الصفحة رقم 1 من 36 12311 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 710
  1. #1

    رواية "عناق الشمس والقمر " ابقي على قيد الحياة ، وانتظريني ..!

    بسم الله الرحمن الرحيم ..!



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..!

    كيف الحال جميعاً ؟ اتمنى أن تكونوا بصحة طيبة ..!

    ترددت كثيراً في طرح روايتي هذه ...ولطالما ضغطت أيقونة -إضافة موضوع جديد- ومن ثم أغلقتها بإنزعاج ..لكن الآن وأخيراً وجدت وقتاً مناسباً ، ومزاجاً جيداً
    وسأضعها بين أيديكم ، وكلَي أمل أن تستمتعوا بها ، وتشاركوا أبطالها مشاعرهم ومغامراتهم

    هي مجرَد خيوط علقت في رأسي وكان لزاماً عليها أن أغزلها

    أتقبَل نقدكم البناء بكل أريحية

    دمتم بود
    ولتكن السعادة رفيقكم ..!



  2. ...

  3. #2
    الفصل الأول
    ( أرواح بلا مستقر )



    وقفت بسكون ، تتأمل منزلاً قضت فيه عمرها ، تتذكر ممرات ركضت بها ، وغرفاً اختبأت داخلها وأشخاصاً كانوا لها أكثر من مجرَد عائلة ، أكثر من مجرَد خدم ومربيين ، لطالما اعتقدت أنها ستبقى هنا حتى يختطفها الموت ، و لم تفكر ولا للحظة واحدة أنها ستترك الوطن الحبيب الذي آواها ومنحها الحرية والأحقية ..أطلقت زفرة عميقة ووقفت باحترام لكل تلك الذكريات العطرة لكل ضحكة ، و دمعة
    ابتسمت بعذوبة للخادم الشاب عندما التقط حقيبتها ووضعها فوق العربة التي تنتظرها ، حانت منها التفاتة سريعة للحديقة الملونة والتي تعبت جداً واستمتعت كثيراً في زراعتها والعناية بها ..حتى غدت كجنة تخطف الأبصار
    " آوه يا حبيبتي ..إنني لا أجروء على فراقكِ .."
    مجدداً التفتت إلى السيدة الضئيلة الجسد ، هابطة درجات السلم بوهن محاولة جهد الإمكان التغلب على دموعها التي تحاول بعبث الإنهمار ..ضمتها بين ساعديها بقوة وبللت بماء عينيها كتف الفتاة الشابة التي ظلَت تعانق السيدة وتمسح فوق ظهرها كأنها هي الكبرى هنا
    " سأفتقدكِ يا ابنتي الغالية ، وسيكون المنزل كقبر ضيق مظلم بدونكِ .."
    أبعدتها قيد أنامل بسيطة ومسحت بكفيها المجعدين وجه الصبية الحسناء بحنان .. أمسكت دموعها وكبحت ألمها وحزنها
    " لنأمل فقط أن يحسن والدكِ رعايتك ، وأن لايصيبكِ ما أصاب والدتك ..أوه أختي المسكينة لقد أحبَته بصـ.. ."
    استاءت فجأة لقولها هذه الكلمات التي حرصت على عدم إخبارها بها .. وكررت تقول متظاهرة بالبهجة
    " انتبهي على نفسكِ جيداً ، وراسليني فور ما تصلين إلى إسبانيا ... إياكِ أن تدعي سائق العربة أو تطلبي منه التوقف
    إلا لأمر ضروري جداً..وأياً يكن يا زهرتي الصغيرة فإنني سأرسل معكِ السيدة الطيبة أورسولا فأنا أعرف طيشكِ المفاجئ وحبكِ للهواء الطلق ، وللمطر..رباه ماذا سيحدث لو تبللتِ بالمطر ..يا ربي ساعدني "
    محاولتها الجاهدة لتبدوا طبيعية و غير منزعجة باءت بالفشل فراحت دموعها تتساقط من عينيها المجعدتين للمرة السابعة على الأقل منذ الصباح ..
    مسحت برقة فوق كفي خالتها الطيبة ..ولثمتهما بحب دافئ ..وقلبها ينبض بعنف من ألمها لفراقها وهي التي اعتنت بها وتخلَت عن حياتها على الرغم من جمالها ومالها فقط لتربيتها .. لتغدوا كما هي الآن ليدي فرنسية رقيقة ومرهفة


    "عزيزتي إليزابيث لا تقلقي ..سأهتم بها جيداً ولن أدع أي شخص يلمسها بأذى .."
    أفلتت كفي ابنة اختها الحبيبة ومضت في طريقها نحو السيدة المكتسحة للسواد ، الواقفة قريباً من العربة الجاهزة
    تشبثت بكتفيها ناطقة
    " أورسولا ، أوه أورسولا أيتها الصديقة الوفية ، والأخت الحقيقية ...أنا متأكدة من أنكِ ستعتنين بها جيداً فوجودكِ معها هو الشيء الوحيد الذي يريحني قليلاً "
    أبعدتها ملاطفة ورتبت قبعتها التي وقعت عندما أمسكتها السيدة إليزابيث بغتة ..تنحنحت بصوت خفيض ، وهتفت من فوق كتفها
    " سيدة فارتين إنه واجبي فقط كما أننا في الوجهة ذاتها ..هيا يا صغيرتي دعينا نسرع فقد نقطع مسافة جيدة ونبيت في مكان ما قبل حلول الظلام ."
    أماءت برأسها بسرعة و أطلقت خطواتها الرشيقة نحو خالتها الحنون ..التي ومجدداً عانقتها بقوة وأوصتها بالكثير من الأشياء التي سبق وأخبرتها بها ..وبصعوبة سمحت لها بصعود العربة بعد أن أغرقتها بقبلاتها ودموعها المالحة
    أغلق السائق باب العربة بإحكام ومضى لمقعده ليحرك العربة ولينطلق إلى وجهتهم البعيدة ، والتي بالطبع ستكون متعبة
    لزمت مكانها ولم تلوَح بيدها للسيدة فارتين التي فعلت ذلك حتى اختفت العربة من أمام عينيها

    رفعت السيدة أورسولا مآقيها الداكنة نحو الصبية الشابة التي استغرقت ترمق الحقول والهضاب الخضراء بعينين خاويتين وهادئتين ليس وكأنها قد ودعت للأبد ربما امرأة ربتها وضحت بالكثير من أجلها
    " إسبانية قاسية.. "
    نطقت بها بهمس ساخر ..لم تفهمه مرافقتها فقد كانت أشبه بالتمتمات الخفيضة والتي اعتادت أن تسمعها منها .
    كانت السماء شديدة السواد وكأنها على وشك الغروب مع أنها الظهيرة وحسب ...لم يستمر هذا الجو الغريب طويلاً
    فسرعان ما أمطرت ، وتبلل طريقهم الطويل الوعر ..واستمرت الحسناء الصغيرة بتأملها لقطرات المطر المتساقطة على كفها الممدودة من النافذة بدون أن تقول لها السيدة أورسولا شيئاً
    وقٌبيل الغروب توقفت العربة في نُزل يقع أعلى تل مطل على قرية صغيرة وهادئة كالموت ، تناولت عشاءها كما تفعل دائماً الأمر الذي أجبر مرافقتها على التيقن بأنها مجرد جاحدة ، ناكرة للجميل خاصة بعد أن رأتها تنام قريرة العين بدون أن تذرف دموعها أو تشكوا فراق أقرب الأشخاص إليها ..

    ولعدة أيام أخرى أكملوا طريقهم ..توقفت العربة في طريقها بأمر آمر ، وما كاد السائق العجوز يسحب لجام خيوله ليتوقف حتى أقبل إليه جندي أسمر الوجه ، غائر العينين ..تأمله بشك المحارب ، الباسل والذي عليه أن يكون متوقداً وحذراً دائماً ..ألقى عليه بضع كلمات وأرسل نظراته باتجاه المرأتين داخل العربة ..حيث قالت السيدة أورسولا بكراهيَة ضايقت الشابة قربها
    " إسبان قذرون ..إنهم لا يثقون بنا ويستمرون في مراقبتنا مع أننا مجرد نسوة ضعيفات ..لا شهامة أو مروءة بينهم قطعاً"
    " يستحسن أن لا تدعيهم يسمعوكِ يا سيدتي .."
    هتف بها السائق بعد أن سمعها تصيح مستنكرة ..وقد استفحل الأمر لدرجة أنها مصممة على رفض التوقف القادم
    " خذ طريقاً آخر ..المهم أن تبعدنا عن هؤلاء الجبناء."
    " كما تأمر سيدتي .."
    لم تكترث لما يحدث من حولها ، والتوقف في كل مرة من قبل الإسبان الذين كل مرادهم وجل مطلبهم هو التأكد من أن كل شيء على ما يرام لا يزعجها ولا يضايقها بالطبع .. إلا أن إصرار السيدة أورسولا على الابتعاد عنهم تفوَق عليها وبذلك نفذ السائق كلماتها ..
    كان قد مضى أسبوع كامل منذ انطلقت رحلتهم من مارسيليا ..ولم يتبقى الكثير ليقطعوه حتى يصلوا إلى إسبانيا وتلتقي بوالدها الذي ينتظرها –كما تتمنى- على الأقل
    لاحظت أن السائق قطع طرقاً داخل الغابة وبغض النظر عن عدم رضاها بهذا القرار ..هذه الطرقات وعرة جداً واصطدم رأسها مرات عدة بجدار العربة
    لم يغب عن أذنها صوت حوافر الخيول العديدة والمسرعة ..وأرادت أن يتوقف السائق لينظر ماذا من أمرهم ، ولماذا يلحقون بهم ...لكن صراخ السيد أورسولا به أن يسرع أربكها ... وأيقنت ان في الأمر مصيبة ما .
    ومهما كان من محاولة فرارهم ..فقد حاصرهم الجنود بخيولهم الطويلة ، الرشيقة و التمعت بشرتهم العسلية تحت نور الشمس المتوهج ..
    كان السؤال عن سبب هروبهم وعدم توقفهم موجهاً للسائق ...وسمعت همسات السيدة أورسولا التي وصلت إلى أذنيه عن طريق النافذة الصغيرة خلفه " أخبرهم ..أننا كنا قلقين من أن تكونوا لصوصاً أو قطَاع الطرق .."
    صاح به الجندي الإسباني عندما سمع قوله التافه ، اللا منطقي..وبدا واضحاً كزرقة السماء كم هو متلعثم ومرتبك
    " حسنـ حسناً سيدي أنت تعلـ...لـم بالتأكيد ..أنا رجـ ـل أعزل ومعي سيدتان ..لم يكن بإمكاني التوقف حقاً ."
    دنا الجندي بجسده من السائق ..وتمعن محملقاً في وجهه العجوز ..وقد نحتت التجاعيد وجهه بدقة ربانية ،غمغم بشك ..مشيراً بيده إلى بقية الجنود المحيطين به " فتشوا العربة حالاً .."
    اقترب من نافذتها ..وحدجها بنظراته الداكنة مطولاً ..قبل أن يلتقط يدها الصغيرة الملامسة لجيدها ويلثمها باحترام
    " اسمحي لي آنستي ..نحن فقط نقوم بواجبنا .."
    انتزعت يدها منه مجاملة ..وابتسمت ببطء إليه غير عابئة بما يحدث أو يقول ..
    أدهشها ، وأثار حيتها منظر الجنود وهم يضعون حقائبها على الأرض ثم يبدأون بتفتيشها ... لم يكن الأمر مزعجاً بالنسبة لها
    ولم تعدَه اقتحام خصوصية إطلاقاً...وفكرت في داخلها أنهم يفعلون ذلك لحماية بلادهم ..لاتدري أهي تتحجج لهم بهذه الأعذار لأنها تملك دماءً إسبانية ..أم أن منطقية أفعالهم أقنعتها
    "ماهذا ..؟ "
    رفعت عينيها الغائميتن إلى الجندي القابض على زجاجة صغيرة ..بها سائل داكن مائل للأرجواني آه ..بالأقرب إلى لون الباذنجان
    أدارت رأسها باتجاه السيدة أورسولا عندما لم تسمع إجابتها على الفارس ، أمعنت النظر في تصرفاتها المضطربة .. حتى نطقت متلعثمة ، بصوت بالكاد يخرج من بين شفاهها
    " إنـ ـه دواء يا سيـ يدي."
    حدجها بارتياب ..وأعطاها للفارس المجاور له ..عائداً ليكمل أعمال بحثه وتفتيشه
    أخرجت رأسها من النافذة ..عندما تناءى لمسامعها صوت حوافر الخيول المسرعة ..والتي انتهى بها الأمر بالوقوف بقربهم
    " آو سيادة الدوق لقد جئت ."
    أصاخت السمع إليهم ..وأيقنت مجيء أكثر من خيل واحد...إثنان على الأكثر..
    " هل من شيء ؟ لم توقفون هذه العربة في منتصف الطريق ..."
    هرع للرجل امامه ومد بإتجاهه الزجاجة التي عثروا عليها بين حوائج المسافرين ..لا تدري أهو لم يتكلم ، أم أن صوته كان خافتاً وغير مسموع ..بل ربما منظر السيدة أورسولا وهي تقبض بذعر على صدغيها أثار حيرتها.
    " وجدتموه مع هؤلاء المسافرين ..؟"
    رفعت حاجبها الأيسر متعجبة ، ولم تستطع ملاحظة الفارس الآخر الناطق للتو ؛ بسبب وقوفه خلف العربة تماماً
    " إسـ إسمعي يجـ ـب أن نهـ رب حا حالاً .."
    تلاشت الحيرة من وجهها ، و ارتخت عضلاتها بلا اهتمام ..أماءت برأسها نافية ..فهي لم تفعل شيئاً خاطئاً لتهرب
    قبضت السيدة أورسولا على كفها الموضوع في حضنها ..، و قرَبت وجهها منها بجدية
    " يجب أن نهرب ..إن لم تريدي الموت .."
    زمت شفاهها الصغيرة ، غير عابئة بما تقول مرافقتها ..بل إنها انتزعتها منها ببطء وابتسمت نحوها مجاملة
    " استمروا بتفتيش العربة جيداً... وأخبروني إن وجدتم شيئاً آخر .."
    هذه المرة لم تنتظر السيدة أورسولا منها رأياً أو إجابة ..فقد فتحت باب العربة في الجهة الأخرى وجذبتها بعنف للخروج معها
    وعلى الرغم من أنها لم ترى ردة فعل الرجال ..إلا أن صوت السيوف وهي تخرج من أغمدتها أفزعها
    وركضت بها السيدة أورسولا داخل الغابة ..متلفتتة برعب حولها ..حاولت جذب يدها إلا أن مرافقتها صاحت بصوت مضطرب وبلا نفس
    " أيتها البلهاء ..سيقتلونكِ لو وجدوكِ..متأكدة بأنهم قد قتلوا السائق بلا رحمة .."
    خفق قلبها بين ضلوعها..وتاهت نظرة عينيها الكهرمانيتين بين غصون الأشجار المتشابكة والتي تمنعهما من إكمال حركتهما
    " تباً للأشجار ..آآخ سحقاً كم أكره إسبانيا .."
    أجبرتها على الإنحناء أسفلها والمرور عبرها للجهة الأخرى ..وكم عانت في حل ثوبها كلما عُقِد بالأغصان الشائكة المتفرعة
    سمعت شهقة مرافقتها ..ورفعت رأسها إلى الأعلى ..، اضطربت حتى اعتقدت أن صوت خافقها مسموع تماماً ،راقبت بتؤدة الفرسان اللذين كانوا قبل دقائق أمامها ..ومن ثم رجلان .. اتخذا لنفسهما مكاناً في المنتصف
    ملابسهما كانت مختلفة ..سوداء محددة بالذهبي الداكن..فاخرة ، حريرية ، غامضة جداً ...وفوق ذلك عباءات سوداء..
    ارتجفت أطرافها ..وضمتهما بحذر ..عباءة أحدهما كانت تقطر دماً ...لقد قتل شخصاً للتو
    رائحة الدم أصابتها بالغثيان ..فسلكت خطوات يسيرة إلى الوراء ..تأكدت أن هناك خطباً فقد عاود الجنود الإحاطة بهم
    " لورد خوان ، هل نفتشهم ؟؟ "
    أمعنت النظر في هذا اللورد ..شاب بشعر بني قاتم ..من الصعب ملاحظته لولا ضوء الشمس الذي انعكس على خصلاته
    بالإضافة –احتدت عيناها- كان هو صاحب العباءة الملطخة بالدماء
    ذُعِرت من الجندي الذي أمسك بكتفيها ، وراح يفتش ثنايا ثيابها ..الخالية الوفاض .. انسحب من عندها ناطقاً تجاه سَيده الآخر
    " لا يوجد شيء مع هذه الآنسة ...سيادتك.."
    " والأخرى ؟ .."
    تمعَنت أكثر في صوته العميق المجلجل ..وإلى خيله الأسود المشابه له ..في كبرياء عينيه المحملقتين بها
    عيناه ..! أتلك رمادية ؟ أم زرقاء داكنة ..؟ ..أغمضت مآقيها بسرعة ، وعدم تصديق ..هل بصرها يخونها ..؟ أم أنه يمتلـ..
    " سيادة الدوق وجدنا هذا السلاح مع السيدة الأخرى .."
    اختنقت بهواءها و جفلت في وجه السيدة أورسولا ..الهادئة .. هل في الأمر مكيدة ما ؟ سر ما لاتعرفه..؟
    التقط الدوق السلاح المتوسط الطول ..خنجر بالطبع ..ملفوف بقطعة قماش سوداء ..أخرجها بروية ..وتمعن ومن ثم ناولها للورد خوان ..الواقف على يساره
    " مالذي تريدونه منا ..؟ أنتم إسبان قذرون وستنتصر فرنسا في حربها معكم مؤكد "
    " أنتِ ..." قالها ببطء ، متفرساً في وجهها ذي الملامح العريقة إلى إشارة قد توصله لإجابة...سمعت صوته العميق مجدداً ..أكثر حدة ..أكثر قسوة ..كان يرطن بالإسبانية ..الإسبانية التي لم تفهمها جيداً ... سوى أنه أمر بشيء مــ...
    شهقت مرتعبة وعادت للوراء تتهادى في سيرها ...ضمت يدها إلى صدرها و مجدداً شهقت مستفظعة مما رأت ..لا ..لا يمكن أن يكون هذا حقيقاً.." سيدة أورسولا .." حرَكت شفاهها بدون فائدة
    اقتربت منها بحذر ..وهزَتها ببطء فلم تستجب ..هزتها بقوة قليلاً فلم تستجب ...حرَكت جسدها الملقى على الأرض بعنف فلم تجبها
    دماء ..اليوم كله دماء ..على الأرض ، وعلى العباءة..ودماء تملأ عنق السيدة أورسولا المطعون ..
    حاولت إمساك نفسها ..لكنها لم تستطع ..بالكاد نهضت ..بالكاد أشاحت بوجهها عنها وعندما فعلت وقعت على الأرض
    الدنيا معتمة حولها ..ولا وميض للنور ..أو أثر للشمس المعلَقة في السماء
    أخرجت مافي جوفها ..ولم تحتمل رؤية ذلك السائل الأحمر مجدداً..هي تكره رائحته ولا تطيقه فكيف بها الآن ودماء السيدة أورسولا ملتصقة بثيابها ..
    هبط الإثنان من خيولهما الطويلة ... وأحست بيد الدوق توضع فوق كتفها ..التفتت نحوه محدقة ..ولم تستطع تقبَل رائحة الدماء مجدداً..كان ينظر لها بارتياب ..خاصة بعد أن فقدت وعيها على الأرض ..أسند رأسها إلى ذراعه وهزها بعنف علَها تستيقظ
    لكنها لم تفعل
    " لقد فقدت وعيها سيادتك .."
    خرجت من فاه خوان المبتسم بتهكم لكل ما حدث قبل قليل ..، ونهض الدوق وهو يحملها بين يديه ،أشار لمرافقه بقوله
    " سنرى من أمرها .."
    وضعها فوق خيله واتخذ لنفسه المكان خلفها ..، ضرب مؤخر الحصان بعقب قدمه ...وعدا الأخير بسرعة بعد ذلك ...
    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 21-03-2013 عند الساعة » 16:49

