الصفحة رقم 12 من 14 البدايةالبداية ... 21011121314 الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 221 الى 240 من 278
  1. #221
    عوده بعد أنقطاعٍ طويل عن المنتدي ~~
    صدقاً تُوتْ , الروايه تزداد تشويقاً .. حتي أنني اعدت قرأتها من البدايه ~~
    أعذريني علي عدم ردي , لكن اعدك بردٍ جيد عند نزول البارت القادم ..
    sigpic762531_37


    ما هذه النفس !!


  2. ...

  3. #222

    آسف لأنني مقصر جدًا
    آسف لأنني لم أعر هذه البقعة الاهتمام الملائم
    الرواية بالفعل اكتملت مذ فترة
    هل تودون أن أعود بإكمال البارتات ؟
    هذا إن كان يوجد للآن متابع لها، أعتذر مرة أخرى.


  4. #223
    لم اقرأ الرواية من قبل ولم اقرأها الآن وقد لا اقرؤها

    لماذا أنا هنا إذن؟ اقتحمتُ المكان من باب الفضول أولًا، وثانيًا كي أطالب بإكامل القصة.. من أجلك، من أجل المتابعين الذين سيعودون بإذن الله وإن تأخروا، من أجل المتابعين غير المشاركين في المنتدى، ومن أجل الفضوليين أمثالي الذين قد يتحولون إلى متابعين جدد! biggrin

    أرجو منك الاستمرار embarrassed
    اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد

    sigpic348259_3

    أسباب في غاية القصر والبساطة للكتابة للمؤلف أحمد مشرف:
    https://drive.google.com/file/d/0B-LfJc_YRsHobjVQcTh1UHl3dkE/view

  5. #224
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أمواج المحيط مشاهدة المشاركة
    لم اقرأ الرواية من قبل ولم اقرأها الآن وقد لا اقرؤها

    لماذا أنا هنا إذن؟ اقتحمتُ المكان من باب الفضول أولًا، وثانيًا كي أطالب بإكامل القصة.. من أجلك، من أجل المتابعين الذين سيعودون بإذن الله وإن تأخروا، من أجل المتابعين غير المشاركين في المنتدى، ومن أجل الفضوليين أمثالي الذين قد يتحولون إلى متابعين جدد! biggrin

    أرجو منك الاستمرار embarrassed
    واو ... فعلًا لأجل هذا المكان الذي كانت وليدةً فيه على أقل تقدير... يفترض أن تنتهي وترّحل إلى الروايات مكتملة...
    حرفيًا كان الطموح الأعظم أن أراها تنتقل إلى ذلك القسم laugh
    أشكرك جدًا، على الرغم من أنني أعلم بأنها *ستهش الذباب فقط* إلا أنني سأرفق بإذن الله البارتات بشكل أسبوعي سواءً قرئت أم لا.....
    حسنًا لا أنكر بأن نهايةً كهذه لها تعد مؤلمة
    .. لذلك أتمنى أن يتواجد ولو متابع واحد لها....
    أشكرك لإطلالتك أمواج، كان دخولك لامعًا biggrin

  6. #225
    تووووووووت e411
    كيف حالك عزيزتي؟

    بعد انقطاع طويل عن مكسات دخلت اليوم و لا أدري كيف جئت إلى هنا
    على الرغم أنني ابتعدت منذ سنوات عن الروايات و هذا القسم و نسيت كل ما كنت أتابعه من قصص
    و لكن بمجرد ما رأيت إسم قصتك في واجهة القسم تذكرت
    قررت أن أعيد قراءتها ....لأنني أحببتها كثيرا

    أتمنى أن تكمليها عزيزتي
    attachment
    تصميم Lady Ɖeidara نياا ~ شكرا نياا 031



  7. #226
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Amai chan مشاهدة المشاركة
    تووووووووت e411
    كيف حالك عزيزتي؟

    بعد انقطاع طويل عن مكسات دخلت اليوم و لا أدري كيف جئت إلى هنا
    على الرغم أنني ابتعدت منذ سنوات عن الروايات و هذا القسم و نسيت كل ما كنت أتابعه من قصص
    و لكن بمجرد ما رأيت إسم قصتك في واجهة القسم تذكرت
    قررت أن أعيد قراءتها ....لأنني أحببتها كثيرا

    أتمنى أن تكمليها عزيزتي
    اااامممممييييي
    لأجلك تكمل الرواية بإذن الله

  8. #227
    e411 شكرا لك توت
    بالانتظار لا تتأخري علينا

  9. #228

    السلام عليكم
    في انتظارك غاليتي
    بوركتِ
    ••
    Take me to the SKY ••
    عندما تبقى الوحدة -فقط- بجانبي ...
    •• 그 순간 하늘과 멀어지네 ••
    ••

  10. #229

    تحقيق أو نبذه او قصه


    .
    ,

    توت لا تخلف الوعود لكنها وبشكل مريع نست!
    آسفة سأرفق الجزء التاسع حالـًا وسأنزل كل جزء كل 3 أيام بإذن الله وإن لم أستطع ستكون أسبوعية
    + آمل من القرّاء السابقين أن يعاودوا قراءة الفصول السابقة للتذكر
    + نسيت طريقة ارفاق التنسيق الخاص بالرواية لذا أستميحكم عذرًا سأرفق الأجزاء دون تنسيق ولكن حالما أتفرغ سأحاول التعديل وإضافة التنسيق
    الحقيقة أن تخصصي صعب قليلًا وكثير الاختبارات لذلك سأحاول التوفيق بين الرواية والدراسة ، دمتم سالمين وأعتذر مرةً أخرى على التأخيير
    .
    .

    البارت مع الرد القادم :
    اخر تعديل كان بواسطة » تُوتْ في يوم » 01-04-2018 عند الساعة » 18:25

  11. #230
    Part 9
    عض آرثر شفتيه وقد أثاره النعت إلا أنه حبس أنفاسه محافظاً على هدوئه.
    - لـ..ـيس..س ابـ..بن..ناً غ..غير شـ..ـرععـ.ي ! إنـ..ـه أمـ..ميـ..ر!!
    صرخت، ذلك أكثر ما يثير حنقها، لم تكن زوجة غير شرعية، هي فقط لم تكن محظوظة لتولد كنبيلة من عائلة عريقة، هي فقط لم يعترف بها، ولم يكن ذلك ذنبها.
    أثرت بإدوارد كلماتها لسبب غريب، كان لا يشتطيع أن يحاججها أو يواجهها، لم يكن يعرف لماذا كلما نظر إليها شعر بوخزة ألم.. كما لو أنه يشتاق لهǿ
    - لم أعتقد بأنك ستأتي بهذه السرعة.
    أخيراً نطق بصوته الأجش، بينما عدّل من جلسته على ذلك الكرسي الملكي المطلي بالذهب.
    لم تتغير ملامح آرثر البتة، رد بطريقة آلية إلا أنها كنت قوية:
    - لم آتي لأنني -متحمس- لرؤية من يسمى بـ أبي، إنما جئت لأرى ما النهاية؟
    تقدم إدوارد ليجلس بجانب والده على كرسي ملكي آخر يتوسط تلك القاعة الضخمة المكسوة بالسجاد الأحمر، بنوافذها الزجاجية الفسيحة..
    وقفت كاثرين بانتصاب وبجانبها آرثر الذي كانت عيناه الخضراوتان تخترقان الحاكم ريتشارد بكره عظيم.
    قال ريتشارد بينما كان ينظر إلى آرثر.. قائلاً ما لم يتوقعه آرثر أبداً:
    - سأقدمك غدًا صباحاً للشعب كأميرٍ ثانٍ لإمبراطورية سيلينيا.
    اعتلت الصدمة وجه آرثر " لا!! ذلك كثـــيرٌ جــــــداً!!"
    - مـــــاذا!!!!
    تاركاً آرثر في صدمته، صرخ إدوارد عوضاً عنه، وذات ملامح الصدمة على وجهه، أكمل بانفعال:
    - لقد ربيتني في كنفك أربعاً وعشرين عاماً، ولم تقدمني إلى المملكة من قبل مع كوني أميراً لها!! ثم يأتي هذا الحقير الذي لم تره في حياتك لتقدمه!!!
    أدار وجهه نحو ابنه قائلاً:
    - سأقدمك أيضاً غداً صباحاً، - ثم حوّل ناظريه إلى آرثر الذي لم ينطق ببنت شفه ليردف: وأنت.. منذ اليوم ستعيش هنا في القصر!
    ازداد انفعال إدوارد أكثر، كاد أن يصرخ في وجه أبيه معترضاً إلا أن آرثر صرخ عوضاً عنه بغضب:
    - أتحسبني رخيصاً؟؟ إلى الحد الذي أقبل به أن أصبح تحت رعايتك بعد أن رُميتُ وأمي خارجاً!!!، أنا لم يكن لي أب وسأبقى بلا أب!!
    أمسكت كاثرين بيد ابنها وشدت عليها مهدئةً إياها وعلى وجهها ارتسمت تعابير رجاءٍ كأنها تخبره بـ " اقبل.. أرجوك"
    أثار ذلك جنون آرثر أكثر ليصرخ:
    - أتخبرينني الآن أن أبيع كرامتي وأسكن بهذا القصر؟! - ثم أدار وجهه إلى حيث ريتشارد مردفاً: لم أقبل يوماً برعاية أحد، كنت أعيل نفسي وأمي، ثم تأتي أنت لتصبح أبي الآن؟؟ وترعى مطعمي وملبسي؟؟ أتحسبني لست رجلاً؟!!
    وافقه إدوارد مسقطاً عمامته داكنة الزرقة غضباً، والتي تحمل ذات لون ردائه الذي يعتليه.. ببنطالٍ قماشيٍّ واسع وحزامٍ أبيض ملتف حلو خصره ليثبت الخناجر الذهبية.. والتي تظهر بأنه ابن للأسرة الحاكمة.
    لم يحبذ أبداً فكرة انضمام فردٍ جديد إلى العائلة، كيف لا وهو بعد ذلك العمر كله يأتيه شاب في العشرين ليكون أخاً له!
    لكن كاثرين شدت على يد آرثر أكثر قائلةً بصعوبة:
    - لـ..ـقد قـ..قلت لك..ك لم يـ..ـط..ـطرد..دني بـ..بل خـ..خرجـ.جت من نفـ..سي
    لم يرضِ ذلك آرثر ليحاجج قائلاً:
    - لماذا لم يلحق بك إذاً؟ لماذا لم يعتني بك من بعيد على أقل تقدير؟!!
    - لقد فعلت.
    قالها ريتشارد ليردف بعد أن نظر إليه آرثر بذهول:
    - لقد ذهبت إليها وطلبت منها أن تعود، لم تقبل. أرسلت إليها مالاً كل شهرٍ وكانت تعيده بنفسها، عنيدةً كانت والدتك
    صمت.. لم يعد بإمكانه الكلام.. كان لا يزال غاضباً، إلا أنه شعر بالفخر عندما علم بأن والدته كانت قويةً هكذا.. لم يلبث فخره حتى تبخر بعد أن أدرك بأن حياته قد تغيرت في عيشةٍ وضحها بسلاسةٍ لا تصدق!
    أشار ريتشارد بيديه إلى حارسٍ كان يقف بجانب البوابة الضخمة لتلك القاعة، ليتقدم المعني منحياً بعد أن وقف على بعد ثمانية أقدامٍ من العرش الملكي.
    - اذهب بكل واحدٍ فيهما إلى غرفته التي أعددتها له أمس.
    - أمرك سيدي.
    ثم رفع رأسه إلى آرثر وكاثرين ماداً يده إلى الخارج قائلاً:
    - تفضلا رجاءً.
    سحبت كاثرين آرثر من يده معها، انصاع لأمرها بهدوء، لم يزل مقطباً حاجبيه، كان غاضباً وعاجزاً! لم يكن يملك شيء ليحاجج به، شعر بالقهر، لكنه فضل السكوت على المقاومة، لأنه يعلم يقيناً بأنه لن يستطيع فعل شيء.. على الأقل فليحافظ على ما تبقى من كبريائه.. هكذا قال في نفسه ليخرج من القاعة مع والدته، تاركاً إدوارد والحاكم ريتشارد لوحدهما.
    لم يصدق إدوارد خروجهما حتى صرخ في والده:
    - أجننت؟!! أستعلنه حقاً أميراً غداً، وأنت لا تعرفه أبداً؟!!!
    بثقةٍ وثبات قال ريتشارد:
    - تربية كاثرين، من المستحيل أن تكون جشعة.
    - بالضبط كيف تثق هكذا بأحدٍ لم تره مذ سنين؟!!! وأنا الذي عشت تحت رعايتك لم تثق بي يوماً!
    لم يجب الحاكم ريتشارد، اكتفى بالصمت وقد كان ذهنه شارداً لوهلة، جتى ابتسم بشكلٍ مفاجئ مما أثار ريبة إدوارد ليقول في نفسه " الأمر لا يبشر بخير"
    __________________
    في صباح اليوم التـالي مع انبثاق ضوء الشمس، كان الخبر قد ملأ سيلينيا بأكملها حتى قبل أن يصدح المنادي بأن اجتمعوا في الساحة القصر الخاصة بالشعب، حيث يظهر فيها الملك من على شرفة.
    وقد كان لماثيو -الفتى الأسمر- دور كبير في الحديث حول الأمر إذ كان كلما جلس مع أحدٍ قال: "سمعت بأن هنالك أبن آخر للحاكم - ثم يهمس في أذن الشخص الذي يتحدث إليه: " لقد سمعته بنفسي .. إنه آرثر"
    وهكذا واحداً تلو الآخر، حتى جاء الخبر بأن يجتمع الجميع عند الساحة الملكية - كما تسمى-
    ليقف ريتشارد وقد ارتدى جلباباً أبيض فسيح، بعمامته البيضاء التي تحمل حجراً كريماً أحمر اللون.. صاح بهم قائلاً:
    - أيهـا الشعب الكريم، آن الأوان ليكشف الستار عن أمراء هذه المملكة العريقة.. الذين سيحملون على أعتاقهم أمن هذه المملكة وحمايتها، لذا أرجو أن تكونوا كما عهدناكم شعباً قوياً متماسكاً، يدعو لنا في ظهر الغيب .. كما تعلمون أيها الشعب الكريم فإن لدي ابنان.. أكبرهما ولي العرش إدوارد والآخر آرثر.. سوف يتعهدان بروحيهما لأجل حمايتكم .
    ثم أدار وجهه إلى الخلف مشيراً لأحد الحراس أن يجعل إدوارد يخرج إلى الشرفة وقد كان يرتدي جلباباً رمادي اللون يلتف حول خاصرته حزامٌ قماشيٌ ذو لون أزرق داكن.. وعمامةٌ بذات اللون يتوسطها حجر كريم فضي، جعلت بشرته السمراء تتحد مع خضرة عينيه لتظهر جماله الآسر إلى الشعب الذي هتف بقوة مشدوهاً مما رأى.
    وضع الحاكم ريتشارد يده على ظهر إدوارد قائلاً:
    - إنه وريث العرش إدوارد.
    أدار الحاكم ريتشارد رأسه إلى الوراء ليجعل الحارس الواقف يدخل آرثر، تقدم آرثر بخطواتٍ ثقيلة، لم ينم ليلة الأمس، ولم يتحدث منذ آخر جملة كانت بينه وبين الحاكم ريتشارد، يشعر بثقل شديد.. لا يعلم لماذا هو الآن راضخ إلى هذه الدرجة، على الرغم من أنه ارتدى جلبابه المشابه لجلباب إدوارد إلا من لون الحزام والعمامة التي كانت خضراء كلون عينيه، ليظهر بمنظهر فاتن.. فاتنٍ جداً، ولم يكن ذلك غريباً عليه، إلا أنه لم يكن فرحاً أبداً، تقدم خافضاً رأسه يفكر حتى شَلَّ تفكيره ذلك المنظر الذي لم يحلم به يوماً!
    وهناك وقف مشدوهاً ينظر إلى ذلك الشعب الذي أخذ يهتف ويصرخ باسمه.



    يتبع ...

