بياتريس وإيفان كانا جالسين في الصالة يبحثان إمكانية إقناع موظفي إستعلامات المطارات الدولية في البلد بالبحث عن أي حجز بإسمه،ولم يبدو أن الأمر يملك فرصة كبيرة في النجاح دون أمر قضائي،الذي يعيدنا لنقطة البداية.
إيلاي كان جالساً في الجهة المقابلة،شارد وصامت،يضع مرفقيه فوق ركبتيه ومرخياً ذقنه فوق كفيه.
إيفان ألقي نظرة خاطفة عليه لكنه لم يقل شيئاً..
أتسائل أن كان يستطيع معرفة الذي يفكر فيه..كيف سيكون رد فعله ياتري؟
.
.
لقد مضي ثلاث ساعات ونصف منذ أستلم الرسالة،ومما يبدو عليه الأن فلا شك أنه يبحث خياراته.
ثنيت ركبتاي إلي وعانقتهما مبقياً نظري مثبتاً علي بقعة بعيدة في السجاد السميك،الضوضاء من حولي تحجب مع الوقت،والصورة تتلاشي ولا يبقي إلا تلك البقعة..
مالذي سيحدث تالياً؟
شئ أسوء؟
أم القليل من التحسن؟
أتسائل...
إن كانوا يريدونني مقابل إعادته،فهل أنا مستعد للقيام بذلك؟
إن كان الأمر عائداً لإيلاي فليس لدي لمسة شك في أنه لن يفعل..
لقد سبق وقالها بالفعل،سيمنح حياتي وأي شئ أخر في سبيل إنقاذه.
ذلك شئ جيد.
لكن مجدداً...
هل أنا مستعد لهذǿ
هو ربما الأن يحسم أمره،فيما إن كان سيسلمني أم لا..
بينما أنا أجلس هنا علي بعد مترين أمامه مع قدرة تامة علي فضحه..
لكنني لا أفعل،وذلك ربما يعني أنني أتخذت قراري بالفعل..ضمنياً علي الأقل.
______
بداية المساء كانت باردة،هناك علي الشاطئ عاري القدمين بينما مياه المد الباردة تجمدهما..
وحيد تحت السماء الرمادية البائسة،أطلقت نفساً أراقبه يخرج بخاراً أبيضاً..
لا سحب،لا طيور،لا شفق..
فقط رمادي ممتد للأبد.
أخفضت عيناي للأمواج الصغيرة التي تغرق قدماي،موجة بعد الأخري..
لسبب ما أردت البكاء،فجأة ودون دافع..
وهذا ما فعلته،بلاصوت،بلا حركة..فقط أتركها تبلل وجنتاي وتسبب رجفة شفاهي..
.
.
الظل الذي ظهر علي طول الشاطئ حيث قدماي مغروسة في الرمال وأمواج المد الباردة جعلني أرفع رأسي لصاحبه رغم الدموع،وتحت الضوء الخافت للسماء والقليل القادم من مصابيح الباحة الخلفية للمنزل رأيت تلك النظرة..
العينان العسليتان أصبحتا فاتحتين أكثر،وشعره الرمادي تناثر في الهواء.
كان يقف هناك دون حراك،ينظر إلي،بصمت وألم..
مالذي يفعله هنǿ
أليس صغيراً جداً ليكون وسط كل هذǿ
.
.
القطة لم تكن معه،وهو لم يقل أي شئ أو يكف عن تلك النظرة.
وشخص ما في المنزل خرج للشرفة الخلفية،والذي كان جيرالد،ينادي عليه..
-كاسيوس،أحضره للداخل!
الفتي نظر إليه ثم أخفض عيناه يدير وجهه جهتي قبل أن يرفعهما إلي مجدداً،مشيراً برأسه جهة المنزل:من الأفضل أن تدخل،ستمرض إن بقيت أكثر.
___________
-لدينا وضع ما هنا.
جيرالد قال بعد أن أصبح الجميع في الصالة،مشيراً بيده إلي أحد الرجال الجالسين أمام الحواسيب:لقد أبلغت عائلته الشرطة،منذ عشر ساعات،علي أنه مفقود،بالطبع الشرطة لم تجد شئ بعد لذا من الأفضل تسوية الأمور قبل أن يتأزم الوضع أكثر.
ناقلاً نظره بين إيفان وإيلاي الصامتين.
يبدو أن العجوز لسبب ما يهتم حد إبلاغ الشرطة،أم كان ذلك ميراندا وجورج؟
.
-سأهتم بذلك,
إيفان قال بجمود بينما ينهض ويضع يده علي كتفي:سأتي أيضاً!
إيلاي تمتم ونهض هو الأخر،ذلك جعل عقدة أسفل حلقي تتكون،لكن بينما خطونا خطوة تجاه الدرج جيرالد أستوقفنا بهدوء بينما يكتف يديه:في الواقع..ستذهبون أربعتكم.
مشيراً برأسه إلي الفتي ذو الشعر الرمادي..كاسيوس كما سماه من قبل.
شعرت بقبضة إيفان تشتد فوق كتفي بينما يبادل جيرالد نظرة صامتة طويلة قبل أن يقطع عليهم إيلاي ذلك:ليكن لكنني لن أضمن سلامته.
وأستدار صاعداً بينما أطلق جيرالد شبه ضحكة قصيرة ساخرة.
_________
-سوف تقلع الطائرة بعد قليل الرجاء الجلوس في أماكنكم وربط أحزمة الأمان.
