*
للصحراء قواها الخفية التي تقهر كل من يعبث بكنوزها الدفينة،
فيمكنها إرسال حرارة تشوي الجلود وكأنها ورقة اشتعلت فيها النار،
وتغلي منها مُقَل العيون، وتسيل العظام كالماء، أو أكثر من ذلك، قد تشهد فيها صمتاً يصم الآذان،
وفراغاً يقتل الوقت والمكان حتى تفقد كل إحساس المكان والزمان بل وحتى بهويتك !
ترى فيها جمالا جلابا يجذبك إليه جذبا،
حتى إذا أتيته لم تجده شيئا، وتجد نفسك تهلوس جراء خيبة الأمل !
وتارة أخرى، تجدها ترفع كثبانها الرملية لتعيق طريقك،
وتتسع لدرجة تفقد معها الأمل في الوصول إلى مخرج منها، أو حتى تعتصرك بداخلها،
ولكن من بين كل هذه القوى، لا يوجد مما هو أعتى ولا أقسى
مما يطلقون عليه غضب الله أو العاصفة الرملية !
"مغامرة مروعة وأحياناً مؤلمة، ولكنها تستحوذ دوماً على الفكر بطبيعتها المثيرة،
وبالنظر إلى الرواية نجدها تعكس مدى معرفة سوسمان بحاضر مصر وماضيها،
وبراعته في اختلاق أبطال من الجنسين، إضافة إلى شخصيات غاية في الوضاعة".
بهذه الكلمات تصف عالمة الآثار د. باربارا ميرتز رواية "جيش قمبيز المفقود"
للكاتب البريطاني "پول سوسمان" الذي عمل في مصر،
وكتب رواية تمزج الخيالي بالتاريخي والأسطوري في عمل أدبي يغلب عليه الطابع البوليسي المشوّق
من خلال سلسلة طويلة من الملاحقات والجرائم التي تحبس الأنفاس إلى حدّ بعيد،
وتشبه في تركيبها الفني ما درج دان براون على كتابته في أعماله الروائية.
تبدأ الرواية بــ أحداث غامضة و عجيبة في الصحراء الغريبة، 523 قبل الميلاد !
أحداث مشوقة بدأ الكاتب روايته بها..
وإليكم مختصر تلك الأحداث التي حدثت قبل عشرآت القرون مع جيش قمبيز المفقود،
وتقرير أورده عالم آثار في الرواية: هيرودوس - التاريخ - الكتاب الثالث
"كانت طيبة هي نقطة انطلاق الجيش الذي ارسله قمبيز ضد أتباع آمون بصحبة المرشدين،
ويمكن عثور آثار له حتى مدينة الواحات، التي تبعد عن طيبة مسيرة سبعة ايام سيرا في الرمال.
ويشير التقرير العام ان هذا الجيش قد وصل إلى تلك المدينة، ولكن لا توجد أنباء عما حدث له بعد ذلك.
من المؤكد أنه لم يصل إلى مقر اتباع آمون، ولم يعد إلى مصر أيضاً.
ولكن هناك قصة اوردها أتباع آمون وآخرون توضح أنه عندما غادرالجيش مدينة الواحات،
وفي أثناء سيره في الصحراء ووصوله إلى منتصف الطريق تقريبا،
هبّت رياح جنوبية شديدة أثارت أكواماً من الرمال على الجيش أثناء تناول وجبة الغداء،
وأدّت إلى اختفائه للأبد. "
وبعدها تبدأ قصة "تارا مولراي" البيطرية الشابة التي تعيش في لندن تتلقى دعوة مفاجئة من والدها،
عالم الآثار "مايكل مولراي" للمجيء إلى مصر.
لكن الأمور لا تمر على خير حيث تدخل الفتاة فور وصولها في لغزٍ مستعصٍ..
سلسلة من الجرائم الوحشية وسر تاريخي غامض وآثار ويُكتشفُ أماكن تاريخية عجبية
وتجارة غير مشروعة للآثار.
وفي خضم هذا كله يظهر خطيبها السابق ليرافقها وسط الخطر، ولكن يظهر شكوك حوله
فهو يعرف أشياء غامضة يجهلها الجميع !
وعلى الطرف الآخر، يزج "يوسف عز الدين خليفة" المحقق المصري المسلم
نفسه وسط تعقيدات القضية مُعَرِّضاً مركزه وأسرته للخطر ليفك خيوط القضية المتشابكة،
ويظهر شخصيتين مصريتين متضادتين تماماً، الأول هو المحقق "يوسف"
الذّي درس التاريخ والثاني هو كان يدرس التاريخ ثم تحول إلى "إرهابي"
بفعل الواقع الأليم للناس والفقراء كما يبرر هو،
حيث يضع الجزء الأكبر من هذه المسؤولية على عاتق الغرب الذي يسرق شعبيته
فيؤلف جماعة خاصة تنتقم من السياح الأجانب ويصبح باسم "سيف الثأر" مثار رعب للناس،
وثمّ تُكتشف العلاقة بين هاتين الشخصيتين المتناقضتين تجعل القارئ يشهق مفغّراً فاهه بدهشة !
وفي ذلك ربط مع الواقع الذي شهدته مصر خلال التسعينيات من أحداث،
تتكشف الخيوط الروائية عن مؤامرة تم التخطيط لها بعناية للإيقاع "بسيف الثأر"
بالإيحاء له بوجود مقبرة وكنز أثري ضخم يدل على مقبرة جيش قمبيز المفقود في الصحراء،
وهكذا يدخل "سيف الثأر" الدائرة المرسومة له، والتي يتابع خيوطها أيضاً المحقق
لتتم المواجهة بينهما، بين الخير والشر، بين العقل والجهل، إنهما تحت وطأة قاسية هنا...
وهنا تتصاعد الأحداث في الصحراء حتى نهايتها
وتتكتشف جميع الأطراف بعد وصول المحقق "يوسف خليفة" إلى أسرار التاريخ الغامض،
فما السر الذي يخبئه؟ وإلى أين سيصل الجميع بأسئلتهم؟
وأين يا ترى اختفى الجيش العظيم.. جيش قمبيز المفقود؟
وبين صفحات الرواية الرائعة إجابات غير متوقعة !
من هنا يمكنكم قراءة الرواية ~
جيش قمبيز المفقود
من رأيي الشخصي كـ قارئة للرواية..
بدا لي الرواية أنها كتِبَت بقلم كاتب مصري و ليس كاتب أجنبي،
فتفاصيل عادات وتقاليد الشعب المصري والوصف الدقيق للشوارع والقرى والمدن قد كتِبَ بعناية،
والمؤامرات المعقدة وجرعة العنف، تم عرضها من خلال تصوير دقيق
يجعلك تتعلّق بها وتصل إلى النهاية وأنت لا تشعر!
لقد نجح سوسمان في نسج حبكة معقّدة تدخل عقلك وقلبك بين سطور وأحرف ما كتبه بكلّ دقة وجمال،
وكأنك بطل من أبطالها وليس شخصاً يقرأ أحرفاً !
إنها بالفعل رواية تستحق القراءة وتمرير أناملكعلى أحرف كتبت في 378 صفحة !
وتستحق وبكلّ جدارة أن تجوب بعينيك على سطورها التي تحمل الكثير من العجائب..
إنها مغامرة مذهلة وبأحداث لم يتوقعها أحد، لغز وراء لغز حتى نصل إلى النهاية..
حيث انتقام الصحراء !
المفضلات