  12. #231
    _________________
    أشرقت الشمس لتحتضن أشعتها كل جزءٍ من تلك المملكة الخضراء، ومع إشراقها استيقظ ذلك الشعب النشيط كلٌ إلى عمله، ولكي يستعدوا لإكمال احتفالهم الذي من المفترض أن يكون انتهى بالأمس لولا تأخر وصول أليكس وكيت...
    داخل ذلك القصر الناصع ببياضه والذي اتخذ من أعلى تلةٍ في المملكة مقراً له، كانت كيت تقف أمام النافذة الزجاجية الكبيرة في الغرفة التي جهزت لها، تنظر مشدوهةً إلى تلك الطبيعة الصارخة.
    ملامحها بدت كملامح طفلٍ صغير لم يكمل الثالثة من عمره، مسحورةً كانت وهي ترى تلك السماء الزرقاء المزينة بالغيوم، وذلك البساط الأخضر الممتزج بجميع ألوان الزهور والورود .. وحتى المنازل في تلك المملكة، بدت فاتنةً بشكلٍ لا يصدق، كانت أشبه بأكواخٍ خشبية.
    جميع أنواع المواشي كانت تسير كقطيع وحدها، أو مع راعٍ يرعاها.
    ببساطة لقد استحوذت تلك المملكة على قلبها لدرجة أنها لم تشعر بدخول أليكساندر إلى غرفتها.
    أعادها إلى وعيها صوته الذي بدت السعادة واضحة عليه وقد كان واقفاً بجانبها:
    - الفطور جاهز.
    شَهِقت بفزع لتنظر إليه لعدة ثوانٍ صامةً.
    قال وهو يضحك من تعابيرها الفزعة:
    - ما بكِ؟ كأنكِ رأيتي شبحاً
    - لم أشعر بدخولك..
    ابتسم وقد أخذ يلامس أطراف شعرها الطويل داكن السواد والذي كان ينسدل بإهماٍ على كتفيها:
    - استبدلي ملابسكِ وسترشدك الخادمة إلى غرفة الطعام.
    نظرت إلى ملابسها فوراً لتدرك كونها لم تستبدل قميص النوم بعد، أحردها ذلك، لذا تحركت بسرعة نحو الخزانة البيضاء الواقعة يسار السرير الكبير، لترى ما جُهز لها من ثيابٍ لهذا اليوم.
    فتحت الخزانة لترى فستاناً سكري اللون مذَهّب الأطراف والزخارف، مصنوعاً من حريرٍ خالص.
    - وااه.. - نطقت مشدوهةً وعيناها الرماديتان تملعان-
    - هل أعجبك؟
    سألها مبتسماً وقد جلس على طرف سريرها ذو الملاءة البيضاء ينظر إليها.
    - أجل .. جميلٌ جداً.
    - إنني مسرور لأنه أعجبك.
    وقف مغادراً الغرفة، لتتفاجأ بأنه يرتدي ذات ألوان فستانها بذات الزخارف، التي نقشت على أطراف أكمامه.. كان شعره الذهبي قد أضفى جمالاً ساحراً على الملابس، تناسق عجيب، جعله آسراً أكثر.
    مما جعل كيت تتردد في ارتداء الفستان، كونها خشيت لوهلة ألا تستطيع مجارات جماله به.
    أغلق أليكساندر الباب، لتبدأ كيت بتجهيز نفسها.
    ______________________
    في تلك الغرفة الفسيحة بأثاثها الكلاسيكي الأبيض، نوافذٌ كبيرة جداً تغطيها ستائرٌ حمراء مخملية، كما هو حال سجادتها الحمراء الدائرية التي تعتليها الأرائك البيضاء.
    خيّمت أجواءٌ غريبة على أولائك الأربعة المتقابلين بصمت، لا تُفسَّر تعابير وجوهِهم، لا ماهية لحقيقة مشاعرهم حتى قطع ذلك الصمت المقيت صوت ضحكةٍ أجش لإمبراطورٍ لا يفتح فمه إلا بالهراء:
    - هاهاهاهاها، لم أتوقع هذا التجاوب من الشعب، إن الأمور أسهل مما اعتقدت.
    ظهرت السعادة على تعابير ذلك الإمبراطور أشيب الشعر، حتى ظهرت نواجذه الصفراء، بعد أن لبث دقائقاً من الصمت يستعيد المشاهد في عقله، يتأمل كيف فاقت النتائج توقعاته.
    على عكس من حوله تماماً، إذ كانت ملامح الصدمة الممتزجة مع الكآبة وشيءٍ من القلق، اضطراب.. تسيطر على ملامحهم وبالأخص آرثر الذي مذ لحظات فقط انقلبت حياته تماماً، تحول من رجلٍ عاميٍ إلى أمير! تحولٌ صادم.. لولا إصرار والدته وتلك النظرة العميقة التي التمسها منها دون أن يستطيع تفسيرها، نظرة عميقة وموجعة حرّضته على الرضوخ على الرغم من كونه لم يرضى بعد! كأنه لازال يحتاج تفسيراً.. لا يزال مشتتاً شارداً، تقاسيمه باهتة، متعبة، مهمومة جداً، حملتها عيناه الخضراوتان فاختفى بريقهما.
    - منذ اليوم سوف تأخذ مع " أخيك" تدريباتٍ خاصة في فنون الدفاع والمبارزة وامتطاء الخيل.
    نطق مرةً أخرى بصوته الأجش والذي بدأ يصبح مقززاً بل مستفزاً لمسامع آرثر، الذي لم يستوعب بعد كذلك أن من أمامه الآن والده الحقيقي بالفعل، بكل تلك الملامح التي تحمل الخباثة، بكل تلك التعابير التي تحمل نتانة السياسة، ولوهلة شعر بأنه كَرِهه أكثر، خصوصاً ابتسامته الخبيثة التي تملأ وجهه كما لو أنه يتعمد استفزاز آرثر وإدورد الذي يجلس على أريكةٍ منفصلة يسار آرثر، يشتعل حنقاً وغضباً.
    اكتفى آرثر بالإيماء ممتعضاً، ليست به قوى للمقاومة أو المجادلة حتى، بينما نهض إدوارد في غضب وانصرف خارجاً دون أن ينطق بكلمة سوى صفع الباب بقوة للتعبير عن غضبه.
    وضعت يدها المرتعشة على كتف ابنها لعلها تخفف عنه، شعر برعشاتها المتتالية فوق كتفه.
    - " كأنه رعشاتها أكثر عن ذي قبل؟ "
    حدّث آرثر نفسه في قلق، لينظر إليها بعينيه الخضراوتين، تأملها بعمق، جسدها هزل بشكل كبير، بشرتها المتوردة غدت شاحبةً وصفراء، عيناها البندقيتان ذابلة، جسدها بأكمله ينتفض، يرتعش، لا يتوقف عن الارتعاش، بدت أكبر من عمرها ب عشرين سنة، فقدت طابع الشباب الذي كان يميزها قبل فترةٍ قصيرة! كيف تدهورت هكذǿ، قال والقلق بدا من صوته:
    - هل تناولتي دوائكِ؟
    ابتسمت بينما قالت بصعوبة:
    - أ..أجـ..جل لا ت..تقـ..قل..ق
    شعر لوهلة بأنها ستموت أمامه وهي تنطق تلك الكلمة، وكأن روحها ستخرج مع كل حرف.
    بالفعل، كانت تتألم مع كل كلمة تنطقها، تشعر بأن الحروف ك السكاكين تقطع تنفسها وتخنقها، ناهيك عن الألم الذي يجتاح صدرها كلما همّت بالتحدث أو أخذ نفس، حتى أنها أحياناً تكح دماً، إلا أنها لم تظهر ذلك أبداً، تماسكت لكي لا تجعل آرثر يقلق.
    بعيداً عن آرثر وكاثرين اللذين كانا يحدقان في الفراغ بصمت، كان ينظر إليها بعينيه الخضراوتين يتفحصها بدقة، من رأسها إلى أخمص قدميها، يسنرجع ملامحها الصغيرة الفاتنة عندما قابلها أول مرة حتى ملامحها الكبيرة بالسن المتعبة بفعل المرض، بينما يرتشف النبيذ ويقلب ناظريه ينها وبين آرثر الذي يعد ابنه! وبشكلٍ غامض ابتسم، ابتسامةً لا تبشر بخير.
    تحدث مذكراً لآرثر ولكي يستطيع أن يكون مع كاثرين لوحدهما:
    - اذهب واستبدل ملابسك، بعد قليل سيدربك سام، لا تنسى، وتأكد من ذهاب إدوارد معك.
    نظر آرثر هذه المرة إلى وجه ريتشارد المليء بالتجاعيد ملقياً مع نظراته شراراتٍ من الحقد والكراهية، ليقابله ريتشارد بابتسامته الخبيثة مما أثار استفزاز آرثر ليحضر قبضته قاصداً لكم ريتشارد لولا يد كاثرين التي قبضت على قبضة آرثر مهدأةً إياه، ليسحب يده وينهض خارجاً دون أن ينطق بأي كلمة.
    بقيّت كاثرين يقابلها ريتشارد بابتسامة غير مفهومة، وكأنه يستمتع بكل ما يحدث، كان الصمت سيّد المكان إلا من ضحكات مكتومة تصدر عن ريتشارد، مزاجه غريب جداً، مما جعل جعل كاثرين تشك إن كان ثملاً، ولكن هل يثمل من مجرد نبيп
    قال مشتتاً فكارها:
    - لا أصدق كيف عدتِ بعد ان أقسمتِ يميناً على عدم الرضوخ! هاههاههاهاها - ضحك كمن سمع طرفة- ليردف: كنت أتساءل إلى أي حدٍ قد يصمد عنادك! إنك بالفعل عنيدة جداً، تحملتِ كل هذه المدة حتى رضختي أخيراً.
    عضّت على شفتيها تحاول تمالك نفسها على الرغم من كونها فقدت أغلب قوتها إلا ما يستطيع حملها على قدميها الآن.
    - لكن، -قال وقد اعتدل في جلسته واضعاً يداً بداخل يد ليردف:
    - أشكركِ لتنازلكِ، على كل حـال إلى هنا ينتمي آرثر.
    وابتسم بشكلٍ غريب مرةً أخرى مما آثار استفزاز كاثرين التي اعتبرته يتعمد السخرية لاستفزازها.
    نهضت ولازالت كاظمة غيضها قاصدةً مغادرة القاعة ولكن بشكل غريبٍ جثت على ركبتيها ممسكةً بصدرها.
    - آآهه..آه آآه
    ألم صدرها يزداد حدة، أخذت أنفاسها تتسارع، عيناها البندقيتان زائغتان كأنهما على وشك الخروج، العرق يتصبب من جبينها.. بدأت تنحني أكثر فأكثر نحو الأرض، تنفسها أخذ يضيق حتى انهارت راكعة، بينما علا صراخ الحاكم ريتشارد باستغاثة بينما ذهب فزعاً نحو كاثرين المنصرعة أرضاً:
    - كــــاثريـــن.. كااثرين!!، أيها الخدم، أيهـا الخدم، حرررااااس، أيها الحرررس، استدعو الطبيب حـالاً!!
    أمسك بجسدها الهزيل، هزه بشدة لعلها تستفيق، لعل الهواء يعود ليتخلل رئتيها، صفعها، صرخ بها! بدت كخرقةٍ بالية بين يديه، وأخذ لون وجهها يتلون حتى أصبح مائلاً للون الأزرق، شفتاها بنفسجيتان.. إنها تختنق بين يديه، وهو بكامل عظمته وملكه بدا عاجزاً لا يستطيع فعل شيء..
    لم يسمع أيَّ استجابة! كما لو كان يصرخ بلا صوت؟ لا يعلم أين ذهب الحرس؟ نسى كل شيء حتى أن وقت مناوبة الحراس قد حان لذا يحتاج الأمر دقائق حتى يأتي الحرس المناوبون.
    لم يجد نفسه إلا وقد حمل كاثرين بين يديه الضخمتين وأخذ يركض بها صارخاً بين ممرات القصر المكسوة بالسجاد الأحمر كالمجانين:
    - استدعـو الطبيب جــاك حــــالاً!!!!!
    مضطرباً كان، خائفاً لا يعرف ماذا يفعل، ينظر إليها بفزعٍ شديد، عيناها جاحظتان، وجهها أزرق، وفاهها أخذ يخرج زبداً أبيضاً لا يعرف ماهو سوى أنه أفزعه أكثر ليصرخ في خدمه الذين تبعثروا مضطربين في أرجـاء القصر.
    ________
    اجتمعت العائلة المليئة بالشبـان متحلقين حول بعضهم يحتسون الشـاي ويتبادلون أطراف الحديث على أرائك بيضاء تحمل ذات بياض ستائر تلك القاعة متوسطة الحجم بالنسبة للقاعات الأخرى في ذلك القصر المشهور بجمال حدائقه، كانوا ستة أفراد؛ أربعة أمراءٍ والحاكم وزوجته.
    تحدث الأصغر سناً والذي يبلغ من العمر اثنان وعشرون عاماً كان لمعان شعره البني بسبب أشعة الشمس المخترقة زجاجة الشرفة، يضفي جمالاً ساحراً عليه فوق جمال عينيه البندقيتين:
    - متى قلتم عقد التحالف؟
    أبعد والده الحاكم ليونارد كوب الشاي بعد أن رشف القليل، قائلاً بهدوءٍ واتزان:
    - بعد أسبوعٍ من اليوم تقريباً.
    كانت ملامحه هادئة جداً لا تحمل أيّ ردة فعلٍ كـ توترٍ أو رهبة، على عكس ملامح زوجته التي تصلبت ملامحها معقدةً حاجبها بقلق، تشد على يديها بتوتر تنظر إلى كوب الشاب أمامها شاردةَ الذهن، وفي عينيها العسليتين يلتمع بريقٌ صامت يحمل بين ثنياه خوفاً وتوجساً من المستقبل، شعر بتوترها ابنها الأكبر -جورج- والذي كان قد ورث ملامحها كـ لون شعره البني الذي يصل إلى كتفيه وعينيه العسليتين، كان أشبه أولادها لها، أمسك بيديها المشدودتين ضاغطاً عليهما برقة مطمئنة، قائلاً بنبرته الهادئة كعادته:
    - لا بأس عليكِ لن يحدث شيء.
    ولأن الأمهات يؤمنون أشد الإيمان بأحاسيسهم، لم ترتح إليزابيث إذ نظرت نحو ابنها نظرةً مشوبةً بالشك، كأنها تقول " حدس النساء لا يخطئ" ولكنها طردت الشكوك للوقت الحالي على الأقل بابتسامة موترة.
    ولأن الأجواء توترت وتعقدت، تحدث جون بمرح لإبعاد الأجواء الشائكة التي حدثت بسببه:
    - أعتقد بأن كيت تصنع وجوهاً عجيبةً الآن توجساً من الغرباء.
    ضحك زاكس ذو الشعر الأسود الفاحم المقابل لجون، والذي كان يجلس عن يمينه مايك شارد الذهن بصمت منذ أن طرأ موضوع " عقد التحالف "
    وعلى الرغم من أن العائلة عادت إلى حيويتها ناسيةً أو متناسيةً أمر عقد التحالف الذي بات قلق الجميع، فها هي العائلة تعلق تارةً بتخمين ردات فعل كيت وتارةً بالسخرية على بعض التخمينات، وتارةً بالتعبير عن كونها تركت فراغاً منذ رحيلها إلا أن مايك كان الوحيد الصامت والذي لم ينطق ببنت شفة، بل شرد مفكراً بعمق حتى نطق مقاطعاً الأجواء المرحة ومفسداً إياها بالأصح، ليعم التوتر بشكلٍ فضيع مرةً أخرى:
    - هل يجب أن نحضر عقد التحالف؟
    نظر له والده بعينيه الرماديتين بتعجبٍ مصطنع:
    - بالتأكيد، ما بالك يا بني؟ سؤالك غريب!
    لم يرفع مايك عينيه البنيتين عن الفراغ الذي كان شارداً به، ليردف بذات نبرته السابقة:
    - وإن لم نذهب، ماذا سيحصل؟
    رفع جورج حاجبيه باستنكار!، ما الذي يتقوه به هذا الأحمق، قال جورج بنبرةٍ مستنكرة كما تشكلت ملامحه:
    - إن لم نذهب، سيكون إعلاناً رسمياً بتمردنا، كما أننا نقطع صلتنا بجميع المماليك الأخرى، ما بك ما هذا السؤال؟
    رفع مايك ناظريه نحو والده الذي كان يجلس وحدة على أريكةٍ يسار مايك، كان قد ورث من والده شعره الأسود كما الحال مع زاكس وكيت، نظر إلى والده بتعابيرٍ فزعة، قال بنبرةٍ مرتجفة، مهزوزة، غير مبالي بصورته كـ أمير و بأنه قد يُظهر مخاوفه، وجبنه!، كأن الفزع قد تملكه وهذا ماحصل فعلاً:
    - إنني خـائف، لست مطمئناً أبداً!
    ارتسمت ملامح السكينة إلى الحاكم ليونارد، ليقول بنبرةٍ حازمة أخرست مايك وأعادته جزئياً إلى رشده:
    - ليس هكذا يفكر الأمراء، كيف سأدع المملكة في حمايتك إن كنت جباناً من المستقبل؟
    عض مايك على شفته السفلية بقهر مغمضاً عينيه البنيتين، انعقد لسانه لا يستطيع الرد، والده على حق..
    كان جميع من بالقاعة صامتين، غمامة سوداء ابتلعتهم جميعياً، فلم يعد يجدي نفعاً تغيير الموضوع إلى شيءٍ مرح مرةً أخرى.
    وقف مايك في حركةٍ مفاجئة، وخرج مغلقاً الباب خلف، بينما تبعه زاكس سريعاً، وكأنه يخشى أن يعود أخوه الأصغر والأقرب إليه إلى حالة الكآبة التي لم يصدق أحد بأنه قد خرج منها أخيراً.