مضيفة ما أعلنت في مكبر الصوت بينما أخريات يمررن علي المقاعد مكررين نفس الجملة بطرق مختلفة،عدد الركاب كان مكتملاً،والسماء المظلمة في الخارج عارضت الضوء الساطع في الخارج،كانت النافذة علي يساري وإيلاي علي يميني وإيفان وكاسيوس تفرقا أمامنا.
المضيفة وقفت جوار إيلاي تطلب منه ربط الحزام وهو فعل،ومد يده لحزامي لكنني صفعتها بعيداً بهدوء وأغلقته،متجهلاً كل شئ ومركزاً علي الظلام في الخارج مع الأضواء الصغيرة التي تحدد مسار المدرج.
عندما أرتفعت الطائرة بقوة أثناء إقلاعها تحولت الأضواء لنقاط أصغر لا تشكل شئ محدداً،وعندما أستقرت الطائرة في الجو كانت قد أختفت تماماً،ثم كان هناك الكثير من السحب وأصبحت السماء أقل ظلاماً.
الدوار الذي عاد بقوة أكبر جعل أنفاسي تنقبض،بينما حركة الطائرة غير المستقرة جعلت الوضع أسوء.
بينما كنت أحاول جعل الأمر لا يتطور إلي غثيان كانت يد إيلاي فوق رأسي،ذلك أجفلني لثوان قبل أن أرفع عيناي إليه،كانت يده هناك فقط بينما عيناه تنظران إلي شاشة هاتفه،رفعت يدي بضعف لأبعد يده لكن قبل ذلك شعرت بالكثير من البرودة وبطريقة ما أصبح الدوار أخف،بعد ثوان بدأت أفقد وعي تدريجياً،أخر ما أدركته هو الكلمة المكتوبة أسفل الجملة التي أرسلت إليه سابقاً عندما مال رأسي لكتفه.
(أين؟)
_________
في السيارة التي تركها إيفان في موقف سيارات المطار كان أربعتنا صامتين،إيفان يقود وإيلاي إلي جانبه وكاسيوس جواري في المقعد الخلفي،لم ينطق بكلمة منذ أن خرجنا من المطار،ولسبب ما كان شارداً معظم الوقت.
لا أزال لا أفهم لمَ هو هنا!
لسبب ما جيرالد يعتقد أنه مخول للبقاء وسط كل هذه الفوضي رغم سنه.
-من الأفضل أن تحدث مربيتك،وأخبرها أنك في طريقك للقصر.
إيفان إقترح بهدوء،لايحرك عينيه عن الطريق،بينما إيلاي يحدق في شاشة هاتفه منذ وقت طويل.
إيفان بالفعل لا يستطيع معرفة أياً كان ما يفكر فيه،الأن أنا واثق من ذلك.
لأنه لو كان يفعل،لكان إيلاي بطريقة ما علي وشك أن يقتل..لذا أنا أتسائل..
كيف يستطيع فعل ذلك؟
أن يمنع إيفان من إختراق عقله؟
.
.
أرسلت لميراندا رسالة أخبرها أنني لا أزال حياً وبخير وسأكون عندها بعد قليل.
بالتفكير في الأمر الأن،أتسائل مالذي يفترض بي قوله لهم؟
مالذي جعلني أختفي فجأة لثلاثة أيام دون أثر ثم أظهر فجأة؟
يمكنني إخبارهم بأنني خطفت؟مثلاً..
.
.
ذلك سيكون سيئاً..
تنهدت بينما أرخي رأسي علي زجاج النافذة المتجمد،أراقب بياض الثلوج في الخارج بشرود..
لمَ فقط...يجب أن يحدث كل هذا.
_____________
إيفان سلك الطريق للمنزل قبل الذهاب للقصر،يأخذ المفتاح ويدخلهما ويطلب منهما إنتظار عودتنا،وهما لم يمانعا ذلك.
عندما توقف أمام البوابة مباشرة وليس قبلها أو بعدها جعلني ذلك ألتفت إليه بإستغراب:إلي أين أنت ذاهب؟
لكنه ترجل ودار ليفتح لي الباب،لكنني لم أخرج،أحدق إليه بعدم تصديق،والنظرة في عينيه جعلتني أدرك ما هو علي وشك فعله..
-إلهي إيفان أنت لا يمكنك..
قطعت عبارتي لا أجد ما أكملها به،أقلب عيناي حولي لا أعلم ما أفعل.
-هل برأيك هذا هو الوقت لذلك؟
سألت بصوت مرتفع غير قادر علي كبح توتري،لا أعلم لم قرر ذلك فجأة..
أن يدخل معي هناك،وأياً كان ماسيفعله بعد ذلك..
لكنه لم يرد ومال للأمام ساحباً ذراعي مجبراً إياي علي الخروج وصافقاً الباب بعد ذلك.
أرخي كفيه علي كيلا كتفاي يجعل ظهري يستند للسيارة:هذا هو الشئ الوحيد الذي أستطيع فعله الأن لجعلهم يتوقفون للأبد،لم يعد هذا مكانك دالاس،لايمكنك أن تذهب وتعود في أي وقت بعد الأن،لقد تورطت للحد الذي يجعلك غير قادر علي العودة لتعيش حياتك كما كانت..لذا،نحن سندخل هناك،سأخبرهم أنني سأسحب وصايتك،وأنك ستأتي لتعيش معي في ألمانيا،ستودع البستاني وزوجته،وتنسي كل شئ عن هذا المكان..أتفقنǿ
.
.
كان هناك الكثير من الثغرات في هذه الخطة،وشئ لم أرد فعله..
لكن..ذلك الشئ المنطقي الباقي لفعله..
قبل أن أضيع للأبد وسط دوامة مصاصي الدماء التي تنتهي بكل شئ فانياً.
____________
المفضلات