إذا كان الضحك من غير سبب هو بالفعل قلة أدب .. فلماذا لا يكون النكد من غير سبب هو أيضاً قلة أدب .. وانعدام ذوق ونقص تربية .. !؟
ومن هو هذا الكئيب الذي كان أول من قال بأن الضحك من غير سبب قلة أدب ..؟!
هل هو شخص مؤدب جداً لم تعرف البسمة من فرط أدبه طريقاً إلى وجهه .. أم هو شخص معقد جداً وعنده اكتئاب ويعاني من ارتخاء في عضلات الوجه ومريض نفسياً بدرجة كبيرة .. ((أو مشيت على رقبته سحلية وهو نائم)) ..!؟
وهل يعقل أن يكون هناك شخص سوي رشيد عاقل يمكن أن يطلق مثل هذا الحكم الجائر المتعسف ليجرم به الضحك والضاحكين .. ويعتبره دون تحفظ أحد مظاهر قلة الأدب أو نقصه أو انعدامه ..؟!
لقد حكى بعض الحكماء الجدد عن أن الإنسان ليس حيوانا ناطقاً بل هو حيوان ضاحك .. مدللين على قولهم هذا بأن هناك الكثير من الحيوانات التي تنطق خصوصاً إذا عمدنا إلى تعليمها أصول النطق .. ناهيكم عن تلك الحيوانات التي تنطق ولكن بلغة لا نفهمها .. أما الضحك فهو الصفة الوحيدة التي لا يشارك الإنسان فيها أحداً من بقية خلق الله من حيوان أو طائر .. فكيف نأتي إلى السمة الوحيدة التي تميزنا عن بقية خلق الله ونعتبر من يفعلها _ دون سبب نعلمه _ هو شخص من النوع الذي ساء أدبه وفسدت تربيته ..؟!
ثم إنه .. وبعيداً عن أعراض المرض النفسي المسمى بـ ((هستيريا الضحك)) التي هي إرهاص أكيد لجنون مقبل لا محالة .. فإن كل من يضحك لا بد أن لديه أسبابه .. حتى لو كانت أسباب واهية .. فكيف لنا أن نحكم عليه بقلة الأدب لمجرد أننا نجهل سبب ضحكه .. والذي لو عرفناه لربما ضحكنا معه بأكثر مما يضحك هو عليه ..؟!
لقد كان ملوك العرب وسلاطين الفرس القدامى يحتفظون دائما في بشخص يسمونه (( مضحك الملك)) .. يستعينون به كلما داهمهم الاكتئاب أو الضيق لسبب أو لآخر .. وكان هو يضحكهم عندئذ دون سبب .. مجرد ظهوره في حضرتهم يضحكهم .. فهل كانوا هم أكثر حكمة من قائل تلك العبارة الغبية فأدركوا قبله أو بعده أهمية الضحك .. حتى من دون سبب ..؟!
وهل من الإنصاف أن نحكم على شخص يسير بمفرده في الطريق تذكر نكتة كان قد سمعها بالأمس فضحك .. أنه قليل الأدب ..!؟ ثم .. ألا يقولون بأن شر البلية ما يضحك .. فكيف نتهم من رأى بلوى فأهاجت فداحتها شجونه فضحك أو أذهله بعض التناقض في تفاصيلها فتبسم .. أنه من أهل الأدب القليل ..؟!
إن المجتمعات السوية تنتهج العقاب أسلوبا للتعامل مع الخطأ أو النقص الذي يصدر عن أفرادها .. والضحك عند كثير من تلك المجتمعات هو نوع من العقاب الذي تقابل به أخطاء أو تناقضات أفرادها أو جماعاتها .. فكيف يكون العقاب الاجتماعي الشرعي المعترف بع نوعا من قلة الأدب ..؟!
ثم إن علماء النفس يقولون بأن كل الأحداث التي تسكت فينا الانفعال أو تعجزه عن الخروج إلى حيز الوجود يمكن أن تثير فينا الضحك .. ربما كنوع من الاستهزاء بعجزنا حتى عن الانفعال .. فكيف نجرم سعي نفوسنا إلى شكل من أشكال التوازن الانفعالي ..!
وحتى أولئك الذين يرون على الرغم من كل ما قلناه إن كثيرا من المواقف التي تكون ردود أفعالنا عليها الضحك يكون بالفعل قلة أدب بسبب أن الموقف ما كان ينبغي أن يلاقي بمثل تلك الاستهانة أو الاستهزاء .. فإن قولهم هذا مردود عليه بأن هناك نسبة خطأ في كل فعل إنساني .. ولتكن هذه التي يقولونها هي من نسبة الخطأ هذه .. التي لا ينبغي أن نجرم عليها كل الفعل ..! فكم من عقاب يقع على برئ .. وكم يفلت منه مستحق .. خاصة وأن الأمر _ أمر الضحك _ دائما يكون تلقائيا عفويا لا إرادياً .. لا يسبقه تفكير واع .. وهو في متوسطه عادل في الغالبية من المواقف لا على التفاصيل الجزئية لبعض الحالات الاستثناء التي قد تسيء لأحد لكنها لا تنفي أحقيتنا في الضحك في بقية المواقف .. المواقف التي ربما يكون سوء الأدب فيها .. هو ألا تضحك ..!
تحياتي للجميع،،
::غضب شديد
المفضلات