الصفحة رقم 13 من 14 البدايةالبداية ... 311121314 الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 241 الى 260 من 278
  1. #241
    همهمهم مر اسبوع..
    لا بأس سأكملها حتى بدون متابع واحد ~
    يوم السبت القادم بإذن الله
    سأرفق الجزء الثاني عشر


  2. ...

  3. #242
    Part 12
    كانت الأجواء صاخبةً داخل قصر مملكة سيلينيا ووسط سيلينا نفسها، ما إن أذيع خبر زاج وريث عرشها الأول قبل إعلان خبر خطبته أصلاً، الأمر الذي أثار استغراب الشعب بقدر سعادته.
    زُيّنت الطرقات بالورد ونظِّفت كل الأحياء حتى لم يبقى حيٌّ إلا وتعاون أهله لتجديد كل خرابٍ به، تعاونت نساء كل حي في إعداد ألذ الحلويات والمعجنات، تلك كانت الطقوس ما إن يتزوج أحدٌ من العائلة الحاكمة، ولأن مرّت فترة طويلة مذ حدوث مناسبةٍ سعيدة لتلك المملكة كانت الأجواء أكثر صخباً.
    أما بداخل القصر..
    كانت الأجواء صاخبة في أغلب أنحاء القصر بين إعدادٍ وتجهيز، باستثناء عائلتيّ كيت وألكساندر، الذين تقابلوا وسط غرفة المعيشة الخاصة بعائلة " آل آرسيون" والصمت يسود المكـان، الأجواء موترة بشكلٍ سيء.
    حملت وجوههم تعابير الانكسار، قهر طغى على المكان محملاً أكهالهم ثقل عجزهم عن حماية ما يملكون أمام جبروت وسطوة الظلمة.
    كل ذلك الحماس، تلك الخطط والوعود تلاشت بلمح البصر، كان ليونارد يلوم نفسه سراً على قصر نظرته، لأنه لم فكر بعمقٍ أكبر، كان يجب عليه أن يتوقع حدوث أمرٍ مشابه، إنها ابنته نهاية المطاف.. ابنته الوحيدة.
    لم يكن هو الوحيد الذي يشعر بالحنق فقط، كل من تحلّق على الأرائك البيضاء في تلك الغرفة الفسيحة كان يُحمّل ذاته جزءاً من اللوم والقهر و داخله يشتعل غضباً بالأخص أليكساندر الذي منذ الأمس قد مُنع من رؤية كيت، وعلى الرغم من أن عائلتها مسموحٌ لها أن تراها إلا أن لا أحداً قد ذهب لرؤيتها، لم يستطع أحدٌ أن واجهها على الأقل.. تُركت منذ الأمس في جناحٍ خاص بعيدٍ جداً عنهم، تصارع الليل لوحدها، دون أن تعلم سبب كل ما يحصل!
    نطقت أخيراً اليزابيث الجالسة يسار زوجها بصوتٍ مرتعشٍ من البكاء:
    - ليونـارد، أرجوك افعل شيئاً، افعل شيئاً!! لما على ابنتي البريئة أن تعاني من هذه الحروب التي لن تنتهي ؟
    على الرغم من أن داخل ليونارد يتمزق ألماً، إلا أن الهدوء اتسم على تعابيره مخفياً كل ذلك، لينطق موجهاً حدقتيه الرمادية نحو أبناءه اللذين توزعوا على الارائك اثنان عن يمينه واثنان عن شماله:
    - ما إن نعود إلى أورتيرا، فلتنظموا تدريباتٍ مكثفة، اطلبوا المبارزين الماهرين، وليكن التجنيد من عمر السابعةِ عشر - ثم أدار رأسه إلى اليسار نحو زوجته الجالسة بجانبه والتي تبكي بحرقة مردفاً: العائلة الحاكمة وجدت كي تحمي المملكة والشعب! ، لذا يقع على عاتق كيت كـ أميرة أن تحمي هذه المملكة بكل ما تستطيع، وشاءت الأقدار أن تكون حماية كيت للمملكة بهذا الشكل، لا اعتراض يا أليزابيث.