    - تم الجزء التاسع-

    ما هي توقعاتكم للجزء القادم؟ وماذا سيحمل بين طياته من أحداث؟
    ماذا عن والدة آرثر؟ ماذا سيؤول حالها إليه؟ وكيف سيتقبل آرثر مكانته الاجتماعية الجديدة؟ ماذا عن تعامله مع أخٍ لم يكن يعلم عن وجوده أبداً طوال سنين حياته السابقة؟
    ماذا عن عقد التحالف؟ هل سيكون يوماً عادياً لا يستحق كل هذا القلق؟ هل أمر القلق الذي تواجهه اسرة آل آرسيون الحاكمة لمملكة أورتيرا ليس إلا حالةً زائة من القلق الذي لا مبرر له؟
    كل ذلك وأكثر سيحمله الجزء القادم



  13. #232
    يعجز اللسان عن صياغة اعتذار مناسب ، أخجل حتى من الاعتذار
    المماطلة هذه لم تكن مقصودة، آسف صدقًا ، أو فليعطني أحدكم مرادفًا أبلغ من الاعتذار ؟

    قد أرفق الجزء العاشر مع أول تعليق حتى أضمن وجود متابع واحد على الأقل للرواية
    وسأكملها حتى لو لهذا المتابع فقط.
    هي بدأت من هنا وستنتهي كذلك كما بدأت.



    شـاكر لكم حسن ظنكم وصبركم


    بالمرفقات خريطة الشخصيات للتذكير والتوضيح.



    الصور المرفقة الصور المرفقة attachment 

  14. #233

  15. #234
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة sasunaru مشاهدة المشاركة
    أكمليهاا رجاءً !! e411
    بإذن الله سأفعل ذلك، ولأجل تعليقك فقط سأرفق الفصل العاشر

  16. #235
    Part 10
    أسدلت شعرها فاحم السواد على ظهرها، مرتديةً فستانها المعد لها خصيصاً والذي يشبه في لونه السكري وزخارفه الذهبية ملابس خطيبها أليكساندر.
    همت بمغادرة غرفتها متجهةً إلى غرفة الطعام حيث ينتظرها والدا أليكساندر، إذ بها تتفاجأ بأليكساندر يقف متكئاً على الجدار المقابل لباب غرفتها، ما إن رآها حتى ابتسم ماداً يده ليمسك بيدها ويأخذها معه، كان ينتظرها بينما لم تكن تعلم وأخذت وقتاً طويلاً في الاستعداد، شعرت بالإحراج قليلاً عاضةً على شفتها السفلية بصمت، حتى شعرت بأعين أليكساندر الزرقاء تخترقها، أدارت وجهها له كحركة لا إرادية ليقول أليكساندر بابتسامة بدت ساحرةً جداً:
    - تبدين رائعةً جداً.
    أدارت وجهها إلى الجهة الأخرى بينما شتمت في سرها قدرة هذا الرجل على الإخلال بتنفسها واللعب بضربات قلبها، وقد توردت أذناها كما هو الحال عندما تخجل قائلةً في نفسها:
    - " تباً، كان من الأفضل ألا يبتسم هكذا، هل هو لعوب أو ما شابه؟ "
    اعتدلت موجهةً حدقتها الرمادية إلى الأمام حيث ممرات القصر الفسيحة المكسوة بالسجاد الأحمر قائلةً بهدوء، تحاول فيه ضبط نفسها:
    - شكراً لك،.. أنت كذلك تبدو رائعاً.
    هبطا درجات سلم كبيـر مكسو بذات سجاد الممرات الأحمر، يؤدي إلى بهوٍ واسع بأرضية رخامية بيضاء، كان البهو دائريَّ الشكل، نصف جدرانه زجاجية تطل على حديقةٍ جميلة جداً، والنصف الآخر المقابل لها يؤدي إلى ممرٍ واسع جداً يحتوي على عدة أبواب بيضاء كبيرة، كان أحد أضخم الأبواب فيها والذي وقف على جانبيه حارسـان هو الباب المنشود لقاعة الطعام.
    دخلا القاعة بعد أن فتح أحد الحراس لهما الباب منحنياً، انحنيا هما الآخرين كذلك باحترام ما إن رأوا الحاكم كارل والذي مازال محافظاً على مظهره الشاب بشعرٍ أشقرٍ تتخلله بعض الخصل البيضاء، وعينيه النيليتين اللتين أورثهما ابنه، والملكة ديانا الفاتنة جداً جاعلةً شعرها الذهبي القصير يتدلى على كتفيها مما جعلها تبدو أصغر بكثير من عمرها، وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة أموية مريحةً جداً ، دخلت قلب كيت بسرعة جداً،
    جلست كيت وبجانبها أليكساندر على طاولة الطعام الخشبية المستطيلة، كانت تتوسط القاعة الفسيحة بأثاثها البندقي وجدرانها التي يغلب عليها الزجاج، والتي تطل بالطبع على المسطحات الخضراء الخاصة بحديقة القصر الضخمة والتي تحيط به من كل الجهات.
    كانت كيت تتفحص تفاصيل القاعة باهتمام كما هي عادتها عندما تدخل مكاناً جديداً، فيشرد ذهنها كأنها طفلٌ، وقد يعود السبب إلى كونها لم تكن تسافر كثيراً حتى إلى قصور عائلتها في شمال أو شرق مملكتها، حيث يذهب إخوتها أحياناً.
    قطع تأملها صوت الحاكم كارل الرزين الذي قال بابتسامة:
    - هل نمتِ جيداً بالأمس؟
    أومأت كيت باستحياءٍ شديد:
    - أ..أجل
    في حقيقة الأمر، كونها لم تكن تختلط بالغرباء سوى بخدم القصر، فهي خجولةٌ جداً إلى تلك الدرجة التي تجعلها تلتصق فيها بمن تشعر أنه الأقرب لها، وقد تكون وقحةً أحياناً إن لم يكن شخصاً مهماً، أو شخصاً لا تعرفه كونها لا تعرف الطريقة الصحيحة للتعامل كما حدث عندما تقابلت مع أليكساندر لأول مرة.
    كانت دوماً تلتصق بأخوتها لكنهم ليسو هنا.. فلا يوجد أحد غير أليكساندر الذي شعر أنها أقربت كرسيها منه لكنه لم يكن متأكداً أفعلت ذلك أم لا
    وُضع طعام الإفطار، وبدأ الجميع في تناول أطراف الحديث والآكل، وبالطبع كانت كلما سُئلت أجابت باستحياءٍ واقتربت لا إرادياً من أليكساندر الذي علم بأنها حركة لا إرادية وأمسك بيدها كي يطمئنها على الرغم من أنها خجلت أكثر.
    قال أليكساندر إلى كيت بعد أن أنهى طعامه:
    - سنذهب بعد قليل لنحتفل مع عامة الشعب، ألا بأس بذلك؟
    - أوه.. بالتأكيد..
    بالتأكيد؟ كان غريباً ألا ترفض في حقيقة الأمر، مع شخصيتها الخجولة مع الغرباء، هي حتى لا تحب الاختلاط بهم كثيراً، ولكن شغف اكتشاف هذه المملكة الجديدة جعلها تقبل ذلك وبكل سرور ربما، أو كونها أصبحت مطيعةً جداً لعدم وجود من تستطيع أن تعصي أوامره؟
    ________
    وسط غابة تحفها الأشجار من كل جهة، كانت الشمس بأشعتها الدافئة رابعة ثلاثة أشخاص، وقف أحدهم مقابلاً لاثنين يمسكان عصاً خشبية، كان قد ارتدى زياً رسمياً مع شاراتٍ على كتفيه تشير إلى رتبته العالية.
    شعره فاحم السواد يغطي جبينه، واقفاً بحزم ينظر بعينيه الصافيتين كالزجاج يوجه من أمامه:
    - سنبدأ بأساسيات المبارزة، ولأن الأمير ادوارد اتقن هذه المهارة منذ صغره، فسيساعدك أيها الأمير آرثر على اتقانها، بينما ستكون شركيه في تطوير هذه المهارة، عند اتقانك لهذه المهارة سننتقل إلى امتطاء الخيل، وعندما تتقنها أيضاً سنتعلم المبارزة عند امتطاء الخيل.
    كان آرثر يقف على بعد خطواتٍ من إدوارد، شارد الذهن بينما يمسك عصاً خشبية، وبالنسبة للأخير فلم يكن أقل حالاً منه، فقد كان مسنداً ظهره إلى جذع شجرةٍ مبعثراً شعره الكستنائي بتململ كأنما أرغم على الحضور وهذا ما حصل فعلاً.
    زفر سام بضيق محدقاً بعينيه الزجاجيتين إلى آرثر قاطعاً شروده:
    - لنبدأ بالمبارزة أيها الأمير، لتنتقل إلى الخطوة التالية ألا وهي مبارزة الأمير إدوارد.
    رفع آرثر حدقتيه الخضراوتين واتخذ وضعية القتال دون جدية، كان مرغماً على الحضور أيضاً، ولكن ذلك تغيّر تماماً عندما شن سام الهجوم بقوة، لم يفعل آرثر شيئاً سوى صد الهجمات بسرعة كونه لم يتخذ وضعية القتال الصحيحة مذ البداية.
    توقف سام مبدياً إعجابه:
    - ردة فعلك رائعة، بنيتك قوية كذلك، لكنك لم تهاجم أبداً، سنعيد الكرة وركز جيداً بهجماتي لتفعل مثلها.
    أومأ آرثر برأسه مستعداً، كاد أن يبدأ لولا تدخل إدوارد المباغت شناً على آرثر من الخلف، استطاع آرثر صدها ولكنه فوجئ بنظرات الحقد المنبعثة من إدوارد قائلاً بينما يقاتل بجدية كمن قابل عدواً:
    - لا أعلم ما هي نيتك، لكنك بالتأكيد لن تستطيع الحصول على العرش أبـــداً!!
    أجاب آرثر بحنق:
    - لست مكترثاً بعرشك النتن.
    - ألم تكن ترفض المكوث هنǿ لماذا رضخت إذاً؟!! لقد كانت مسرحيةً افتعلتها بنفسك!
    قال ذلك هاجماً بكامل قوته على آرثر الذي كُسرت عصاته وسقط أرضاً، كاد أن يقوم بضربه مباشرةً لولا تدخل سام في الوقت المناسب:
    - أيها الأمير إدوارد مــاذا تفعل؟؟ أتحاول قتــله؟!
    تجاهل إدوارد سام موجهاً عينيه الملتهبتين ببريقٍ أخضر نحو أرثر الذي نهض نافضاً الغبار عن ملابسه ويديه قائلاً:
    - ليكن في علمك فقط، بأنني أتيت بناءً على طلب والدك الذي كان سيجعلني آتي رغماً عني بأي طريقةٍ يمتلكها، وكذلك لولا إصرار والدتي لما رضخت أبـــداً!
    ثم حوّل عينيه -اللتين تشبهان في لونهما وشكلهما عينيّ أخيه- إلى سام، ليردف:
    - تعلمت ما يكفي اليوم، أراك غداً.
    وأدار ظهره تاركاً إدوارد الذي كان صدره يعلو يهبط غضباً، وسام الذي ابتسم ساخراً بهدوء على ما حصل أمامه.
    ________________
    وقف مسنداً ظهره إلى باب غرفتها ذو اللون البنيّ الفاتح، كان يتأملها وهي تحدق في سقف غرفتها المزيّن بزخارف ذهبية مستلقية على سريرها الوفير ذو اللون الزهريّ.
    لم تخرج من غرفتها كثيراً فب الآونة الأخيرة، مذ تشاجرت مع والدها، حتى الطعام كان يصلها إلى غرفتها.
    أما بالنسبة للشاب أشقر الشعر المستند إلى بابها فقد كان من يأتيها بالطعام ، ويتناوله معها أحياناً.
    قطع صمت المكان خطوات نيكولاس التي تقصد سرير جولي، قال بعد أن استلقى بجانبها :
    - كفي عن هذا العناد، وعودي لتناول الطعام معنا، إن الاجواء هناك جداً مملة.
    - لن آتي حتى يعتذر والدي
    - أنتِ تعلمين تماماً بأنه لن يعتذر أبداً، إنك لا تعاقبينه الآن. - اعتدل جالساً ينظر إليها بشيءٍ من التأنيب: إنكِ تعاقبينني.
    نظرت إليه بعينيها العسليتين قائلةً بشغب:
    - إذًا أَضرِب معي ولنتناول الطعام معاً.
    داعب نيكولاس خصلات شعرها الشقراء المموجة قائلاً بابتسامة:
    - إنه والدنا، هو يشهر بالوحدة بعد وفاة أمي، لا يجب أن نجعله يشعر بذلك أكثر، أليس كذلك؟
    قطبت حاجبيها، لقد شعرت بصحة كلام أخيها، إلا أنها تجد صعوبةً في الإعتراف، كيف لا وهي من ورثت مزاج والدها الصعب؟
    شعر بشأن تقلب مزاجها للأسوأ لذا غيّر الموضوع قائلاً:
    - ماذا سترتدين ليوم عقد التحالف؟ تعلمين إنه قريب جداً.
    - سأرتدي فستاناً أحمراً أعددته خصيصاً لذلك اليوم!
    - يجب أن يطغى جمالك على كل الأميرات، وبالأخص أميرة أورتيرا
    - بالتأكيد، وإن كنت لا أهتم لأمر ألكساندر، سأريه كيف يرفض ابنة عائلة آل نيتروك.
    ضحك نيكولاس قائلاً بعد أن رأى نشاط أخته قد عاد:
    - إنك شقية حقاً
    _______________
    كان مسنداً ظهره إلى جذع شجرةً يقلب أفكاره في صراعٍ عنيف، إلى ماذا آلت إليه حياته؟ ليس يدرك شيئاً، لا يستطيع التمييز حتى ، ظلّ شاردًا غير مكترث إلى خطورة موقعه، أمامه منحدرٌ صخري شديد الانحدار يؤدي إلى الغابة، حادٌ جداً قد يودي بحياته لو انزلقت قدمه عن طريق الخطá لكنه لم يكن واقفاً ليخشى السقوط، كان مستنداً إلى شجرةٍ متطرفة لدرجة أن قدماه كانتا تتدليان من المنحدر.
    " مـاذا يحدث؟" السؤال الذي يتردد في صدى أعماقه بقوة.. أن تصبح أميراً بعد أن كنت فلاحاً بسيطاً لا يملك إلا ردائين، أمورٌ لم تكن في الحسبان.. لا تدرج ، كل شيء حصل فجأة، حتى طبيعة مشاعره لم يستطع تمييزها، فجأةً أصبح أميراً، فجأة قُدِّم بشكلٍ رسمي إلى شعب أعظم مملكة، فجأة أصبح يأخذ دروس مبارزة... فجأةً بعد عشرين عامًا ينتقل من أقل طبقة في المجتمع إلى أعظم طبـقة.
    أمسك رأسه بيديه السمراء بفعل الشمس، صداعٌ قوي يجتاحه، شد شعره الأشقر صارخاً بملئ فمه لعله يخفف من الضغوط التي اجتاحت صدره.
    نظر إلى الأفق بأسى، مـا أكبره، ما أوسعه، حمرة الغروب الممتزجة مع زرقة السماء، والشمس التي تسدل آخر خيوطها مودعةً هذا الشق من الأرض.. كلها لم تتوقف لأجل عتباتٍ وقفت بطريقه، جميعها بقيّت كما هي، مشهد الغروب نفسه يتكرر في كل يوم، على الرغم من أن حياته انقلبت رأساً على عقب، هذا الكون كان واقفاً بجبروت ، معدٌ بدقةٍ وحسن صنع لا يتغيّر، لا يتأثر!
    وقف بعد أن تنهد بقوة مغادراً، سيحل الظلام وسيكون عليه العودة إلى المملكة خصوصاً أن المكان بعيد جداً عن قصر الحكم، لم يعد كما السابق، لقد بات معروفاً الآن وذك سيوقعه بالمشـاكل، أو الأغتيال ربمǿ .. لن يستطيع الخروج وحده متسللاً في كل وقت.
    لقد ارتدى هذه المرة عباءةً سوداء، ذات قبعةٍ ليغطي بها شعره الأشقر، كانت متداولةً في مملكته لذلك لم يكن شكله شاذاً، وبهذا استطاع التنكر.
    حالما وصل إلى القصر متسللاً من أحد الأبواب السرية التي اكتشفها قبيل الصدفة بعد أن تاه بين حدائق القصر الأشبه بالغابة، استقبله ليون أحد جنود الحاكم وصديق القـائد سام، أصلع الشعر ذو بنية قوية شبيهة لحدٍ كبير ببنية سام؛ عرض المنكبين، طول القامة، ذات كتلة الجسم تقريباً، حتى أنه إن لبس عباءةً مغطياً رأسه قد يلتبس بينه وبين سام!
    كانت ملامحه مكفهرة، قلقة لا تبشر بخير، ما إن رأى آرثر حتى ركض إليه قائلاً:
    - أين كنت يا سيدي؟ كنا نبحث عنـك طوال النهـار!
    تحدث المعني بملامحٍ بـاردة سرعـان ما بُهتت:
    - هل حدث شيء مǿ
    - انهـارت السيدة كـاتريـــن.
    بهتت ملامح آرثر تمامًا، صرخ في ليون ممسكاً كتفيه:
    مـاذا تقــــول؟؟ أيــن هي؟ ماذا حـــدث؟؟
    - اتبعني يا سيدي، هي في غرفتها، والحاكم ريتشارد مع الطبيب هناك أيضاً.
    تبعه آرثر في ممرات القصر الفسيحة المليئة بمختلف الأبواب ذات الألوان الداكنة تماماً كشعور آرثر الذي غدا يتفاقم شيئاً فشيئاً، حتى وصلا بعد أن استقلا درجات السلم المكسو بالسجاد الأسود مذهب الأطراف المتصل بكـامل ممرات القصر، إلى بوابة غرفة كاثرين في جنـاح الأسرة الحاكمة.
    دخل آرثر سريعاً مبعداً الجنود المتزاجمين أمام البوابة ليرى الاكم ريتشارد يجلس على كرسيٍ خشبي ممسكاً بيد كاثرين المستلقية على السرير تغطي جسدها ملئاة بيضاء، ملامحها سيئة جداً، جبينها متعرق، وشفتاها باهتتان تماماً.
    ركض إليها ممسكاً وجهها بين يديه ينادي بفزع:
    - أمـي!.. أمـــي!! استيقظي مابــك؟!
    أدار وجهه نحو الطبيب ذو الشعر الرمادي الواقف بجانب الحاكم ريتشارد:
    - ماذا بهǿ؟ ماذا حصل؟؟
    تحدث الطبيب متحاشياً النظر إلى وجه آرثر:
    - لا أعتقد أنها قد تصمد حتى الغد.
    صرخ آرثر بنفاد صبر:
    - ألست طبيباً!! افعل شيئاً!
    تنهد الطبيب قائلاً:
    - فات الآوان، لن أستطيع فعل شيءٍ الآن، إنها تحتضر.
    ثم انحنى منصرفاً خارج الغرفة، تاركاً آرثر الذي سقطت دموعه بانهمارٍ لاسعةً وجنتيه:
    - مـاذا.. ماذا يقول..
    قلّب ناظريه نحو والدته،.. احتضن رأسها إلى صدره بقوة راجيـاً إياها بانتحاب كطفلٍ صغير:
    - لا تتركيني... أمــي لا تتركيني.
    كان ريتشارد صامتاً، يقلب يديه بشرود، وما إن ازداد شهيق آرثر وعلا بكاؤه حتى وقف ممسكاً بكتف آرثر بعنف لينظر الأخير إلى والده صامتاً فتفاجؤه صفعةٌ قويةٌ ألجمته مجمدةً الدموع في محاجرها، صرخ به بعد أن سحبه من شعره الأشقر ملقياً إياه إلى الأرض راكلاً جسد آرثر الذي كان مصدوماً، وسط ذهول الحراس الذين ابتعدوا عن واجهة الغرفة:
    - توقف عن النحيب ك الأطفال! لا تـكن عاراً علي بهذا الضـعـف! واستعد للجنازة غداً، سوف تكون سرية تماماً، لدينا احتفال بعد بضعة أيام، لا أود أن يتم إفساده بسبب جنازة عجوز.
    وانصرف مغلقاً الباب بقوة، تاركاً آرثر في حالة صدمة تامة، لا يعي ما يحدث من حوله، وكاثرين التي ارتفعت حرارتها أكثر.
    وقف آرثر واتجه نحو والدته المستلقية بشرودٍ وخطاً ثقيلة مستلقياً بجانبها معانقاً جسدها الساخن، متجاهلاً كل شيء، أغمض عينيه دون أن يفكر بما سيقابله غداً.
    رغم الألم الذي عصف قلبه، رغم الخوف الذي كان يعتريه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، ذلك الخواء القارص من برودته قلبه المرتعش.. وعلى الرغ من كونه رأها بتلك الحالة السيئة؛ حرارتها المرتفعة جداً، جسدها المتعرق، وجهها الشاحب كما لو أنه خالٍ من الدماء، إلا أنه تمكن من النوم لأنها فقط بجانبه، لأنه احتواها بين يديه كأنه بذلك يتأكد على الأقل بأنها لن ترحل؟ .. أو هكذا ما كان يتمناه..
    - - - - -
    كانت أشعة الشمس عـمودية على عينيه، فاستيقظ منزعجاً بسببها، آثـار الدموع كانت مرسومة على وجنتيه المحمرتين، جفونة كانت ثقيلة بفعل البكاء الذي استمر طويلاً، عيناه الخضراوتان فارغتان من بريقيهما، كأنهما خاليتان تماماً من الحياة.
    شعر بتخدر ذراعه اليمنى فتذكر والدته الذي كان يحتضن جسدها مذ الأمس، اعتدل فزعاً يشعر ببرودة جسدها، تفحص جبينها صارخاً:
    - أمي!! أمـي، لما أنتِ باردة هكذا!
    أمسك بوجهها كي يتفحصه جيداً، ليتفاجأ بزبدٍ أبيضٍ قد خرج من فمها مبللاً الوسادة ويبدو أنه قد خرج مذ فترة!، فَزع أشدّ الفزع ليصرخ بملئ فمه:
    - حراااس، أيهــا الحراس!
    دخل أحدهم والذي كان يحرس غرفة كاثرين بطلبٍ من الحاكم ريتشارد:
    - أمرك سيدي
    - استدعــــي الطبــيـب حـــالاً.
    خرج الحارس راكضاً، ليحضر طبيب القصر والذي بدوره أتى مسرعاً وحين رأى الزبد الذي تقيأته كاثرين، تحسس نبضها ليرتسم على وجهه الذي أكل عليه الدهر تعابيراً مستاءة مغمضاً عينيه بقلة حيلة، ليتضح لآرثر ما حصل.. لقد ماتت كـاثرين بين يدي ابنها تاركةً إياه يواجه لوحده حياة جديدة تماماً.
    وقف وقد تشوشت الأفكار في رأسه، بدأ يفقد الاستيعاب شيئاً فشيئاً، لوهلة تمنى بأن يكون هذا السيناريو المثير للشفقة فعلاً بدأً من كونه قد أصبح أميراً حتى وفاة والدته، ليس إلا كابوساً سيستيقظ منه.

