إلى كُل
مَن يُحب أَن يَثمل
بما أكتُبه
و
ان كَان سَخيفاً !
لقد بديتَ مختلفاً .. كأنّك لست أنت !
أخال أنّك بصعوبة تامّة قد نفضت عن نفسك ثَمالتك بـ اللغة و مفرداتها!
كم مرّة إغتسلت حتّى تفيق ؟ فمثلك .. لا يفيق سريعاً من سكرة اللغة!!
تلك اللغة العلوانيّة ؟ كيف كففت عنها ؟ فمثلك .. لا يعيش دونها!
رواية تدور حول تحويل حياة " محي الدين بن عربي " الفيلسوف الصّوفي
الذي يبحث عن أوتاده الأربعة , إلى سيرة روائية تناولها علوان و نثر لنا تفاصيل الحكاية في فصول عدّة , أعاد رسم الشخصيّة رسماً لغويا
و لكن كما هيَ في الأصل , عمّر الأماكن و البيوت و حالة السّفر و الأسفار بــ سلاح الوصف الأدبي و الذي يعتبر " سمة أساسيّة في جسد الفن الروائي " !
لنقل أن علوان وقف أمام تحدّي عظيم , فبين يديه قصّة عن رجل سافر كثيراً من المرّات و في سفره المتكرر تقع عليه من الوقائع أصعبها
و تحل به من المصائب أشدّها , يقوده هدف البحث عن أوتاده الأربعة و تأخذه لذّة الممنوعات حيناً و تعمل كـ عامل إلهاء و تشويش يُجدد به الإخلاص و التّوبه!
تحويل القصة من السّرد المحض إلى " رواية حواريّة " ليس بالأمر السّهل أبداً و ان بدا سهلاً من الخارج ! فالحوار النّاجح الذي ينفذ إلى لب الهدف يصعب ادراكه
لهذا كان على علوان كـ كاتب أن ينقل الواقع إلى " الساحة الرّوائيّة " و يرسم الشخوص كما هي , و يمثّل الأحداث كما حدثت و ينقل الأفكار دون أن تتدخّل أفكاره بها
بمعنى أن عليه أن يتلبّس شخصيّة محيي الدين و يتبنّى أفكاره و يعيش في مكانه و يستشعر زمانه , حتّى يصب لنا الحكاية من زجاجته الرّشيقة و يؤثّر بنا من خلال
أغلب عناصرها ان لم يكن أكملها , العناصر التي ان تأثّرنا بها سنجد أنها تلبستنا نحن أيضا بطريقة او بأخرى !
و نجح علوان .. في هذا فـ الحبكة كانت غاية في المتانة لم تصبها فجوة الخلل البنائي للرواية , التسلسل قائم و صلب جداً , لدرجة أنّك تشعر و كأنّك تسير على
خط مستقيم تمام الاستقامة لا تحيد عنه أبداً , تكتنز كل ما تمر به في جوف " قلبك و عقلك " و كل هذا يحدث عندما تشعر بأثر الشخصيّة عليك و ان كانت شخصيّة صوفيّة
" مبتدعة " لا تمت لـ مبادئك و مذهبك بأي صلة , إلا ان كاتباً كـ علوان يملك من البراعة ما يخوّله لإدخال قارئة في " داخل عقل ابن عربي ليتفاعل مع أفكاره تارة و يضحك على معتقداته الصوفيّة و يستنكرها تارة أخرى " .. نعم ستجد نفسك تتألّم لألم ابن عربي و تعشق عندما يعشق ابن عربي و تعد راحلتك عندما ينوي أن يسافر ابن عربي
و يقتلك الموت عندما يُقتل عزيزاً على ابن عربي و يلتهمك نهم العلم عندما يلتهم عقل ابن عربي !!
برأيي أنّ الذي قرأ روايات علوان السابقة بمجرد أن يقرأ الصفحة الأولى من " موت صغير " سيدرك كيف أنّ علوان تبنّى اسلوبا جديداً في اصل لغته
و هذا يعود لكون علوان يقف أمام حقبة تاريخيّة قديمة , لذا لابد أن يكون حذراً في اختيار شكل اللغة التي تناسب طبيعة المكان و الزّمان و الشخوص , لغة كلاسيكيّة تؤدّي المعنى لا تملأها محسّنات بديعية أكثر مما يلزم , و لا تغرق بها فلسفات روحيّة كما اعتاد علوان الدوران حول فلك نفسه , لقد كانت لغة صوفيّة!
رأيي كـ قارئة – تُغالي – في الإعجاب بـ قلم علوان !
الرواية .. تستحق عناء القراءة , تستحق عناء تمرير كل الأنامل على 591 صفحة , فهي تقدّم لك تاريخاً , تتعرف من خلاله على عدّه أمور كأسلوب الحياة
في ذلك الوقت بما في ذلك منهج الصوفيين و طريقة تفكيرهم , معتقداتهم الغربية و خرافاتهم الغير منطقيّة , و تجاوزاتهم .. التي تفجّر فضولك نحوها ..!
في الحقيقة ... اكثر ما أحبّه في أدب علوان هو " لغته الرشيقة و دقّته في توظيف الألفاظ " و إسرافه اللغوي فهو الأديب الذي تُغنّي حروفه عندما تفيض من رأس قلمه , فيُطربني .. و تذوب الذّائقة بين يدي قلمه , و برأيي أن الإنصهار بـ قرب الأدب .. هو " حالة لا تحدث .. إلا مع كاتب بثقل أدب علوان أو يفوقه" رغم أنّه أذاقني لونا جديداً في حرفه , و أراني قدرته في تدوير قلمه , و رغم دهشتي بقدرته على رسم " إبن عربي " بـ صنعة روائيّة و لغة صوفيّة قويّة إلا أنّي أحب تلك اللغة العلوانية التي تدور حول فلك اللذة اللغوية و تمتزج في بث أحاديث النفس الحَالمة , لغة أثيرة تتلبّسك من خلالها حالة رفيعة من الإستمتاع و تشعرك بإرتعاشات روحك
عندما تمر من بين منافذها " عذوبة النص " !!
الحب موت صغير .. كانت أحد اقوال ابنن عربي .. الذي اقول له :
خمسٌ و ستُون .. في أجفان إعصار .. أما سئمت إرتحالاً أيها السّاري ؟
أما مللت من الأسفار .. ما هدأت ؟
غازي القصيبي
المفضلات