  4. #3

    "السيدة البارونة تريد رؤيتك فوراً ."
    نهضت من مكانها بسرعة قبل حتى أن ترفع رأسها نحو الخادم الذي ألقى عليها الأوامر ..وهرعت تتبعه بقلق واحتراز
    تركت في الغرفة رجلين وامرأتين ..صاحت إحداهن بصوت مرتفع وهي تقف وتسير جيئة وذهاباً بلا هدف
    " سحقاً .. مالذي قد تريده والدتي من هذه القذرة المشردة ..وفي وقت احتضارها بالذات .."
    وافقتها أختها الواقفة قرب النافذة بكره شديد ، متحدثة بغيظ وازدراء لشخص الفتاة التي يتحدثون عنها
    " ليس وكأننا أبناؤها الحقيقيون والتي أنجبتهم بطريقة شرعية تماماً ، كما أننا نحمل دمها واسمها وليست هي "
    ساد الصمت بينهم للحظات معدودات ..وباشرت الأخت الأولى تصيح مجدداً متوجهة بنظرها إلى حيث الرجل الجالس أمامها
    " مابك شارل ؟ أنت الأكبر هنا قل شيئاً ..هل ستسمح لتلك الفقيرة بالحصول على والدتنا ؟ ، هل ستسمح لها بأن تجعلنا نبدوا لا شيء أمامها "
    عاودت أختها الأخرى تقول بالكره الدنيء ذاته
    " سوف تضرب بمكانتنا لدى والدتنا عرض الحائط "
    قهقه الرجل الأخير في الغرفة بصوت مرتفع ، ورمق أشقاءه حوله بتهكم ..وبدا مستمتعاً بتوترهم وعصبيتهم
    " عزيزتي ماريا لقد ضربت بمكانتكم عرض الحائط منذ أتت هنا "
    حملقت به بحقد ، وهي له كارهة و على صدق كلماته ناقمة ..
    اكفهر وجه المدعو شارل وتطلع إلى إخوته اللذين وأخيراً قد اجتمعوا على شيء ما ..وشيء سيء أيضاً
    " لا تقلقوا ..أعدكم يقيناً بأنني لن أسمح لها بالحصول على أي شيء هنا ...تلك الغجرية الفاسقة "

    ***
    " اغفري لي حبيبتي سابيينا ..فأنا لا أسبب لكِ إلا المشكلات "
    رسمت على وجهها الفاتن ابتسامة مطمأنة .. وغادرت مكانها فوق سرير السيدة البارونة ..بدلت قطعة القماش بأخرى باردة ومسحت بها جسدها الساخن الذي أصابته الحمى وزادته إعياءً إلى ما به من ألم
    " سيدتي ، أنا بخير ما دمتِ معي ... المهم الآن أن تأخذي قسطاً من الراحة حتى تشفي من المرض وتعودي إلينا سالمة"
    نقلت بصرها إلى سقف الغرفة المرتفع وهمست بصوت مخنوق ، متألمة
    " صدقيني يا حبيبتي أنتِ الوحيدة التي تريد مني أن أشفى ..أؤكد لكِ أنهم ينتظرون بفارغ الصبر رحيلي "
    " لاتقولي هذا ..إنهم أبناؤك وأنا متأكدة أنهم قلقون عليكِ، ليتكِ رأيتِ وجوههم القلقة المضطربة في الخارج"
    ابتسمت ساخرة وأطلقت ضحكة ضئيلة ..متمتمة بألم
    " آه يا سابيينا ..ما أرق فؤادكِ لا تزالين تحاولين إراحة قلبي الضعيف ..ولكن صدقيني أنا أمهم وأثق بنواياهم كثقتي بأن
    لون عينيك فاحم السواد ..مع أنني أفضل رؤية مآقيكِ في الحقيقة "

    ضحكت لها مجاملة كما تفعل دائماً ، والحقيقة أنها تعرف جيداً أبناء سيدتها العطوف ، وأفكارهم البائسة القذرة
    وتعلم أنهم قلقون من أن تغير والدتهم وصيتها وتذر بكل أملاكها لها .. ومع أنها هددتهم بذلك كثيراً إلا أن قلبها الرقيق رفض القيام بذلك ..
    " دعيني أرى وجهكِ الفاتن يا ابنتي ، لا أعرف كيف عساي أترككِ تقاسين وجودهم وتسلطهم الدائم .. آه كم كنت أتمنى الموت ..ولكن منذ قدومكِ أصبحت الحياة ملونة وأكثر جمالاً في نظري ،كم أتمنى لو يطيل الله بقائي فأنعم برؤيتكِ صباح مساء"
    جلست على السرير مجدداً وانحنت فوق سيدتها لتدعها تتأمل وجهها المحبب إلى قلبها
    ابتسمت بوجع ..ومسحت فوق خدها العسلي الناعم..استغرقت وقتاً طويلاً قبل أن تقول بعاطفة وقَادة
    " آه ما أجملكِ يا سابيينا ..وما أروع دفء عينيك السوداوين .. لقد تمنيت كثيراً أن أرى الشخص الذي اختاره الله ليتزوجكِ
    أثق بأنه سيكون الأسعد حظاً .."
    لم ترد إخبارها بأن أحداً لن يتزوج من غجرية كانت فقيرة مشردة ، لولا اعتناء بارونة رحيمة بها لكانت على الأرجح فتاة هوى
    " حبيبتي..ادعي شارل لرؤيتي ..يجب أن أخبره بشيء مهم..لعل وعسى يكفر عن أخطائه بأمه المسكينة .."
    راحت تنفذ أمرها على عجل ..وفي ثواني معدودة كان ابنها البكر راكعاً قرب سريرها..مكفكفاً دموعه المتساقطة
    ومقبلاً كف والدته المجعدة
    " شارل يا ولدي..لقد فعلت أشياءً سيئة كثيرة لأمك المسكينة ..ولست ألومك فأنت وإخوتك كوالدكم الراحل
    قساة ، جفاة .. فاليسامحكم الله على أفعالكم ..وليبارك لكم في أفعالكم الطيبة "
    أظهر الضعف أمام والدته التي تحتضر وضم يدها المرتجفة إلى صدره بقوة
    " يا ولدي لست أوصيك إلا بشيء واحد..وعدني أن تنفذه..اعتني بسابيينا جيداً ولا تعاملها أنت وإخوتك بسوء
    إنها وحيدة بدوني ، وضعيفة كذلك ..عدني يا عزيزي وطمأن قلب والدتك..ودعني أمت مرتاحة وراضية عنك على الأقل"
    التزم الصمت وصك على شفاهه بغيظ قبل كفها مظهراً كل الوجع ..وألصق جبينه بحافة السرير الخشبية
    " أعدكِ يا والدتي الحبيبة ..فالترقد روحكِ بسلام ..."
    لم يكن عليه قول ذلك فقد رحلت روحها الى بارئها ، وسكن جسدها المرتجف بين يديه
    رمقها مطولاً بعدم استيعاب وهز جسدها عدة مرات غير مصدق لموتها ، وضع أذنه عند صدرها ولم يساوره شك في توقف قلبها عن النبض ..تمالك نفسه ونهض واقفاً ملقياً بالغطاء فوق وجهها ... تمعن مرة أخرى في التحديق بجسدها الساكن
    وغادر المكان بسرعة نحو إخوته المضطربين عند باب الغرفة
    ازداد خفقان قلبها فور ما أبصرته يخرج من عند سيدتها ..وأسرعت نحوه تتأمل في وجهه ، تطمح أن ترى شيئاً يؤكد لها أن البارونة ستكون بخير ..
    إلا أنه لم يلقِ لها بالاً بل قال بصوت جامد ، ونبرة أشد برودة من الثلج
    " لقد ماتت ."
    شهقت بعدم تصديق وتجاوزته مهرولة إلى داخل الغرفة ، لكن يده قبضت عليها ودفعها بقسوة بعيداً نحو الجدار
    " قلت لكِ لقد ماتت أيتها الغجرية القذرة "
    سألته أخته الأولى بفزع ويدها تتشبث بساعده ، تأمل أن يطمئن قلبها
    " وثروتها ؟ "
    ابتسم لها بسخرية وانتزع باشمئزاز يده منها مغمغماً بعدم اهتمام
    " إنها لنا ."
    لم يأخذ الأمر منها وقتاً طويلاً قبل أن تقهقه بصوت عالي وتتعثر في سيرها كثملة بلهاء
    " يا إلهي ..لقد انتظرت هذا طويلاً ...لقد أردت هذا كثيراً ...الآن وأخيراً هذا المنزل سيكون لي .."
    اقتحمت أختها ماريا الغرفة تبحث بجنون عن شيء ما ..والتقطته بعصبية من فوق الطاولة المستديرة ، ضحكت بخفوت
    " إنه لي ..وأخيراً ."
    اقتربت أختها منها وانتزعت حجر الياقوت بين يديها ..صاحت في وجهها بحقد
    " إنه لي ..هذا الياقوت لي أنا ...أنا الأخت الكبرى هنا "
    راحت البنتان تتشاجران كالبهائم على حجر لا يغني ولا يسمن من جوع ..
    اختنقت سابيينا بعبراتها ..ولم تصدق أن هؤلاء الأشخاص قد يشعرون هكذا تجاه أمهم المسكينة ، التي ربتهم وتعبت عليهم
    وجهت نظرها إلى الأخوين الصامتين والذي راح أكبرهما يفتح خزنة والدته ويصب ما بها من نقود في جيوبه
    " أعتقد أنكم نسيتم شيئاً بالغ الأهمية هنا "
    تمتم بها شقيقهم الأصغر والذي وقف مكانه محملقاً بسابيينا بدناءة واضحة ... اقترب منها وعلى وجهه تلك النظرات المحتقرة
    " الآن أيتها الغجرية الفاسقة ..ما من أحدٍ لتختبئي خلفه .."
    ازدرت ريقها بحذر ..وعادت بجسدها للوراء مبتعدة ..ذكريات الماضي القاسية بدت كما لو أنها تعيد نفسها من جديد
    اقترابه منها ، الحدة المنبعثة من عينيه..ويده ..يده التي ستمتد لتصفعها ، لتقطع شعرها الأسود
    انتصبت واقفة وحاولت الابتعاد والعودة لغرفتها ..على الأقل حتى يأتي المحامي العجوز الطيب
    خاب أملها عندما وجدت نفسها بين الأختين المتوحشتين واللتان بدون تمهل ..راحتا تضربانها وتركلانها بعنف
    ضربات أحست سابيينا معها أن روحها ستخرج في أي لحظة وستلحق بسيدتها .. رباه كم كتموا من حقد طوال السنين السابقة
    كما لو أنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة التي يستفردون بها..ويمزقونها كما تفعل الكلاب المسعورة
    انتُزِعت منها مجوهراتها الثمينة ، وتمزقت ثياب الحرير الناعمة .. وانتهى الأمر بهم لأن يدفعوها من أعلى السلم ..
    تحسست بيدها الأرض التي وصلت إليها أخيراً وكتمت دموعها المنتظرة عند أهدابها تنتظر الإذن بالهطول
    آه كم هي رقيقة ومهذبة دموعها
    تأوهت بوجع..محاولة النهوض من مكانها بعد الرحلة الجميلة التي مرَت بها حتى وصلت للأرض ..غمغمت لنفسها متهكمة
    " سيدتي..آوه كم أنا موشكة على اللحاق بكِ ."
    ماكادت تنهض جالسة حتى فاجئتها تلك القدم الضخمة المرتطمة بصدرها..، اختفى الهواء من حولها وشعرت بنفسها تختنق
    وهذه المرة انهمرت بعض الدموع من مقلتيها الواسعتين ..
    " سحقاً لكِ من فاسقة .. تستحقين هذا وأكثر.."
    رفعت قدمها لتركلها في وجهها الحسن الفاتن ..إلا أن شقيقها الأكبر أبعدها بأن وضع يده أمامها
    " دعيها ماريا ... لا تريدين التورط بالمشاكل إن قتلتها .."
    بدا الاقتناع عليها أخيراً ، وبالطبع لم يكن في داخل سابيينا أي أمل بأن أحداً من هؤلاء سيرحمها ، وسيعاملها جيداً لأجل والدته على الأقل..
    انتزعها من الأرض كما لو أنه يجتث نبتة جذورها تخترق الأعماق..أحست بعظام رسغها تتحرك ومنعها صراخها من سماع صوتها تتحطم
    جذبها بوحشية كما لو كان يجر وراءه حيواناً ذليلاً ، ولم يكن ذلك صعباً بالنسبة له ..ولا أدري هل كان ذلك بسبب قوته أم استسلامها له
    لفح الهواء القادم من باب المنزل وجهها وشعرت برذاذ المطر يلامسها .. ، ألقى بها إلى الخارج بقسوة ..محملقاً في وجهها من فوق كتفه بلؤم ...وهو يحسب نفسه المنتصر
    " فاليكن الجحيم مأواكِ حيثما تذهبين أيتها الماجنة .."
    أغلق الباب في وجهها ، وحسبته سيتحطم لشدة ما أقفله ...استغرقت تتأمل السماء قليلاً ، ثم ترسل بنظراتها إلى المنزل وإلى الحقول خلفه ..
    عبثاً حاولت النهوض والتحكم بهيكلها المحطم ..، أحست بكل جزء من جسدها يؤلمها ..ويمنعها من الحركة
    " فالتذهب للجحيم أنت وإخوتك " تمتمت بها متأملة المنزل للمرة الأخيرة .. ومضت في طريقها حيث لا تعرف إلى أين تتجه
    أو ربما هي ستتجه للمنزل في نهاية الطريق ..حيث تعيش أفضل وأعز صديقات السيدة البارونة ..برق في داخلها أمل بأنها قد تعتني بها ..تمتمت مجدداً بالسخرية اللاذعة ذاتها
    " أولاد عاقَون ..."