    في تلك الأثناء كان إدوارد لتوِّ عائدٌ من لهوه اللية الماضية، فقد تغيب عن القصر ولم يعلم ما كان يحصل، صعَد درجات السلم المكسو بالسجـاد الأسود بينما يدندن وشعره الكستنائي مبعثرٌ ومبلل، مما يوحي بأنه كان يلهو عند بحيرةٍ خارج مملكة سيلينيا، كان متجهاً إلى غرفته في الجناح الملكي حتى استوقفه تجمّع الخدم أمام غرفة كاثرين بينما ترتسم تعابير الحزن على ملامحهم وبالأخص رئيسة الخدم الطاعنة بالسن " مونيسا" فهي أقدم الموجودين، حتى أنها كانت موجودة مذ شباب والده، كانت تبكي بصمت.
    اتجه ليرى ماذا يحدث، ولأنه كان طويل القامة استطاع أن ينظر من فوق رؤوس الخدم ما يجري داخل الغرفة دون أن يزاحم الموجودين أو يثير الانتباه، رأى ظهر والده أمام سرير كاثرين بجانبه كان يقف الطبيب وعلى الجهة المقابلة كانت تعابير الفراغ تكسو آرثر، رفع الطبيب غطاء السرير يغطي به وجه كاثرين الخالي من الحياة، سأل مستفهماً رئيسة الخدم مونيسا -والتي تشارف على الانتهاء من عقدها التاسع-:
    - ماذا يحدث؟
    - لقد توفيت كاثرين.
    - أتقصدين والدة المتطفل؟
    قالت بتأنيب من بين دموعها:
    - إنه أخوك!
    أشاح وجهه بانزعاج قائلاً:
    - أي أخٍّ يأتي بعد عشرين عاماً؟ لا أكترث أيّاً كانت.
    أدار ظهره قاصداً غرفته ولكن أوقفته جملة مونيسا:
    - لقد كانت من ربتك ألا تتذكر؟ لقد اعتدت أن تكون قويّ الذاكرة في ما يخص طفولتك، لكن قد لا تتذكرها فقد كنت صغيراً جداً..
    قطب جبينه بانزعاج مكملاً طريقه ليبدأ عقله باسترجاع شبح ذكرى مشوش لتهويدة يتذكر لحنها جيداً دون مضمونها، وألمٌ دب في صدره، ذات الألم الذي خالجه لأول مرة حين رآها، ذاتها تلك المشاعر التي لم يستطع تفسيرها، لكنه طردها سريعاً حالما وصل إلى غرفته الفسيحة، بشرفها الكبيرة المطلة على الحديقة الخلفية للقصر، بأشجارها الكثيفة والمتلاحمة والمتشابهة، فهي متهاة على كل حال.
    استلقى على سريره الوفير مغمضاً عينيه الخضراوتين الشبيهتين بعينيّ آرثر، بالفعل كانا يمتلكان العينين ذاتها مع اختلافٍ بسيط في الملامح ولون الشعر، أمرٌ لم يدركانه، لا عجب فلم تسنح لهما الفرصة لينظران إلى بعضهما البعض أصلاً!
    مشاعرهما اتجاه بعضهما مشوشة، ليست واضحة، لم تكن مريحة وذلك ما كان يؤرق إدوارد كثيراً، لم يكن معتاداً على أن يشاركه أحد شيئاً، إنه في الثانية والعشرين من عمره ولكنه يظل كطفل في الخامسة، إن تعلق الأمر بشيءٍ من ممتلكاته.
    ماهي إلا دقائق حتى غط في النوم بعمق، غير مكترثٍ بما قد حصل.
    ______________________________




    يتبع...

