..
~ ياماتو ~
واقف في مكان أجهله ولا أرى شيئاً سوى الظلمة ، فجأة ظهرت جوليا التي تبدو في حالة رثة وسط الظلام، وهي مطأطأة رأسها نحو الأسفل ..
بدأت أناديها لكنها لم تجبني ، إقتربت منها بخطوات مترددة ، وحين وصلت إليها ممداً يدي لأمسكها ، رفعت رأسها فجأة ، وأمسكت بيدي الممدودة بكلتا يديها ..
حينها تمتمت بخوف : جوليا ما بك ؟؟
رفعت رأسها لترمقني بنظرة حادة ، جعلتني أقشعر خوفاً ..
ضغطت على يدي بقوة وهي تغرز أظافرها في يدي ، قلت وأنا أحاول أن أجذب يدي بألم : جوليا أتركيني أنت تؤلمينني ..
حينها ردت جوليا : ألمك هذا لا يقارن بما شعرت به أبداً ، أنت من عليه أن يتعذب أيها الجبان ..
قلت بصوت مرتعش : أنا آسف يا جوليا ، لم أقصد أن أضعف ، لكن كان الطلب صعباً قليلاً ..
حينها صاحت جوليا بغضب : وتسمي نفسك صديقاً ؟؟ ألم يكن عليك أن تفكر بي قبل هانا ؟؟
ثم صمتت قليلاً لتقول بعدها بإبتسامة ساخرة : أوه صحيح أنا لست صديقتك ، أنا لست سوى خادمة لديك تعد لك علبة الغداء ..
بعدها تركتني وهي تبتسم بألم ، ويدي الذي كانت تمسك به ينزف دماً ..
لم أعر ذلك الجرح أي إهتمام حينما رأيت جوليا تدير ظهرها راحلة ..
كنت ألحق بها وأنا أقول بصراخ : جوليا لاتذهبي ، أقسم أنني أعتبرك صديقة ثمينة ، حينما طلبت منك أن تكوني خادمة لي كنت أهدف للتقرب منك فقط ، لذا أرجوكِ يا جوليا عودي ..
على الرغم من أنني كنت أركض خلفها بأقصى قوتي إلا أنها كانت تختفي وسط الظلام شيئاً فشيئاً حتى أنني لم أعد إستطيع رؤيتها ..
أطلقت صرخة عااالية : جوليااااااااااااااااااااااااا
جلست بفزع وأنا أتصبب عرقاً وألهث بتعب ، إلتفت يمنة ويسرة لأدرك إنه لم يكن سوى حلم مزعج ..
إنتبهت لوجود آلبرت الجالس في زاوية الغرفة وينظر إلي بهدوء ..
تحدث آلبرت : يبدو أنك كنت تحلم بكابوس مزعج حتى أن دموعك تنهمر وأنت نائم ..
رفعت يدي على خدي لأدرك أنني كنت أبكي كما قال آلبرت ، مسحت دموعي بسرعة وأنا أقول : منذ متى وأنت هنا ؟؟
تجاهل آلبرت سؤالي وهو يقول : بماذا حلمت يا سيدي الصغير ؟؟ ومن هي جوليا التي كنت تناديها في حلمك ؟؟
أجبت وأنا أشد على قبضتي الممسكة بالفراش وأهمس بنبرة ضعيفة : إنها صديقتي .... وأنا تسببت في إيذائها كثيراً .... بسبب جبني ..
تذكرت فجأة منظرها وهي تلعق القيء المسكوب على الأرض ، بكل ذل وإنكسار ، لينتشلني صوت آلبرت البارد وهو يقول : أووه يالك من شخص سيء يا سيدي الصغير ، وأنا الذي كنت أظن أنك لا تؤذي الفتيات أبداً ..
هه يالسخرية !! آلبرت الخادم البارد يناديني بالشخص السيء ..
قلت بهدوء : آلبرت لماذا أنت هنا ؟؟
وقف من مكانه قائلاً : اليوم هو يوم الأحد إنها إجازتي الأسبوعية أم أنك نسيت ..
أومأت رأسي دون أن أقول شيئاً ، لأسرح بعدها في أحداث الأسبوع الفائت ، لقد حدثت الكثير من الأمور ، وكل يوم يمر كأنها سنة مثقلة بالهموم ، طوال الأسبوع كنا نعيش في خوف وتوتر ، هذا ونحن فقط ننفذ أوامر الخاطف ولانزال أحراراً ، فكيف الحال مع جوليا ؟؟
لا بد أنها محبوسة في زنزانة ضيقة والأشرار لا يطعمونها جيداً ، وهي وحيدة الآن لا أحد حولها من عائلتها أو أصدقائها ، وفوق هذا تتعرض للتعذيب ، آه يا جوليا ما أصعب وضعك ..