    التقطت أنفاسها بعد أن وصلت أخيراً ، ولم تكترث كم تبدوا مثيرة للشفقة ..مبللة ، وممزقة الملابس ، وفي حال فوضى
    فتحت لها الخادمة العبوس الباب وسارعت تخبرها برغبتها في رؤية سيدتها ..اختفت من أمامها مغلقة الباب بعنف لايقل عن الذي رأته قبل قليل .
    تملَكها الإيمان الضئيل ، ورفعت رأسها إلى النافذة العلوية حيث ينبعث صوت موسيقى البيانو العذب ، انتظرت الخادمة لتعود بفارغ الصبر؛ فهي بحاجة ماسة لتبديل ثيابها ، ومعالجة جراحها وكسورها ..
    عادت الخادمة أخيراً ، وأشرق وجه سابيينا المجهد ، المتعب .. كأنما هو قمر قد أتعبه اقتباس نور الشمس
    " تسأل سيدتي عن حال السيدة البارونة .."
    " لقد ماتت البارونة .."
    ضيقت جبينها الواسع ، متعجبة من نفسها كيف نطقت بهذه الكلمات بشكل طبيعي ..في نهاية الأمر هي تمتلك شيئاً من طباع أبناء سيدتها ..ربما يجدر بها العودة إليهم إذاً ..ابتسمت لنفسها على أفكارها التافهة
    عادت الخادمة بعد أن أطالت الغيبة .. وتوقعت سابيينا أنها ستفسح لها المجال في الدخول ..إلا أن ماحدث كان عجيباً
    كانت برفقتها خادمة أخرى وكانت الاثنتان تحملان سطلاً أزرق متوسط الحجم ..
    استيعابها البطيء تغلب على فطنتها وذكاءها ... وفي لحظات كانت مبللة من رأسها لأخمص قدميها بعد أن سكبت الخادمتان الماء في السطل عليها فزاد بللاً إلى بللها
    " تقول لكِ سيدتي ارحلي ..فهي لن تقبل بمتشردة في منزلها .."
    أغلقت الباب في وجهها ..وكالعادة بقوة ..، تنهدت بعمق..والثقل فوق ظهرها يزداد .. آذاها كون الأبواب قد أغُلِقت أمامها
    والرحمة نفيت من قلوب الناس ..طأطأت رأسها بانكسار وراحت تجر أذيال خيبتها ..خائفة ، مذعورة مما قد يخبئه لها الغد وهي البائسة ، المشردة بدون بيت أو عائلة
    " فاليعاقبكم الله ..ولتخلّدوا في الجحيم على قسوتكم "
    تمتمت بها لنفسها وهي تسير في طريقها بلا مستقر .بلا مكان تلتمس به المأوى ..ضائعة ، تائهة .. لاتعرف ماذا تفعل
    تنهدت مجدداً ، ومضت في طريقها ..باحثة عن شخص ليقلها ، ليأخذها ، ليساعدها إلى أين تذهب
    صعُب عليها إيجاد مكان تبيت فيه ..فقضت ليلتها في أحد الأزقَة الضيقة القذرة ..ضمَت جسدها المبلل بيديها وارتجفت شفاهها من البرد ..عبثاً حاولت النوم ..وعبثاً أمسكت دموعها البائسة
    في اليوم التالي كان يجب عليها إيجاد مكان تنام به ، ولمَا لم يكن معها مال فإنها سارعت لتبيع شيئاً من شعرها الأسود الفاحم ، الطويل
    "بسبع فرنكات آنستي .."
    " سبع فرنكات ؟ أتهزأ بي ؟ "
    " آوه أنتِ لا تريدين قصَه كله ، كما أنه أسود ..ربما لو كنتِ شقراء لكان الوضع سيختلف قليلاً "
    صكَت على شفاهها بغيظ وسمحت له بقص جزء كبير من شعرها المموج الفاتن ..لمست أطراف التي باتت تصل لأسفل كتفها وأمسكت رباطة جأشها محاولة أن لاتبكي..وفي النهاية وجدت لنفسها غرفة متواضعة عند سيدة بدينة ، سيئة الأخلاق
    أيقظتها بعد يومين بقسوة صائحة
    " أخرجي الآن من منزلي يا عبدة السوء .." غدت الرؤية لديها معدومة ..مشوشة ، وغير واضحة إطلاقاً
    " انهضي أيتها الماجنة هيا ."
    استلقت بالاتجاه الآخر متجاهلة إعطاءها أي جواب ..فالتصرخ كما تريد..هي لم تنم جيداً منذ أيام عدة ..ويحق لها الحصول على بعض الراحـ...شهقت وكأن فاجعة أصابتها عندما أمطر السقف مياهاً أصابتها بالبلل ..هه بل أغرقتها كلياً..
    نهضت من مكانها بإقتضاب ..وودت لو تركلها وتلفيها أرضاً ..بل وتسكب فوق رأسها الماء أيضاً ..
    تكلمت بصوت نائم ، منزعج
    " الماء نعمة ..لا تسكبوه فوقي حتى لايعاقبكم الله ويمنعه عنكم .."
    قبضت كف السيدة السمينة على رسغها المصاب بقوة ..ودونما إهتمام ..أجبراها على محاولة انتزاع يدها المسكينة
    وعندما حدث ذلك كانت ملقاة في الشارع والباب موصد بإحكام في وجهها
    حاولت إلتقاط أنفاسها ..وراح صدرها يعلو ويهبط في حنق ، وامتحاق..أحكمت أعصابها التالفة ..ونهضت واقفة ..
    ضربت الأرض الترابية بقدمها اليسرى ..صائحة بغضب
    " تباً للعنصرية ..آخ كم أكره الفرنسيين..مملوؤون بكبرياء مثير للإشمئزاز "
    ضربت الأرض مجدداً وصاحت بالطريقة الحانقة ذاتها ..
    " تباً لأوروبا كلها .."
    ارتخى كتفاها..وأوشكت دموعها على النزول من فرط غيظها .. تماسكت ، وأحكمت رباطة جأشها بتحدَي ..فهي لن تبكي لمثل هؤلاء التافهين ..المملوءين بالفخر الفارغ
    " إن لم أكن فرنسية ..فمن أنا .؟ "
    كانت تتمتم بها لنفسها في سيرها نحو المجهول ، سير بلاهدف حيث لاتعرف إلى أين تذهب..جلست على أقرب أرض باردة عند الحائط..وضمت قدميها إلى صدرها بعد أن زفرت بعمق .. إنها تستحق لقب المشرَدة وبجدارة الآن ..
    لقد مضت أربعة أيام منذ ماتت سيَدتها البارونة ، وتشرَدت بعدها في طرقات تولوز ، الموحشة والكريهة
    أين تذهب الآن ..؟ ومن سيقبل بها ؟ لقد اتفقت مع تلك السيدة على العيش معها في المنزل مقابل مبلغ تدفعه كل شهر
    " آوه فتاة صغيرة ..جميلة ."
    رفعت رأسها بحدة ، وتوجَست في نفسها خيفة من المرأة صاحبة الرداء الأسود المحيط بوجهها الجميل ..
    جلست على الأرض بقربها وسألتها باهتمام
    " مالذي تفعله شابة جميلة مثلكِ هنا ها ..؟ طرقات تولوز ليست بالشيء الآمن كما تعلمين."
    كشَرت باقتضاب وراحت تهز جسدها للأمام والخلف بضيق ..
    " لا أعرف أين أذهب ..لا منزل لي ."
    مالت شفاهها المكتنزة بمكر أنثوي ..ومالت نحو سابيينا الصامتة ..بعد أن فضَلت عدم قول شيء لهذه السيدة
    قرَبت وجهها منها بالمكر ذاته ...همست بخفوت مثير للريبة و.....الاشمئزاز
    " تعرفين ..بمثل جمالك..تستطيعين ان تجدي رجـ...
    جزرتها بعنف و دفعتها بعيداً عن وجهها ..استقامت بسرعة وغادرت مكانها ..فآخر ما تريده هو أن تصبح بائعة هوى
    " لن تهربي أبداً...هذا هو مصيركِ.. أنتِ مجرَد غجرية شرقية .."


    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 21-03-2013 عند الساعة » 16:28

  5. #4
    " أنظري إليها تزداد جمالاً في كل مرة أراها فيها ."
    نطق بها الرجل الكهل صاحب الصوت الأجش ..وعيناه خلف زجاج النافذة سارحتان ، يتأمل باستمتاع أجمل ما منحه الإله
    " آوه أجل الآنسة ليديا رقيقة جداً ... أخبرني يا سيدي هل وافقت على الشاب الذي تقدم لخطبتها "
    التفت بعينيه بغتة نحو المربية القديرة والتي قضت أكثر من نصف حياتها في منزله وكفرد من عائلته تربي بناته وتهتم بهن حتى نشأن كونتيسات إسبانيات مهذبات
    " لا ، لم أوافق إنها لا تزال في السابع عشرة ..كما أنني كنت أتحدث عن روز ماري يا آنسة أدريانا.."
    طرفت بعينيها بسرعة .. وأظهرت التفهم على محياها الرزين
    " أجل بالطبع ..الآنسة روز ماري جميلة جداً أيضاً ."
    " من تشبه برأيكِ ..؟"
    وضعت الرسائل التي تقرأها جانباً ورفعت رأسها بجدية نحو سيدها الهادئ ، الملتمس لنفسه مقعداً أمام النافذة الكبيرة
    " تشبه والدة سيادتك بالطبع ..."
    مالت شفاهه قليلاً..ولم يعلق على قولها الصحيح فابنته الكبرى الجميلة تشبه والدته التي يعدَها الشخص الوحيد الذي كان يفوقه قوة وصلابة ...أياً يكن لقد توفيت منذ أمد ..وأحس بأن الإله قد وهبه روز ماري لكيلا ينسى السيدة التي أنجبته
    " تشبه والدتك يا سيدي ..حتى في أخلاقها و تصرفاتها .."
    " تقصدين أنها قاسية ؟ "
    ارتبكت وتلعثمت في كلماتها ، نهضت من الأريكة واقتربت لتقف على يمين سيدها ،بدت كارهة لما ستقوله ولكنها على أي حال نطقت
    " لم أقصد ذلك يا سيدي الكونت ..إنها مهذبة نعم ، وجميلة ، وتمتلك أنوثة طاغية ولست أستطيع إنكار تأثيرها المسيطر على من حولها ...لكنها واسمح لي لما سأقول ...مخيفة ويبدوا أنني علمتها كل شيء ما عدا الابتسام وفن الرد والكلام
    آوه لا لقد علمتها ذاك الأخير لكنها لا تطبقه أبداً ..الآنسة روز ماري شابة يافعة وينبغي أن تعرف أن صمتها الدائم ، وأفعالها القليلة واكتفاءها بالقراءة ومراقبة الطيور لن يفيدها أو يغير في مستقبلها شيئاً ."
    لم يصلها رد من سيدها الذي استغرق في مراقبة ابنته الصغرى تركض بفرح في أرجاء الحديقة الواسعة
    تلك التي راحت تلعب مع جروها الصغير بسعادة ، وتدور حول الأشجار المنتشرة في كل شبر من الحديقة الخضراء

    أكملت الآنسة العانس أدريانا ما ابتدأته من مقارنة بين الأختين الكونتيستين
    " وعلى غرارها الآنسة ليديا لطيفة ، عذبة ، ولسانها حلو الكلام ...تشعر من حولها بالراحة ولا تتوقف عن الابتسام"

    دخلت الخادمة الغرفة المريحة للنظر ، والمرتبة ببساطة كما يحب سيد المنزل ليجلس بها .. خضعت له بالانحناء متكلمة
    "سيدي الكونت ، آنستي ..الطعام جاهز على المائدة ..تماماً كما طلبت سيادتك .."
    استقام واقفاً من مقعده .. وبرز قوامه الضخم .. وكتفاه العريضان ..ألقى نظرة أخيرة من الشرفة ..وهتف آمراً
    " أرسلي في طلب روز ماري ، وليديا حالاً .."
    انحنت كما المرة السابقة ..وحثت الخطى إلى الخارج لتنفذ أمر سيدها ..ذاك الأخير حدج بزاوية عينه السيدة أدريانا الواقفة في مكانها وشعر بانزعاجها لعدم تعليقه على ما قالته .. زفر بحدة ، مقطباً حاجبيه الكثين
    " سيدة أدريانا..أعتقد أنكِ قمت ِ بعملك على أكمل وجه ... لا يمكنكِ تغيير ما لايمكن تغييره ..ولست أرى عيباً كبيراً في صمت ابنتي ، كما أنها ليست انطوائية وهذا الأفضل ...روز ماري لا تحب الكلام عديم المنفعة .."

    غادر الغرفة ، تاركاً كلماته ترن في أذني المربية العانس .. عضت على شفاهها بامتعاض ..وسلكت طريق سيدها خارج المكان بوجوم.. إنما في وجهة غير وجهته وفي طريقها ألقت نظرة على الكونتيستين المتناقضتين
    عانقت صغراهما والدها، و بذلت جهدها في الوقوف على أطراف أصابعها لتلثم خده الملون بخطوط الزمان المزعجة
    " حسناً ، حسناً أيتها الصغيرة ..الطعام ينتظر وبإمكانكِ العودة للعب لاحقاً..بعد إنهاء دروس اللاتينية طبعاً "
    تلوَنت تعابيرها حتى استقرت على العناد الطفولي وحركت رأسها رافضة بدلال
    " آوه أبي .. حسبتك ستقول بأنني معفاة من الدروس اليوم .."
    بحب أبوي ، ولطف غامر داعب أنفها الملتصق بساعده والذي احتوته أيضاً بين يديها الضعيفتين
    " لقد أعفيتكِ بما فيه الكفاية .. يجب أن تهتمي بدروسكِ أكثر .. وخاصة الحساب أيتها الشابة .."
    زمت شفاهها بعدم اقتناع وأياً يكن فإنها سارعت للجلوس على يساره في الطاولة بينما أخذت أختها الكبرى المقعد الأيمن
    " أعتقد أن عليك أن تهتم بغذائك أيضاً يا والدي ..انظر لصحتك أراك تزداد نحولاً ، وعيناك تبدوان ذابلتين ومرهقتين "
    رمقها بإمعان من فوق أطباق المائدة وسرح يتأملها تبعد شعرها الذهبي عن وجهها بانزعاج ..وتحرك بخفة السكين فوق طبق اللحم ... وفكر قليلاً لا يهم كيف مضت تلك السنون الغابرة ، ومحاولاته الجاهدة في إبعاد شبح زوجته الحبيبة عن وجهه...فيا للسخرية كان يحاول نسيانها والتوقف عن التفكير بها كل صباح .. وهاهي تكبر أمامه وتتفتح كورود الأقحوان العطرة
    " ألا تظنين ذلك أيضاً يا أختي ..؟ "
    عادت تتحدث بعد ارتشافها شيئاً من عصيرها ..موجهة بصرها إلى حيث أختها المعتكفة على ملازمة الصمت
    رفعت وجهها أكثر باتجاه ليديا الصغيرة وأضاء وجهها المغري الحسن مسحة من الانتباه الزائف لما يقال .. رمقت ببطء والدها الجالس على يسارها ..قبل أن تعود لتقول بلا اهتمام
    " أعتقد ذلك .."
    ابتسم لسماعه صوتها ، صوت لا كتغريد البلابل ولا كعزف الناي .. ولكن هادئ ، عذب ، به غنة أنثوية ورقة فطرية
    جملتها القصيرة تلك كانت الشيء الوحيد الذي تفوَهت به على المائدة..وبعد أن انتهت طلبها والدها ليراها في الحديقة

    ألفته خارجاً بعد ذلك عند الإسطبل يمسك على خيله الأسود الجامح والذي يرفض أن يمتطى من قبل شخص آخر غيره
    راقبته مهتماً به ، ويمسح فوق جيده الطويل برعاية واهتمام ..كأنه يعامل صديق السنوات الماضية
    " آوه ..ها أنتِ ..رافقيني فسآخذ جولة في الغابة .."
    أشار لها بيده نحو الفرس الأبيض الذي يسحبه السائس الضئيل الحجم ..مدت كفها له فاقترب يبغي المداعبة من قبلها
    امتطته بمساعدة والدها ..وركب هو خيله الأصيل لينطلقا سوية نحو الغابة المظلمة ، الداكنة خلف القصر
    وصوت السائس المجعجع المؤذي يتمنى لهما السلامة ورحلة طيبة ..

