الإثارة الجنسية بين التشفير و المجانية
غريزة الجنس..غريزة غرزها الله في نفس الكائنات الحية حتى تؤدي دورا محددا في هذه الحياة ألا و هو التكاثر.. و جعل الله سبحانه و تعالى لها من القوة و التأصل في النفوس ما لا تستطيع فكاكا منه أو عنه.. ذلك كله لأنه أنيط بها أداء دور عظيم..دور استمرار الحياة على ظهر هذه الأرض..فهي تلح على كل كائن منذ أن يصبح مهيئا للقيام بها..تلح عليه أن يستجيب لها..تلح عليه بشدة و قوة..فلا يجد مجالا للتخلص منها إلا بتصريفها..سواء في الحلال أو في الحرام..
و هذه الغريزة لا تحتاج إلى إثارة كما يفعل الإعلام اليوم-بكل أشكاله و ألوانه المسموعة و المقروءة و المرئية-.. فقد جعل الله سبحانه و تعالى في هذه الغريزة من الدواعي التي تلهب الأشواق و الأفئدة ما لحاجة للمزيد عليه.. إنها لا تحتاج إلى المزيد من الإثارة.. على العكس من ذلك تماما.. هي تحتاج إلى ما يلجمها و يضبطها عند الحدود المعقولة و إلا كانت الكوارث و الزلازل و الأعاصير التي لا تبقي و لا تذر..
في عالم اليوم.. عالم المعلومات و الاتصالات..هناك شيء غريب لاحظته و فكرت فيه منذ زمن و لم أجد تفسيرا له إلا قبيل وقت قريب!
ذلكم الشيء هو المجانية-مجازا-المدهشة في تقديم الإثارة الجنسية..المجانية في تقديم أفلام الجنس و المشاهد و الصور الجنسية المثيرة و القصص الجنسية و غير ذلك مما يتصل بعالم الإثارة الجنسية..
كان المهتمون بهذا الجانب في الماضي-جانب الإثارة الجنسية و الجري وراءها- يبذلون الأموال الطائلة و يسافرون المسافات البعيدة للحصول على أقل مما هو متوفر اليوم و يغامرون في ذلك و يخاطرون بالكثير الكثير ليحصلوا على القليل جدا مقارنة بالموجود هذه الفترة..و كانت تلك الخدمات تقدم بعد لأي و تعب و ليست بالسهولة المتوافرة هذه الأيام..فلماذا إذا انقلب هذا الأمر في أيامنا هذه إلى حد لا يكلف الأمر سوى دراهم معدودة؟
إن تشفير تلك العروض الجنسية لن يوقف المهتمين بها عن الجري وراء الحصول عليها مهما غلت و مهما وضعت الحواجز في سبيل الوصول إليها..و بمعنى آخر فإن الذين يقفون خلف تلك العروض بإمكانهم-بكل هدوء و ثقة-أن يجعلوا عمليتهم تلك عملية تجارية و يضمنوا-أيضا بكل ثقة-أرباحا خيالية بالمليارات دون أن أدنى توقع لخسارة و لا حتى واحد بالمئة..
فلماذا إذا المجانية- مجازا -في تقديم تلك الخدمات و الأغلبية منا تعلم أنه لا يوجد في عالم اليوم شيء مجاني؟
هذا سؤال كان يشغل بالي منذ زمن بعيد و لم أجد له إجابة شافية إلا بعد اطلاعي على كتابات كل من الرائد الأستاذ: سيد قطب -رحمه الله- الذي كتب في (الظلال) حول هذه القضية بما لا مزيد عليه و الأستاذ الدكتور: عدنان النحوي- حفظه الله- في كتاباته المتميزة.
أقول إني لم أجد إجابة تشفي الغليل سوى ما كتبه هذان الأستاذان و ملخصه أن هناك حملة إغواء عالمية يقف خلفها اليهود و من لف لفهم من المنافقين و الحاقدين المجرمين..و تهدف تلك الحملة إلى تخدير الإنسانية بهذه الشهوة حتى لا تلتفت إلى دين يهديها الصراط المستقيم الذي إن سلكته كانت العقبة الكؤود في وجه الظالمين المجرمين في الأرض.. الذين يريدون نهب ثروات البشرية و استغلالها لحسابهم الخاص و التمتع بها وحدهم دون سواهم.. و فلسفتهم في ذلك هو أن الجري وراء غريزة الجنس و العبَّ منها دون ضوابط و حدود تجعل المرء مخدرا لا يهتم بشيء سوى بإروائها.. و هذه حقيقة نص عليها القرآن الكريم و ذكرها فقد قال تعالى حاكيا عن قوم لوط واصفا تملك الشهوة عليهم بالسَكَر:(لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)..
و يرفع أولئك المجرمون الشعارات الجذابة التي تغري المساكين المغفلين من أهل هذه البسيطة مثل شعار الديمقراطية و الحرية، فانطلاقا من هذه الشعارات-حسب زعم أولئك المجرمين- بإمكان الجميع فعل ما يشاؤون وقتما يشاؤون فمن أراد الزنا فالأبواب مفتوحة ترحب بكل مقبل و تستقبله بالورود و الأزهار استقبال الأبطال الفاتحين و من أراد المثلية الجنسية فما عليه إلا أن يبدي الرغبة و سيجد كل التسهيلات والحوافز التشجيعية و المكافآت السخية و من أراد اختراع فنون أخرى فبراءات الاختراع مكفولة و محمية لآجال طويلة و الويل كل الويل لمن يعتدي عليها و هلم جرا..و هكذا يخدع البسطاء المغفلون -كفارا كانوا أم مسلمين-بهذه الشعارات الجذابة و البراقة التي تخفي الموت بين حروفها و السم القاتل في جنبات أجراسها الناعمة..
فهي حملة المقصود منها تخدير الأكثرية لحساب الأقلية بوسائل تبدو للمغفلين-و ما أكثرهم-خدمة مجانية في عصر القرية الكونية الواحدة..عصر العولمة و حقوق الإنسان و المرأة..الخ تلك الشعارات المزيفة.
هذه الحملة العالمية تستحق أن يتصدى لها المرء بكل ما أوتي من قوة؛ فهي حملة تستهدفه شخصيا..تستهدف سلخه من إيمانه كمؤمن أولا ثم كإنسان ثانيا.. و المؤمن عندما يتصدى لهذا السخف الجاري فإنما هو يتعبد الله بمقارعة الباطل الذي لا يرضاه سبحانه و تعالى و هو يثبت بالعمل لا بالكلام حقيقة ما يحمله من إيمان صاف و توحيد صادق و قلب سليم يحب لله و يأتمر بأمره و ينتهي بنهيه و ينكر المنكر و يأمر بالمعروف..ثم هو يدفع الخطر الذي أصبح يهدد الجميع في عقر بيوتهم..فلا يضجرن أحد أو يمل فإنما هو يدافع عن مبدئه و عن دينه و عن قيمه التي يؤمن بها و إلا فما معنى أن يؤمن الإنسان بشيء ثم لا يدافع عنه؟!
و مما يهون ذلك كله على المؤمن إيمانه الصادق الصافي ثم استعانته بربه و الثقة بعونه و رحمته و نجدته في القريب العاجل.. و ما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم..
المفضلات