إنتفضت حين شعرت بيد صغيرة وضعت على كتفي ، جعلني أعود إلى الواقع ، لأدرك أنها لم تكن سوى يد الصغيرة فيفي إبنة أخ آلبرت ..
قالت بنبرتها البريئة : سيدي لدي طلب وأرجو ألا ترفض ..
إبتسمت لها بحنية وأنا أقول : وما هو طلبك ؟؟
كانت تفرك كفيها ببعضهما بتوتر ، وعينيها كلما وقع في عيني أرخته بخجل ، وأنا أنظر إليها بترقب منتظر ما ستطلبه فيفي ..
لكنها لم تنطق بأي كلمة ، أتاني صوت آلبرت وهو يقول : هي تريد أن تذهب معك للتنزه قليلاً ..
رفعت بصري إليها وأنا أقول : هل هذا ماتريدينه يا فيفي ؟؟
أومأت برأسها بخجل لأبتسم لها بحنان ، على الرغم من أنني لا أشعر برغبة في التنزه إلا أنني لا أستطيع رفض طلبها ..
إلتفت إلى آلبرت قائلاً : أيمكنك إصطحابها عوضاً عني ، فأنا أشعر بتوعك ..
أدار ظهره قائلاً : هي طلبت منك هذا ، أنا لا شأن لي ..
زفرت بضيق ووقفت لأجهز نفسي ، إرتديت قميص أحمر ولففت حول عنقي وشاح أسود وبنطال أسود وقبعة سوداء اللون ..
توجهت نحو الباب وأنا أنادي بملل : فيفي تعالي بسرعة سنغادر حالاً ..
سمعت وقع أقدامها السريع، والتي تدل على أنها كانت تركض ، وعندما اقتربت مني تعثرت وسقطت أرضاً على وجهها ..
هرعت إليها مسرعاً وقلت بقلق وأنا أساعدها على النهوض : فيفي هل أنت بخير ..
نظرت إلي والدموع قد ترقرقت في عينيها ، ويبدو أنها على وشك البكاء ، قلت بسرعة : فيفي أنت فتاة قوية لن تبكي لسبب كهذا أليس كذلك ؟؟
قالت فيفي بتماسك : نعم أنا قوية ..
ساعدتها على النهوض وأنا أعدل لها فستانها الوردي قائلاً : تبدين جميلة جداً يا فيفي بفستانك هذا ..
إبتسمت بخجل وهي تقول : حقاً !!
قاطعنا صوت آلبرت : هي أنت لا تتغزل في إبنة أخي ..
ضحكت وأنا أقف ، لكنني تفاجأت حين رأيت آلبرت يرتدي قميصاً أصفر اللون أعلاه معطف أسود ، ومن الأسفل بنطال جينز، ويبدو أنه ينوي مغادرة المنزل ..
قلت بتساؤل : إلى أين ستذهب ؟؟
أجابني ببرود : سأرافقكما بالتأكيد لأحمي عزيزتي فيفي منك ..
تمتمت ساخراً : مالذي يظنني سأفعله بهذه الطفلة ، أحمق ..
خرجنا سوياً من المنزل ، وسرنا في صف واحد وفيفي بيننا ممسكة بي وبآلبرت ..
قلت بتساؤل : آلبرت أين والدتك لم أراها هذا الصباح ..
أجابني : هي قد ذهبت إلى المستشفى .....
قاطعته بذعر : هل هي مريضة أم ماذا ؟؟
نطق بهدوء : أيها الأحمق لا تقاطعني حين أتكلم ، ثم أن أمي بخير ، كل ماهنالك أنها تزور صديقتها ..
هززت رأسي بتفهم ، لكنني توقفت فجأة وأنا أحاول إستيعاب ماقاله للتو ..
سمعت آلبرت يقول : لماذا توقفت فجأة ؟؟
قلت وأنا أرمش غير مستوعب الأمر : أنت يا آلبرت قد نعتني بالأحمق ..
- وماذا في ذلك ؟؟ >> قالها ببرود ..
قلت بحماس وأنا أقف أمامه مباشرة : هل تعلم ماذا يعني هذا ؟؟ يعني أننا أصبحنا مقربين والحاجز الذي بيننا قد تلاشى ، يسعدني أننا أصبحنا أصدقاء ..
دفعني بخفة بأنامله وهو يقول مكملاً طريقه : أنت حقاً شخص غريب ، إذا كان مناداتي لك بالأحمق يسعدك فلا تقلق سأغرقك بكل أنواع الإهانات والشتائم ..
ضحكت بخفة وهرولت إليه قائلااً : لقد فهمتني خطأً ، أقصد أنك حين دعوتني بالأحمق شعرت أننا صديقين عاديان ، فأنت في السابق كنت فقط تناديني بسيدي الصغير وكنت أتضايق من هذا كثيراً ..