  17. #236
    ____________________
    لم تكن الرحلة إلى كاميليا مريحة بالنسبة إلى كيت على الرغم من كونها ممتعة، وذلك لأن أليكساندر يجب أن يكون مجنوناً قليلاً فقد رفض أن يأخذ عربةً وأن يسلك الطريق الصحيح معللاً بأنه طويل، فأخذها إلى طريقٍ مختصرٍ مليءٍ بالأشجار والمنحدرات، كان خطراً حتى أنه أخذها على حصانه من دون حراس! ذلك ما جعل والده يفقد صوابه قليلاً ، لذا صرخ به وسط غرفة المعيشة حيث كان الحاكم كارل واقفاً يأنب ألكساندر الجالس بجانب كيت وأمامه كانت زوجته ديانا تحاول كتم ضحاكتها:
    - أتخبرني بأنك تريد أن تعيد كيت كما جئت بهǿ!!! أتمزح معي؟
    داعب أليكساندر خصلات شعره الذهبي متلملاً من عتاب والده الذي أعاده مراراً ما إن عَلم بما حصل، كانت كيت تضحك دون صوت فقد كان الوضع غريباً، يفترض بأن تكون الأوضاع رسمية بالنسبة للمرة الأولى للقاء بشكل رسمي هكذا، إلا أنها انقلبت كما لو كانت جلسة عائلية أقرب منها للرسمية، وهذا ما جعل كيت تشعر بالراحة، قال أليكساندر راجياً بصوتٍ يملؤه اليأس من قبول والده:
    - صدقني لا نحتاج عربة، يكفي حصاني والطريق المختصر الذي سأسلكه إلى أورتيرا.
    صرخ الحاكم كارل بنفاذ صبر وكأنه سئم من إعادة السيمفونية مرة أخرى:
    - هل أنت مجنون؟؟ طريقك المختصر يأخذ نصف يوم دون انقطاع وخطر جداً!، لا أصدق بأنك سلكته في قدومك إلى هنا - أدار وجهه نحو كيت ليردف: آسف على طيشه حقاً، لا أصدق بأنه جعلك تخوضين تجربةً مريعة كهذه.
    ضحكت كيت قائلةً:
    - على العكس، كانت ممتعة جداً
    - لكنها خطرة جداً ومتعبة!
    قاطعة أليكساندر :
    - إنها أفضل من الطريق الطويل الممل الذي يأخذ مسيرة يوم ونصف بسبب موكب الحراس وأوقات الراحة التي لا حاجة لنا بها!
    لازال الحاكم كارل مصدوما حين قال:
    - لا عجب إذاً أن الخدم وصلو في اليوم التالي، حتى أن الاستعدادات كانت لليوم التالي، ولكنكما فاجأتماني فعلاً - أدار وجهه إلى أليكساندر بعد أن جلس على الأريكة الكبيرة البيضاء بجانب زوجته :
    - ستذهبون من خلال الطريق الطويل مع موكبٍ من الحراس، هذا آخر كلام ولا أريد المزيد من الاعتراضات يا إلكساندر!
    ألكساندر برجاء:
    - على الأقل أخفض عدد الحراس من خمسةٍ وثلاثين إلى خمسة عشر حارسٍ .. لا بل عشرة فقط يكفي ذلك.
    - ستخرجني عن طوري يا أليكساندر؟!! كيف تريد مني أن أرسل خطيبة ابني الغالية مع عشرة حراس فقط؟ ماذا سيقول والدهǿ!! أبداً.
    ضحكت كيت قائلةً بلطف:
    - لا بأس بما يوده أليكساندر يا سيدي، إنه قويٌ كفايةً لتأتمنني عنده.
    - لكن حـ..
    قاطعته زوجته ديانا -التي يحمل إليكساندر الكثير من ملامحها الجميلة- بابتسامة:
    - اسمح لهم بذلك ، شريطة أن يسلكوا الطريق الطويل الاساسي بداخل العربة.
    أومأت كيت موافقةً وهي تنظر إلى أليكساندر تحثه على الموافقة، ليوافق رغماً عنه.
    سرعان ما تلاشت تعابير عدم الرضى على وجه أليكساندر حينما أدرك بأن كيت كانت عفوية بشكلٍ غريب مما جعل حدقتيّه النيليتين تتنقلان مع كل تعبيرٍ ترسمه وهي تتحدث مع والديه، كان مشهداً جديداً على أليكساندر، فلم يعرف عن كيت إلا مزاجها الحاد منذ أن كانت صغيرة، كان يذكر بأنها كانت حذرة وقليلة الحديث مع الغرباء، ولم تكن تبتسم إلا نادراً.
    شعرت بأنه أطال النظر إليها لتنظر إليه خجلةً:
    - ماذا هناك؟
    أدنى رأسه منها ليهمس في أذنها قائلاً وعلى وجهه ابتسامة ماكرة:
    - لم أعلم بأن لكِ ابتسامةً فاتنة كهذه
    أشاحت وجهها عنه خجلاً متلاشيةً التقاء حدقتيها الرماديتين بحدقتيه:
    - اخرس.
    ضحك ليكمل وعلى وجهه ذات الابتسامة الماكرة:
    - أوه ماذا حصل؟ منذ متى تشتمين بهذه اللطافة؟
    كان يستفزها متعمداً ولكن ما خطب ردة الفعل هذه ؟ من المفترض أن تغضب كما العادة لا أن تحمر خجلاً، أشاحت بوجهها أكثر عن أليكساندر مدركةً كذلك بأن ردة فعلها غريبة ليكتشف شيئاً جديداً أن كيت إن احمّرت يحمر كل ما فيها خجلاً حتى اذنيها، مما جعل أليكساندر يكتم ضحكته ويأخذ الأذن من والديه بالانصراف ممسكاً كيت من يدها:
    - اعذراني، سنذهب لنجهز أنفسنا.
    ألقى نظرة أخيرة على كيت وعلى وجهه تعابير لا تحمل خيراً بالنسبة إلى كيت حيث أردف بعد غمز بعينه لها: ونستمتع قليلاً
    ابتسمت ديانا والدة أليكساندر ليقول الحاكم كارل بابتسامة رحيمة:
    - رافقتكما السلامة، كيت أمانة بين يديك يا أليكساندر.
    - لا تقلق أنها بين عينيّ ويديّ.
    انحنت كيت باحترام مودعةً بينما لا تزال تتحاشى النظر إلى أليكساندر،.. غادرا الغرفة ليغلقا الباب الأبيض مذهب الأطراف خلفهما.
    تحدث الحاكم كارل بعد أن ودّع بعينيه الزرقاوتين ظهر ابنه:
    - لقد كبر ابننا يا ديانا
    ابتسمت المعنية لتقول:
    - سنصبح جداً، وجدة.
    ضحك كارل لتردف:
    - لقد بدوت رحيماً جداً خلافاً لصرامتك المعتادة.
    قال بينما لاحت ابتسامة فخورة على شفتيه:
    - لقد نضج الآن، لا يحتاج إلى الصرامة.
    - - - - - - - - -
    بين ممرات قصر كاميليا المكسوة بالسجاد البيجيّ كما هو الحال مع الستائر التي تغطي زجاج الشرف المترامية على الشق الأيمن من القصر بعد كل أربعة أبواب تقريباً، وقف أليكساندر وسط إحداها ينظر إلى كيت التي تتأمل بعنينيها الرماديتين الطبيعة الآسرة التي تعانق مملكة كاميليا، هي في الحقيقة تتحاشى النظر إلى أليكساندر خشية أن يعود لإغاضتها وألا تستطيع الرد!
    كان يبتسم وهو يتأملها، كيف تغيّرت في هذه المهلة القصيرة؟ لقد كانت متعجرفة ومددلة، تغب وتبكي كما الاطفال إن لم تنفذ أوامرها، وسلطية اللسان مع من لا تثق بهم.. لكنها اليوم كانت مختلفة، مختلفة جداً ..
    - توقف عن التحديق بي ذلك مزعج.
    قالتها بتوتر إثر تحديقه المستمر بها المصاحب لابتسامةٍ فاتنة لم تعلم سببها.
    قهقه اليكساندر قائلاًك
    - عادت كيت الحقيقية، كنت مستنكراً لطافتك وأدبك منذ وصلنا
    - تستنكر لطافتي ؟
    قالتها بانزعاجٍ مصطنع لتدير رأسها إليه بابتسامةٍ فاتنة يتخللها بعض المكر قائلةً وهي تداعب خصلات شعرها فاحم السواد بشعوائية:
    - أنا ممتنة لك لكونك كنت صادقاً، ووفيت بوعدك لي، لقد حزت على ثقتي لذا أنت لا تحتاج لأن ترى جانبي المتعجرف كما تقول
    - أتعنين أنك في الحقيقة لطيفة هكذǿ
    قهقهت ضحاكةً ليتفاجأ أليكساندر أكثر:
    - كيف تقدمت إلي بينما لا تعرف عني شيئاً إلا اسمي؟
    عارض أليكساندر بقوة فهو يعرفها حقاً، زياراته المتكررة كل يوم أحد، مراقبته لها في الاحتفالات لسنين، إلا أنه لم يجرؤ على الاقتراب والتحدث بسبب شخصيتها الصعبة كما لاحظ، قال متذمراً:
    - بل أعرفك حق المعرفة، باستثناء جانب لطافتك.
    ثم شرع يقص عليها كل ما فعله خلال السنوات الماضية مما جعل كيت تصدم فعلاً، فقد كان مهتماً بها حقاً، وهي لا تذكر بأنها قد لاحظته من قبل.
    - لأخبرك الحقيقة، لأول مرة أسافر دون عائلتي خارج حدود المملكة، أنا حتى لم أسافر داخل مملكتي لوحدي.. لذا
    - أتمزحين؟
    كان التعجب بادياً على وجه أليكساندر لتردف كيت:
    - لا، أنا لا أحب السفر فهو متعب. - كشّرت بوجهها قليلاً مكملةً بابتسامةٍ شقية:
    - لذا انا مضطرة لأكون لطيفةً معك، فأنت الوحيد الذي أعرفه هنا، حسناً .. أشعر بالأمان بقربك قليلاً.
    - إنك صريحة جداً أتعلمين ذلك؟
    قالها أليكساندر ضاحكاً، ثم مالبث إن اعتدل بعد أن كان مسنداً ظهره إلى سور الشرفة، ليداعب شعر كيت بعشوائية:
    - هيا لنستعد ، يجب أن نتحرك عائدين إلى مملكتك قبل أن تغيب الشمس
    عدلت خصلات شعرها التي تبعثرت قائلةً بعد أن خرجت من الشرفة متجهةً إلى غرفتها:
    - آه.. حسناً.
    ______________



    يتبع ..

  18. #237
    جلس على كرسيه الوفير كما يجلس على عرينه الأسد، كان كرسياً مطلياً بالذهب، مرصعاً بالألماس والمجوهرات، مصنوعةٌ خداديته من ريش النعام، منجدٌ بفروٍ من فصيلة دببةٍ نادرة، كما هو الحال مع عباءته التي فوق كتفيه صعوداً على تاجه الذي من الذهب الخالص، يحب الزكرشة في كل شيء، بالتأكيد فهو لا يقبل أن يكون أقل من أحد، كيف لا وهو العظيم سامث حاكم مملكة ايسنالي؟، تلك المملكة العظيم ذات النفوذ الواسع الذي أرساه بسطوته وجبروته.
    كان يحتسي شراباً في هدوءٍ باستمتاع، حتى دخلت أو عفواً اقتحمت ابنته الصغرى جولي المكان دون أن تطرق الباب، جالسةً على إحدى الأرائك الذهبية التي تقابل عرين والدها ولم تلقِ التحية كما يمقت سامث، كأنها فعلتها متعمدةً وهذا ما حصل بالفعل، فقد كانت تتقصد إثارة غضبه، تشابه مزاج والدها الصعب، ..العناد، الغضب السريع، إلا أنها في النهاية أميرة، وغضبها لا يضاهي سطوة والدها الذي قال بنبرةٍ جافة يتخللها شيءٌ من الغضب:
    - جولي ما هذا التصرف الحقير؟!!
    لم تجب عليه، اسندت ظهرها إلى الأريكة مداعبةً شعرها الأشقر المموج بينما تنظر بعينيها العسليتين إلى النافذة، ام تسامح والدها على آخر مرةٍ والتي دامت أسابيعاً، إلا أن ما زاد غضبها هو عدم اكتراث والدها بتاتاً حتى مع اضرابها عن الأكل معه، لذا كان استفزازه وهو التعبير المباشر عن غضبها.
    كاد تعكر الاجواء أن يزداد حدةً لولا دخول نيكولاس بعد طرقه للباب مهدئاً الأوضاع، قال بعد أن جلس بجانب جولي:
    - مساء الخير يا أبي، متى سوف نتحرك إلى مملكة سيلينيǿ
    لم يجب سامث، نظره كان معلقاً على جولي التي تتصرف بلا مبالاة، كان غاضباً جداً، خصوصاً لكونها قد أهانته - كما شعر فهو سامث العظيم-
    توتر نيكولاس، فهو يعرف بالفعل مزاج الاثنين اللذين يجلسان بجانبه لن يتوقف الأمر إلا بخضوع أحدهما، وذلك الذي لن يحصل كما يعلم تماماً.
    داعب شعره الأشقر بتوترٍ قائلاً وعلى وجهه ابتسامة مزيفة فشلت في احتذاء القالب الطبيعي لملامحه:
    - بقيت أربع أيامٍ على عقد التحالف، الطريق يحتاج إلى يومين للوصول إلى سيلينيا كما تعلم، إن تحركنا غداً..
    - سنتحرك الآن.
    - ماذا لما لم تقل ذلك مبكرǿ!!
    صرخت بذلك جولي التي استقامت ناظرةً إلى والدها بعينيها العسليتين وعلى وجهها ارتسمت تعابير الانزعاج.
    قهقه الامبراطور سامث كما لو أنه انتصر، فهاهو استطاع إخضاع ابنته بأن جعلها تنطق، لقد كان يتحدى كل شيء حتى يخضعه، وإن كان إخضاع الشء يعني كسره، الأهم ألا يستطيع أحد الوقوف في وجهه، ولولا عقد التحالف لكان يعثي في المماليك المجاورة الفساد بمحاولة إخضاعها.
    وقف نيكولاس ممسكاً بيد أخته التي بدأ داخلها بالغليان بسبب سخرية والدها، كما لو أن غضب الأسابيع الماضية لم يكن شيئاً يذكر، كادت أن تبكي لولا سحب نيكولاس إياها خارجاً، وهو يقول لوالده:
    - عن إذنك، سنذهب لتوضيب أغراضنا.
    خرج مغلقاً الباب خلفه، ثم استدار ممسكاً بوجه أخته بين يديه، ناظراً بعينيه السوداويتين إلى عسلية حدقتيها الملتمعة إثر رغبة البكاء المكبوحة في حنجرتها حتى انفجرت باكيةً نهاية المطاف، فلم تستطع السيطرة وعينيّ نيكولاس العطوفة تتخللانها، كأنه دبّ الدفء في قلبها لترتمي على صدره باكيةً كما الأطفال.
    مسد شعرها الأشقر بحنانٍ قائلاً:
    - ابكي عندما يكون داخلك ثقيلاً.. ابكي فالبكاء يزيحه.
    قالت بين شهقاتها:
    - لماذا أبي هكذǿ إنه لم يكترث لي حتى مع كونه لم يراني قرابة الاسبوعين ونصف!، لما هو قاسٍ هكذǿ؟ نيكولاس أبي لا يحبني.. إنه يكرهني!
    شد على رأسها نحو صدره قائلاً بصوتٍ يريح أعصابها دائماً كلما تلفت بسبب نوبات غضبها:
    - يستحيل أن يكرهك يا عزيزتي، إنه هكذا دائماً يخبئ مشاعره، لكنه بالتأكيد يهتم لأمرك.
    بكت دون أن تجيب، كأن كلامه ليس إلا أمنيةً مستحيلة الحدوث، إلا أن ما كان يجعلها متماسكة هو أخوها الذي كان الأثمن في حياتها فهو عطف الأب الذي تفتقده، وهو دفء الأم الذي حرمت منه، وهو آمان الأخ وقرب الصديق، هو كل شيء.
    قال بعد أن أبعدها ماسحاظص الدموع عن وجنتيها:
    - لنتجهز الآن ، سوف تسافرين ألأستِ تحبين الفر؟ سيحتوي الحفل على حفلةٍ راقصة، إنك تحبينها ألستِ كذلك؟
    حوَّط كتفيها بيده اليمنى مقتاداً إياها في تلك الممرات الفسيحة المكسوة بالسجاد الأحمر، نحو الجناح الملكي لكي يجهّز كل منهما مستلزماته.
    _______________
    انتهت مراسيم الدفن والتي لم تكن إلا حمل جسد كاثرين في تابوت ودفنه في مقبرة العائلة الحاكمة تكرماً من الحاكم ريتشارد دون علم أحد، فلم يحضر إلى الدفن غير بضعة خدم ورئيسة الخدم "مونيسا" بالإضافة إلى الطبيب وآرثر، أما عن ريتشارد فلم يغادر القصر، وبالنسبة ل للأمير إدوارد فلم يعلم أحد بأنه قد عاد إلى القصر صباحاً أصلاً باستثناء مونيسا.
    انتهت مراسيم الدفن وانتهى معها العزاء الذي لم يدم ما يستحقه من أيام، عاد الجميع إلى حياته الطبيعية بل إلى أعمالٍ عظيمية فهاهي المملكة ترقص من كل الانحاء استعداداً ليوم عقد التحالف، الجميع في القصر في حركةٍ دون توقف ينظمون و يجهزون قصر الضيوف الملاصق لقصر الحفلات، والذي سيتوافدون فيه حكام المماليك من شتى بقاع الجغرافيا المحيطة بهم، بدأً من اليوم حتى أيام من عقد التحالف لما يحمله جهد السفر من عناء.
    كأن شيئاً لم يحدث الصباح، الجميع عادت الحياة في وجوههم مشرقة، ماعدا آرثر الذي اعتنق السواد، كما اكتسحت ملامح الألم وجهه؛ حاجباه معقودان، ووجهه شاحب، عيناه الخضراوتان ذابلتان.. لم يحتمل أجواء القصر النشيطة بينما داخله تقام جنازة وكل ما فيه يقوم بالعزاء! لذا خرج بغير هدى، خرج إلى الحديقة الخلفيةً متلاحماً مع أشجارها الكثيفة.. يريد أن يبتعد، وألا يرى أحداً.
    - " أردت أن يعلم أصدقاؤها وجيرانها على الأقل،.. لقد رحلت دون علم أحد، رحلت كهشيم الغبار.."
    قالها متألماً، لم يكن يريد أن تكون تلك النهاية ، على الأقل كان يريد أن يكون موتها محترماً، هو حتى لم يشأ أن تدفن في المقبرة العائلة الحاكمة، فكيف ستزار إذاً؟ ستغدو وحيدة.. هذا ما كان يؤرق آرثر أكثر من أيّ شيءٍ آخر..
    لم يرد ريتشارد أن يتعكر عمله أو أن يتأجل حفله، لم يعترف بها في آخر الأمر كأحد أفراد العائلة الحاكمة، على أنها كانت صتكون كذلك لو اعترف بها جده - والد الحاكم ريتشارد- وبالنسبة إلى دفنها في المقبرة الملكية، فلم يكن ذلك إلا لمنع أقاويل الناس من التحدث عن كيف يسمح بإقامة المآدب والأفراح على الرغم من وفاة زوجته السابقة، أو بالأصح كان سيعترف بها ك أحد أفراد العائلة الحاكمة لو انذاع صيت الأمر.
    ما ذنبها إن كانت من عامة الشعب؟ هل هي من تقدمت إلى ريتشارد قائلةً له تزوجني؟، لقد كانت هي الضحية، مذ أن ساقها الجنود إلى ريتشارد قسراً، كان أميراً آن ذاك وقد توفيت زوجته بعد أن تركت له ابناً لم يتجاوز السنة، لم يكترث إلى عدد الحاشية لديه، بل تحت قديمه! أخذها بعد أن اختارها من الفقراء المترامين حول الطرقات، لا يستطيعون سد رمق العيش إلا ببضع خرد يبيعونها، ولأنها لم تكن تملك شيئاً أصلاً، لا مالاً ولا عائلة، كانت السلعة الأمثل!
    - " لقد أراد أبعد مما تصل إليه يداه، لقد أغرى فتاةً يتمية لم تتجاوز السادسة عشر وتزوجها!، إنه الأسوأ."
    هكذا فسرها آرثر، ألم الفقد يجعل الشخص يضع كل اللوم على ما يكره.
    - آآه.. يؤلم..
    نطقها بغصةٍ معتصراً قميصه الأسود بيده نحو صدره، أغمض عينيه بألم مخفضاً رأسه لتفر دمعة ساخنة من عينيه نزلت ملتهبةً لتحرق وجنتيه الملتهبتين إثر كثرة البكاء، تبعتها شهقاتٌ ودوامة بكاء عنيفة.

