أعيش لحظات رهيبة
ضجر قاتل.. وحزن صامت ومميت
يهجرني النوم هذه الليلة، كما هجرني في سابقاته
أنهض وأخطو خطوات مرتجلة، أجدني قرب الباب
أمد يدي العصبية، فأفتحه
بدت لي المنطقة حينئذ غارقة في سكون رهيب
وسواد قاتم
إلا أن أنوارا بعيدة ذائبة في الضباب
وأخرى تفرقت على هذا الشارع، أو ذاك
كان البريق ينصع أحيانا، ويخف أحيانا أخرى
هبت نسمة باردة
جذبت منها نفسا عميقا
حتى شعرت بنشوة تسري في كل خلايا جسدي
اجتاحتني رغبة جامحة في السير في الشارع لأشاركه وحدته
كان الشارع طويلا جدا
و كانت أغلب مصابيحه قد انطفأت
وأحسست أن الشارع، هو الآخر يسخر مني، عدلت عن رغبتي تلك وأغلقت الباب
وما هي إلا لحظات حتى بدأت ألحان دافئة
تنبعث من جوانب الباب الموصدة
وبقدر ما أطربتني تلك الأنغام الطبيعية
بقدر ما شنجت أعصابي
إذ خيّل إلي أن تلك الرياح تلقي بمخزون معاناتها
على
الأبواب والنوافذ
بينما أنا الإنسان
منعزل في غرفتي
ازداد غيظا وغيرة من زمهرير الرياح
ازداد إحساسا بالوحدة
لا أحد يسمعني
كل الآذان صماء، لا تكترث لندائي
استمرت
الألحان نسيجا يشنق أنفاسي
وينساب إلى عروقي
ترى
أين ألقي بمعاناتي؟ ومن يساعدني في التخلص من هذا العبء المضني؟
سرت خطوات جيئة وذهابا
بينما
الأفكار والاستفهامات، تتساقط باستمرار على ذهني
فتبقى حبيسة ذلك الأفق الضيق
استمر
الحال على ما هو عليه
والوقت
يمشي بأرجل سلحفاتية
اختلست
نظرة إلى الساعة
عادت الأنغام الشجية إلى مسمعي، وارتفع ايقاعها هذه المرة
عرفت ساعتها
أن الرياح أصبحت قوية وعنيفة في الخارج
وانتبهت إلى نفسي
بل إلى الواقع المرّ المعيش
وجدته
يزداد حدة أكثر من أي وقت
كان
الوقت الذي ودع منتصف الليل بساعات وصدى السكون
يثيران
في نفسي قنوطا موحشا وتعاسة غريبة
تشتد حالتي
ويضيق صدري، فأحس ببركان يغلي بداخلي
يمزق ضلوعي
رغبت في أن ألقي بكل ما أقاسيه
وأبوح بكل ما يجيش بخاطري
لأذن صاغية تنصت لي، ولأنامل رقيقة تضمد جراحاتي النازفة لقد بحثت طويلا
وسألت كثيرا
ووجدت الجواب، سخافة، واستهتارا، وثغورا لا تعرف الصدقة بل تتفنن في افتعال كل شيء
هذا بالنهار
أما بالليل
فأجد الجواب معلقا على الجدران
لقد بدأت حياتي
منذ مدة طويلة، تسير على إيقاع شجي، كله وحدة وأرق وسهر مع الكتابة والقراءة، إلى ساعات متأخرة من اليل
فتصبح الكلمة
رفيقة دربي الحزين وأنيسة في غرفتي الموحشة
منذ
أن يأتي المساء، ويرسل ستائره الحالكة
فأهرب إلى الكتابة، التي أقصدها كلما ضاق صدري
ونفذ صبري
لأكشف لها عما بداخلي، وأصب فيها كل ما أعانيه وأقاسيه لعلي
أجد فيها عزاءا لما حل بي
لقد التجأت هذه المرة، أيضا إلى هذة السطور
التي خلتها
جنبا عميقا، أرمي فيه معاناتي
وأدع القلم
يروي قصة عذابي المرير، ووحدتي القاتلة
بعد أن
انبلج فجر هذه الليلة، وبعدما الضياء يلوح في الأفق
حاملا معه
بصيص أمل
ما أزال أتمسك به، في انتظار طلوع الشمس، وبزوغ ذلك الأمل
الذي قد يأتي، أو لا يأتي
بل حتما سيأتي
المفضلات