    كان الحاكم كارل وزوجته ديانا وابنهم أليكساندر يجلسون على أريكةٍ واحدة مقابلين الحاكم ليونارد وزوجته، لم يكن أحد منهم يجرؤ على التعليق أبداً، كانوا جالسين في صمتٍ وقلقٍ واضح على أليكساندر الذي كان منذ الأمس لم ينطق ببنت شفّة، والذي أغلق على نفسه في غرفته منذ أن ازدادت الاوضاع صخباً في أرجاء القصر، ولم يخرج إلا حينما أخبره والده بأن الحاكم ليونارد طلبهم.
    نطق الاحكم ليونارد مرةً أخرى معيداً جميع الموجودين إلى ما يجب أن يكونوا عليه:
    - أنا واليزابيث لن نحضر مراسيم الزفاف، من يرشح نفسه لحضوره؟
    نطق أليكساندر أخيراً ونظره معلقٌ على الطاولة البيضاء المستطيلة أمامه:
    - سأحضر.
    رفض ليونارد قائلاً:
    - كنت أعني أبنائي، أنت بالذات يا اليكساندر عليك ألا تحضر أبداً، بل دعوتكم الآن لأخبركم بهذا، كارل عليك أن تعود فوراً إلى مملكتك الآن، بعدها سنجتمع لنوحد صفوفنا، إنني أفكر في عمل حملةٍ تجنيدية بين جيش المملكتين، سأهيء حدودي التي بين مملكتي ومملكتك لأجعلها معسكراً تدريبياً.
    قال كارل مؤيدًا:
    - كنت أفكر بالشيء ذاته، جيوشي تحت أمرك، وسأوحد حدودي مع حدودك، ولتكن تلك المنطقة بأكملها معسكراً تدريبياً مما يزيد في حماية المملكتين أيضاً.
    لم يعارض أليكساندر، بل لم ينطق بشيءٍ ولم يبعد عينيه الزرقاوتين عن الطاولة، بقيَ شارداً في صمت وكأنه يقسم بداخله بأنه سيستعيد كيت طالما كان حيّاً.
    قال جورج مختاراً الوقت الأمثل كعادته:
    - سأحضر وزاكس الزفاف، مايك وجون يجب أن يعودا معكما لتجهيز المعسكر.
    رفض جون معترضاً وحدقتاه البندقيتين تلمعان مما يؤكد حبسه للدموع:
    - أبـداً! سأحضر، إنني الأقرب إلى كيت، يجب أن أكون أنا الذي يقف بجانبها.
    أجاب زاكس والذي لم ينطق أبداً منذ وصل إلى سيلينيا قائلاً بحزم:
    - ولذلك بالضبط يجب ألا تحضر، لن تستطيع التماسك إن رأيتها.
    أجاب جون بانفعالٍ:
    - ماذا عنك؟ لديك أسوأ ماضٍ مع سيلنيا، هل ستكون متأكداً من أنك لن ترفع السيف في وجه إدوارد؟
    رمقه زاكس بعينيه السوداويتين كما لون شعره قائلاً بحدةٍ وغضب:
    - الزم حدودك يا جون، أتحسبني طفلاً؟!
    أخفض المعني رأسه عاضاً على شفته السفلية في قهر، لم يكن أن يدع أخته الصغرى خلفه ظهره ويمضي.
    وقف ليونارد قائلاً إلى إحدى الخادمات اللاتي جئن مع العائلة الحاكمة من أورتيرا والتي كانت تقوم بتجهيز الحقائب في الغرفة المجاورة:
    - آنسة جورجا، آسف ولكن، هل لي أن أدع كيت تحت رعايتكِ؟
    انحنت الخادمة جورجا ذات الشعر البني المرفوع على شكل كعكةٍ قائلةً:
    - إنه لشرفٌ لي أن أفوز بثقتك جلالتك.
    - أذكر بأنك تجيدين فنون الدفاع عن النفس؟
    بذات الوضعية أجابت خافضةً عينيها العسليتين نحو الأرض:
    - أجل سيدي.
    - إذاً عليكِ حماية كيت مهما حصل.
    - أمـــرك.
    أدار ليونارد رأسه نحو زوجته وابنيه مايك وجون قالاً:
    - انهضوا ، العربات تنتظرنا.