لم يرد علي آلبرت ، وظللنا نسير بصمت ، حتى وصلنا إلى متنزه مليء بالأطفال ..
جلس آلبرت على أحد المقاعد وقال لي بنبرة آمرة : إذهب مع فيفي وقم بمراقبتها ، و الويل لك إن تأذت ، وأنا سأبقى هنا أنتظركما ..
شعرت بالغيظ قليلاً لأنه يحملني مسؤولية إبنة أخيه ، لكنني لم يتسنى لي الوقت لأرفض حين ركضت فيفي نحو الأراجيح ، واضطررت إلى ملاحقتها ..
كنت أقوم بدفع الأرجوحة التي جلست عليه فيفي ، وصوت ضحكات الأطفال من حولي تدخل السرور إلي ، والهواء العليل ينعشني ، ولأكون صريحاً لست نادماً على الخروج ..
أيقظني صوت فيفي الطفولي وهي تقول : سيدي هل أنت سعيد ؟؟
قلت بإستغراب : ولماذا تسألين ؟؟
نزلت فيفي من على الأرجوحة وهي تقول : عمي هو من طلب مني أن أطلب منك الخروج معي لأنك بدوت حزيناً كثيراً ..
مشاعر إجتاحني حين سمعت كلمات فيفي ،إنها مشاعر الإمتنان ، على الرغم من أن آلبرت يتصنع البرود إلا أنه يمتلك قلباً رقيقاً للغاية ..
ركضت وأنا أقول عالياً : فيفي إبقي مكانك سأعود حالاً ..
توجهت نحو المكان الذي كان يجلس فيه آلبرت ، وحين وصلت إليه إحتضنته بقوة ، وقلت وعيناي تدمعان بتأثر : آلبرت شكراً لك على إهتمامك بي ، أنت صديق رائع حقاً ..
دفعني آلبرت بقوة عاقداً حاجبيه وهو يقول : أيها الغبي ماذا تفعل ؟؟
رسمت إبتسامة عريضة على وجهي وأنا أقول بخبث : لقد أخبرتني فيفي عن سبب خروجنا إلى هنا ..
قال بلامبالاة : وماذا قالت ؟؟
- لقد قالت أنك أنت من طلب منها أن تعرض علي الخروج إلى التنزه بعد أن رأيتني حزيناً ، هل هذا صحيح ؟؟
أجاب ببرود وهو يعيد ناظريه إلى شاشة هاتفه : لا أعلم شيئاً مما تقوله ..
إبتسمت قائلاً : متى ستنزع قناع البرود هذا ؟؟ أعلم أنك شخص طيب ..
رفع ببصره إلي قائلاً : هي أنت ألم تلاحظ أنك نسيت شيئاً ؟؟
فكرت قليلاً لأشهق عالياً بعدها وأنا أقول : يا إلهي نسيت فيفي ..
بعدها هرعت إلى حيث تركت فيفي ، وقلبي يرفرف سعادة ..
بقيت فيفي تلعب لساعتين وبعدما أنهكها التعب قررنا العودة إلى المنزل ، كنا نسير معاً وأنا أمازح آلبرت الذي كان يتجاهلني ، وفي الطريق رأيت سيارة سوداء لا تقل فخامة عن سيارتنا ، وحين مرت بمحاذاتنا كانت النافذة الخلفية مفتوحة ، وحين لمحت من في الداخل تجمدت مكاني ، وتابعت السيارة بنظراتي حتى اختفت ..
سمعت صوت آلبرت المستغرب يقول : لماذا توقفت فجأة ؟؟
إلتفت إليه وأنا أبتسم قائلاً : لا لا لشيء ..
أمال شفتيه قليلاً وهو يقول : يبدو أن تلك السيارة قد ذكرتك بالسيارة التي كانت تقلك دائماً ..
تمتمت وأنا شارد : لا ليس الأمر كذلك ، لكن ...
صمت وأنا لا زلت غير مصدق لما رأيته ، هل كان هو حقاً ؟؟
هززت رأسي نافياً وأنا أقول بإبتسامة : مستحيل أن يكون هو ، ثم سوبارو ليس الوحيد الذي يلف وجهه بالضمادات ..
***
~ سوبارو ~
- أقفل النافذة حالاً أيها الغبي ..
هذا ما صرخت به حين تلاقت عيني بياماتو صدفة ، وأنا الآن في دوامة من التفكير ..
هل لاحظ ياماتو أنه أنا ؟؟ حتماً بلا شك حتى أنه أخذ يتتبعنا بعينيه ، أخشى أن يكتشف أمري وأنا لا أريد ذلك ..