    في تلك الأثناء كان إدوارد يقف في شرفته متأملاً الأفق بشرود، ذلك الأفق الممتد إلى مالا يدركه بصره متخطياً حديقة القصر الخلفية بأشجارها الكثيفة وضخامة حجمها .. كأنها لا تضاهي شيئاً أمام سِعة الأفق.
    استيقظ قبل ساعةٍ تقريباً ، تذكر حادثة الصباح؛ مشهد الغطاء الأبيض وهو يغطي جسد كاثرين المفارق للحياة، ذلك الجسد التي عصفت ذكرياتٌ مشوشة تذكره بصاحبه، متفرقة لا يعلم إن كان يتذكرها فعلاً أم كانت من نسج خياله بسبب المشاعر المزعجة التي تخالجه ما إن يراها، ك صورةٍ لها وهي تبتسم، أو صوتها وهي تسأله إن كان بخير؟ دون أن يذكر حدثًا معيناً لقد كان صغيراً جداً حينما رحلت، ولكن كما يقال بأن ذاكرة الطفل ك النقش على الحجر، فهو بالتأكيد يذكر بضعة أمورٍ متفرقة، ولأن أكثر ما يشد الاطفال ويشعرهم بالامان هي الرائحة.. فهو قطعاً لم ينسى رائحتها أبداً.
    تنفس الصعداء ماسحاً وجهه بكفيه، ومبعثراً شعره الكستنائي ليطرد ذكرياته حتى وقعت عيناه على شبحٍ أسود أو كما سماه متعجباً فزعاً في آنٍ واحد " هل يظهر الأشباح في الصباح كذلك؟" ، فقد كان من النادر جداً أن يقترب منها أحدهم، الجميع كان يخشى أن يتوه بها باستثناء إدوارد الذي حفظها عن ظهر قلب لأنها كانت ملاذه وفيها كان يتسلل منذ صغره، أو بالأصح منذ بدأ بالتمرد في وجه والده.
    لقد تربى وحده تحت كنف والدٍ قاسٍ ، ظالم كما بدأ ينعته بداخله، لم يكن لديه مثالٌ يحتذي حذوه سواه، فما كان همه إلا أن يثبت نفسه لدى والده الذي لم يأبه به أبداً بل واستغله كما لو كان آلةً!
    قطب حاجبيه بانزعاج ما إن عصفت ذكريات الألم في مخيلته، تلك التي لا يستطيع أبداً نسيانها مهما حاول، صوروته وهو في العاشرة وقد تغلب على أبرز المبارزين فقط ليسمع جملة الثناء من والده الذي كان يلهو مع النساء حتى مع كونه قد استلم الحكم لتوه، كان لعوباً وقاسياً!
    فكّر إدوارد في تلك الأثناء بانه لم يصل إلى المستوى المطلوب بعد، لذا عزم على التدرب بجدٍ أكبر، لبعترف به والده ويعرفه على شعبه الذي سيحكمه مستقبلاً، بل كي يخرجه خارج أسوار القصر الذي لم يغادرها إلا في بضع مراتٍ قليلة بعد أن تخطى السادسة عشرة! ابتسم بمرارةٍ على سذاجته عندما كان طفلاً..
    - آآه لم أكن إلا لعبةً بين يديه.
    قالها ساخراً من نفسه ، حتى تغيرت تعابيره إلى الامتعاض ما إن تذكر اليوم الذي يثبت سذاجته مطلقاً، لا يزال يتذكر كلمات والده السامة وكأنها لتو قد تُليت على مسامعه:
    - " اسمع يا إدوارد ، إن أردت أعترف بمهارتك وأظهرك للشعب على أنك الوريث المستقبلي لهذه المملكة، عليك أن تساهم في احتلال مملكة " جورجيا" وتتأكد من أن تدخل ضمن مملكتنا.
    إدوارد الذي لتوه قد بلغ السابعة عشر:
    - ولكن عقد التحالف يا أبي.. أليس من بنوده ألا تطال الأيادي إلى المماليك الأخرى؟
    - أترك أمر عقد التحالف علي ، وافعل ما أمرتك إن أردت أن يعترف بك أمام الشعب.
    كان خيارًا صعباً على إدوارد المراهق، خصوصاً لكونه لم يخرج في حربٍ من قبل، بل لم يسافر إلى مماليك أخرى أبداً، ولم يتجرع عناء السفر من قبل! ، إلا أن تلك الأمنية الطفولية التي تخالج صدر كل طفل طبيعي في أن يكون والده فخوراً به دفعته إلى أن يوافق.
    أردف ريتشارد والذي كان كما لا ينسى إدوارد أبداً، يحتسي نبيذاً أحمر اللون بيده اليسرى:
    - سيكون زواج الأميرة - سارا - بعد بضعة أيام، استنح الفرصة وداهم المملكة مباغةً، ... اسمعني جيداً يا إدوارد عليك أن تكون مع الصفوف الأولية، يجب ان تحصل على هذه المملكة مهما كلف الثمن، حتى لو تطلب الأمر موتك، سيذهب معك الملازم وليام.

    انتهت تلك المحاورة المشؤومة من سلسلة خيالات إدوارد، لتعقبها أسوأ ذكرى قد حصل عليها، أول مرة استطاع فيها أن يقتل بشرياً، ذكرى جسد الأميرة سارا الملطخ بالدماء ووالديها الصريعان أرضاً يحتل كوابيسه على الدوام.
    استطاع أن يتوغل إلى داخل القصر بينما باغت جنود سيلينيا حراس القصر وتمكنو بالإطاحة بها، خصوصاً وأن قصر الحكم في مملكة جورجيا آن ذاك كان يتراقص إثر الاستعدادات الضخمة حول حفل زفاف الأميرة والذي سيقام في مملكة أورتيرا، تسلل إلى غرفة المعيشة الخاصة بتلك العائلة البسيطة التي لا تملك إلا ابنةً واحدة وابناً صغيراً لم يبلغ السابعة بعد أن تكفّل أحد جنود سيلينيا من قتل حرّاس الممرات، كانوا ملتفين حول بعضهم في دفءٍ لم يشهده إدوارد المخدوع بكلماتٍ والده المسمومة، لم يكن يريد شيئاً سوى فخر والده، في لحظةٍ لم يكن واعياً فيها تقدم وسط ذهول العائلة غارساً سيفه في قلب الحاكم ليستطيع بذلك إطاحتها مباشرةً! تبعها مباشرةً يقطع رقاب الآخرين.. زوجة الحاكم التي احتضنت طفلها الفزع صارخةً، ثم الطفل الصغير الذي تسمر مكانه، تلته أخته الكبرى التي كان زفافها على الأبواب.. خطيبة زاكس..
    ولولا صراخ الملازم وليام به لكان قد حطم كل شيء أمامه، كان قد قتل فعلاً إلا أنه فعل ذلك وداخله يرتعش.. :
    - ماذا فعلت أيها الأميرر؟؟!! لماذا قتلت العائلة الحاكمة!!
    ألقى نظرات جزعٍ نحو إدوارد الذي تسمر في مكانه دون حراك مصدوماً، ولأول مرة شعر بأن الخوف سيبتلعه، لقد كان كل شيء آن ذاك معتماً في حياته من ذلك اليوم حتى الآن.. وما زاد الأمر عتمةً هو لقاء والده بعد نجاح المعركة، وصراخه به حالما سمع بالأخبار بدل الكلمات الفخورة التي حلم بسماعها:
    - أخبرتك أن تحتل المملكة لا أم تقتل حاكمها!! أوحشٌ أنت؟!!!
    أن تسمع جملةً كهذه من وحشٍ حقيقيِ ك " ريتشارد" تجعلك تتيقن أنك تخطيت وحشيته بفعلك، كأن أحداً لا يضاهي وحشيتك، كأنك تحتاج إلى أن تموت كي يرتاح العالم من أمثالك أو هذا ما عصف في داخل إدوارد الذي بُهت تماماً بعد أن ألقى والده عليه اللوم في مؤتمر عقد التحالف، والذي وعد فيه بأنه يؤدب ابنه بطريقته التي لن تكون سهلة أبداً، وأما بالنسبة إلى المملكة التي اُحتلَّت فقد دخلت في املاك سلينيا لتعليل ريتشارد بأنها أصبحت مسؤوليته بسبب خطايا ابنه وأن ضميره لن يرتاح ليسلمها إلى أحد فهو مدين لها على ما حصل فيها من دمار، الجميع كان يعلم بأنه كاذب، كاذبٌ تماماً، ولكن لا أحد يجرؤ على أن يقف في وجهه، فقد كانت تلك المملكة عبرةً لمن يعتبر، عقد التحالف على محاسنه إلا أنه جعل المماليك ضعيفة، تتلافى القتال خوفاً من الحرب، السلام نعيم وبلاء ما دام في عالم البشر.
    ومنذ ذلك الحين وإدوارد لا يعمل إلا لمصلحته فقط.
    - آآه ، خرجت منه لا إرادياً لتتشتت أفكاره بسبب رؤيته إلى الشبح الأسود يلكم الشجرة بقبضتيه حتى تعرف عليه والذي لم يكن إلا آرثر.
    شعر بالسوء لأجله لثوانٍ فقط ثم طرد ذلك قائلاً :
    - لا أكترث.
    تذكر عقد التحالف، وما المملكة حافلةٌ به هذه الأيام، وتلقائياً ابتسم بمكر قائلاً:
    - سترين يا ابنة آرسيون، لا يستطيع أحدٌ رفضي، لتعلمي ذلك فقط.
    __________________
    وصلت مملكتها ذات الاجواء الجميلة مع إشراق الشمس، مما أضفى لها جمالاً فوق جمالها، خصوصاً لكونها تقبع بين الجبال.. مما يجعل الناظر إليها فوق سفح جبل يقف شارداً كأنما يرى لوحة، كان موقعها استراتيجياً من نواحٍ متعددة، أبرزها أن كثيراً من التجار لا يستطيعون المرور إلى المماليك الأخرى دون المرور بها، لذا تعد حلقة وصل بالإضافة إلى جمال أجوائها وخصوبة تربتها، صحيح بأنها لا تضاهي طبيعة مملكة كاميليا الفاتنة، إلا أنها جميلة جداً بشكلٍ لا يصدق، أرض زراعية خصبة تموّل إنتاجها إلى مختلف المماليك الأخرى.
    ما إن لمح شعب مملكة " أورتيرا" الموكب القادم المكون من عشرة فرسان يتقدمون العربة البيضاء التي بداخلها كيت وأليكساندر، وخلف العربة عشرة فرسان آخرين، حتى بدأوا بالهتاف والتصفيق والتوافد إلى الطرقات، كان صباحاً صاخباً على المملكة، حتى وصلت إلى القصر لتستقبل العائلة الحاكمة كيت بالأحضان.
    ولان عقد التحالف قد اقترب، اعتذر أليكساندر على البقاء معللاً بأنه سيتحرك هو وعائلته نحو مملكة سلينيا قريباً، صحيح بأن عائلة " آل كارتون" -عائلة أليكساندر- لم تجدد العقد مع مملكة سيلينيا وأنها تعد معاديةً لها، إلا أنه بحكم نص عقد التحالف حتى وإن كان حفل التجديد سيقام في مملكة معادية على جميع المماليك الحضور، وإلا ستعتبر المملكة المتخلفة معاديةً إلى جميع المماليك.

    مرت عدت أيام وهاهي كيت تصل إلى مملكة سيلينيا بعد طريقٍ دام قرابة اليومين، كان الحاكم ليونارد يرتابه توترٌ بسيط -لم يظهره بالتأكيد إلى عائلته- إثر إقدامه ع خطوة كبيرة جداً في قرارة بقطع كل الروابط مع مملكة سيلينيا، بينما مايك كان يشعر بالاختناق على عكس جون وكيت اللذين كانا سعيدين لولا تعب كيت من السفر لكانت بكامل نشاطها، جورج لم يظهر عليه شيء، فهو كما يعرف الجميع بـارد، بارد جداً.
    كان زاكس شارداً ينظر من خلال النافذة، يحاول تمالك مشاعر الحزن التي كادت تطغى عليه كلما استرجع ذكرى ابادة العائلة الحاكمة لمملكة "جورجيا" مملكة خطيبته.. ولأنه كذلك لن يصل إلى قلب سيلنيا حيث قصر الحُكم، إلا إذا مر على أراضي مملكة جورجيا التي أصبحت تبعاً لسيلينيا، فقد كان وقع الألم أقوى على قلبه.
    ما إن وصلت العربات إلى قصر سيلينيا ، أو بالأصح إلى القصر الفرعي الخاص بضيوف المملكة، حتى ترجل الجميع وسط انحناء الخدم والحراس والذين قام أحدهم باقتداء عائلة " آل ارسيون" إلى جناحهم.
    في تلك الاثناء كان إدوارد يقوم بتحية المماليك التي وصلت ويقوم بالتعريف عن نفسه هو الامير المجهول لاثنين وعشرين عاماً، حتى رأى الحاكم ليونارد وابناءه متقدمين، تقدم إليهم مخفضاً رأسه باحترام مرحباً، وما إن لمح شعار مملكة أورتيرا على العباءة الحاكمة حتى حوّل نظره إلى كيت وقد ارتسمت ابتسامةً ماكرة على شفتيه، صافحة الحاكم ليونارد بابتسامة:
    - أهلاً بك.. من أيّ مملكةٍ أنت؟
    - إنني إدوارد الوريث المستقبلي لعرش هذه المملكة، مرحباً بجلالتك أيها الحاكم ليونارد هنا وعائلتك الكريمة.
    امتعضت وجوه أبناء ليونارد باستثناء جورج الذي صافحه برسمية دون أن يأبه شيئاً، بينما كان زاكس مشمئزاً جداً.. ولولا يد مايك التي كانت ترتبت على ظهر زاكس ل كسر يد إدوارد التي تصافح يده.
    انحنى أمام زوجة الحاكم إليزابيث مرحباً بها بعد أن قبل يدها، وما إن وصل إلى كيت اتسعت ابتسامته قائلاً بعد أن قبل يدها هي الأخرى:
    - أخيراً التقينا.



    - تم الفصل العاشر -


  19. #238
    .
    .
    .

