السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أتذكر بوضوح ما كان يُلقى على مسامعي حينما كنت صبياً صغيراً في السن , بأن " أحترم المسنين " , لم أقتنع بذلك ! , بكل صراحة أعرف البعض كانوا يتلقون التهديدات بتلقي صفعة على الوجه إن لم يفعلوا ذلك ! , كان كبار السن يبدون في نظري أشخاصاً منعزلين عن الواقع و لا يتسمون بالمرونة و البساطة , و في كثير من الحالات يكونون مشاكسون و عنيدون في طباعهم و الآراء و صعب التفاهم معهم خصوصا إن كنت لا تلبي طلباتهم على أكمل وجه أو بأسرع وقت ممكن .
عندما أعود بذاكرتي للوراء أو للماضي قليلا , أظن أن المشكلة كانت تكمن في تعبير " المسنين " نفسها فهي تحصر كل الأشخاص الذين تخطوا سن الأربعين , و ذلك من منظوري الطفولي سابقاً و أنهم في كتلة واحدة متماثلة , جماعة من الأشخاص ذوي الشعر الأبيض أو الرمادي يتناولون حلوى النعناع و يتذمرون من أن أيامهم لم تكن مثل هذه الأيام و يدخنون طوال الوقت بشراهه .
بالطبع لم أكن أضع جدي و جدتي - رحمهم الله - ضمن تلك الكتلة , فأنا كنت أعرفهم بشكل شخصي و لم أرَ أنهما مثل هؤلاء و لا أقول كذلك فقط لأن لديّ قرابة لهم , لقد كانا يتسمان ببعض الصفات التي كانت موجودة بنمط المسنين في ذهني و بتعريفي لهذه الكلمة بشكل ممتاز , كانا أكثر واقعية , و أكثر إثارة للإهتمام بالإجمال , و بالطبع أنا و أنت و أنتِ و الجميع سيقول على الأغلب أن أجداده مختلفين عن باقي المسنين .
و يؤسفني القول أو بالأحرى لا هرب من ذلك إن عشنا فترة أطول - إن شاء الله - سنكون على وشك أن نكون مسنين نحن الآخرين بدورنا , و بعيداً عن الشعر الأبيض أو الرمادي الذي سيبدأ بالتسلل لرؤسنا , فإننا لا نرى هذا النمط السائد للمسنين في نفوسنا على الإطلاق ! و لا حتى في أي من أصدقائنا ! و لا أي من الأشخاص الذين نقابلهم ممن هم في مثل سننا ! في الواقع , كلما قابلنا المزيد من الناس زاد إدراكنا أن نمط الشخص المسن الموجود في مخيلاتنا ليس له وجود في الواقع - على الأقل حتى نتعرف على ذلك الشخص من قرب - .
أنا أفهم الآن أن الأمر بـ " إحترام المسنين " هو شيء خاطئ تماماً , لأنه رغم كونه شيئاً مبرراً أخلاقياً و أن في الديانات كثير من النصوص تنص على أن الصغير يحترم الكبير , فإنه في الواقع يوحي بأن كل كبار السن متماثلون تماماً , و أنه يمكن تصنيفهم في مجموعة واحدة بأسلوب متعال و مسيء .
الحقيقة هي أننا يجب أن نحترم الجميع و الأمر لا يقتصر على كبار السن فقط و ننسى البقية ! إلا إذا كان هناك سبب قوي من جهتهم يمنعنا من القيام بذلك و حبهم , يتضمن هذا المسنين و صغار السن و الفئات العمرية التي تقع بينهما , و أي شخص من أية خلفية أخرى , إذا تعرفت عن كثب بأي شخص فسوف تجد أنه يتسم بصفات مثيرة للاهتمام و ستجده إنساناً متميزاً , و لكن حتى تسنح لك الفرصة للقيام بذلك , يجب أن تعامل الجميع بكياسة و تقدير .
صحيح أن هناك بعضاً من المسنين يتسمون بالإنعزال عن العالم , و لكن هناك أيضاً بعض الشباب و الشابات ممن يتسمون بالصفة ذاتها , و في الوقت نفسه , هناك الكثير من كبار السن على دراية تامه بوسائل التكنولوجيا الحديثة , و يستطيعون التجول بكل ثقة بين صفحات الفيسبوك و تويتر في أي حالة , بعض المسنين يكرهون التغيير , و العديد منهم يقع بين النقيضين , بعض كبار السن مروا بتجارب كثيرة و لم يتعلموا منها شيئاً , و آخرون استغلوا وقتهم بشكل مفيد و إكتسبوا حكمة واسعة , ربما كانوا كذلك طوال عمرهم , حتى حينما كانوا صغاراً .
إذا أحترمني أحدهم بعد 40 عاماً من الآن فإنني لا أريد منه أن يفعل ذلك لشيب شعري و مضغي لحلوى النعناع طوال اليوم , أنا أرغب في قيامه بذلك بسبب شخصي لا لكبر سني .
إحترم الجميع و ليس كبار السن فقط !
المفضلات