ماذا سأقول له لو سألني ؟؟ أي كذبة يمكن أن أقولها له ؟؟
قاطع أفكاري صوت السيد روكاوا يقول : ما بك يا سوبارو ؟؟
أجبت محاولاً المحافظة على هدوئي : لا شيء لكن عدوي الأبدي رآني للتو ..
علت الدهشة ملامح السيد روكاوا وقال : هل تقصد ياماتو ؟؟
أجبت بغيظ : نعم هو ..
فجأة إنفلتت من السيد روكاوا ضحكة قصيرة سرعان ما أخفاها ، لألتفت إليه غاضباً وأنا أقول : لماذا تضحك ؟؟
تنحنح قائلاً : لأكون صريحاً وضعكما الحالي مضحك كثيراً ، فعلى الرغم من أنك تبغضه إلا أنه يعتبرك صديقاً مقرباً له ، وأنت تتصرف معه بودية عكس ما في قلبك ..
إلفتت نحو النافذة وأخذت أتأمل الطريق وأنا أقول بهدوء : لو أنني عرفته سابقاً لما كنت سأحقد عليه ، لكن هذه الكراهية زُرعت في داخلي مذ أن كنت صغيراً ، لذا لا أستطيع محو هذه المشاعر بسهولة ..
وأردفت بهمس خافت : على الرغم من أنه ليس الملام ..
بعدها أطلقت زفيراً عاالياً ، وأسندت برأسي إلى الوراء مغمضاً عيني ..
لأغوص بعدها في ذكريات طفولتي ومراهقتي التي كانت مملوءة بالأحزان والقليل من اللحظات السعيدة ..
الأشخاص الذين كنت أحبهم رحلوا بعيداً تاركينني خلفهم ، والوحيدة التي بقيت عندي لا تهتم لأمري ، وجل تفكيرها ينصب نحو ذلك الشخص ..
فجأة إنتشلني من ذكرياتي صوت السيد روكاوا : سوبارو أجبني بصراحة ، لماذا عدت للعمل ؟؟ لا تقل لي أنك تحتاج للمال ولهذا عملت ، فأنا أعلم أن لديك من النقود ما يكفي حاجتك ، فأنت بطبعك مقتصد ..
فتحت عيني ببطء ، لأنظر إلى السيد ببرود قائلاً : وهل هذا يهمك ؟؟ أظن أنه لا شأن لك بحياتي ..
علت على ملامحه الإنزعاج وهو يقول : سوبارو تحدث معي بإحترام ، فلا تنسى أنك لم تصل إلى ما أنت عليه إلا بفضلي ..
تمتمت بملل : تتحدث كما لو أنك لم تربح شيئاً من خلفي ..
قال السيد روكاوا مبتسماً : هل تتذكر ذلك اليوم الذي أتيتني فيه وبحوزتك خبر غير سار ، وأعلمتني أنك ستتوقف عن العمل ، كنت متيقناً أن إعتزالك سيدوم فترة قصيرة إلى أن تنساها ، وبالفعل ها أنت تعود أخيراً ..
إلتفت إليه وقلت وقد إنتابني نوبة غضب عارم : أيها اللعين هل تقصد بقولك هذا أنني نسيت نانا ؟؟ كفاك حماقة أنا لم ولن أنساها أبداً ، مشاعري نحوها كانت صادقة لذا لا يمكن أن أمحوها ، هل فهمت ؟؟
قطب السيد روكاوا حاجبيه قائلاً : لكنك توقفت عن العمل لتأثرك بموتها ، وقطعت لنفسك وعداً أنك ستترك العمل من أجلها ، لكن مر على هذا سنة كاملة لابد أنك قد اشتقت للعمل خصوصاً وأنك تحبه كثيراً ، وأصبحت غير مبالي بذلك الوعد ..
ضربت بقبضتي باب السيارة وأنا أنظر إليه بحدة ، من هو حتى يقول أنني نسيت حب حياتي ؟؟
قلت بصراخ عالي لم أعتد التحدث هكذا قبلاً : إسمعني يا سيد روكاوا أنا لم أعد إلى العمل إلا لسبب مهم ، ولولا حاجتي للمال لما رأيتني معك هل تفهم ؟؟ ووعدي لنانا لن أنساه أبداً ، ومشاعري نحو نانا لن تتغير مهما طال الزمن أو قصر ..
حرك يديه محاولاً تهدئتي وهو يقول : حسناً حسناً أنا آسف ، الأمر لم يكن يستدعي كل هذا الغضب ..
تنهدت طويلاً محاولاً أن أتمتلك أعصابي ، وقلت وأنا أعود لتأمل الطريق : أنت تعلم أن موضوع نانا حساس للغاية ، لذا لا تفتح سيرتها مجدداً ..
***
المفضلات