بعضَ عقوباتِ من أكلَ المال الحرام، إنها عقوباتٌ في هذه الحياةِ الدنيا، وعقوباتٌ في الحياةِ الأخرى؛ في قبرِه، ويومَ الحشرِ، وفي جهنم عافانا الله، كلُّ هذا بأدلته من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليكونَ في هذا زجرًا لنا إن سوَّلَتْ لنا أنفسُنا أكلَ الحرام.
1- عدم قبول دعائه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناسُ، إن الله طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا، وإن الله أمرَ المؤمنين بما أمرَ به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ ، وَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ .
ثم ذكر الرجلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السماءِ: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجَابُ لذلك؟
عن مالك بن دينار رحمه الله قال: أصابَ بني إسرائيل بلاءٌ وقحطٌ، فخرجوا يُضِجُّون، فأوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائهم أن أخبرِهم: تخرجون إلى الصعيدِ بأبدانٍ نجِسَةٍ، وأيدٍ قد سفكتُم بها الدماءَ، وملأتم بطونَكم من الحرامِ؟ الآن حين اشتدَّ غضبي عليكم، ولن تزدادُوا مني إلا بُعدًا".
وقال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
وعن وهب ابن منبه رحمه الله قال: من سره أن يستجيب الله دعوته، فليُطِب طعمته.
2- محق البركة
قال الله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾؛ قال العلماء: يمحق الربا؛ أي: يُذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدٌ أكثرَ من الربا إلا كان عاقبَةُ أمرِه إلى قِلَّةٍ"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "الحَلِفُ مَنفَقةٌ للسلعةِ، ممحَقةٌ للربحِ"
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيِّعانِ بالخِيارِ ما لم يتفرَّقَا - أو قال: حتى يتفَرَّقا - فإن صدَقا وبيَّنَا، بورِك لهما في بيعِهما، وإن كتمَا وكذَبا، مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما"
3- الخسارة والهلاك:
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يُقَالُ يومَ القيامة لآكل الربا: خذ سلاحَك للحربِ، قال: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
قالَ العلماءُ: استُشْكِلَ وقوعُ المحاربةَ وهي مفاعلةٌ من الجانبين، معَ أنَّ المخلوقَ في أسْرِ الخالقِ، والجوابُ: أنَّه مِنَ المخاطَبةِ بما يُفهَمُ؛ فإنَّ الحربَ تنشأُ عن العداوةِ، والعداوةُ تنشأُ عن المخالفةِ، وغايَةُ الحرْبِ الهَلاكُ، ومَنْ عَادَى الله يُغلَبُ ولا يفلِحُ.
وكأنَّ المعنى: فقدْ تعرَّضَ لإهلاكي إيَّاه، فأطلَقَ الحرْبَ وأرادَ لازمَه؛ أي: أعمَلُ به ما يعمَلُه العدَو المُحَارِبُ، وفي هذا تهدِيدٌ شدِيدٌ؛ لأنَّ من حارَبَه الله أهلَكَه، وهو من المَجازِ البليغِ؛ لأنَّ من كَرِه من أحبَّ الله خالفَ الله، ومن خالَفَ الله عاندَه، ومن عاندَه أهلكَه.
4- غضب الله على آكل المال الحرام:
عن أبي وائل الأسدي رحمه الله عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلفَ يمينَ صبْرٍ ليقتطِعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، لقِيَ الله وهو عليه غضبانُ، فأنزل الله تصديقَ ذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
قال: فدخلَ الأشعثُ بن قيس، وقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدالرحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: فيَّ أُنزِلَتْ؛ كانت لي بئرٌ في أرضِ ابنِ عمٍّ لي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بيَّنتُك أو يمينُه". فقلت: إذًا يحلِفُ يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلَف على يمينِ صبْرٍ، يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ، لَقِيَ الله وهو عليه غضبان"
5- اللعن والطرد من رحمة الله:
فقد لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبَا ومؤكِلَه، وكاتِبَه، وشاهِدَه؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومؤكِلَه"
وعن جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه"، وقال: "هم سواء"
ولعن الله تعالى الراشي والمرتشي؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لعنَ الله الراشي والمرتشي"
ولعن الله عزَّ وجلَّ السارقَ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله السارقَ يسرِقُ البَيضةَ، فتُقطَعُ يدُه، ويسرِقُ الحبْلَ فتُقطَعُ يدُه" [16].