    ركض الحصان ومن خلفه الفرس الرشيقة واختفيا مع مرور الوقت داخل جذوع الأشجار ، بين الأوراق المتساقطة
    ونغم عناق الأغصان وتمايلها على موسيقى الريح العنيفة ..والتي لا يعرف لها أي كان وقتاً ولا ميعاداً
    وجدت نفسها في مساحة واسعة خضراء ملأى بحقول الأقحوان الذي يحبه والدها .. بسبب والدتها التي كانت مولعة به
    نقلت مآقيها في المكان الذي لم تزره منذ زمن ...مع والدها على الأقل..باستثناء ليديا التي تزوره بشكل أسبوعي تقريباً
    " هل تحدثت إليكِ السيدة أدريانا ؟؟ "
    حرَكت فرسها لتسير بمحاذاته و أجابته موحية باهتمامها الخفيض ، و تفضيلها البقاء صامتة وفي غرفتها في المنزل
    " في أي شيء بالضبط ..؟ "
    ابتسم لنفسه متهكماً ..فهو يعرف مقتها لإطالة الكلام ولكن سؤالها هذا يعني أن السيدة أدريانا قد أزعجتها بتطرَقها لمواضيع عدة وبتوجيهاتها التي قد يحتاجها الجميع باستثناء روز ماري المستقلة كلياً..والعاقلة
    " دعيني أرى ..ماذا عن شأن الخاطب من جنوا .. ؟ "
    لم تعلَق على قوله ..واكتفت بأن حركت كتفيها بدون إجابة مفيدة ..أياً يكن فقد فهم والدها منها –وكالعادة بالطبع- عدم اهتمامها
    " لا ..؟ هل أنتِ رافضة للزواج كلياً ؟ أم تظنين أنه لا يناسبكِ ."
    مجدداً لم تهتم بإعطاء إجابة ..وأخذ الأمر منها وقتاً طويلاً لتعلن بأنها لا تعرف وحسب..وانشغلت بتأمل الأفق البعيد بمآقيها الغائمة ..بدون هدف ..أو هكذا خٌيِل لوالدها
    " روز ماري .. ؟ هل لكِ أن تهتمي بما أقوله قليلاً ..! "
    " إنني مهتمة ..! "
    همست بها بصوت واضح ، محاولة سحب لجام فرسها باعتدال مانعة إياها من مواصلة سيرها ..ومن المثير للسخرية أن فرسها الجميلة تناقضها ..وتفضَل المشي بكبرياء بين الورود
    " إذاً أخبريني مالذي لا يجعلكِ توافقين على الزواج من الخاطب من جنوا ..إنه دوق شاب كما أعلم ..إيطالي صحيح ولكن هذا ليس بالمشكلة ..ما رأيكِ .."
    التزمت الصمت ..وأجفلت تراقب الطيور التي حلَقت بغتة في السماء الواسعة ..متحررة من كل حبالها المقيَدة
    " أعتقد أنني لست مستعدة بعد .."
    صك على شفاهه باستياء ..ولا يعرف كيف دافع عنها وعن أسلوبها أمام السيدة أدريانا وهو ينزعج من صمتها وعدم اهتمامها في كل مرة يتجاذبان فيها أطراف الحديث ... تساءل ملياً إن كانت ابنته طبيعية ..فهي لم تعد لتتصرف بشكل عادي منذ وفاة والدتها ..انزعج لتفكيره بأن هذا قد أثَر فيها .. وحفر بصمته بقسوة في ذاكرتها .. لم هي لاتشبه الفتيات الأخريات ؟
    لم ليست مثل شقيقتها الصغرى ..المهذبة ، الجميلة ، المثالية ...
    " وإلى متى تريدين البقاء هكذا ؟ ليس لأنكِ تشكلين لي مشكلة بالطبع ..ولكنكِ تؤذينني وتجعلينني أحس بأنني مقصر في حقك"
    هذه المرة أظهرت الاهتمام بما يقوله أو هكذا خُيِل لوالدها المتضايق
    " والدي ، تظن أنت أيضاً أن هناك مشكلة بي ؟ أرجوك ارتح فأنا لا أعاني أي نوع من المشاكل ...كما أنني لست مستعدة لأكون سيدة متزوجة بعد .."
    تنهد ملأ رئتيه بعد كلماتها هذه وقد أخذ منها جوابه الشافي الذي يريده ، ليطمئن قلبه ..، مدهش كيف استطاعت اختصار كل شيء يريد معرفته في هذه الكلمات القليلة
    " حسناً..دعيني أعلمكِ أننا تلقينا دعوة من الكونتيسة إيزابيلا دي جيرونا لحضور حفل تقيمه بعد أيام في قصرها ، أطلعي أختكِ على الأمر .."
    أخفضت عينيها بطاعة لأمره قبل أن يعاود القول " دعينا نعد الآن هيا .."
    انطلق بخيله السريع كالبرق قبلها وتوقف فور ملاحظته عدم لحاقها به ..أدار رأسه باتجاهها حيث انشغلت بالمسح فوق عنق فرسها
    " هل ستبقين .. ؟"
    حركت رأسها بنعم ..فانطلق والدها قبلها تاركاً إياها وحيدة مع خيلها الجملية ، غير قلق عليها فهذه الغابة تقع ضمن أملاكه الخاصة ...واستغرقت تفكر ببطء ..بأمر هذا الخاطب الإيطالي ..ومن جنوا أيضاً ..أي فائدة ستكون له من زواجه بها
    " لاشيء "
    همست بها لنفسها بخفوت بعد أن هبطت عن ظهر خيلها وسارت بعيداً ممسكة باللجام بكفها الأيسر..
    استغرقت وقتاً طويلاً في تأملها ، وتجولها وتمعَنها في التحديق بكل شيء ..، وصل لأذنيها صدى صهيل مدوي لخيل ما
    ولم تحن منها التفاتة حتى صار الخيل قريباً منها ..هبط الفارس من على ظهره وراح يكلمها بجدية وتعلوا وجهه الدناءة والبلاهة
    تجاوبت معه في الحديث ..وكان ذلك أطول من حديثها مع والدها الكونت نفسه ..
    مضت ايامهم ببطء ..ليديا متحمسة بشدة للحفل فقد مضى دهر على آخر حفلة حضرتها كما تقول ، ومن ناحية روز ماري فالحياة متشابهة لا أكثر
    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 21-03-2013 عند الساعة » 16:28

  6. #5

    انهمرت قطرات المطر الباردة فوق الزجاج العاكس ، وتسابقت في الوصول إلى قاع النافذة المعدني ..بسرعة ، بسرعة ..
    ثم ببطء ..حتى توقفت تماماً وهدأ صوت المطر العذب في الخارج..
    أخرج رأسه الذهبي من النافذة وأصاخ السمع جيداً للصوت المنبعث من الحديقة ..تنفس ملأ رئتيه ..وحاول الإبتسام جهد إمكانه
    عاد بخطواته للوراء وأغلق النافذة على عجل
    " ستذهب الآن ؟ "
    رسم البرود على محيَاه ونطق بسكينة ..مثبتاً عيناه في وجه السيدة المسنَة أمامه ..تلك التي كانت تتكأ على عصا خشبية تسند بها ظهرها ، وتعدل جسدها " أجل ..لقد توقف المطر .."
    حدجته بنظراتها المزدرية ..ورفعت أنفها في كبرياء زائف ، تجاهلت وجوده ورحلت من أمامه قائلة بجفاء
    " فكَر منطقياً في ما قلته ..وتخلَص من كومة القذارة تلك التي تضعها في منزلك .."
    لم يلقي بالاً لما قالت ..بل إنه اتجه بخطواته للباب الخارجي وغادر المنزل ..عازماً للمرة العاشرة على الأقل أن لا يعود إلى هنا
    وفي كل مرَة يحن قلبه لتلك السيدة التي ربته ، والتي بسببها يكره القدوم لهذا المكان
    امتطى حصانه الأبيض ..وانطلق بسرعة كالسهم متجاوزاً سور الحديقة ، تسابقت أشعة الشمس المشرقة من خلف الغيوم البيضاء على لثم خصلات شعره الفاتحة المموجة ..والتي كانت تحيط بوجهه الأبيض وتضفي إليه ذاك المنظر الرجولي الفاتن
    طريقه كان هادئاً ونادراً ما رأى أي مسافرين ، أو حتى مشاة ..وبما أنه شديد الطول فإنه قرر الإسراع حتى يعود باكراً ويراها
    تألَقت الإبتسامة على شفاهه بإجلال ، وفكَر قليلاً بكلماته والدته ..-كومة القذارة ؟ - إنها لأطهر من أن تكون كذلك ولأشد جمالاً ، وروعة ، ورقَة ..يكفيه منها تلك الإبتسامة التي تضعها على وجهها كل صباح وتستقبله بها لتجعل يومه حافلاً ، وسعيداً
    توقَف خيله أمام سيدة عجوز تحمل في يدها اليمنى سلة متوسطة الحجم مملوءة بالفراولة والتوت البري الأحمر الشهي
    رمقته بعينيها المجعدتين والذابلتين ..وابتسمت له ببراءة العجائز الطيبين
    " أتشتري مني يا سيدي ؟؟ "
    " وهل فاكهتكِ لذيذة ؟ "
    عقدت حاجبيها بضيق لسؤاله الوقح بالنسبة إليها ، لكن إبتسامتها سارعت بالعودة إلى شفاهها المترهلة وأجابته ببطء
    " فاكهتي ليس لها مثيل ..فهي حلوة كالسكر ، وتصلح قلوب المحبين ، بل وتجبر القلب المملوء بالرفض على الحب
    إن فهمت ما أقصد .؟ "
    قهقه ضاحكاً من كلماتها المنمقة ، والتي كانت بالطبع مختلقة من قبلها ..أخذ نفساّ عميقاً ، ولاحظ لهفتها لإجابته
    " سأشتري منكِ السلة بأكملها ..هل يرضيك ِ هذا .؟ "
    توسعت عيناها وكأنها لم تصدق أن هناك من سيشتري فاكهتها الطازجة ، والتي على الرغم من طعمها الرائع فإن لا أحد يشتري منها شيئاً ..، لوَحت له بامتنان وهي تراه يرحل وبيده سلَتها الثمينة ..تاركاً بيدها قطعة ذهبية ، صافية
    تابع طريقه والذي لم يعد هادئاً بعد أن أقترب من منزله
    عندما وصل أسرع السائس إليه والتقط منه سرج حصانه الفرنسي البالغ الطاعة ..والوحشية في ذات الوقت
    " كلاوس ..!! "
    صاحت بها ببهجة ، وقفزت الدرجات البيضاء الرخامية على عجل ، وأطراف ثوبها الوردي تتحرك معها برشاقة
    تدَفق الدم إلى وجهه ، وعادت الحياة عند سماعه لصوتها ..وضع السلَة جانباً واستقبلها بيدين مفتوحتين على وسعهما
    ألقت بنفسها بين يديه ، وكان حضنه لها المكان الآمن ، الدافئ ..
    أغرقت وجهها في كتفه العريض ، تاركة خصلات شعرها الداكنة الحمرة تلامس وجهه ، وتلثمه بشغف ، ابتعدت عنه وشرعت تثرثر بسعادة أمامه
    " استيقظت اليوم ولم أجدك ..لقد خفت حقاً من أن تكون قد سافرت مجدداُ إلى باريس ولم تودَعني .."
    " آه ، لا ..ذهبت لأداء بعض الأعمال فقط ...أخبريني كيف هي الحمى ؟ هل رحلت ؟؟ "
    لم ينتظر إجابتها أبداً ، ووضع كفه على جبينها الواسع الأبيض وابتسم برضا بعد أن لاحظ درجة حرارتها المعتدلة ..
    التقط السلة من الأرض وقدمها إليها ...أخذتها بحبور ،و بدت سعيدة جداً بهديته العادية
    " شكراً لك كلاوس ..أنا أحب ثمار التوت والفراولة بشدة .."
    أحاط كتفها بذارعه القوية ، ومشيا جنباً إلى جنب إلى داخل المنزل حيث التقطت الخادمة السلة منها لتغسل الفاكهة
    " أخبرتني السيدة التي اشتريت منها السلة ..إنها لن تبيعني إلا إذا وعدتها بأن اعطيها لآنسة جميلة ..أتظنينني وفَيت بوعدي."
    أحمرت خجلاً وجلست على الأرض قرب قدميه ، مسندة رأسها إلى فخذه ..وكردَ فعل طبيعي لما يحدث بينهما دائماً فقد راح يمسح على خصلات شعرها الناعمة ..ملاطفاً إياها من حين لآخر ، فقط ليجعلها تبتسم ، ليجعلها تضحك
    وفي النهاية طلب منها أن تعزف له على البيان..ففعلت والشعور بالبهجة يغمرها ويغرقها بلطف
    تأملها جيداً عندما جلست فوق المقعد وانحنت فوق مفاتيح البيانو تعزف له معزوفته الدائمة ، وتغني له بصوتها الناعم
    تأمَل جيداً جانب وجهها الأيمن المبتسم ، عيناها الزبرجديتين البرَاقتين ، أصابعها اللطيفة التي ترتفع وتعيد خصلات شعرها خلف أذنها ..وما تزال تدعوها – كومة القذارة –
    كيف له أن يتخلى عنها ؟ كيف له أن يتركها تقاسي الوحدة والدموع ، تقاسي المطر البارد الذي يخترق جسدها كالإبر المؤلمة
    فقط مثلما كان يفعل ..وفعل في تلك الليلة الباردة التي وجدها بها
    أغمض عينيه ليستمتع بصوتها الملائكي العذب ..لكن ذكرى لقاءه السابق بوالدته استولى على كل تفكيره ..وبدون أن يعرف كان صدى كلماتها يدوي في رأسه بطنين مزعج
    " يكفيك رعاية لها طوال هذه السنين ..ضعها في أي مدرسة داخلية وتكون قد قدمت لها أكبر معروف في حياتها"
    " مالَذي سيقوله الناس عنك ؟ آوه إنهم يتحدثون عنك منذ زمن حقاً ..! الرجل الشاب الذي يعتني بفتاة لا يعرفها منذ أعوام
    أنتَ في السادسة والعشرين كلاوس ..وتلك الفتاة لم تعد طفلة مؤكد ..لقد بلغت عامها السابع عشر ومن المخزي ، والمثير للريبة أن تعيش فتاة شابة برفقة شاب لا يمتَ إليها بصلة فقط .العطف والرحمة "
    " دع عنك هذه المشاعر جانباً، نحن في حرب الآن ..ويجب أن تتزوج حالاً وتنجب لنفسك َ وريثاً ، أين ستضع ثروة عائلة ليدوين ؟ تكلَم ."
    ضاقت عيناه بإنزعاج ، ومال بجسده للأمام بسرعة ، مسنداً رأسه إلى راحة يده المرتجفة بحنق ، وغضب
    أيقن توقَف صوت الموسيقى ، وانبترت كلمات الأغنية في فمها فجأة .. شعر بها تقترب وتجلس قرب قدميه كما تفعل دائماً
    سألته بقلق
    " كلاوس؟ هل أنت َ بخير ؟ ، هل أطلب الطبيب ؟ "
    ابتسم لها بتهازوء ، وقرص أنفها بالطريقة ذاتها
    " لا داعي لذلك جورجي ..أنا بخير ، تذكَرت شيئاً مزعجاً فقط "
    نهض من مقعده على عجل ، و أحس بحزن عينيها يخترقه ، إنها تعرف جيداً سبب ضيقه ..ومعرفتها هذه هي أكبر شيء يؤلمه
    " سأذهب للمكتبة ..! "
    خرجت من فاهه بصعوبة وانسحب من أمامها ، محاولاً جهد إمكانها عدم الإلتفات إليها ...إنه إذا فعل فقد يرتكب حماقة ما
    أحضرت لها الخادمة الفاكهة بعد أن غسلتها ورتبتها في طبق خزفي أنيق
    " آنسة جورجيانا ..ألن تأكلِ ؟ "
    انتبهت للحزن البادي عليها ، وأدركت سببه على الفور ..مسحت برفق فوق كتفيها وجذبتها معها إلى غرفتها

    مضت الأيام عاديَة بعد ذلك ، وحرصت جورجيانا على عدم إظهار ألمها أمامه ، وبالمقابل فإنه تجاهل ما حدث كلياً
    حياتهما كانت بالغة الهدوء ..وكثيراً ما يقضيان وقتهما في المكتبة أو يتنزَهان في الغابة أو الحديقة
    كان خارج المنزل ذات يوم ، وقضت نهارها كله في الحديقة تهتم بالورود وتسقيها ..بل وتغني لها لتنمو بسرعة
    عندما باغتها ظل أسود لجسدِ محدودبٍ قلب حياتها جحيماً ، ومزَق سعادتها بقسوة وبشاعة ..



    نهاية الفصل الأول
    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 21-03-2013 عند الساعة » 16:34

  7. #6
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ياللأناقة، ياللروعة، يا للرقي، يالكل شيء رفيع!

    قرأت الفصل مساء، وعدتُ لقراءته كقراءة ما قبل النوم ،
    ما شاء الله تبارك الرحمن،
    سرد، وصف، حوار، لغة، عنوان، نص مثالي بكل ما للكملة من معنى!!
    مع الأسف الشديد جدا، مرهقة كثيرا للحد الذي يمنعني من إبداء انبهاري بما قرأت هنا!
    وفي نفس الوقت، لم أتحمل أن أنام ويمضي يوم بأكمله ولا رد على هذه الروعة!
    فقلت أسجل ردا كيفما اتفق ~
    أرجو أن لا تبتئسي لقلة الردود بعد مضي ساعات وحسب على النشر،
    إذ الفصل طويل وثقيل ومبهر، فالتجاوب قد يأخذ وقتا ~
    عديني متابعة وفية من الآن،

    بانتظار القادم بفارغ الصبر *
    لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

    e440

    أطفأتْ مَدينَتي قنْديلَها ، أغْلقَتْ بَابهَا ، أصْبَحتْ في المسَا وحْدهَا ؛
    وحْدهَا وَلـيْـــلُ . . . em_1f3bc

    / اللهُم احْفظْ مدَائنَ الإسْلام والمُسلْمين
    "

  8. #7
    صبرا علي..
    بمعنى آخر..احتاج مخي قبل ان آتيك بثرثرتي..


    ! . . NOTHING IS RIGHT IN THIS WORLD,IT`S JUST A GAME

  9. #8
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ѕɩʀαno مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ياللأناقة، ياللروعة، يا للرقي، يالكل شيء رفيع!

    قرأت الفصل مساء، وعدتُ لقراءته كقراءة ما قبل النوم ،
    ما شاء الله تبارك الرحمن،
    سرد، وصف، حوار، لغة، عنوان، نص مثالي بكل ما للكملة من معنى!!
    مع الأسف الشديد جدا، مرهقة كثيرا للحد الذي يمنعني من إبداء انبهاري بما قرأت هنا!
    وفي نفس الوقت، لم أتحمل أن أنام ويمضي يوم بأكمله ولا رد على هذه الروعة!
    فقلت أسجل ردا كيفما اتفق ~
    أرجو أن لا تبتئسي لقلة الردود بعد مضي ساعات وحسب على النشر،
    إذ الفصل طويل وثقيل ومبهر، فالتجاوب قد يأخذ وقتا ~
    عديني متابعة وفية من الآن،

    بانتظار القادم بفارغ الصبر *
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    بل ياللرقتكِ ، ولطفكِ ، وذوقكِ الرفيع ..!

    لاتعرفين عزيزتي كم أسعدتني كلماتك ، وكم بثَت من بهجة في قلبي وروحي المحبطة
    أشكركِ من أعماقي على قراءتك لروايتي المتواضعة جداً

    آه الحقيقة أنني أصبت بشيء من البؤس..ولكن يكفيني منكِ هذا الرد الذي جعل يومي جميلاً

    لقد عددتكِ صديقة لي يا عزيزتي

    دمتِ بود..!
    وليحفظكِ الله أين ما كنتِ

  10. #9
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Z I K O O مشاهدة المشاركة
    صبرا علي..
    بمعنى آخر..احتاج مخي قبل ان آتيك بثرثرتي..
    سأنتظركِ عزيزتي
    و أنا في شوق شديد لهذه الثرثرة

    دمتِ بود ..!