    آراؤكم ، توقعاتكم ، تعليقاتكم ؟

    وكما قلت سلفًا هذه الرواية بإذن الله كما بدأتها من هذا المكان المكان ستنتهي به بإذن الله
    علمًا بأنها قد انتهت بالفعل عند الفصل الثامن عشر.
    آمل حقًا أن يعود الحماس لهذه البقعة.
    وكما قلت كذلك سأكملها حتى لمتابع واحد فقط، الأهم أن يثبت وجوده ولو بجملة


    الصور المرفقة الصور المرفقة attachment 

  20. #239
    Part 11
    وقفت وسط جموعٍ غفيرة من مختلف الأعراق الحاكمة والعوائل النبيلة، بجانبها خطيبها الذي حُفِرت الابتسامة على وجهه جراء أنواع التهاني والتباريك التي يتلقاها، وكأنما حلمه الذي طال انتظاره قد تجسد فعلاً، وهذا ما حصل.
    كان يرتدي زيّاً أزرقاً يشبه لون عينيه بتطريزٍ فضيٍّ عند الأطراف، شعره الذهبي اللامع يغطي الجزء الأيمن من جبينه، بينما الجزء الأيسر كان مصففاً إلى الخلف.
    بجانبه كانت كيت تقف مبتسمةً بخجل لكل من يبارك لهما، ترتدي فستاناً أحمراً زاهياً، يكشف عن كتفيها بأكمامٍ طويلة، وشعرها الأسود ينسدل على ظهرها مغطياً أغلبه.
    كانت الاجواء صاخبة قليلاً على الرغم من أن المعزوفة التي تؤديها فرقة تتوسط القاعة كلاسيكية قليلاً.
    توزع الجمع وسط قاعة ضخمة ذات أرائكٍ زاهية و شُرفٍ زجاجية كبيرة تطل على حديقةٍ بمختلف أنواع الورود، مما كان يُستغرب في أن تكون ضمن مملكة "سلينيا" التي تشتهر بوعورة مناخها وسيطرة الجبال والرمال والأشجار الكثيفة فقط عليها.
    تغيّرت المعزوفة فجأة لتجذب انتباه الحضور إلى المنصة التي اعتلاها الحاكم ريتشارد مرتدياً جلباباً أبيضاً واسعاً يلتف حول خصره حزامٌ من خيوط الذهب.
    وعلى رأسه عمامةٌ بيضاء مذهبة بخيوط الذهب، زيّه يعكس اللباس الخاص بثقافة مملكته، وقف وعلى تعابيره الخبيثة ارتسمت ابتسامة غير واضحة المعنى يتفحص بعينيه الخضراوتين الحضور ويقول مرحباً:
    - مرحباً بكم أيها النبـلاء، مرحباً بكم بين أحضان " سيلينيـا" ، آمل أنكم قد أخذتم كفايتكم من الراحة، ولأننا الآن نعود من جديد لإحياء عقد التحالف الذي حمانا من كل الشقاق و الحروب طوال السنين الماضية، عقد التحالف العظيم.. الذي حفظ لكلٍ ملكه، أحب أن أعيد بعض بنود العقد للتذكير كما تقتضي العادة؛ عند التجديد فإن المصالح المتبادلة والزيارات تكون متاحة كأن جميع المماليك مملكة واحدة والعكس، فإن عدم التجديد يقتضي المقاطعة والتي تؤدي بعض تفاصيلها إلى بعض الإجراءات السياسية الصارمة، كـ أن يدخل فرد من مملكة مقاطعة إلى مملكة قاطعها .. سيُعدم، كذلك الزواج محرم، .. لأن المصلحة العامة تقتضي سيادة الأمن، سيكون من الحكمة عدم الدخول ف هذه الأمور...
    والآن آمل أن تضعوا بطاقات الموافقة أو الرفض لتجديد العقد في هذا الصندوق الزجاجي، وأن تستمتعو في هذه الأمسية، ولكن قبلها، دعوني أعرفكم على ابنيِّ أمراء هذه المملكة العريقة، وأن أزف لكم نهايةً مفاجأةً سارة - وابتسم ابتسامةً أرعبت كيت لسببٍ ما-
    أنهى خطابه بابتسامةٍ غريبة المغزى، لتبدأ معزوفة أخرى مع دخول إدوارد الذي ارتدى زيّاً كحليَّ اللون - بنطالٌ واسعٌ، ضيقٌ عند القدمين، يلتف حول خصره حزام قماشي فضيَّ اللون، بينما يرتدي عمامةً فضية لا تُظهِر من شعره إلا غرته الكستنائية مما أضفى جاذبيةً إلى وسامته، تلاه آرثر الذي أُرغم على الحضور على الرغم من أن وفاة والدته كانت قبل يومين فقط، حتى أن أيام حداده لم تنتهي، إلا أنه استجاب مرغماً والسواد لازال يعانق ملبسه بدأً من عمامته حتى زيه وحزامه وبنطاله المشابه في طريقته رداء إدوارد.
    كان وجهه متجهماً، ملامحه باردة، على الرغم من وسامته الصارخة إلا أن بريق عينيه الخضراوتين كان ذابلاً، منطفئاً.. بلا روح.
    صفق الحذور بينما وقف الاثنين على المنصة بجانب والدهما، قال ريتشارد معرفاً ب ابنيه واضعاً يده اليمنى على ظهر إدوارد:
    - إنه ابني الأكبر ووريث العرش إدوارد.
    أخفض إدوارد رأسه بانحناءةٍ بسيطة ليصفق الحضور بينما وضع ريتشارد يده اليسرى على ظهر آرثر مردفاً:
    - وهذا ابني الثاني آرثر.
    لم ينحني أو يبتسم، وقف ينظر إلى الفراغ بوجهٍ متجهم وسط استغراب الجميع.

    في تلك الاثناء كانت عائلتا كيت و أليكساندر تجلسان بجانب بعضهما، قال الحاكم ليونارد موجهاً نظره نحو كارل حاكم مملكة كاميليا ووالد ألكساندر:
    - لا أذكر بأن ريتشارد يمتلك ابناً آخر غير إدوارد؟
    - سمعت إشاعةٍ قديمة بأنه قد تزوج مربية ابنه وأنجب منها ابناً قبل توليه عرش مملكة سلينيا.
    همهم الحاكم ليونارد ليردف بجدية وسط ذهول عائلتيهما:
    - إذاً سنكون معاً مهما كانت العواقب؟ إنها خطورة كبيرة كما تعلم.
    أجاب كارل بذات الجدية قائلاً:
    - بالتأكيد، لن نجدد العقد مع سلينيا، سنكون صفاً واحداً.
    أمسكت ألزابيث يد زوجها ليونارد ضاغطةً عليها برقة كما لو أنها تمده بالقوة، بينما سحب أليكسادر يد كيت مخللاً أصابعه بين أصابعها فجأة.
    نظرت إليه بتفاجؤ بينما تعتريها إمارات الخجل خصوصاً أنه فعل شيئاً كهذا وسط إخوتها الذين ابتسموا دون تعليق، باستثناء زاكس الذي كان باله مشغولاً.
    بدأت الأوراق المقواة والتي تحمل موافقة كل مملكة وعدم موافقتها عند أحد الجنود المكلفين بوضعها في الصندوق الزجاجي تحت أنظار ريتشارد الذي كان ينظر بملامحٍ غامضة وابتسامة مريبة نحو أرائك ليونارد وكارل حتى تلقى بيده ورقتا إجابتهما بعدم التجديد ليبتسم ابتسامةً ماكرة بانت نواجذه فيها.
    تجمعت الأوراق جميعها كل ورقة ورقة تحمل نقشاً خاصاً باسم مملكتها وخيارين " أجدد " ، " لا أجدد" وتحته يكون ختم المملكة..
    كانت خمسين بطاقةً بعدد العائلات الحاكمة التي قَدُمَت، وتلك التي لم تأتي تستبعد من عقد التحالف وتعتبر ك بلادٍ يجوز احتلالها بما أن عقد التحالف يشترط بث الأمان لدى كل الدول الداخلة فيه بغض النظر عن الموافقة وعدمها.
    تقدم جنرال في مملكة سيلينيا نحو أرائك ليونارد حاكم ممكلة " أورتيرا" واقفاً خلفه بانتصاب تلتقي عيناه السوداء بالخاصة بريتشارد الواقف على المنصة، والذي بحركةٍ مبهمةٍ من يده أعطى الجنرال ويليام إشارةً تعني " سأبدا" ، وبحركةٍ من يده كذلك استدعى إدوارد الجالس على إحدى الآرائك البيضاء بجانب آرثر الصامت ليتقدم المعني فوق المنصة بجانب والده وما إن فهم المغزى حتى ابتسم بغموض.
    صدح الحاكم ريتشارد جاذباً أنظار الحضور نحوه:
    - " جلالتكم الكرام، أشكر كل من جد العقد مع مملكتنا و آمل أن نستمر كالعائلة مستقبلاً، ومن لم يجدد أحب أن أذكركم بأساس عقد التحالف القائم على السلام ، إنه من المحزن عدم تعاوننا ولكن هذا لا يجحد الصداقة التي بيننا، .. ولأننا كذلك - أصدقاء وأخوة- أحب أن تشاركونني فرحتي بإعلان خطبة ابني الأكبر إدوارد على أميرة مملكة... -ابتسم بمكر ينظر بعينيه الخضراوتين نحو ليونارد ليردف: " أورتيرا" كيت.
    كان الفزع سيد الموقف بالنسبة إلى كيت التي تشبثت بيد أليكساندر بتلقائية ناظرةً نحو والدها الذي لم يكن مختلفاً عنها يتظر بصدمة.
    أصوات الحضور بدأت تعلو وبدأ الضجيج يعم القاعة ونظرات مريبة تخترق العائلتين، لاسيما كيت وأليسكاندر اللذيّن تلقا التهنئات قبل بضع ساعات فقط.
    ما إن نهض الحاكم ليونارد ليرفض بحزم هذا الهراء كما علق غاضباً بعد أن تخطى مرحلة الصدمة حتى همس الجنرال وليام خلفه:
    - إن فكرت برفض الخطبة ودّع مملكتك، الجيش الآن ينتظر الإشارة فقط ليودي بها.
    تصلب ليونارد.. عم الصمت أرجاء القاعة، الجميع يوجهه نظره بفضولٍ واضح إليه، حتى كيت التي بدأت ترتعش توتراً على أنها متأكدة بأن والدها سيرفض لكنها لم تفهم سبب جموده الآن.
    قال جورج محركاً يد والده بنفاذ صبر:
    - أبــي.
    همس الجنرال ويليام بخفية دون أن يشعر أحد به كأنه مجرد جندي واقف للحراسة لا أكثر:
    - قرارك يتحكم بمصير مملكتك.
    اضطرب ليونارد، إنه مخيرٌ بين أقسى خيارين، مخيّرٌ بين مصير ابنته ومصير مملكته..
    نظر إلى الحاكم كارل بتقاسيم ملأها الانكسار .. تقاسيم لم تظهر على أبداً على وجه ليونارد من قبل، إنه أصعب موقفٍ قد تعرض له! إنه على وشك بيع أغلى ما يملك! تقاسيمٌ وقعت كالصاعقة على قلب كيت خصوصاً حين همس والدها بكلماتٍ لم تخف على من حوله:
    - لقد فعلها ريتشارد.. لقد هزمنا يا كارل.
    مما أجفل إليزابيث التي كادت أن تفقد الوعي جرّاء الصدمة ففلذة كبدها الآن يتم بيعها ك سلعة بلا حولٍ أو قوة..
    نظر ليونارد إلى ريتشارد الذي ابتسم بمكر، ثم تحرك نحو كيت ممسكاً يدها بشيءٍ من الحنية تلتها قسوة غريبة لتنفصل يدها الأخرى عن يد أليسكاندر الذي وقف صارخاً :
    - جلالتك ليونارد !! ماذا تفعل؟!!!
    كانت كيت مفزوعة إلى درجة أنها لم تكن تعي ما يحصل، كانت تنظر إلى ظهر والدها دون استيعاب منصاعةً لأمره، والذي كان الجميع يحدق به مترقباً ما سيفعل، بما فيهم أبناؤه وزوجته الذين بحركةٍ تلقائية انتصبو واقفين وأعصابهم مشدودةٌ جداً.
    أمسكت "ديانا" زوجة الحاكم كارل يد زوجها في توترٍ واضح وأنفاسها تضيق تدريجياً بسبب خفقان قلبها المتزايد، وما إن رأى أليكساندر الحاكم ليونارد يسلم كيت إدوارد حتى صرخ بفزع:
    - مـــاذا تفــعل؟!!!!! كيــــت!!!
    كاد أن يفقد عقله ويتجه نحو ليونارد لولا حركة الحاكم كارل نحو ابنه مكبلاً يداه مخرجاً إياه من تلك القاعة التي اضطربت الأجواء فيها بما في ذلك جولي التي شعرت بالشفقة اتجاه خطيبها السابق والصدمة اتجاه سير الأمور.
    لحقت ديانا زوجها وابنها في ذعر متحاشيةً أنظار الناس، بينما فقدت إليزابيث الوعي بين يدي ابنيها جورج ومايك واللذيِّن تداركا وضع والدتهما بين رشح ماءٍ ومحاولة إفاقة.
    كان جون مضرباً لا يعلم ماذا يفعل، ينظر إلى والدته التي شحبت ملامحها وبين والده الذي لا يعلم ماذا سيفعل ؟ على عكس زاكس الذي كان هادئاً بشكل مخيفٍ جداً، كانت أنظاره متمركزةً نحو إدوارد المبتسم بخباثة، لا لشيء سوى أنه فاز في التحدي كما يشعر في ذاته.
    وقف الحاكم ليونارد مقابلاً للحاكم ريتشارد الذي رحب به بجملٍ مليئةٍ بالسموم:
    - أهلاً بك أيها الصديق الثمين، يسعدني أن نرتبط روحياً و....
    كانت ملامح الحاكم ليونارد ك الحجر، خالياً من التعابير تماماً بجانبه كانت تقف كيت متراعدةً، غير قادرةٍ على تفسير ما يحصل بين عمالقة يفقنها طولاً وحجماً وقوةً، نطق ليونارد أخيراً بنبرةٍ منخفضة باردة كـ الصقيع بينما عيناه الرماديتان تخترقان عينيّ ريتشارد الخضراء:
    - لا تعتقد أبداً بأنني قد سلمت لك ابنتي ورضخت، انتظرني فقط.. سوف أستعيدها أيها القذر.
    ثم وسط دهشة الجميع دفع كيت نحو إدوارد الذي أمسكها من كتفيهاقائلاً بابتسامة:
    - أهلاً أيتها الجميلة.
    - يستحسن ألا تمسها أبداً إن أردت الحفاظ على رأسك.
    نطقها ليونارد بذات النبرة الباردة، ثم أدار ظهره مغادراً لتردك كيت ما يحصل فتصرخ فزعاً بينما انهمرت الدموع الساخنة على وجنتيها المحمرتين إثر الصدمة فجأة:
    - أبــــــــي!!! أبــــي... لا تتتركني!!!!
    بدأت الأجواء تصبح أكثر اضطراباً مما دفع آرثر الغير مكترث بما يحصل ينهض من على الأريكة البيضاء مغادراً المكان.