ولعن الله عزَّ وجلَّ من غيَّرَ منارَ الأرضِ؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله من غيَّرَ منارَ الأرضِ"
ولعن الله عزَّ وجلَّ من باعَ الخمر أو اشترَاها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لُعِنَتِ الخمرُ على عشرةِ أوجهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتصرِها، وبائعِها، ومبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليه، وآكلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقِيها"
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريلُ، فقال: يا محمدُ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لعنَ الخمرَ، وعاصرَها، ومُعتصِرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومُبتاعَها، وساقِيها، ومُستقِيها"
6- العذاب في القبر:
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾
فهذا عقابُ آكلِ الرِّبَا حينَ يقومُ من قبرِه في يومِ الهولِ العظيمِ، لا يَقُوم من قبرِه يومَ القيامةِ إلا كما يقومُ المَصْروعُ حالَ صَرَعِه وتخَبُّط الشَّيطَانِ له؛ وذلك أنَّه يقومُ قيامًا مُنكَرًا.
وعن سمُرة بن جُندَب رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ الليلةَ رجلين أتيَاني، فأخرَجَاني إلى أرضٍ مُقدسةٍ، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دمٍ فيه رجلٌ قائمٌ، وعلى وسطِ النهرِ رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبَلَ الرجلُ الذي في النهرِ، فإذا أرادَ الرجلُ أن يخرجَ رمَى الرجلُ بحجرٍ في فيه، فردَّه حيث كانَ، فجعلَ كلَّما جاءَ ليخرُجَ رَمَى في فيه بحجرٍ، فيرجِعُ كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيتَه في النهرِ آكلُ الربا"
7- العذاب في الآخرة:
عن خولَةَ الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجالًا يتخوَّضون في مالِ الله بغيِر حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامةِ"
وفي لفظٍ : "إن هذا المالَ خضِرَةٌ حُلوةٌ، من أصابَه بحقِّه بُورِك له فيه، ورُبَّ مُتخوِّضٌ فيما شاءَت به نفسُه من مالِ الله ورسولِه ليس له يومَ القيامةِ إلا النارُ".
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشَرٌ، وإنكم تختَصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكونَ ألحَنَ بحجَّتِه من بعضٍ، وأقضِي له على نحو ما أسمَعُ، فمن قضَيتُ له من حق أخيه شيئًا، فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار".
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا كعبُ بن عُجرة، لا يدخلُ الجنةَ من نبَتَ لحمُه من سُحْتٍ، النارُ أولَى به".
ومن أخذَ من الأرضِ شيئًا عُذِّبَ في قبرِه؛ فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن رحمه الله أنه كانت بينه وبين أُناسٍ خصومةٌ، فذكرَ لعائشة رضي الله عنها، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنبِ الأرضَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من ظلَمَ قيْدَ شبرٍ من الأرضِ طُوِّقَه من سبعِ أرضِين".
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من أخذَ من الأرضِ شيئًا بغير حقِّه، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرضِين".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخذُ أحدٌ شبرًا من الأرضِ بغيرِ حقِّه، إلا طُوِّقَه الله إلى سبعِ أرضِين يومَ القيامةِ" .
ومن أكلَ مالَ اليتيمِ عُذِّبَ في قبرِه؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾
والغال عُذِّبَ في قبرِه؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى خيبرٍ، ففتحَ الله علينا فلم نغنَمْ ذهبًا ولا ورِقًا، غنِمنا المتاعَ والطعامَ والثيابَ، ثم انطلقنا إلى الوادِي، ومع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ له، وهبَه له رجل من جُذَامٍ يُدعَى رِفاعةَ بنَ زيدٍ من بني الضُّبَيبِ، فلما نزلنا الوادي قامَ عبدُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يحُلُّ رحلَه، فرُمِيَ بسهمٍ، فكان فيه حتفُه، فقلنا: هنيئًا له الشهادةُ يا رسولَ الله!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، إن الشمْلَة لتلتَهِبُ عليه نارًا، أخذَها من الغنائمِ يومَ خيبرٍ، لم تُصِبْها المقاسمُ"، قال: ففزِعَ الناسُ، فجاء رجلُ بشِراك أو شِراكين، فقال: يا رسولَ الله، أصبتُ يومَ خيبرٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شِراكٌ من نارٍ أو شِراكان من نارٍ"
8- عدم قبول صدقته:
عن مصعب بن سعد رحمه الله قال: دخل عبدُالله بن عمر على عبدالله بن عامرٍ يعوده وهو مريضٌ، فقال: ألا تدعو الله لي يا بنَ عمر؟ قال: إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ، ولا صدقةٌ من غُلُولٍ، وكنتَ على البصرةِ"
قالوا: معناه إنك لست بسالمٍ من الغلولِ؛ فقد كنت واليًا على البصرة، وتعلَّقت بك تبعاتٌ من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أديتَ زكاةَ مالِك، فقد قضَيْتَ ما عليكَ فيه، ومن جمَعَ مالًا حرامًا، ثم تصدَّقَ به، لم يكُنْ له فيه أجرٌ، وكان إصْرُه عليه"
المفضلات