  11. #10
    الفصل الثاني سيكون اليوم بإذن الله
    أعترف بإحباطي -يد مرفوعة هنا- ولكنني سأستمر آملة أن أجد المزيد من المتابعة

    دمتم بود..

  12. #11

    الفصل الثاني
    "ومضة من نور نحاول صنعها بأنفسنا"



    فتحت عيناها على الظلام ..ولاشيء سوى الظلام ..أمعنت التحديق في الشيء أمامها ..وعبثاً حاولت ذلك ..جسدها كله يخونها ...عضلاتها متصلبة ، عظامها كما لو أنها محطمة ...تأوهت بألم وهي تضجع على جانبها الأيمن ، وصرير المعدن يلامس أذنيها بوضوح في هذا المكان المظلم..حيث ينضح الصمت بجنون ..ويكون هو أداة التعذيب..وآه
    سرير ..! سرير قاسي جداً..لاعجب إذاً أن تشعر بظهرها يؤلمها ..وبعظامها محطمة ..حاولت تحريك يدها للأمام قليلاً فلم تقدر
    كانتا مقيَدتان إلى سلسلة ..طرفاها ملتحمان أو معقودان بمؤخرة السرير..بطول يمكنها فقط من إبقاءهما جانبها وليس تحريكهما ...كان كل شيء مظلماً ،ومعتماً حولها..بالإضافة للجوِ كان رطباً ، خانقاً ، بارداً ..مع إنه الصيف لا أكثر .. تحسست جبينها الناعم بوجع..وآلمها صدغها لسبب لا تعرفه..إنها متعبة وتشعر بالإعياء ..في هذا السجن
    أغمضت عينيها وانهمرت المياه من مآقيها ..حاولت كبحها فالبكاء يزيد من ألم رأسها ..ويسبب ضغطاً مؤلماً لعينيها ..ومع ألمها ، وجهلها بكل ما يدور حولها..غفت بهدوء..وكان النوم هو الحل الأمثل لها ..
    " هل استيقظت ؟ "
    نهض الجندي من مقعده مضطرباً ، ونفسه تولول لتقاعسه في العمل وقدوم العقاب مسرعاً إليه ..انحنى للسيدان معتذراً
    و.حدجه السيَد الدوق بنظراته الحادة ..منتظراً إجابة سؤاله
    " ليس بعد سيادتك .."
    تجهَم وجهه وأدار رأسه نحو اللورد خوان الواقف أمام القضبان الحديدية للغرفة –السجن- الداكن ..انطلق صوته العميق منزعجاً " ربما لو أبقيت على تلك المرأة كانت لتصبح ذات منفعة لنا.."
    تأمله من فوق كتفه مجيباً بتهكم ..ومنسحباً من مكانه أمام العوائق الحديدية
    " بالطبع سيادتك ، لم أكن لأقتلها لو لم تأمرني .."
    أمر ببرود الحارس ليفتح له قفل الباب ..ففعل الأخير ذلك على عجل ...اقتحم ظلَه الغير مرئي الغرفة قبله ..ومع أن عيناه اعتادتا رؤية الظلام ..إلا أن الخادم سارع يحضر لهما مصباحاً زيتياً صغيراً..
    كانت نائمة عندما أقبل إليها ووقف فوق رأسها ..متأملاً بفضل النور الضئيل قسمات وجهها ..وسحنتها البيضاء الباردة
    حاول إيقاظها بتوجيه ضربات خفيفة إلى وجنتها ..ولم يكن من جدوى لذلك .. انسحب من مكانه بعد لحظات مقطباً حاجبيه
    ولاحظ رفيقه مدى ضيقه فسأله مستفسراً عن السبب ، نفى أي شيء وغادر المكان قبله ..انحنى الخادم له مجدداً ولم يكن بوسعه الانتباه له ..فكفه التي لامست خدها هي ما يشغل فكره ..راحة يده ، ولسبب ما ...كانت مبللة ..!

    " عزيزتي ..كيف تشعرين ؟ ..بخير كما آمل .."
    كان كل شيء حولها يدور في متاهة لانهائية من الدوائر المعتمة ..وبعض ومضات الضوء الأشبه بالنجوم ..آه بالطبع نجوم الظهيرة...وبالحديث عن الظهيرة ..كانت الشمس تشرق من نافذة دائرية مرتفعة ، صغيرة ..كفيلة بإدخال الضوء وبعض الهواء
    عندما أدركت وضعها أخيراً ..كانت جالسة على السرير ورأسها في حضن سيدة عجوز ،وجهها يشع بالرحمة ،وعيناها تمطران رأفة ..ابتسمت في وجهها بارتياح وقالت لها بتهذيب
    " أٌسعِد صباحكِ .. يا آنستي الجميلة .."
    لم تستوعب الأمر في البداية .. أين هي ؟ ومالذي يحدث ؟ من هذه السيدة ؟ أرادت الصراخ ..حباً بالله مالذي يجري؟
    ولم هي مقيَدة بهذه السلاسل..آوه السلاسل المؤلمة..ألقت نظرة خاطفة إلى مفصل كفها المشرق بالحمرة ..أحمر؟ كم هي تكره الأحمر أكثر الآن ..
    " أخبريني هل تشعرين بأنكِ على ما يرام ..؟ "
    أماءت برأسها نافية ..وفكرت العجوز اللطيفة هنية قبل أن تقول بسعادة ..وهي تساعدها على الاعتدال جيداً في السرير
    " يا إلهي كيف نسيت أنكِ لم تأكلي شيئاً..سأحضر لكِ الطعام الآن .."
    انسحبت من أمامها بسرعة ..وبدت في عينيها أكثر رشاقة ، وصحة ، وسعادة ..ماذا هل تحسدها الآن ..؟
    أحضرت لها الإفطار بعد ذلك ..ولا تعرف كيف تناولته ..كانت جائعة وعلى الأرجح هو سبب دوارها ..وعدم إتزانها
    "إذاً عزيزتي ..هل لكِ أن تخبريني بإسمكِ .؟"
    ابتلعت اللقمة بصعوبة ..ووضعت الملعقة جانباً..رمقتها السيدة العجوز مطأطأة برأسها للأسفل..وتشيح بعينيها بعيداً ..
    مسحت فوق كتفيها برأفة ..وقبلت جبينها في حنوِ..دفَء قلبها المتجمد بفعل السجن القاسي البرودة
    " لا تقلقي..كل شيء سيكون بخير ..ستخرجين من هنا قريباً .."
    شعرت بأن عيناها تخونها وتذرف الدموع ..وللحق هذا ما حدث..أمسكت نفسها بجهد جهيد..وتذكرت خالتها ..فازدادت رغبتها بالبكاء.. ربتت السيدة فوق كفيها وهمست لها بطمأنينة
    " لا تبتأسي .."
    أدركت أذناها صوت قلقلة المفتاح داخل القفل ..ألقت نظرة خاطفة نحو القادم الجديد وسرعان ما التصقت مآقيها الدافئة بيديها المكبَلتين... لم ترد رفع رأسها ..فرؤية العباءات السوداء ستذكرها بالدماء ..ولن تتمالك نفسها على الأرجح ..
    " إستفاقت أخيرا ً ..؟ "
    تطلَعت إلى السيدة العجوز بزاوية عينها وهي تنحني أمام الرجلين ذوي العباءات السوداء..إن لم تخنها الذاكرة فأحدهما دوق والآخر لورد يدعى خوان أو ما شابه ذلك...نطق ذاك الأخير بجمود
    " شكراً لعملك ِ سيدة مارغريتا ..بإمكانكِ الذهاب الآن .."
    لملمت الأطباق من على الطاولة الشبه تالفة ، والقابعة قرب سريرها...وغادرت بعد ذلك مخلَفة وراءها جوَاً من الصمت المثير للريبة ، القاتل ..تمنَت لو يكون بإمكانها مناداة تلك السيدة العجوز..فلقد اطمأنت لها ..كما انها لا تعرف غيرها ...بل لا تعرف الآن إلا نفسها أمام هذين الرجلين ...المخيفين في عينيها ...إتخذ الدوق لنفسه مكاناً على الكرسي الهش القريب منها ..ولن نستبعد إن انهار به من فرط عطبه ..لزم بعض الوقت يتفرَس في قسمات وجهها الناعمة ، المضطربة ..بينما لم تكن توجه له اهتمامها أصلاً..كانت خائفة من كل شيء ...وارتجف خافقها بعنف عندما رفع ذقنها بسبابته ..ونطق بصوته العميق
    " ما اسمكِ ..؟ "
    ازدرت ريقها ، وارتجف كفاها المضمومان إلى حضنها ..لم ترد رفع رأسها والتمعن في وجهه المنتظر للإجابة ..وفي الوقت نفسه لم تعرف مالذي عليها أن تفعل ...شعرت بخطوات اللورد خوان تقترب منها ..وقبضت كفه القوية على مؤخرة شعرها الكستنائي المموج...تقوِست شفاهها وكانت على وشك البكاء..لم تتلقى معاملة كهذه من قبل..لم يضع شخص ما قط إصبعاً عليها
    خاطبها ببرود يثير الرهبة...، وببطء يوتر الأعصاب...بطريقة وقحة ..بل إستجواب وقح
    " لم لا تجيبين ؟ هل أنتِ خرساء ..؟ "
    تاهت نظرة عينيها لبرهة ..وازدادت قبضته القوية على شعرها ..كان ينتظر الإجابة ..ولم تجد بدَاً من الإعتراف بالحقيقة علَها تتحرر منهم..وببطء شديد أماءت برأسها بالإيجاب ..
    ضيَق جبينه الواسع وهلة ...وأفلتها عائداً للوقوف قرب الدوق الذي نضح بالكلام متعجباً ..
    " أنتِ خرساء ..؟ "
    أشاحت بوجهها بعيداً ..وتعمَدت عدم التحديق في وجهه ..توقف ارتجاف كفيها ..وأعتقدت أنها غدت بريئة في نظره الآن
    ولكن بريئة مم ..؟
    " في العربة عثرنا على زجاجة تحتوي سماً ."
    رفعت رأسها بغتة ..وحملقت به مندهشة ..لاحظت شفاهه التي مالت ساخرة ..ولم تعرف لماذا ..
    عاد بظهره للوراء..كأنما هو عرف معدنها ولم يعد أكثر حذراً منها ..تبادل النظرات مع اللورد خوان الذي اكتفى بالتزام الصمت وقال بتهازوء
    " ذاك السم ..أتعرفين ما يفعل ..؟ "
    حرَكت رأسها نافية ببطء ..وفي سرَها تشعر بشيء غريب في تصرفاتهما معها ، اعتدل في جلسته مجدداً وقال مسترسلاً في الحديث ..بصوت أقرب للهمس ..كأنما هو يعامل طفلة لا سيدة
    " ذاك السم يدعى الكانتريلا، صنعه رجل ما ..واستفاد منه في تنفيذ مطامعه الخاصة ..ولم يشك أي شخص في كون ضحاياه مقتولة بالسم ..أتعرفين لماذا ؟ "
    مجدداً وبالطريقة ذاتها ..أماءت برأسها نافية ..فتابع بالهمس الساخر ذاته وبصراحة فجَة
    " لأنه اذا استشرى في الجسد لا يسبب أثاراً أبداً..ويجعل الميتة تبدوا طبيعية جداً... ذاك الرجل مات بالسم الذي صنعه "
    ازدرت ريقها ببطء .. وانتزعت بصرها عن وجهه ..تمعَنت في الجدار الحجري العتيق ، ذو الشقوق العديدة والثغرات الكبيرة
    إن كان ما يقوله صحيحاً فمالَذي جعل السيدة أورسولا تحضره معها .؟ أليست امرأة طيبة ..؟ ألم توافق على اصطحابها لإسبانيا معها وبدون أي مقابل ..؟ لقد اعتمدت خالتها عليها ، ووثقت بها جداً ..والآن ..الآن فقط
    أخرجت بعمق الهواء المكتنز في صدرها ..ولم تعد بصرها نحو الدوق أبداً..ذاك الدوق البغيض ..ورفيقه الأكثر بغضاً
    " وأيضاً ..وجدنا بضع رسائل ..بعضها سريَ خاص كان من المفترض أن يصل إلى القيادة العليا في الجيش الإسباني
    مالَذي يضع رسائل الجيش بين يديكِ ..؟ "
    بين يديها ..! توسَعت عيناها ولم تطرف للحظات ..بل استمرت في مراقبة شفاهه التي تتحرك ببطء ، بطريقة استجوابية مستفزة
    إنه يتهمها .. أسرَت في نفسها كرهه ..ولو كان بإستطاعتها أن تصرخ بمشاعرها لفعلت
    " رسائل أخرى .. لجيوش المرتزقة المعادين لنا ...، أتعرفين مالذي يفعله هؤلاء ..؟
    في غضون ثلاث أشهر فقدنا ما يقارب ألفاً وخمس مئة شخص بسبب أفعالهم الحقيرة...قتلوا الرجال ، وأحرقوا البيوت واختطفوا الأطفال "
    هذا يكفي ..يكفي ..لن تتمالك نفسها إن اتهمها بأنها تعمل مع هؤلاء الأشرار ... لم يحادثها وكأنها الفاعلة؟ يستجوبها بطريقة مخادعة ، وكأنه يعطيها تقريراً أو يشرح لها مافعلت ..
    " وأنتِ ..تتعاونين معهم ؟ "
    ابتلعت ريقها ..وبهدوء أقرب للسكينة ..هزَت رأسها نافية محاولة أن تبدوا مثل ليدي فرنسية ..رقيقة ، وواثقة من نفسها ويا للسخرية أي ليدي هذه التي تستقبل دوقاً بشعر أشعث ..وبوجه شديد الشحوب كما لو أنها رأت طيفاً ..حادثها خوان بطريقة لا تقل شبهاً عن سيَده..
    " لماذا تملكين تلك الرسائل ؟ والسم ؟ مع العلم بأن حاكم البلاد منعه علناً ..أنتِ لستِ تخالفين القانون فقط ..بل تتعاونين مع المجرمين "
    نهض الدوق من مقعده ..ووجهه ينطق بالبرود ...تكلَم بصوت أجوف ..موجهاً إليها نظراته الكالحة ، مزدرياً إياها كأنما هي لا شيء
    " هل تتوقعين مني أن أصدقكِ .. ؟ أتحسبينني أبقيت على حياتك عطفاً ، ورحمة .. ؟ "
    مال بجسده نحوها وقبض بإحكام على فكها المرتجف ، مجبراً إياها وللمرة الثانية على النظر إلى وجهه ...وجهه القريب منها زادها رعباً وخوفاً ...وكم أشفقت على نفسها البريئة من بطشه ، ومكره ..وآه ..عيناه..عيناه كم هما غريبتان ، مخيفتان ، جميلتان ..لقد تمكنت من رؤيتهما جيداً هذه المرة ..وكم هو أمر مثير للعجب أن يملك شخص ما عينان بلونين مختلفين فاليمنى رمادية فاتحة ..واليسرى زرقاء داكنة
    " لا يا حمقاء ، ثقي بأنني سأرسلكِ إلى حيث تلك السيدة الفاسقة ..وسائقكِ الأبله أيضاً "
    أرادت الإشاحة بوجهها فأعادها بقوة لتنظر في وجهه الممتحق بالغضب ، فقط كبركان هائج ..سيقتلها حتماً هذا ما كانت تفكر به
    مال بشدقيه قليلاً ونطق بصوت بطيء هامس ، متمعناً في تأمَل عبراتها المخنوقة ..والتي كان يعلم أنها موشكة على النزول
    " لا أثق بالنساء أبداً..خاصة إن كن جميلات وأجنبيات ...ناهيكِ عن كونكِ فرنسية معادية "
    تركها بعنف..وعادت للوراء بذعر ..لملمت شتات نفسها ..وضمت جسدها الضئيل بذراعيها ..
    " سأمهلكِ حتى المساء..فإما أن تخبريني الحقيقة وانسي أمر تصديقي لكونكِ خرساء، أو أن تستغلي الوقت في الصلاة على روحك المسكينة .."
    غادر بسرعة ، واختفى طيفه وظلَه الذي ملأ الجدار المجاور لها
    لم تصدَق أن رحلا فأجهشت بالبكاء المتقطع ، ليس عدلاً أن تظلم هكذا ..ليس عدلاً أن يسيء إليها ، ويسجنها ويخطط لقتلها
    لم تكره شخصاً من قبل بقدر كرهها لهذا الدوق اللئيم ، المخادع ، ذي السحنة المتعجرفة ..والذي يحسب نفسه على دراية بكل شيء ..وبالطبع يأتي في المرتبة التي تليه اللورد المرافق له ..كم هي تكرههما الآن
    آه ..يا لحزنها وبؤسها ..وشوقها لإلقاء نفسها بين يدي خالتها الحنون ..والتي هي قد تخطَت مرحلة كونها الأم المربية وصارت أحب شيء في الوجود إليها ..وآه أين والدها ؟ أتراه سيهتم ويسأل إن كانت قد وصلت إلى هنا ؟
    أم أنه سينسى أمرها ..سيتخلي عنها ؟ فقط كما فعل مع والدتها الضعيفة ..
    كم هو مؤلم أن تختنق بلوعاتها ، وحسراتها ..
    بكت كثيراً ، حتى اعتقدت أن دموعها قد نفذت ، حتى ظنت أنها لن تبكي أكثر بعد الآن ، حتى أيقنت أن الحياة لم تعد تهم أبداً..

    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 23-03-2013 عند الساعة » 17:25

  13. #12


    هامت سابيينا على وجهها في الطرقات ، وفي داخلها غدت ضائعة وعائمة لا تقوى على التأمل والحلم أنها ستكون بخير... متشبثة في الواقع بطرف وشاح رمادي بالِ حاولت جهد إمكانها إخفاء جسدها الضئيل به
    الطبول كانت تقرع بصوت مجنون داخل قلبها كلما مرَت بنفر من الرجال ..وكلما أمعنوا النظر إليها ..لم تشعر بإنعدام الأمن هذا في حياتها كلها من قبل ... لاحظت أن تلك السيدة السيئة كانت تلحقها ..وتغمرها بنظراتها كما لو أنها تدعوها للاقتراب
    أشاحت بوجهها بعيداً عشرات المرات .. وازداد إمساكها بوشاحها ...تمتمت لنفسها بسخرية محملقة في السماء الرمادية
    " عظيم ، والآن مطر ..! لا يوجد أروع من حالي أبداً "
    ضرب هزيم الرعد أذنيها ..وغطت الغيوم السماء كسلاسل من الجبال البيضاء داكنة ..عضَت على شفاهها بغيظ ومضت في طريقها لاتعرف إلى أين ..الأبواب كانت تغلق أمامها بعنف ولم يعد صريرها شيئاً يثير عجبها أو حتى يؤذيها
    أيقنت كم كانت تخدع نفسها دائماً بكون العالم الخارجي طيباً..كانت غبية عندما اعتقدت أن الجميع مثل سيَدتها البارونة
    وأياً يكن ألم يعاملها أبناءها بقسوة طوال السنين العشر الماضية ؟ ألم ينظر الخدم إليها بازدراء دائماً كأنما هي من نفس مكانتهم وطبقتهم ..الحياة الجميلة التي منحتها إياها البارونة جعلتها ترى الدنيا كلها حلوة في عينيها وكم عميت عن الحقيقة المرَة

    ابتلَت تماماً وأغرقتها الدموع التي تذرفها السماء ، تلطخ طرف ثوبها بالطين ولم يكن في حاجة لأن يصبح أسوأ من هذا
    طوال الأيام الماضية لم تتناول شيئاً ولكن ثمرة تفاح حمراء صغيرة وبفضل السماء فإنها لم تشعر بالعطش الشديد
    كانت تمضي في طريقها من بلدة لأخرى بلا علم أو مكان لتلجأ إليه وتضع فيه رحالها ..فقط تسير تبحث عن عمل ..أيقنت أنها قاربت على مغادرة الحدود الفرنسية عندما لاحظت كثرة الجنود الإسبان في المنطقة ..ولا تدري أكان هذا بسبب سيرها الطويل أم أن تولوز أصلاً قريبة من الحدود
    ترقرقت الدموع في مآقيها لمجرَد تفكيرها بأنها ستقضي حياتها مشردة كالكلاب .. أو حتى بطريقة سيئة ولا ترضيها فقط لتحيى
    خرجت من صدرها المخنوق آهة مكتومة وحاولت بحدة مسح دموعها ..لا يمكن لها أن تضعف الآن ..ولن تستسلم ستعيش حياتها بأي طريقة المهم أن لاتفقد كبرياءها ولا احترامها لنفسها ..
    " أنتِ .."
    رفعت رأسها بسرعة ونقلت بصرها إلى العربة على يمينها .. أيقنت أنها قد توقفت للتو فهي لم تكن موجودة هنا قبل قليل ولم تشعر بها إذ توقفت ..رباه كم هي شاردة الفكر وضائعة ..لم ترى شيئاً من داخل العربة سوى يداً قمحية اللون تخرج من النافذة وتلقي بقطع فضية على الأرض أمامها .. أمعنت النظر في تلك اليد التي لم يظهر شيئاً منها ولكن الكف ذو العروق البارزة والأصابع الطويلة ..وهناك في الخنصر والإبهام خواتم ..ومن مدى معرفتها بالطبقات في فرنسا همست لنفسها
    " ارستقراطي متباهي...هه بل برجوازي مخادع"
    التقطت القطع من على الأرض وتكلمت بفخر وكبرياء غمرها فجأة .. حتى هي استغربت من نفسها ..فهاهي تبدوا كمهووسة مغفلة
    " شكراً سيدي المحترم ..ولكنني لست في حاجة لصدقتك.."
    لم يصلها الرد على الفور ..وهذا ما جعلها تعتقد أنها أحرجتها برفضها لعطاياه الكريمة ..هه حسناً هؤلاء البرجوازيون يجب أن يوقفهم شخص ما عند حدهم ويخبرهم أنه ليس محتاجاً لهم وأنهم نكرة ..ويجب أن يتوقفوا عن تنصيب أنفسهم وكأنهم ملوك العالم
    " آه ..هكذاً إذاً تريدين المزيد ..! "
    توسعت عيناها وفغرت فاها مصدومة .. أرادت فقط رؤية وجهه ورمقه بنظراتها المحتقرة المزدرية ..لكن ذلك لم يكن متاحاً لها
    ببرود اقتربت من النافذة وألقت القطع داخلها ناطقة بكراهية
    " ارحل من هنا سيدي .. وتوقف عن تضييع وقتك في الترهات .."
    مضت في طريقها ولم ترسل ولا حتى نظرة واحدة للعربة التي وصل إلى أذنيها صوت خطوات خيولها المبتعدة والتي راحت تخفت تدريجياً .
    ازدرت ريقها برعب بعد أن سارت داخل الغابة الموحشة والمظلمة فبفضل السحب غدا المكان كغرفة مظلمة ..تنتشر فيها بضع خيوط للنور كالتي تخترق شقوق النوافذ والجدران المحطمة
    لم يكن الأمر مخيفاً بقدر اختراق صوت ضحكات الرجال لأذنيها ..، التفتت بعينيها خائفة باحثة عن مكان تهرب إليه ..لكن بدون فائدة فالأصوات تنبعث من كل مكان حولها ..ازدادت ضربات قلبها ..وخشيت أن تنتهي هنا أخيراً
    صرخت فور إحساسها بيد تحيط بوسطها ..وصوت ضحكات مكتومة قذرة خلفها ..، حاولت جاهدة إبعاد تلك اليد لكنها فشلت وفي تلك اللحظات القليلة لم تعد وحدها بل محاطة برجال سكارى .. أعمارهم تتجاوز الثلاثين ..
    ارتعبت وانهمرت دموعها ...وبكل قواها عضت يده التي حاولت لمسها ..استطاعت الإفلات من قبضته بسبب كونه ثملاً
    لكنها بالطبع لم تسلم من الرجل الآخر ..وأياً يكن ملاكها الحارس حاول جاهداً لإنقاذها ونجح بأن فقد الرجل الآخر وعيه لشدة شربه
    أطلقت ساقيها للريح وسقطت على وجهها مراتِ عدة .. أحست بعظام رسغها تتفكك ومفصل قدمها كذلك ..بكت بألم
    وتابعت تركض حتى اختفت أصواتهم من حولها ..حتى غدا النور أكثر وضوحاً وعندها فقط وجدت نفسها بقرب نهر جاري
    خارت قواها ووقعت على الأرض الصلبة الطينية المبللة ..انفجرت بالبكاء وأنينها يرتفع شيئاً فشيئاً.. لايهم كم حاولت كبح شهقاتها ..فقد انتهى الأمر بها تفشل فشلاً مزرياً ومريعاً ...يقينها التام بأن الرجال سيبقون يحدقون بها في كل مرة تعبر بقربهم ..فهم حيوانات تستطيع الوقوف فقط ..لا يجيدون التفكير إلا بما يمتعهم .. غاصت بكفيها في الطين ولوثت وجهها الخمري بهما ..علَها بذلك تجعلهم يفَرون بدل الاقتراب ..وبين الألم والصبر ..والصمت والمناجاة ..والخوف والرغبة في العيش..حملت نفسها..وبالكاد وقفت ..سارت بمحاذاة النهر ..تعرج بسبب قدمها ..أملت أن يأخذها هذا لأي مكان ولو للجحيم
    وفي ظل تفكيرها العميق بالجحيم ..انتهى منسوب الطاقة لديها ووجدت جسدها يقع على الأرض ..على الرغم من بقاءها بوعيها إلا أن جسدها بات يأبى الحراك ..وكان من الصعب إجباره..أجبرت نفسها على البقاء متيقظة ..ستحصل فقط على بعض الراحة ثم تتابع .."أجـ ـل بالطبـ ـع ..بعـ ـض الراحـ ة لن تضـ ـر " غاب وعيها عن كل ما يحيط بها لدرجة عدم رؤيتها للأقدام القادمة باتجاهها ....التقت رموشها المتباعدة أخيراً، ورحلت بعيداً عن كل ما يمت للعالم الحقيقي بصلة ...ذلك العالم الذي حكم عليها بالنفي بلا سبب

    كان من المتعب جداً محاولة تمالك نفسها ..ومع أنها كانت خائرة القوة ..فقد استعادت وعيها بعد ساعتين فقط ..إنما غير قادرة على تحريك عضلة واحدة فيها ..و بالكاد أبقت على عيونها الشبه مفتوحة ..المكان المحيط بها داكن تماماً..وتوجد بعض الأشياء التي تتحرك في السقف ..أهذا فقط بسبب هذيانها ..أم أن جسدها كله يتحرك .. كما لو كانت في عربة
    غمرها شعور عارم بالدفئ ولم تعرف السبب .. فقط يداها المتجمدتان باتتا دافئتين و و أصابع حانية داعبت وجنتها بلطف
    ثم ومجدداً كانت هناك تلك الرقعة المبتلة التي مُسِح بها وجهها ..تحرَكت بصعوبة وتأوَهت بألم ..ومن ثم كانت هناك يدان قويتان
    تحتويانها ... وضربات قلب منتظمة ، هادئة..لم تكن لها ولكن للشخص الذي يسند رأسها إلى صدره..رفعت رأسها قليلاً تحاول رؤية الشخص الذي يضمها ..وكل ما استطاعت رؤيته هو صورة بالغة التشويش..وغير واضحة إطلاقاً ..سمعت صوته يهمس باقتضاب " ششش "
    أطفأت وميض عينيها اليسير وغفت والدفء يغمرها .. بدون معرفة شيء ، بدون رغبة في معرفة أي شيء ..

  14. #13



    لامست أصابعها الطويلة البيضاء يد المرآة الدائرية الموضوعة فوق منضدتها .. تأملت وجهها لثواني معدودة وأعادتها جانباً..
    " آنستي الكونتيسة ..سيادة الكونت ينتظركِ في العربة .. " التقطت كتاباً ذو غلاف أزرق داكن ورفعت رأسها باعتدال عندما
    شعرت بذراعي خادمتها تضعان رداءها الأحمر فوق كتفيها ..حيث ثوب بنفسجي بلون الخزامى الداكن يزين قوامها الفاتن
    رتَبت شعر سيدتها للمرة الأخيرة وانطلقت خلفها تحمل حقيبة صغيرة
    " أين أختكِ .؟"
    سألها والدها المنتظر في العربة الواسعة ..صمتت قليلاً قبل أن تبادر بالرد على سؤاله..كانت تعرف تماماً معرفة والدها الوطيدة بتلكأ شقيقتها وعبثها وحبها لاستنزاف الوقت ..لكن والدها يسألها فقط ليجبرها على الكلام من الجيد أن ليديا قد وصلت أخيراً وقالت بمرح معتذرة
    " أعتذر على تأخري .. لم أعرف أي حقيبة ينبغي أن أجلب "
    سارعت للجلوس قرب شقيقتها الكبرى ، التي تحتوي كتاباً بين كفيها الناعمين .. غاصت في مقعدها وحكت مبتهجة ، وعيناها تلوحان للخدم المصطفين على جانب الطريق المؤدي إلى خارج بوابة القصر
    " أبي ..متى سنصل إلى منزل الكونتيسة دي جيرونا ؟"
    احتواها بمآقي تتوقدان حباً ، وبهجة بوجودها أمامه ..تزين حياته ..وماتبقى من عمره الذي قضى بعضه بين جنبات الفرح
    وبقية سنون من الشجن يتذكر بها ذلك الفرح الغابر ، الراحل
    " هذا يعتمد على مدى التزامكِ الهدوء .. وعدم طلبك للخروج في كل لحظة لأنك تشعرين بالإنزعاج من جو العربة الخانق
    وعلى الأرجح سنصل في غضون ساعة ونصف على الأكثر .."
    بدت الجدية عليها ..وعزمت على البقاء هادئة واحتمال هذه الرحلة التي ستضطر فيها على البقاء جالسة لأكثر من ساعة وهي التي كانت أحياناً تتحرك في نومها ..وفوق كل ذلك مقابلة لأختها اللتي لا تلتقي بها إلا على وجبات الطعام ..ولا تتبادل معها الحديث إلا بصعوبة ..ليس بسبب مشكلات حتماً..ولكن طبيعة شقيقتها الباردة ، الهادئة تفرض هذا الوضع الصعب
    " صحيح روز ماري ، لماذا لم توافقي على الخاطب من جنوا ؟ سيكون ذلك رائعاً..أن تتزوجي من رجل إيطالي "
    حدجها والدها بدهشة ..وهو يكتم ضحكته في صدره ،بدا مصدوماً من حديثها بهذا الأمر الذي لايعلمه إلى ثلاث
    " ومن أخبركِ به يا ليديا ..؟ "
    اختنقت بريقها ..وحاولت إيجاد مخرج لها مما تورطت به بسبب لسانها الفضولي..وأنفها الذي تحشره في كل شيء
    " لقد سمعت السيدة كارولاين تحدثك بشأنه ..أنا آسفة لم أقصد التنصت ..ولكن أنا أيضاً فرد من العائلة ويجب أن تخبروني "
    " حسناً شقيقتك تفضل البقاء معنا ..ولا تجد نفسها جاهزة للزواج بعد .."
    زمت شفاهها ببراءة ..وتطلعت إلى أختها بغبطة مقصودة ، متحدثة بثناء تلوذ الغيرة بشيء يسير منه
    " أنتِ محظوظة روز ماري ..فالرجال دائماً ما يجدون الفتاة الهادئة والصامتة فاتنة وغامضة ..موقنة أنكِ سلتفتين الأنظار في الحفلة .."
    قهقه الكونت لورينزو فجأة ، وجعل اهتمام ابنتيه منصبَاً نحوه ، فملأت الحيرة وجههما الحسن ..وفغرت ليديا فاها قليلاً
    " عجباً ، عجباً ...ابنتي الكبرى لا تريد الزواج ..والصغرى تتوق لذلك .. ما الحل معكما أنتما الإثنتان ..؟ "
    مالت بثغرها الفتَان قليلاً وسُعِد والدها لرؤيتها تهتم ولو بشيء يسير .. ويزدان وجهها ببسمة من ثغرها الشبيه بعنقود عنب صغير ..
    كما قال الكونت غونزاليس فإن الرحلة استغرقت ساعة ونصف تقريباً .. وفور وصولهم كانت الشمس الدافئة تزيَن كبد السماء
    وتبدوا كثريا عملاقة معلَقة في سقف من الزرقة الفاتحة ...فقط كلون الزبرجد
    استقبلتهم المضيفة في أعلى الدرج المفضي إلى قاعة كبيرة ..صدح منها صوت الموسيقى الأنيقة ، الموسيقى الراقصة
    انحنت أمام الكونت بترحيب وأدب جمين..وكذلك فعلت الفتاتان ناحيتها
    أياً يكن فهي قد التقطت كفي ليديا وقبلت وجنتيها ، ناطقة بصوت تملوءه الضحكات الفخورة ، السارة
    " ها هي ذي.. الكونتيسة ليديا..جميلة كما كانت والدتكِ من قبل يا عزيزتي ..ربَاه كم أنتِ تشبهينها ..العيون والشعر وحتى تفاصيل الوجه الحسن ذاتها .. "
    اصطبغت بالأحمر القاني وجذبت يدها بخجل بعيداً عن الكونتيسة إيزابيلا دي جيرونا .. التي ومجدداً رحبت بالأب وابنتيه قبل أن يباشروا دخول القاعة حيث الأنغام ، والرقصات ......والشراب .!
    كان الثلاثة يعلَقون على أجواء الحفل وعندما أقول الثلاثة فأنا أعني إيماءات بسيطة من روز ماري..قبل أن يختفي والدهم لينفرد بنفسه إلى مجموعة تضم نبلاء إسبانيا ..ودع عنك أجواء الحفل الشاعرية ، والضحكات السعيدة المنبعثة في كل مكان .فحوارهم ذاك لم يكن لطيفاً قط بل مملوء بالحذر، الخشية ، الضغينة
    ووجدت الفتاتان نفسيهما تقابل كلَاً منهما الأخرى ..
    " هل تسمح آنستي بتشريفي بهذه الرقصة .."
    تطلَعت إلى شقيقتها الكبرى للحظة وسرعان ما وافقت عندما لاحظت عدم اهتمامها ، أو ربما عدم انتباهها واكتراثها ..
    وبقيت تلك الأخيرة وحيدة تتطلع إلى الناس من فوق كتفيها وتتجوَل في المكان دون رسم أي من التعابير على وجهها ..
    وقفت بجانب والدها ورمقها للحظة متوجساً القلق ، والحيرة ...قبل أن يلتقط يدها النحيلة البيضاء ويحتويها بحنان
    " لم لا ترقصين حبيبتي ..؟ "
    سألته ببرود ، وهي تعلق عيناها على وجهه السمح
    " هل تسمح لي بالإستماع إلى أحاديثكم يا أبتي .؟ "
    " أوه بالطبع ، بالطبع سيدتي الكونتيسة ...يا للعجب نادراً ما نرى سيدات يلقين اهتماماً للسياسة وأوضاع البلاد خاصة إن كن في نفس سنكِ ."
    صاح بها أحد السادة حول والدها ..فأماءت له بامتنان وحيَته بإحترام ..بدون إظهار أي تعبير على قسماتها الجافة
    عادوا مجدداً للنقاش وأدركت هذه المرة أنهم توقفوا عن الحديث بشأن المرتزقة وصار الفرنسيون حديثهم
    نطق الفيسكونت فرانشيسكو بفخر ، كأنما هو يعتلي منصب الملك نفسه ..تفجَر الغرور من عينيه وانساب من صوته
    " جلالته سيجعل الفرنسيين يندمون حتماً ... وسيجبر ملكهم على الخضوع راكعاً تحت قدميه .."
    ونطق بارون آخر بفخر أقل منه
    " سمعت أن جلالته قد أمر بتجهيز الجيوش والفرسان للمعارك القادمة .."
    هذه المرة الحديث كان من نصيب والدها المعتنق للهدوء ، كان رجلاً ، جاداً ، متزناً
    " لم تأتنا أي أوامر في البدء بتجهيز الجيوش..ولا أعتقد أن شيئاً وصلكم أيها السادة ..كما أن الأمر لن يكون بالسهل أبداً
    كما أن إنجلترا مؤيدة تماماً لفرنسا وكلتا البلدين تتشاركان الحدود...وأياً يكن إنني أرجوا أن تحل المشاكل فلست أؤيد الحرب "
    قال الفيسكونت معارضاً بشراسة
    " الحرب للأقوياء سيدي الكونت ...ولاتنسى أن إيطاليا مؤيدة لنـ.. و
    قاطعه الكونت غونزاليس ، محاولاً جهد إمكانه التحكم بأعصابه
    " هذا هراء ..إيطاليا لاشيء بدون الفاتيكان والذي لايكترث إلا لفرض سيطرته وقوته "
    تكلم سيد آخر يبدوا عليه الكبر في السن ، ومكانته معززة بين النبلاء..فهو ببساطة دوق ..حديثه بطئ ، وكلماته واضحة
    " إسبانيا ليست في موقف يخوَلها لبدء الحرب ضد أيِ كان .. الواقع أن الملك يبغي السلطة ليس فقط فرنسا بل إنجلترا كذلك والتي تحكمها الملكة إليزابيث ومن الحمق أن ننسى كم شعبها يحبَها ومستعد للتضحية بأيِ شيءٍ لأجلها "
    لم يعلق أي من السادة .. فالمعارضون امتحقوا لعدم إيجادهم الرد المناسب لقوله ..والمؤيدون اكتفوا بما نطق به
    فتابع يقول بلا اكتراث
    " ومن جهة أخرى لدينا المرتزقة ..ولا زلت لا أعرف كيف لم ينتهي أمرهم منذ زمن ..الملك لا يهتم بإحكام سيطرته في بلاده بل يريد الإستيلاء على غيرها وهذا عين خطأ "
    حملق البارون بشراسة في الوجه الجاد للدوق .. ورتب هندامه بكبرياء مجدداً
    " هل تعارض سياسة جلالته ..هل تريد أن تعلمه ماذا يفعل .؟ "
    " أنا معارض لسياسة البلاد منذ أمد ..يكفي أننا أضعفنا موقفنا عندما ولَينا حاكمين ..قسما إمبراطوريتنا العظيمة بينهما"

    تأبطت بهدوء ساعد والدها الممدود تجاهها ، وانحنى في لحظته مبتعداً بها..بعد أن ساءه ما سمع في النقاش وعلى الرغم من أنه اقتنع بكلمات الدوق ..إلا أن صحتها هي ما أثارت الضرر في روحه
    " و ما رأيكِ أنتِ روز ماري ..؟ "
    كعادتها لم توجَه بصرها إلى محدثها واكتفت بأن قالت ببرود
    " لست أوافق أياً منهم ..."
    غادر بها إلى الحديقة الخارجية ، الواسعة ، المخضرة ..حيث تتراقص أشعة الشمس فوق كل شيء ..طابعة قبلاتها الدافئة بعبث
    كانت ملأى بالحسناوات الشابات ، المنحنيات بأجسادهن فوق السور الأبيض العلوي المرتفع
    حتى أختها ليديا كانت معهن..ولم تبدوا مكترثة جداً لما يحدث من حولها ..لولا تعليق والدها بقوله
    " أنظري في الأسفل ..الشبان النبلاء يتنافسون على الرمي بالسهام .."
    أخفضت مآقيها باتجاههم ، وأياديهم الممسكة بالأقواس والنبال ..في محاولات لإصابة النقطة الحمراء في اللوحة الملتصقة على الجدار وصاح أحد الرجال ساخراً .
    " عار أن لاينجح سوا الدوق سيفيريانو في إصابة النقطة ..وأنتم وسط تشجيع هؤلاء النسوة الجميلات .. "
    كان يبغي العودة إلى الداخل إلا انها استأذنته للتجول في المكان قليلاً .. ومع إدراكه بأنها لوحدها وافق على ذهابها مع أخذ الحيطة والإحتراز من كل شيء

    مشت باتجاه الغابة ذاتِ الأشجار الكثيفة والذي تعد خارج قصر الكونتيسة دي جيرونا إنما لا تزال من أملاكها
    أشبعت رئتيها بالهواء النقي بعيداً عن كل الضوضاء ، ورائحة السجائر المقرفة ..انعكس لون الأشجار أكثر في مآقيها الداكنة الخضرة ..والتمعت كما لو أن الضوء منعكس فوقها ..وللأمانه لطالما كانت عيناها فاتنتان بخضرتها الداكنة اللامعة
    فقط كلون غبار النجوم الميتة في المجرة ...والتي لا أحسبهم كانوا يعرفونها

    نهضت من مكانها قرب النهر فجأة ..بعد أن استغرقت قرابة النصف ساعة في الجلوس بقربه وتأمله ،غارقة في التفكير بعشرات الأشياء..ولم يكن ذلك بلا سبب ...فصهيل خيل ما ، وعدو سريع كانا قريبين من نطاق سمعها
    انسحبت بهدوء عندما ألفته رجلاً شاباً .. وجهه محمر لفرط حماسه ، وشدة ما ركض بخيله الأبيض الطويل..
    " آوه ..آنستي ..؟ "
    توقفت ، وتطلعت إليه من فوق كتفها...مع أنها لم تكن مكترثة جداً له..ولكنها لم تجدَ بدأ من الرد على تحيته المهذبة لها
    " أستميحكِ عذراً لو أزعجتكِ بمجيئي .."
    قالها هابطاً من فوق جواده..سحبه من لجامه ، مقرباً إياه من النهر ليروي ظمأه ويستريح بعد هذا العدو المجهد
    اقترب منها وعرًف عن نفسه بتهذيب ، ويده مسندة إلى صدره... .حيث بعض الشعارات الثمينة
    " جيوفاني سيفيريانو آنستي .."
    أبعدت بصرها عنه ومضت في طريق عودتها متمتمة ببرود ، ونبرة سريعة
    " الكونتيسة روز ماري غونزاليس .."

    " روز ماري ..! "
    عقدت حاجبيها لوقاحته ، ولم تلق بالاً أو اهتماماً لنطقه باسمها بدون إضافة القاب ...أرستقراطي يتظاهر بالتهذيب ليس أكثر
    " مهلاً إنتظري "
    توقفت من فورها وكرهت نفسها لاستجابتها له ..وفي لحظات وجدته أمامها ..كاشفاً عن ابتسامة حلوة ، وطيبة
    " هل تعرفين المكان هنا ..؟ إنها مرَتي الأولى التي آتي بها لهذه الغابة ..أليست من أملاك عائلة الكونتيسة دي جيرونا ؟
    أنتِ مدعوة لحفلها صحيح ..؟ "
    أرادت إخباره كم هو شخص ثرثار .. وشعرت أن عيناها نطقتا هذا عوضاً عنها..تطلَعت إلى شكله من فوق كتفها وهي تمضي في طريقها متجاهلة إجابة أسئلته ..
    كان له شعر مموج باللون البني الخريفي الفاتح جداً وبالكاد يصل حتى أسفل رقبته .. ومآقِ زرقاء كالياقوت الداكن اللامع
    "سيدتي الكونتيسة ... كنت أحادثكِ هنا .."
    هذه المرة صممت على تجاهله...فهي لن تترك صمتها وهدوءها للرد على رجل تراه تافهاً ، ويحب تملَق النساء
    " ذاك الطريق خطــ...
    لم يكن من داعِ لتحذيرها ، فهي قد وقعت حقاً بفعل كومة من الصخور الجرداء..والمدببة أطرافها وكل ذلك سببه عنادها الشديد ، و إصرارها على تجاهله اللذان شتتا انتباهها عن الاهتمام بطريقها وموقع قدميها " هل أنتِ بخير ..؟"
    كان يجذب جواده عندما وصل إليه وسألها مجدداً بالطريقة المهذبة نفسها...وجسده ينحني باتجاهها " مالّذي يؤلمكِ ..؟ "
    اقشعرَ جسدها وشعر بارتجافها عندما لامست يده كتفها..جذبت نفسها بعيداً عنه ..مخاطبة إياه
    " أنا بخير..أرجوا أن تدعني وشأني فإنا أعرف طريقي "
    " دعيني أساعدكِ .." دفعته بيدها ونهضت من مكانها على عجل ..نفضت الغبار عن ثيابها وأسرعت خطاها باتجاه القصر
    " انتبهي في سيركِ ..هناك مجموعة من السادة يتسابقون على ظهور خيولهم ..حاذري الوقوف أمامهم .."
    امتطى صهوة جواده و تركها تمضي في طريقها .. وعلى الرغم من عرضه المساعدة لها ..إلا أنها رفضت عرضه السخي
    ولم يكن المكان بعيداً على أيَ حال

    وصلت أخيراً ، وحرصت على ترتيب مظهرها قبل الدخول إلى القصر وصالة الإحتفال خاصة..شعرت بيد تتأبط ساعدها بسرعة
    ولم تنزعج لمعرفتها بطبع ليديا الفوضوي والتي تظن نفسها تفاجئها
    " أين كنتِ روز ماري .؟ ..أتعلمين أن هناك شخصاً ما سأل عنكِ ."
    " من .؟ امرأة أخرى تريد رؤية الشبه بيني وبين جدتي .؟ "
    " لا ، بل دوق شاب...آه إنه رائع ..أتعلمين أنه لم يراقص أي فتاة .. تلك البارونة جوليا تقول بأنها تعرفه
    وأن السيدة دي جيرونا تعدَ خالته ."
    انتزعت ساعدها من يد أختها بهدوء ، متحدثة بلا أدنى قابلية للإصغاء مجدداً ، أو للبقاء حتى " وما دخلي أنا .؟"
    امتعضت ، وامتحق وجهها بالحمرة ...أخذت نفساً عميقاً وتظاهرت بالابتسام واللطف أمام شقيقتها الباردة
    " أقول لكِ إنه سأل عنكِ ...أوه ها هو ذا .."
    أدارت ظهرها ، ولم ترد رؤية الشخص الذي قصدته ليديا .. كم هي تكره هذه الأجواء المزعجة ، أين السكينة والسلام في مكان لا يوجد به أي مصغِ ..الكل يتحدث ، و صوت الموسيقى التي لطالما وجدتها مشتتة للتركيز يصدح في المكان
    " كونتيسة روز ماري "
    لم يكن من مفر من الالتفات خاصة بعد أن سمعت اسمها ..ورمقها والدها الواقف أمامها بطيبة ..حسناً هي ستلقي التحية وستذهب لإخبار والدها أن يعودوا حالاً للمنزل ...دارت حول نفسها ونطقت بجمود ، وبلا اكتراث وعيناها تلامسان أرض القاعة الرخامية " مساء الخـ...
    توقفت عندما أحسَت بأطراف دافئة تلامس ذقنها ، وتجبرها على رفع وجهها اتجاهه ، خفق قلبها بعنف ، وتوقَدت عيناها صدمة عندما ألفته السيد جيوفاني سيفيريانو ...ذاك الذي لم يمضي وقت قصير على لقاءها به ...اتسعت شفاه شقيقتها الصغرى وقالت ملاطفة لهما " أختي .. هذا هو السيد الدوق .."
    " مساء الخير آنستي الكونتيسة ..أرجوكِ..! أحب أن أشعر بصدق تحيتكِ ،ولن يكون ذلك إن لم أنظر إلى عينيكِ "
    انسحبت للوراء فقط لتبعد يده عن وجهها الناعم ..وعاود الابتسام لها ..مصغياً لكلماتها الباردة ، والتي تدل على رباطة جأش قوية " أرجوك أنا ..أن لا تحاول لمسي مجدداً "
    " آه ..إنها عادة ..لا تلقي لها بالاً إذا سمحتي ..وأذني لي بالرقص معكِ "
    رفضت عرضه بأكثر تهذيب ممكن ، و أغرقته بأكبر قدر من الضيق المتدَفق من أنهار عينيها الداكنة الخضرة
    " أنا لا أرقص..سيادة الدوق ."
    أمسك بكفها فجأة ..ويبدوا أنه معتاد على هذا كما قال .. بدا هادئاً ، وطبيعياً جداً ..وهو يقول بطريقة ماكرة
    " لقد ساعدتكِ أيتها الكونتيسة ..أنتِ تدينين لي بهذه الرقصة .."
    جذبها معه بسرعة إلى منتصف القاعة ..وأجبرها على الرقص برفقته .. لم ترفع عينيها نحوه ..فقط عليها إنهاء هذه الدقائق القليلة من الرقص الذي لا تحبه ..ومن ثم العودة لوالدها
    " أنتِ رشيقة سيدتي ..وتحاولين إقناعي بأنكِ لا ترقصين .."
    " إتقاني لشيء ما ..لا يعني بالضبط أنني أحب القيام به "
    كانت باردة جداً ، و غير عابئة به ..وهي تمسك بيده وتدور حوله برشاقة كما قال .. لم تجبر يوماً على القيام بشيء لا تريده
    وعديم الأخلاق هذا فعل" إسمحي لي بسؤالك..ألم تسمعي بي من قبل ؟ "
    رفعت رأسها أخيراً إلى وجهه وابتسمت متهكمة ..ترمقه بزاوية عينها المحتدة بمكر
    " آوه ..أرى ذلك الآن ..سيادتك مملوء بما يدعى –الفانيتا - ..وتظن أنني يجب أن أعرفك .."
    سمعته يضحك تعليقاً على قولها ، وعلى نحو أزعجها فقد كان يبدوا مستمتعاً بالرقص ، والحديث إليها بينما هي كارهة له
    " عرفتي ذلك إذاً ..أنا لست إسبانياً وأنا الذي ظننت أنني أخدع أعين الجميع هنا "
    سألته بدون إدراك لما تفعل " وهل تستطيع العيون أن تخدع ؟."
    أحاط وسطها بذراعه ، تظاهر بالتفكير لوهلة ..وعاد ينطق
    " العيون .؟ لا أعتقد..القلوب تخدع ..لكن العيون أعتقد أن بإمكاننا الوثوق بها .."
    ارتاحت بعد أن التزم الصمت فجأة ، ولمحت والدها يبتسم لها برضا ..حسناً على الأقل هو سيخبر السيدة أدريانا بأنها رقصت مع دوق أجنبي..هذا سيعجبها على الأرجح " إذا ..سيدتي الكونتيسة ... دعيني أخبركِ بجرحكِ لكبريائي "
    أفلتت يده ودارت حوله ، قبل أن تعود أمامه مبتسمة بسخرية " كم أنا قاسية إذاً ،ولماذا يجب أن أعرفك سيدي الدوق؟"
    زاد اقترابه منها ، و همس في أذنها بخفوت ..ويده تبتعد عن وسطها .. أحست بأنفاسه الدافئة على خدها ..قبل أن تشعر بالدفء في كل جسدها
    " لأنني الخاطب من جنوا "
    قالها كتعويذة ثبتت أقدامها على الأرض ..وقبل أن تدرك كانت الموسيقى قد توقفت ..وأخيراً وعلى عكس ما رغبت رحل عنها تاركاً ذلك الهمس يرن في أذنها
    كان ذلك آخر شيء توقعته ، طلبته في حياتها كلها ..لم تبعد عيناها عن ظهره ..وبالمقابل فإنه لم يلتفت لها أبداً ..

    اخر تعديل كان بواسطة » Red Riding Hood في يوم » 23-03-2013 عند الساعة » 19:02

  15. #14
    هذا للآن ..!
    انتظر تعليقاتكم أعزَائي,^^
    لا بأس يمكنكم إخباري لو كانت سيئة ..لن أحزن ^^

  16. #15


    السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

    أولاً وقبل كُل شيء ،
    إياكِ و الإحباط أو الابتئاس ، لا تكوني من تلك النوعية التي تبتئس وتثبط عزيمتها فور ألا تجد ردوداً
    يجب أن تعرفي قدر نصك ومدى جماله و تضعين ثقة كبيرة بنفسك ، وأن جمال قلمكِ سيجذب الجميع رُغماً عن
    أنوفهم كما حدث معي !

    وكما حدث مع العزيزة سيرانو ، أنهيتُ الفصلين وأنا أهتف يالا الرُقيّ والجمال والثقافة الواسعة عن ذاك العصر والطبقة الارستقراطية !!
    وكُنت أقرأ عن هذه الطبقات ، وما أسعدني يبدو أن معلوماتي ستزيد بشكلٍ أعمق من خلالكِ !
    ولكن حرف راقي راقي جداً ، ما شاء الله تبارك الرحمن وزادكِ موهبة
    وحرف أنيق سعدنا بانضمامه لتلك النُخبة المميزة من الحروف النادرة classic

    وأعتذر من الآن عن الثرثرة القادمة ولكن تحملي جزاءً لرائعتك التي فوق biggrin

    ،

    العنوان :
    [
    عناق الشمس والقمر ]
    عُنوانٌ جميل ، دافئ مُظلم ، نجوم وأشعة ، ابتسامة وبكاء ، لا يُمكِنكم تخيل الصورة التي تراءت لي
    عندما تأملتُ العُنوان ،
    وأعترف لم يخطر ببالي أبداً ما سأجده بالداخل ، وهذا لا يحدث كثيراً
    ففي العادة تكون العناوين تقليدية فأتوقع المكتوب .
    و عجباً ما أروعه !

    ،

    الأسلوب :
    وهو المُفضل إليّ ، ذلك الأسلوب البسيط الذي يتشبع بالوصف والسرد المُتوازنين
    وترادفات جميلة ، وللحق وجدتُ بعض الكلمات أضفتها لقاموسي classic
    أما عن النقد ، فلستُ بتلك الناقدة الجيدة ، لذا أتركهُ لأصحابه ،
    ولُغتكِ النبيلة أضفت للقصة روعةً فوق جمال ، هل درستِ لُغتهم كثيراً ؟،
    أم أنكِ كُنتِ نبيلة من قبل :موسوس: ؟ classic
    القصة :
    الآن لدينا أربع قصص لأربع آنسات جميلات تتمحور في اسبانيا وفرنسا
    ما علاقتُهن ببعض وكيف سيلتقين إن كان سيحدث هذا ، فأنا مُتشوقة للقادم جداً !!
    اسبانيا وفرنسا أحوال سياسية مُتدهورة وتفرقة عُنصرية
    وحرب بين الطبقات ، وفقر و جشع و زوال الرحمة
    لابُد أن تكون حبكة هكذه بحاجة لعمل صعب وجهد جهيد !

    نأتي
    للآنسة الأولى :

    هل أنا التي فوتت بعض الأسطر ، أم أنكِ لم تذكُري اسمها للآن knockedout!
    آنستنا الرقيقة الخرساء ، حقيقةً لم أتوقعها هكذا في البداية كُنت أظُنها هادئة وفقط
    ولكن تفاجأت بها حينما أستيعبت بعض الأمور !
    السيدة أورسولا الحقود، ماذا كانت فاعلة بزُجاجة السُم اللعينة التي أودت بالصغيرة
    لهذا العذاب ، وكيف لم تعلم خالتُها بمشاعر أورسولا تجاه الفتاة وحقدها نحو الاسبان
    أظننا بحاجة لتوضيح بعض الأمور ، ولكن ارتفعت روحها للسماء لذلك مع السلامة biggrin
    وذلك اللورد القاسي ، أظنني أود قتله أو ربما تمزيقه ، أو تعليقه مكان الفتاة المسكينة !
    وأين موقع والدها من الاعراب وما ماضيها ، أتشوق لمعرفة هذا .

    الآنسة الثانية :

    يالا الدهشة التي أصابتني عند موت البارونة وموقف أبناءها !!!
    يالا الجشع والطمع والعقوق ، إنهم حتى لم يلقوا نظرة على أمهم المُتوفاة وكأنها
    كانت كياناً منسياً !
    لا أعرف أي الكلمات السيئة المُناسبة لوصفهم وأظنها ستتبرأ من وصفهم أصلاً !

    سآبيينا أيتها النبيلة الرقيقة الجميلة embarrassed أنها الشخصية المُفضلة لدي للآن رُغم
    التعاسة التي ألمت بها ، ولكن لم تفقد كبرياءها وقاومت حتى أغمضت عيناها قليلاً
    رُغماً عنها ، ومن الوسيم الذي رأف بحالها وأنقذها ؟ ، أنا ممتنة له
    و أوظنت أن أحدهم سيكون باستقبالها ، وكما قالت نُزِعت الرحمة من أفئدتهم
    وحدث هذا مُنذ مدة طويلة ، حيث أصبح كلٌ في حاله ، لا يأبه حتى لو كان الذي أمامه يحتضر !

    النبيلة الثالثة :
    روز ماري ، يا شبيهة جدتكِ biggrin
    كم ستبُلغين من مثالية ؟! تلك الفتاة أعجبتني حقاً رُغم برودها
    والذي أعجبني فيها حُبها للقراءة والسكون أغلب الأوقات ، أو بالأصح كل الوقت .
    وهُناك مُتطفل حل عليها ، رُبما يقلب هدوءها وربما لا ، من يدري paranoid؟

    الفتاة الرابعة :
    جورجيانا squareeyed
    لا أملك تعليقاً عليها ، سوى أنني أود معرفة المزيد عنها وما حلّ بها مُسبقاً
    وحكاية هذا الشاب !


    وفقط !
    أعتذر مرة أخرى على الثرثرة أتمنى ألا يتم طردي في المرة المقبلة knockedout
    مُتابعة لكِ بكل قواي العقلية بإذن الله biggrin
    فقط تابعي على هذا المستوى الراقي الجميل ونحن معكِ بإذن الباري classic

    حفظكِ الرحمن وزادكِ من فضله

    اخر تعديل كان بواسطة » اِنسياب قَلم في يوم » 24-03-2013 عند الساعة » 15:51

  17. #16
    حجز لي ايضا embarrassed
    بِآلإستغفآرِ .. ♥
    ستسعدُون ، ستنَعمون , ستُرزقون من حيثَ لآ تعلمون
    [ أستغفرُ الله آلعظيمَ وأتوب إليه ]

    ♥ رابط روايتي على الواتباد ♥

  18. #17
    حسنا،
    بعد يوم لا ينتهي!!!
    وعظام مهشمة،
    والنت مقطوع عن البيت -متصلة من نت الجيران-، وكل الأجهزة مرمية في كل اتجاه،
    وحتى أعطيك صورة أدق، في كركبة زفاف انتهى من ساعة أكتب الآن وأنا نائمة من شدة الإجهاد!!!
    ورغم كل ذلك! أ
    كتبت هذا الرد!
    بالطبع لن أقرأ الفصل الثاني وأنا بهذه الحالة المزرية، إذ أريد أن أستمتع بكل حرف فيه كما المرة السابقة!!
    ولكن كتبت هذا الرد حتى أؤكد لك شدة تمسكي بقلمك، رغما عن إحباطك!
    الذي أعتقد أنه سيزول بإذن الله بمجرد مضي المزيد من الوقت..
    الآن رايحة أمدد ظهري عزيزتي، بإذن الله لما أنآآآآآآآآم وأستعيد وعيي وعافيتي أرد على ردك والفصلين بعون الله ~
    فقط، لا تحبطي من أول أيام نشرك، لن تحققي ذلك النجاح في غضون أيام طبعا،
    أعظم الإنجازات في البشرية تطلب أخذها لما تستحق من ثناء وتقدير الكثييير من الزمن، فلا تحبطي!
    و.. شوفي ميتة من التعب وجالسة أرفع معنوياتك cry
    يالله لا تخيبيني وواصلي على هذا المنوال والقراء يأتون تباعا بإذن الله :نامت وهي تشجعك:
    سلآآآآآم~

  19. #18
    ولآه وآه حماااااااس :فيس يشرد يكمل البارت التاني وأنا أصفقو كف لأنو ماقدر يتحمل من الحماس ونقز هنا عشان يحط الرد: .. آه وشسمو حجز cross-eyed ..



    اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
    ،واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ♥"
    الحمدلله كثيرًا *)
    القرآن كامل *

  20. #19

    السلام عليكم ورحمة الله..
    ها قد عدنا لفك الحجز..واتينا للثرثرة..biggrin
    وكما توقعت..الحمد لله لم تخطئك عيناي..
    العنوان..هو وحده حكاية..بمجرد قراءتي له احسست بالدماء الزرقاء تندس خلف حروفه..
    ولم يكن حدسي خاطئا..
    لغتك جميلة وفريدة..غرقت مع انغامها في ثنايا حكايتك..وصف جميل..
    وحوارات بسيطة..احسست بان النبل هنا لا يطغى على الحكاية وحدها..بل يعشعش في حروفك ايضا..
    ان كان لي ان الاحظ..
    فليست اكثر من لمحات بسيطة لا تكاد تلاحظ..
    بعض الاخطاء الاملائية..! وكذا..قلة قليلة جدا من الاخطاء النحوية..!
    احببت تنبيهك حول الصفات المتلاحقة..لا يجدر بك فصلها..فستبدو كما لو كانت تصف جملة اخرى..
    كهذه مثلا..

    ولكن طبيعة شقيقتها الباردة ، الهادئة تفرض هذا الوضع الصعب
    سيكون من الافضل لو تمحى تلك الفاصلة بين الصفتين..جربي ذلك..classic
    تذكرت ليدي اوسكار مع طيف روز ماري..تتقاربان الصفات وتتشاركان بعض الخصال..البرودة والحنكة والعقلانية..
    احببت كون الحكاية عن القديم الاوروبي..الذي احب..
    النبلاء..الصراع الطبقي..الحروب..السيوف..المدارس الداخلية..العنصرية..
    كل ما تحكيه تلك العصور..رأيتها هنا..بين ثنايا حروفك..
    اشيد لك بثقافتك الواسعة حول معان قد لا يعرفها الكثير حول تلك العصور البعيدة..ومنهم..انا..
    تصدقي علي بالقليل منها..!
    يحيط الغموض باجواء القصة كما البؤس والتعاسة لاثنتين..كأنما تميلين الى التراجيديا..
    احببتها جدا..

    الاحباط..
    سأشنقك شنقا لو رأيتك تقولينها ثانية..! اغضبتني..ogre
    اياك ان تصابي بالاحباط..فالهدوء يسبق العاصفة..
    اضافة الى ان الفصلين كانا ثقيلين كبداية..لولا انهما يضجان بالحركة والاحداث المثيرة الغامضة..
    فبعد الجدب غيث عزيزتي..
    تابعي ونحن معك..

    بأمان الله..

  21. #20

    #×


    تحذير
    !
    مَا يوجد بالأسفل ثرثرةُ لا طَائل مِنها :طيب: ، إنْ كُنت ممّن يَكْره الكلام الكثير والثّرثّرة وبوح
    قارئ شغوف مذهول مَسْحور :طيب: !
    فابْتعد سريعًا biggrin !













    :فيس منتحر:
    لا فعلًا آخر مقطع .. كان كالقنبلة النووية !
    فجّر كلّ ما كنت أريد قوله !!!!!!
    يالكِ من شريرة نبيلة مذهلة معذبببببببببببببببببببببببببببةة
    إسبانيا .. دوق إيطااااااااااااااااااااااااااااااااالييييييييييييي يييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييّ :فيس فقد القدرة على الاحتمال:
    عرباااااااااااااااااااااااااااات ، عصر من العصووووووووووووور القدييييييييييييييييمة :فيس متوسد الأرض:
    إنها معشوقاتي cry لم أتخيل يومًا أنّي سأجد شيئًا هنا تتكدّس فيه كل عشقاتي cry
    والله لا ألومكِ سيرانو cry ..
    آآآآآآآآآآآآعه وكونتيساااااااااااات ط1 ط1ط1ط1ط1ط1ط1ط1ط1ط1
    وحفلآت cry .. ودوق إيطااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالي اسمو سيفيريانو cry
    هذا يفوق احتمالي ط1ط1ط1ط1ط1
    المهم سسيرانو لا تحلمي بالدّوق tired !!
    سأفعل كلّ شيءٍ لآخذه :طيب: ..
    #تجاهلوني
    المهم وشسمه ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله تبارك الله cry !!

    رواية ساحرة مذهلة ، متكآملة الجوانب تبارك الرّحمان !
    منذ البداية ، أتقتني كثيرًا الطّريقة الّتي أدخلتنا بِها إلى جوّ القصة فورًا ..
    وأسلوبكِ آه أسلوبكِ ، إنّه ذاك الشّيء النّبيل ، المناسب جِدًّا لرواية كهذه
    أو لا أعلم حقًا أأنتِ تطوعيّنه ليناسبها أمْ أنّ هذا طَبعهُ نبيل ومُرهف الإحساس ..
    لا أرى الفصلين ثقيلين أبدًا ، بل هبطا على روحي كغيثٍ مِن لا أعلم cry
    المهم أنّه كبّلني بِسحره ورقّته !!
    أتعلمين صِدقًا لا أدري ما هو الشيء السّاحر هنا " بعد معشوقاتي المتكدسة هنا"
    رُبما ثمار التووت والفراولة cry !!
    ط1ط1ط1ط1
    تبارك الرّحمان تبارك الرّحمان إِنّه ليذهلني حقًّا أنّكِ تمْتلكينَ مِثل هذا السّحر
    ولستُ أبالغُ حقًّا ، إنّما أنا فقط أحاول مجابهة الصّمت الّذي كان سيخرسني كعادته
    عِندما أقع على سِحْرٍ كهذا cry !
    لا أعلم حقًّا ، أهو أسلوبكِ وكلماتكِ الّتي توصل لنا باحترافيّة غير متكلّفة مذهلة
    تِلك المشاعر النّبيلة ، أمْ شخوصُ روايتكِ نفسها ؟!
    كِمّية من الرّقة الإنسانيّة والنّبالة cry ، أتعلمين أظنّ بل أكاد أكون متيقنّة أنّه
    إذا ظهرتْ شخصيّة شريرة هنا ولو كانت تكيل أنواع العذابات للشخصيات التي أعشقها
    كلّها فلن أقوى على كرهها من كمّية النّبالة التي هنا squareeyed !
    حتّى لغتكِ الرّاقية .. لا أملك قول شيءٍ سوى ماشاء الله تبارك الله cry !!
    وحبككِ المُتقنُ لنفسيّاتِ الشّخصيات ، لا أعرف حقًّا بِما أصفها ، أهي متباينة
    مُختلفة ، أمْ أنّ النُّبل المُرهف الطّاغي عَلى الرّواية يُجبرني على رؤيتها متشابهة ؟!
    صِدقًا ، إنّ روايتكِ بلغتْ مبلغًا - في نفسي - وأدْهشتني لِدرجة أننّي أقف حائرةً
    أمامها لا أتجرأ على نَبْشها والْعَبث في حروفها !
    فقط أبقى مُتابعة شغوفة متحرّقة بِشوق وتوق ..
    آهٍ ودوقنا الإيطالي cry ..
    صِدقًا إنّه أكثر شيءٍ سحرني squareeyed ، ليس لوسامته الّتي أنا متيقنّة منها cheeky
    بلْ لإنه إيطااااااااااااااااااااااااااااااالي cry وبسبب ذاك النُّبل المتدفق مِن كلماته وحروفه cry !
    ومن ثم سابيينا ، لقد أحببتها كثيرًا ، وأتحرّق شوقًا لِمعرفة مُستقبلها !
    وبطلتنا الّتي ظهرتْ في البداية ، إنّها شيءٌ آخر ، آخر تمامًا ..!!
    يالها من رقيقة cry ..
    وليديا وروز ماري .. مَع أنّ ليديا الأقربُ لي beard ، إلا أنّ لروز ماري
    جاذبيّة ما cheeky ..
    لو كانت شابًّا ربّما أحببتها كثيرًا xDDD
    وأحييّكِ كثيرًا على جعلكِ لهما متناقضتين ، ذلك أضفى جوًّا رائعًا ومشوقًا كثيرًا ..
    أوه دوقنا الإيطالي cheeky ..
    هّذا الكلام لَهُ فقط حتّى أنتِ لا تفتحيه ogre ..



    احمْ beard !
    أريد أن اسألكِ سؤالًا فقط ، أأنتِ مٌطّلعة عَلى سِمات وطِباع الشّعب الفرنسيّ والأسبانيّ
    أمْ أنّ ما كتبته خالصٌ مِن وحي خيالك ؟!
    أتوق كثيرًا لِمعرفة جوابكِ فقد أذهلتني قٌدرتكِ على حَبْكِ الحوارات بطريقةٍ مُلائمة جِدًّا
    تبارك الرّحمان !!
    وَبعد هذه الثّرثرّة التي بلا طائل والّتي كنت أنوي جَعْلها مُنظّمة ومُشذّبة بِشكل يليق بكِ
    وبروايتكِ وليسَ مُجّرد عبثْ قارئ شغوف ، عَدا أنّ المقطع الأخير مِن الفصل الثّاني
    بَعْثرني squareeyed ، أريد أن ألفتَ نَظركِ إلى أمرٍ هامّ رغم اعتقادي بمعرفتكِ له ولكن لا بدّ
    مِن ذلك ، ألا وهو المغزى والْهدف والوقع الّذي تُريدين أن تحدثيه في أنفسنا مِن خلال
    هذه الرّواية ، أذكّركِ بهْ وأحثّك عَلى رِعايته ككُلّ الجوانِب الأخرى ، فإنّه لسيحزنني حقًّا
    - رغم استبعادي لذلك - أنْ تكون رواية بهذا الجَمال والنّبل مُوجودةَ بِلا هَدفٍ ولا مغزى
    وبلا وقْعٍ تتركهُ في أذهاننا فيظلُّ خالدًا فيها حتّى موتِنا !
    هَذا فقط ، وأقدّم بالغ اعتذاري لِثرثرتي الطّائشة ، ولكنّ قلبي الصغير لا يتحمّل cry !!
    وإن شعرتِ بالإحباط مَرّة أخرى tired ، فاسألي أصحاب القسم مالّذي سيحلُّ بكِ وأيُّ
    جندلةٍ ستتجندلينها بمنجلي :طيب: !
    آنتظركِ بفارغ الصّبر cry ، وفّقكِ الله ورعاكِ وجعلكِ ذُخرًا لدينكِ وأمّتكِ ووطنكِ ~
    فِي حِفظ الله ||♥


    اخر تعديل كان بواسطة » لاڤينيا . . في يوم » 24-03-2013 عند الساعة » 13:08

الصفحة رقم 1 من 36 12311 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter