حَلَّ المساءُ وحَطََّ البَدرُ رِحَالةً فيِ كَبِدِ السَمَاءِ,لا تَكَادُ العَينُ تراهُ من ورَاءِ رُكَامِ الرَبَابِ,فَتَراهُ مُتَنَقِلاً يخْتَفي خَلفَ الحِجَابِ...
النُجُوُم تَلَألَأت وَكَأنَّما تَتَرَاقْصُ فِيْ الفَضَاءِ,أَمَّا الأَدِيمُ فَقَدْ كَانْتِ الوَرَىَ نَائِمةً...!
بِالكَادِ أَسْتَطاعَ القَمَرُ أِرْسَالَ خُيُوطاً مِنْ بَرِيِقِهِ الفَتَّانْ..,فَبَدىَ وَكَأَنَّما مَلِكٌ يَسِيِرُ بِجَبَريةٍ...!
يَسْتَضِئُ بِهِ مَنْ ضَيَِعَ سَبِيِلُهُ..,وَمَنْ كَانَ مُتَأمَِلاً لِماَ خَلقَ رَبِيِ..
أَلقىَ البَدرٌ بِبَصَرِهِ عَلَىَ تِلْكَ الطِيِبةِ بِأِنَكِسَارْ:آه..ياحَسْرَتِ عَلىَ تِلْكَ الطَيِبةِ..أما رأَيتُم بِالأَمَّسِ كَيِفَ كَانَّتْ..؟,واليَوُمُ كَيِفَ أَنَّقَلبَ حَالُهَا..؟؟
تَابَعتْ أِحَدىَ السَدِيمُ مَا بَدَأَهُ ذَاكَ القَمرُ..,قَائِلةً:أَيِنَ تُبَعٌ..؟,أَيِنَ ذُوُ يَزَنْ..؟,أَيِنَ هُمْ أَهَلُ الحَضَارةِ والقِمَمْ..؟,مَتَىَ سَيَصْحُونَ مِنْ غَفْوتِهمْ الطَويلةِ..؟
تَلَفَّظَت تِلَكَ البَرَاقةً اللَاَمِعَةْ,وهِيَ تَتَقَدُ حَشْدَ النُجُوُمِ المُتَأَلِقَةُ المَضِيِئةْ:سَيُفِيقُوُنَ..وَلَوْ بَعْدَ حِيِنٍ..,لِما الحُزْنُ..؟,وَنَحَنُ لَدَيِنْا حِمْيرَ وَسَبَأَ ومَعِينْ..
قَالَ البَدْرُ بِكَربٍ:أِذَنْ أَيِنَ مَدَنَيِتَنا السَالِفةُ..؟,أَيِنَ عِزَّتُنَا السَابِقَةُ..؟,بِاللهِ عَلَيكُم أَجِيِبُونِي أَيِنَ تِلَكَ السَعِيِدْةُ..؟
بَكَمْت لا تَدْرِيِ مَاَذَا تُجِيِبْ,حَتَىَ أَتَتْهَا المُنْقِذَةُ قَائِلةَ:مَنْ قالَ أنَّها لَيِستْ سَعِيدةَ..؟,فأمَّا حَضَارتُنا فَعَائِدةٌ,وَعِزْتُناَ بَاقِية..
أَتت تِلَكَ الرَبَابَ مِنَ العَدَمْ..:أنَسِيتَ تِلْكَ المَدِينَةُ الهَادِئةُ..,تِلْكَ الحَسَّنّاءُ الفَاتِنَةُ..,أِنَّها بَندَرُ عَدنْ..,وتِلكَ الجَنَّه..جَنَّةُ اليَمْنْ..,تِلْكَ سُقَطْرىَ..
وَمَعَ سُكُوُتِ القَمْرِ قَالتْ الغَيِمةُ:صَدَقَ رَسُوُل اللهِ ﷺ حِيِنَ قَالْ:_ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ قلوباً وَ ألين أَفْئِدَةً _
أَسْتَحْسَنَ البَدْرُ حَدِيثَهُنَّ:صَدَقَتُنَّ وَرَبِ البَشْرِ,فَنَحْنُ مِنَّا الأَوُسُ نَحْن الخَزْرَجُ,نَحْنُ أَصلُ العَرَبِ..
فَمأ أِنْ أَنهَى حَدِيِثَهُ حَتىَ وَجَدَ أنَّ السَوَادَ قَدَ تَبَدَدَ,والظَلامَ قَدَ ذَهّبَ وَوَلّىَ..فَما كَانَ لَهُ أِلا أنْ قَالْ:مَعَ السَلامةِ وَاِلىَ اللِقَاءِ..
فَغَدى يَخْتَفِيِ مَعَ ظُهُوُرِ خٌيٌوٌطٍ ذَهَبِيِةٍ,وَصَدَىَ هَمَسَاتِ صَوُتِهِ يَكَادُ يَصِلُ الأَدِيمْ وَهُوَ يُرَدِدُ:
وَطَـنِـي أنْتَ مُـلْــــــــــــــــــــــــهيْ ... هَزَج المــــــــــــــغـــــرَمِ الـظَـــمـــيْ
أنت نـجــــــــــــوى خـــــــــــــواطريْ ... والـغـنـا الحُلْوُ في فَـــــــــــــــــــمي
ومـــــــــعــــــانِـيِـــكَ شُـــــــعْــــلَــةٌ ... فيِ عُـــــــــــــروُقيِ وأَعـــــظُــــمـيْ
أنتَ في صــــــــــــدَرِ مِـــــــــــزهري ... مــــــــــوْجــــــــةٌ مِنْ تـــــــــــرَنُــــمِ
وصَــــــــــــــدىَ مُـــــطْــــربٌ أِلــــىَ ... عـــــــالَـمِ الخُلْدِ يـنْـتـــــــــــــــمِــي
وَنَـشِـــــــــــيْـــــدٌ مُــــــــــــــعَـــطَرٌ ... كَـــــــــــالرَبِـيِـعِ المُــــــــــــرَنْــــــم
وَهُــتَـــــــــــــــافٌ مُســـــــلسَــــلٌ ... كَـــــــــالرَحِــــــــيِقِ المُـــــــخَـــــتَمِ
.
.
.
أِنَّتَهَىَ
المفضلات