    خارج أجواء القاعة الفسيحة المضطربة، كان أليكساندر هائجاً يرمي كل ما أمامه صارخاً بحرقة لا يفهم سبب هدوء والده الذي أقفل باب الجناح المعد خصيصاً لهم، جلس كارل على طرف سريره الوفير ينظر بعينيه الزرقاوتين نحو الأرض بينما تحتضن يداه الأخرى يفكر بشرود وعلى تقاسيميه تجلّى الهدوء الذي بعثر أليكساندر وأفقده طوره أكثر، هو الذي قبل لحظات فقط سُلبت منه حبيبته وخطيبته وامرأته فكيف بوالده أن يحافظعلى اتزانه هكذǿ
    كانت ديانا تجلس يسار زوجها تبكي بحرقةٍ على ما آلت إليه الأمور، ومنظر ولدها المضطرب أمامها يقطع قلبها بل يطحنه طحناً.
    صرخ أليكساندر بذعرٍ قائلاً:
    - كيف حدث ذلك؟ كيف حدث ذلك.. كيف حدث ذلك!!، كيف تؤخذ كيت خاصتي هكذا أمامي ولا أفعل شيئاً؟!!! كف تجعلني أغادر بينما لا تملك أحداً يحميها!!! أقسمت أن أحميها!! أقسمت أن أحميها!!.. والدي أعدني إلى هناك!! أعدني، يجب أن استرجعها... أبي إنني أتحدث!!!!!
    استمر صارخاً حتى نفد صبره فأخذ يضرب قفل الباب بإحدى حطام أريكة كان قد ألقاها غضباً وانكسرت إلى أن كُسر القفل ليخرج مصادفاً سير مجموعة من الحراس بقيادة قائد تملأ الشارات كتفاه شعره الفاحم قد غطى جبينه، كان مأموراً بأن يتفقد الأوضاع بين ممرات القصر خصوصاً بعد أن اضطربت وخرجت كثير من العائلات مغادرةً القاعة، اصطدم به أليكساندر الثائر غير مكترثٍ بما يحصل ليرفع الآخير عينيه الصافيتين كصفاء السماء في لونهما ينظر إلى أليكساندر الذي تخطاه، ليقف مشدوهاً ومتسمراً في مكانه هامساً:
    - أليكسـاندر.. ؟
    _____________
    - لقد أثارت شفقتي ابنة آل آرسيون..
    تحدثت فتاة في عمر كيت لها شعر أشقر مموجٌ غطى كتفيها ترتدي فستاناً أحمراً ضيقاً من عند الخصر واسعاً بعد ذلك، كانت قد أعدته خصيصاً لهذا اليوم الذي انتهي دون أن تنفذ غايتها منه، كانت تسير بجانب أخيها عائدين إلى جناحهم الخاص بعد أن فُضَّ الحفل، ليوافقها الآخر قائلاً:
    - أراهن بأن أليكساندر قد جُن الآن، لقد بدا سعيداً معها
    - لم أعد أريد أن أقهره لكونه قد فسخ خطوبتنا.. هل تعتقد بأن الحاكم ليونارد والد كيت كان يعلم مسبقاً؟ كان يبدو هادئاً!
    قطب نيكولاس حاجبيه قائلاً:
    - لا أعلم ولكن لا أعتقد بأن الأب يستطيع بيع ابنه هكذا بسهولة.
    ساهم في الحديث صوتٌ خشن كان مجرد مستمعٍ منذ البداية، مما أثار دهشة جولي ونيكولاس فلم يكن والدهما يساهم في أيِّ أحاديثٍ جانبيةٍ هكذا، ومعهما بالذات:
    - إنها بالتأكيـد خطة ريتشارد.
    أردف مقهقهاً: ذلك المـاكر إنه يفكر فعلاً
    تأففت جولي مبعدةً نظرها عن ظهر والدها بعد أن فقدت الأمل في أن يصبح إنساناً بالنسبة إليها، لتقول بحنقٍ موجهة الكلام لنيكولاس:
    - أخبرتني بأن الأب لا يستطيع بيع ابنه بسهولة؟ لديك مثالٌ أمامك الآن يستطيع بيعك مع فوائـد!
    ازدادت حدة قهقهة الحاكم سامث لذي أخذ النعت كـ إطراء مثير للسخرية، وكأنه يتعمد ذلك ليغيض جولي، إنه يرفض الرضوخ، أبداً.
    قال نيكولاس وعلى وجهه ارتسمت تعابير العتاب:
    - ذلك خاطئ جولي، لا تقولي ذلك مرةً أخرى.
    تجاهلت كلامه متخطيةً إياه ووالدها للوصول إلى جناحهم، فعلتها عمداً لتغيض والدها فقط فهو يكره بل يمقت أن يتقدمه أحد، تعتبر إهانةً يستحق فاعلها القصاص، كيف لا وهو العظيم سامث؟!
    ________

    يتبع ..

  21. #240
    كانت جالسةً تتراعد وعينيها الرماديتين تنظران بخوفٍ نحو الحاكم ريتشارد الجالس أمامها وسط غرفةٍ كلاسيكية ذات أرائكٍ حمراء، تحمل شرفةً واحدة على يمين كيت ومقابلةً لباب الغرفة الذي فُتح ليدخل إدوارد وابتسامةٌ ماكرة لم تغادر شفتيه منذ أن استطاع الفوز في الحرب الباردة -كما سماها-، كأنه بفوزه قد حصل على لعبةٍ جديدة تكسر روتين حياته الذي قتله مراراً.
    مما جعل كيت تجفل أكثر ما إن لاحظت دخوله، جلس الأخير بجانبها لتلصق إلى نهاية الأريكة متمسكةً بطرفها خافضةً حدقتيها الرماديتين المرتعشتين.
    تحدث الحاكم ريتشارد بصوتٍ أجش قائلاً:
    - لا داعي للخجل، لقد أصبحنا عائلةً منذ الآن.
    أثارت تلك الجملة اشمئزازها لكنها لم تستطع التعبير عن ذلك إلا من خلال تعقيد حاجبيها وامتعاض تقاسيمها، بينما أثارت الجملة سخرية إدوارد الذي قال بصوتٍ خافت سمعته كيت جيدًا:
    - عائـلة؟ لا تمزح معي.
    مما آثار ارتعابها أكثر، لكن إدوارد أردف قائلًا وهو ينظر إلى عينيّ والده الشبيهتين في لونهما بلون عينيه الخضراء:
    - اتساءل إن كنت ستعتبرني عائلتك أخيراً؟
    رمقه الحاكم ريتشارد وعلى وجهه ارتسمت ابتسامةٌ صفراء غير مفهومة المعنى إلا أنها لا تبشر بخير، قطع تلك الأجواء التي بدأت تحتد طرق الباب الذي تبعه دخول خادمٍ بعد أن انحنى قائلاً:
    - لقد وصل الحاكم ليونارد جلالتـك.
    - أدخله.
    أدارت كيت رأسها تلقائياً وقلبها يخفق بشدةٍ وكأنما الدماء قد عادت تنضخ إلى سائر جسدها، تترقب دخول والدها لترتمي في حضنه أو تحتمي خلف ظهره أو تتشبث به ولا تتركه حتى يخرجها من هذا الغسّاق الذي اخترقها بصقيعه، هذا ما كان يتبادر في مخيلتها ويعود ليؤكد لها مرارًا بأن والدها قد أتى أخيراً ليخلصها حتى دخل الحاكم ليونارد بهيبةٍ تجلّت في مشيته وملامحه، ولأول مرة تشعر كيت بهيبة والدها التي حكمت مملكةً مترامية الأطراف طوال السنوات السابقة، لقد كان دائماً الوالد الطيب الحاني بالنسبة لها، علَت وجهه تعابيرٌ باردة، صـارمة، لم ينظر إليها ليطمئنها.
    وقف الحاكم ريتشارد مرحباً بقوةٍ مصطنعة بدا اصطناعها واضحاً خصوصاً عندما همَّ بعناق ليونارد:
    - أهلاً بقريبي.. أهلاً.
    أبعده ليونارد بابتسامة لا تقل اصطناعاً، ليجلس على أريكةٍ وقعت يسار ريتشارد الذي قال لإدوارد وكيت:
    - انصرفا للتحدث والتعرف على أرجاء القصر، أنا وقريبي المستقبلي سنكون منشغلين في ترتيب مستقبلكما.
    وابتسم بمكرٍ لتفزع كيت عندما لم ترى أي ردة فعلٍ من والدها، ولا حتى نظرةً يلقيها إليها مهدئاً، وما زاد الفزع أكثر، يد إدوارد الذي أمسك بذراعها وسحبها خارجاً مغلقاً الباب.
    نفضت يدها عنه قائلةً بصوتٍ مرتعش آلم حلقها الجاف:
    - لا تتوقع بأن والدي سيتخلى عني.
    ضحك بسخريةٍ قائلاً وقد رفع وجهها بيده ناظراً مباشرةً إلى عينيها الرماديتين:
    - سنرى ذلك.
    كانت مشمئزةً وثائرة لتصرخ قائلةً:
    - ليكن في علمك فقط، بأن والدي قد اقترحك علي مسبقاً، وأنني رفضتك بنفسي وسأستمر برفضك مرارًا وسأمقتك ما استطعت!
    استفزت تلك الجملة إدوارد وما آثار حنقه شعورٌ العجز الذي سيطر عليه بأنه لن يستطيع السيطرة أو إرضاخ هذا الكائن الناعم الصغير الذي لا يضاهيه حجماً مما جعله يشعر برغبة في استخدام العنف للإخضاع.
    أقرب وجهه من وجهها يتأمل ملامحها المرعوبة وتراجعها إلى الخلف نحو الجدار.. لم يكن يريد إيذاءها، فقط أراد أن يرى تلك النظرة المشمئزة تنكسر، إلا أن كيت التي التصقت بالجدار لم تُزح عينيها الرمادية عن حدقتيه الخضراء بتحدٍ واضح مما أثار حنق إدوارد أكثر والذي تفاجأ بلكمةٍ طرحته أرضاً!
    كان أليكساندر الذي أخذ صدره يعلو ويهبط يستشيط غيضاً، شعره الذهبي مبعثر لا يشبه أبداً تصفيفته الرائعة بداية اليوم، جبينه متعرق، كان يلهث تعباً إثر ركضه في أرجاء القصر الضخم بحثاً عن كيت التي لم يكن ليعرف موقعها لولا صراخها قبل لحظات على إدوارد.
    أدار أليكساندر وجهه إلى كيت التي ما إن نظرت إليه حتى أجهشت باكيةً ليسحبها في حضنه قائلاً:
    - لن أدع أحداً يأخذكِ مني، أقسم لكِ.. سأحميكِ.
    انتحبت باكيةً وازداد تشبثها بقميص أليكساندر أكثر كأنها تطلب منه عدم تركها أبداً، لم تستطع التحمل في نهاية المطاف، لقد أرادت ألا تضعف أبداً على الأقل أمام إدوارد ولكنها لم تستطع السيطرة على نفسها أمام ذلك الدفء الذي حملته عينا أليكساندر، الدفء الذي بحثت عنه في نبرة والدها ولم تجده ولا في عينيه ولا تعابيره حتى، أليكساندر الذي لم ينطق بكلمةٍ سوى أنه نظر إليها بملامحٍ يائسة انتعشت ما إن رأها، أدركت لحظتها بأن قدرها يجب أن يرتبط بـ أليكساندر فقط! بأن قلبها لن يقبل أحداً سواه.
    وقف إدوارد وعلى وجهه ابتسامةٌ ساخرة سرعان ما تلاشت وهو يرى كيت قد حشرت رأسها بين صدر أليكساندر متشبثةً بقميصه، شعر لوهلة بغصةٍ توقفت في حنجرته، لوهلةٍ غبطهما، مشاهدٌ كهذه نادرة الحدوث جداً أمام إدوارد، خصوصاً تلك التي تحمل مشاعر صادقة، وفجأة شعر بأنه أصبح يكره كل أصناف البشر، وكأن المشهد أمامه مثيرٌ للاشمئزاز ومبالغ به، كرِه كل تلك المشاعر التي كان يبحث عنها باستماتةٍ طوال فترة طفولته، مراهقته، ولم يقابلها إلا جفاء والده ونفاق الخدم من حوله، منظرٌ كهذا يظهر أمامه وهو الجاف من كل شيء جعله يدرك مدى ازدراء حياته، شعر بأنه يريد أن يقتلهما من حنقه فجأة.
    وما هي إلا لحظات حتى صرف انتباه الثلاثة وقع أقدامٍ تبين أن صاحبها كان الحاكم كارل الذي ألقى نظرةً خاطفةً دون تعليق نحو أليكساندر وكيت التي بين يديه، ثم دخل حيث ريتشارد وليونارد.
    وبالداخل...
    تقدم كارل دون أن ينتظر رداً من ريتشارد جالساً على الأريكة مقابلاً لريتشارد عن يسار الحاكم ليونارد، ضحك ريتشارد بسخريةٍ بعد أن أبعد كوب الشاي عن شفتيه:
    - مازلت وقحاً كما في السابق.
    لم يجب، كأنه يقول ادخل في صلب الموضوع، ليردف ريتشارد وهو ينظر نحو ليونارد الذي كانت تعابيره باردةً لم تتغير:
    - سيكون زوجهما غداً، ولن تغادر معكم سلينيا، سأجعله صباحاً في الهواء الطلق، لكي يتسنى لكم وللعائلات الحاكمة الأخرى المغادرة نهاية اليوم -وابتسم بخبث-
    قطب كارل حاجبيه ليقول لليونارد مصدماً:
    - لحظة! هل وافقت فعلاً يا ليونارد؟!
    لم يجب المعني بل رفع حدقتيه الرماديتين يثقب بهما وجه ريتشارد قائلاً:
    - فلتـأمر جيـشك بالانسـحاب من ممـلكـتي.
    ضحك ريتشارد بتصنع قائلاً:
    - لن أفعل شيئاً بالتأكيد لعائلة زوجة ابني، مابك لا تثق بي؟
    - بالطبع لا أثق!
    - ولكنك أودعت ابنتك بين يدين من لا تثق بهم؟
    أثارت تلك الجملة حنق ليونارد ليقول بين صرير أسنانه:
    - لا تفكر حتى برفع إصبعٍ عليها.
    وسط ابتسامة خبيثة أجاب:
    - بالطبع لا أجرؤ على وضع إصبعٍ على زوجة ابني.
    مما آثار حنق ليونارد أكثر لكنه تمالك نفسه.
    فهم كارل ما آل إليه الحال لذا صمت واضعاً رجلاً فوق الأخرى يراقب ما سيتبادله الاثنان من اتفاقات.
    رفع ريتشارد عينيه الخضراوتين ثاقباً كارل وليونارد ليقول بنبرةٍ سامة:
    - ولكن... أليس عليكما تغيير شيء كما تعلمان؟ لا يزال الوقت مبكراً بما أنكما لا تزالان داخل سيلينيا.
    لم يحتاجا إلى تبادل النظرات بينهما، كأن اتصالا روحياً قد تولد بينهما، تلك الثقة العمياء التي يستحيل أن تكون بين الدول، وُجِدت برابطةٍ إخوية بين حاكم مملكة " أورتيرا" ليونارد وحاكم مملكة " كاميليا" كـارل، لينطقا بذات النبرة الحادة:
    - إن كنت تقصد تجديد العقد، فليكن في علمك بأنه من المستحيل أن أدنس مملكتي بكل ما يخصك.
    ابتسم ريتشارد ابتسامةً جانبية ليقول وقد وضع حدق الشاي الذي كان هو الوحيد الذي يشرب منه على الطاولة أمامه:
    - إذاً تعلنان الحرب.
    - اعتقد ما تشاء، أما الآن - وقف ليونارد قائلاً: لا يوجد حديث آخر، ستسحب جيشك من مملكتي بعد غد!
    وقف ريتشارد قائلاً:
    - لك ذلك.
    هم الثلاثة بالخروج، يتقدمهم ريتشارد الذي لمع ثغره بابتسامةٍ ما إن رأى حِنق ولده اتجاه أليكساندر الذي التصقت بجانبه كيت، تلاه كارل وليونارد اللذين كانت ملامحهما باردة جداً متحاشين النظر نحو ابنيهما.
    لم يستطع أليكساندر التحمل حتى ينفرد بابيه فنطق مخاطباً والده كارل والحاكم ليونارد:
    - ماذا حصل؟
    لم ينطقا،.. لم ينظرا إليه حتى، ليقول ريتشارد الذي تخطى أليكساندر متجهاً حيث كيت:
    - فلتستعدي غداً زفافكما.
    مشيراً بيده نحوها وإدوارد، والذي لسببٍ ما، ما إن رأى الذعر قد ارتسم على وجه كيت لم يكن سعيداً.. أبداً.
    انصرف ريتشارد مبتعداً تبعه ليونارد وكارل دون أن ينبسا ببنتٍ شفة تاركين أليكساندر وكيت يتصلبـان ذعراً.

    - تم البارت 11-

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter