أعجب عجبا جما من ذاكرتي السحيقة هذه ! لا أدري مالها ؟ تخونني في أحيانٍ كثيرة ،
لكنها لا تفوت فرصة واحدة تنهش فيها نفسها لتجد لي مالا أطيق تذكره ،
إنها تعشق تذكيري بالموتى كثيرا ! حتى باتت تربكني في أحلامي فتظهرهم لي ،
موقنة أنا بأنّ هذا الأمر جميل ، لكنه يهد نفسي ويملئ عيني دموعا أكرهها وقت نزولها .
وها هي اليوم ، تذكرني بأن في مثل هذا اليوم من عامين قد خليا ، توفيت " مآجدة ."
من هي ماجدة ؟ هي الفتاة العشرينية الفائقة الجمال بنظري ، الفضلى بين أخواتها
وأحسنهنّ خُلقا وخَلقا ، كانت تملك عينين خضراوين فائقتي الجمال ،تأسر الناظر إليها
من أول وهلة . أكاد لا أنسى أدق تفاصيلها ، حركاتها ، وحتى صوت ضحكتها الذي كان
يملئ أيامنا وهجا وسعادة . أواه كم اشتقت إليها ! . ابنة خالي ، كيف أنتِ في قبرك ؟
قبل وفاتها ، كنت وأختي الكبرى ( والتي في عمر ماجدة ) ، نتحادث في أمور لا تكاد تذكر ،
حينما جاءنا أخي لينزل علينا خبر وفاتها كطلقة رصاص تخترق صدورنا ، أذكر بأنني لم أرى أختي
بتلك الحالة من قبل ! صياحها ونحيبها وتفجعها لموت رفيقتها الدائمة منذ الصغر كان كفيلا لجعلي أهج من البيت
قاصدة اللا مكان . أين كنت وأين ذهبت وماذا جرى ؟ لا أعلم ، جل ما أدركه أن غصة حقيرة أوشكت على خنقي ،
لكنني لم أستفق من صدمتي إلا حينما صعدنا للسيارة متجهين لرؤية ماجد " المتوفاة " .
قبيل وصولنا ، وصلت سيارة الإسعاف حاملة معها قطعة نادرة من قلوبنا ، وحينما حملوها ووضعوها أرضا
، زاحمت النساء اللاتي كن حولها يبكين ، أردت رؤيتها لآخر مرة في حياتي !
ورأيتها ويا ليتني لم أرها ! ملفوفة بقطعة قماش بيضاء ، مضرجة بدماء وكدمات لا تحصى .
لا أدري أكانت تبتسم حقا ؟ أم أنه قد خُيل إلي ذلك ؟ . آواه عليك يا فاجعتي الأبدية ،
لا أعرف كم من العمر سأحتاج لأتيقن بأنها لن تعود على قيد الحياة .
هل بإمكاني نسيانك يا ترى ؟ وسع الله قبرك يا حبيبة .
اللهم ارحمها واغفر لها ذنوبها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة ، واجمعنا بها يا الله في جناتك النعيم ،
انك على كل شيء قدير .
17\6
المفضلات