    قالت أليزابيث بين دموعها:
    - انتظر ليونارد، ألا يمكننا رؤية كيت لمرةٍ أخيرة على الأقل؟
    قال ليونارد مشيحاً بوجهه عن زوجته متجهاً نحو الباب:
    - لن أفعل، إن أردتِ فاذهبي، ولكن ليس بهذه الدموع.
    كانت تعلم بأنه من الأفضل لكيت ألا تراها أبداً لألا تشعر بالضعف، كانت تعلم أيضاً بأنها لن تستطيع أن تتمالك نفسها وأن تسيطر على مشاعرها، خصوصاً وأن كيت الآن ستكون حتماً قد ارتدت فستان الزفاف، ذلك الفستان الذي كانت تتخيل كيت دائماً به.. مما قد يجعلها تنفجر باكيةً أمامها.
    ازدادت حدة بكاء أليزابيث، مما دفع ديانا زوجة كارل أن تنهض غير محتملةٍ دموع صديقتها وتعانقها مهدئةً إياها.
    وما هي إلا دقائق حتى تنفست الأخيرة الصعداء مستجمعةٍ شتات نفسها، ثم توجهت مع ابنيها نحو العربة عائدين إلى أورتيرا دون أن تذهب غلأى كيت ولو من بعيد..
    ليلحقهم كارل وديانا واليسكاندر منصرفين إلى جناحهم للاستعداد للعودة إلى كاميليا.
    _ _ _ _ _ _ _
    انجلت ليلةٌ باردة، مريعة، مخيفة أخيراً ليعقبها صباحٌ لا يشبه الصباح أبداً، شمسه لم تستطع أن تضيء قلب كيت الذي غاب في غياهبٍ دامسة، حتى أشعتها الدافئة لم تستطع أن تذيب الجليد الذي اخترق صدرها.
    وقفت كيت كالدمية تماماً بتعابيرٍ باهتة، ووجهٍ خالٍ من كل ومضة حياة سوى سوادٍ قد ظهر جلياً تحت عينيها المنتفختين إثر السهر والنحيب الليلة الماضية، لم تكن تعتقد بأن الأمور قد تصل إلى هذا المنوال! أن تُرسل إلى القصر الرئيسي البعيد عن قصر الضيوف محرومةً من عائلتها، أن تجهز لها غرفة كاملة فيه تحتوي على جميع أغراضها التي جاءت بها من أورتيرا وأكثر من ذلك، كأنها تأكدت نهاية المطاف أن بيعها قد تم أكيداً وألا أمل في العودة، وبأن الجحيم الذي ذاقته طوال الأمس لم يكن كابوساً، كان واقعها البائس، واقعها المثير للشفقة، مصيرها وقدرها الذي لا تعلم كيف ينبغي أن تواجهه؟
    انعكست على المرآة الطويلة أمامها وقد ارتدت فستـاناً أبيضاً كبيراً يعتلي شعرها فاحم السواد والمسدول على ظهرها أكليلٌ من ورد الاقحوان الأبيض، بدت كامرأةٍ بالغة لم تتعرف عليها، بعد أن كانت مجرد صبيةٍ في الثامنة عشر لا يحمل وجهها سوى تعبير الشقاوة كحدٍ أقصى، أن تصبح بعد حدثٍ مروعٍ واحد تُظهر ملامحاً كَدِرة كتلك، شيءٌ لم يكن ليظهر على من بعمرها، ولكن تلك أقدارها التي تُخضعها إن لم تخضع رغماً عنها.
    طُرق الباب إلا أن كيت لم تكن تترقب أحداً، كأنها استسلمت مطلقاً، حتى مع دخول زاكس وجورج الذيِّن بديا بأبهى حلةٍ مصففين شعورهم بطريقةٍ تليق بأمراء مملكةٍ عريقة، على أن زاكس وجورج مختلفين تماماً في شكليهما فلزاكس شعره أسودٌ كما لون عينيه على عكس جورج الذي يمتلك عينين عسليتين وشعرٍ بني يشبه بذلك والدته، إلا أن لا يختلف اثنين في أخويتهما، كأن المعايير مختلفة ولكن الشكل متقارب.
    خفق قلبها ما إن رأتهما ولكنه سرعان ما سكن، تعابيرها الخالية لم تتغير، نظرت إليهم بعيونٍ باهتة مما آلم زاكس الذي تقدم محتضناً إياها:
    - تبدين رائعة.
    نظرت إليه دون أن تنطق، ليتقدم جورج بابتسامة:
    - لقد كبرتِ وازددتِ جمالاً كما أرى.
    دخلت في تلك الأثناء الخادمة جورجا ممسكةً بأحذيةٍ فضية، ليقول جورج مردفاً:
    - سوف تكون جورجا معكِ دائماً.
    ثم أدار رأسه نحو جورجا قائلاً:
    - كيت تحت رعايتكِ.
    انحنت الخادمة باحترامٍ قائلةً:
    - سأضعها نصب عينيّ.
    نطقت كيت أخيراً وتعابير وجهها لم تتغير:
    - لا أفهم.. أنا لا أفهم، لما تتحدثان معي؟ ألم يختار الجميع تجاهلي؟
    أمسك زاكس وجهها بين يدي قائلاً:
    - يستحيل ذلك ، بالتأكيد لا يا عزيزتي.
    - إذاً لماذا لم يحدثني والدي أبداً؟ لماذا لم يبرر لي شيئاً؟! لما لم يشرح لي ما يحصل؟ لماذا تركني بجفاء؟؟ لما لم تزرني أمي؟ لماذا مُنع أليكساندر من رؤيتي؟ ماذا عنكم، لما أنتما الوحيدان اللذان جئتما لي الآن، أين مايك؟ أين جون؟! لا أفهم!!
    تنهد زاكس لترتسم على وجهه شفقةٌ مشوبة بألم، إنها أخته الصغرى المدللة التي وبدون سابق إنذار تضطر إلى تحمل مسؤوليةٍ أكبر من تصورها.
    رفع حدقتيه السوداوتين نحو الخادمات اللاتي كن يزيّن شعر كيت، ويعدلن فستانها كثير الطبقات طالباً منهن المغادرة، لم يكن يهتم إن سمعن ما سيقال، على العكس سيكون أفضل إن علم الجميع بصريح العبارة أن هذا الزواج ما كان إلا إرغاماً لكنه طلب منهن الخروج ليأخذ كامل حريته في الحديث، ليشرح إلى أخته بشكلٍ مبسطٍ ما حصل كما تحتاج، كونها لم تعلم عن شيءٍ أصلاً.
    خرجن وهمت جورجا بالخروج إلا أن جورج أوقفها قائلاً:
    - أنتِ الآن لا تُعديِ غريبة، ما يقال لكيت يقال لكِ كذلك.
    انحنت باحترامٍ معبرةً عن شكرها
    أمسك زاكس يد كيت جالساً على أقرب مقعدٍ مقابلاً لها، جلست على المقعد المقابل تنتظر منه تفسيراً يشفي غليلها، يجعلها تتفهم والدها الأحب إلى قلبها، قال زاكس بدفء:
    - فلتثقي بأن والدي ونحن، وأليكساندر كذلك لن نترككِ أبداً، إننا نعمل على خطةٍ لنخلصك من هنا، إنكِ كيت العزيزة، كيف يمكننا أن ندير ظهورنا ونذهب؟
    - ولكن أبي أدار ظهره لي بالفعل، ... وهل لم ينظر لي حتى!
    تغيّرت نبرته إلى شيءٍ من الجدية ليقول:
    - فعل ذلك ليجعلكِ أقوى، إنكِ ضعيفة جداً يا كيت، كنت تستندين علينا دائماً لم تتحملي مسؤوليةً من قبل!، لقد فعل والدي ذلك ضد إرادته، ولكن كوني واثقة بأنه تعامل معكِ بهذه الطريقة لمصلحتك، لقد غادر هو وأمي وجون ومايك عائدين ، إنهم يريدون منكِ الوقوف على قدميك دون مساعدة أحد، .. كيت، جميعنا نضع أمالنا عليك مستقبل أورتيرا بين يديك لذا أحسني التصرف.
    صرخت بانفعال:
    - لازلت لا أفـهـم!!! أنا لا أفهم!! لما علي أن أتحمل كامل المسؤولية، لما أورتيرا تعلق آمالها علي.. لما علي أن أقف وحدي فجأة!!
    أغمض زاكس عينيه ليقول جورج بوضوح:
    - جيش سيلينيا احتل أورتيرا يا كيت، لقد خُيّر والدي بينك وبين المملكة بأسرها ، ولقد اختار حماية المملكة لأن مسؤوليتك كذلك كما هي مسؤوليتنا كـ أمراء لها أن نحميها بكل ما نملك، إنك الآن تقومين بواجبك كأميرة، لذا يجب عليك التحمل، سنحاول إخراجك وسننجح، إلى ذلك الوقت عليك الوقوف بكامل قوتك صامدة.
    بُهتت تماماً، وازداد حنقها اتجاه سيلينيا لدرجة الغثيان لتقول بصوتٍ مرتعش:
    - أتخبرانني بأنكم ستشنون حروباً ذد المملكة التي سأكون أسيرةً بين يديهǿ تلك المملكة التي قتلت خطيبة أخي أصبحت تهدد والدي الآن بإبادة مملكته؟
    عض زاكس شفته السفلية في قهر صامتاً، ليقول جورج بعقلانية كما يشتهر عنه دائماً:
    - أجل، نحن سنحارب بجيوشنا وأرواحنا، وأنت كذلك ستحاربين، بذكائك! تفهمي ذلك يا كيت، لا يوجد خيار آخر أمامك، أما الآن فسنتجه إلى قاعة زفافك، اكملي استعدادتك وأحسني التصرف.
    وقف زاكس ناظراً إلى كيت بابتسامةٍ منكسرة، ليغادر الاثنان وتهم الخادمة جورجا ذات العينين البنيتين كما لون شعرها بإكمال ما تبقى من استعدادت كيت.
    قالت بعد برهةٍ حينما لاحظت بُهت ملامح كيت وشرودها منذ مغادرة أخويها، كأنما صاعقة انهالت عليها فدمرتها:
    - إنك مصدر فخر أورتيرا الآن يا سيدتي، سأحميكِ بكل ما لدي لذا اعتمدي علي.
    لم تجب كيت، لم تكن تقوى حتى على الإجابة، الآن اعتلى كاهليها ثقلٌ يمنعها حتى من التذمر.
    ما هي إلا لحظات حتى دخل إحدى حراس قصر سيلينيا قائلاً بعد انحنائه:
    - حان وقت مراسم الزفاف جلالتك.
    استقامت قاصدةً الباب دون أن تلقي نظرةً أخيرةً على شكلها حتى، دون أن تحمل فوق شفتيها ابتسامة، مضت دون طاقةٍ لمواجهة تلك الحياة الجديدة التي ستستقبلها، مضت مرغمةً بكل ثقلٍ ولكنها مضت متمنيةً في داخلها أمنيةً أطلقت عليها لقب " مستحيلة" بأن ينتهي كل شيء فقط، بعد أن أصبح اليأس هو المتحكم الأكبر بداخلها.
    ___________________


    يتبع ..

  4. #243

    .
    ,

    اغتنم الحاكم كارل فرصة انشغال ريتشارد وقت مراسيم الزفاف ليركب وزوجته العربة الواقفة قبالة البوابة الضخمة لقصر الضيوف الخاص بمملكة سيلينيا، يقف أمامه حارسان ومجموعة جنودٍ يقومون بدورية مستمرة حول القصر لمنع أي اشتباهات مريبة، أخذت العربة وضعية الاستعداد لتلج وسط الغابة ذات الأشجار الكثيفة، طريقٌ مختصر للوصول إلى مملكة كاميليا في ثلاثة أيام وبعيداً عن المرور وسط مدن سيلينيا، كانت الأغراض والحقائب لم تجهز بعد وكذلك أليكساندر الذي تأخر متعمداً قاصداً غرفة تَجهز كيت ليلقي نظرةً أخيرة كما قال لنفسه غير مكترث لما قد يحصل، فقد أخذه الأرق طوال الأمس وهو يفكر بما آلت إليه الأمور وما يجب أن يكون عليه من ثبات كلما شعر بأنه على وشك فقدان عقله إثر الغضب ولكنه تفاجأ بالغرفة فارغة ليجذب مسامعه صوت التصفيق والموسيقى المنبعث من القاعة الأقرب لتلك الغرفة، وغز ألمٌ قلبه، ضاق نفسه وأخذت قدماه المرتجفتان تقودانه ببطءٍ نحو مصدر الصوت، نسي كل ما درّس نفسه صباحاً من كلماتٍ عن الثبات ورباطة الجأش والصبر.. لم يشعر بنفسه إلا وقلبه يتمزق والدماء تتمتنع عن الوصول إلى رأسه المضطرب، صراعٌ بين دماغه وحواسه.. كان لا يريد بتاتاً أن يرى ذلك المشهد الذي رأه نهاية المطاف دون أن يستطيع السيطرة على قدميه،
    وقف مبهوتاً وهو ينظر من خلف باب القاعة الضخم كيت المتأبطة ذراع إدوارد مرتديةً الفستان الأبيض الطويل... الفستان الأبيض الذي لطالما رأها في خياله ترتديه، ذلك الخيال الذي لطالما أحبه، الخيال الذي كان يقف فيه سعيداً وكيت تقف بقربه تضحك.. الخيال الذي تحقق مبكراً قبل أوانه غير حاملٍ كل أجزائه التي يفترض أن يحملها، دونه هو الذي يفترض أن يكون واقفاً مكان إدوارد، ودون ابتسامة كيت التي غادرت شفتيها تماماً.
    ولوهلة بدت كيت الأقرب إلى قلبه بعيدةً جداً كأنها ليست إلا سراباً.. وجد نفسه يسرع الخطى مبتعداً إلى أقرب بوابة خروج، يريد الهرب قبل أن يفقد السيطرة ويفسد كل شيء، يريد الابتعاد إلى حيث يستطيع الصراخ أو التنفس على الأقل ، لقد بات مختنقاً مذ انقلاب الأحداث المفاجơ عقله لم يستطع إلى الآن ترتيب الحوادث في رأسه، صدره أخذ يشتعل قهراً وهو يسترجع مشهداً كان يفترض أن يكون بطله لدرجة أنه لم يشعر بمروه وسط دورية جندٍ اختبأ قائدها خلف أحد جنوده لا شعورياً عندما رأى أليكساندر ليقول أحد الجنود بتعجب:
    - سيدي ماذا تفعل؟
    أدرك المعني ذو الشعر الفاحم ما فعل لينتصب بعد أن مر أليكساندر متنحنحاً غير مجيب على سؤال جنديه، اقترب إليه أحد الجنود المقربين إليه بعد أن انصرف البقية كلٌ إلى مهمته، ليقول وقد قابل قائده ذو العينين الزجاجيتين مخاطباً إياه دون كلفة:
    - تصبح غريباً يا سام ما إن ترى ذلك الأمير، أهو أميرٌ تعرفه؟
    نظر إليه سام بعينيه الزرقاء بشرود دون أن يجيب مما أثار استغراب ليون ذلك الجندي الأقرب إلى سام.
    لوح ليون أصلع الرأس عريض المنكبين -يشبه في هيئة جسده سام- بيده أمام سام ليقطع شرود الأخير مردداً بينما ينظر للجدار الأبيض البعيد خلف ليون:
    - شخص أعرفـه؟ شخص أعرفه.. قد يعد ذلك
    ما إن انتهى من الجملة الأخيرة حتى ارتسمت ملامحٌ غامضة على وجهه مما دفع ليون إلى الصمت وعدم الضغط على سام الذي استيقظت من أعماقه ذكرياتٌ قديمة كان قد دفنها ليعصف الحنين بقلبه ويعتصره.
    ____________________________

    انتهى الزفاف وانتهى بالنسبة إلى كيت كل شيءٍ بما فيها حياتها، لتقابل انقلاب أوضاعها بتعابيرٍ فاترة كانت لسببٍ ما تثير جنون إدوارد الذي لم يبتسم أبداً للسببٍ يجهله طوال الزفاف، كأن كل شيء يثير اشمئزازه وحنقه، كأنه يكره كل شيءٍ لدرجة تجعله متوتراً طوال الوقت.
    أُعد جناحٌ خاصٌ بهما يتكون من غرفتهما الشخصية المطلة بشرفتها الزجاجية الواسعة على الحديقة الخلفية للقصر الأساسي " المتاهة" بينما في الجهة اليسرى من الباب يوجد بابٌ أصغر حجماً من باب الغرفة يؤدي إلى غرفةٍ خاصةٍ بالملابس وأدوات التجميل.
    خارج الغرفة الشخصية توجد غرفة معيشة فسيحة ومفتوحة جدارها المقابل للباب الرئيسي للجناح يتكون من شرفة زجاجية تطل على إحدى حدائق القصر، وعلى يسار الشرفة تقع دورة المياة.
    كان الغالب على ألوان الجناح، اللون الأبيض الممزوج بحمرة الستائر والأرضية التي كانت عبارة عن سجاد فاخر، بينما الأثاث كان أبيضاً كذلك، ألوانٌ جديدة أقل كدرةً من ألوان القصر الأخرى.

    جلست كيت على طرف السرير الأبيض بفتورٍ دون أن تنظر إلى وجه إدوارد أبداً مما أثار استفزازه ليناديها بحدة:
    - كيت أنظري إلي.
    لم تجب ولم تتغير تعابيرها الفاترة، اقترب بخطاً سريعة يريد بها تشتيت انتباهها كما الأطفال ولكنها لم تتزعزع حتى عندما وقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما إلا شبر واحد، ازداد حنقه بشدةٍ وازدادت معه رغبته في إحكام السيطرة عليها بأيّ طريقةٍ كانت، تولد هاجسٌ بداخله يريد إخضاعها مهما تكلف الأمر، ليودي بصفعةٍ مفاجئة نزلت على وجه كيت ملجمةً إياها لتنظر إليه بفزع، توسعت عيناه الخضراوتان بعد أن أدرك ما فعل، لاحظت اشتعال حدقتيه لسببٍ لم تفهمه ولم يفهمه هو كذلك، لاحظت ارتعاش يده التي صفعتها، كأنه تعجب من فعله وكيف فقد السيطرة على حواسه.
    سرعان ما تبلدت ملامح كيت الفزعة، لتنهض قادةً غرفة الملابس وتستبدل فستان زفافها بثوب نومٍ سكري اللون، ثم وبحركةٍ آلية وسط تحديق إدوارد تجاهلته مستلقيةً على طرف السرير قائلةً بعدم اكتراث:
    - سأخلد للنوم ولتذهب إلى غرفتك الأساسية.
    وجد في نفسه رغبةً ملحة لعناد كل ما تقوله، وكأن أي كلمةٍ تخرج منها مشمئزة ويجب أن يقوم بعكسها، تجاهل ما قالت ليستلقي على طرف السرير الآخر دون أن يتسبدل ملابس الزفاف المذهبة، وحتى مع مضي ساعاتٍ وانتصاف الليل لم يستطع النوم أبداً مما جعل نفسيته تسوء وذلك الشعور المريع بالاشمئزاز يفور ليجد نفسه يسحب شعر كيت النائمة ملقياً إياها أرضاً، فتستيقظ صارخةً بفزعٍ مما دفع حراس الجناح إلى الولوج مشهرين بأسلحتهم ليتفاجأوا بإدوارد يركل كيت بجنون صارخاً بكلماتٍ غير مفهومة وهي تتلوى أرضاً.
    حاول الجنود إيقاف إدوارد إلا أن نوبة الغضب التي أصابته كانت جنونية إلى درجة أن الحارسان لم يستطيعا السيطرة عليه.
    ركض أحدهما خارج الغرفة باحثاً عمن يستعن به ممن يصادفه في طريقه، ولأنه بطبيعة الحال في طابق العائلة الحاكمة، ركض فوراً متجهاً إلى جناح الأمير آرثر لأن ايقاظ الحاكم ريتشارد على نوبة غضبٍ قد يراها سخيفة قد تودي بحياة ذلك الحارس المسكين.
    شرح بشكلٍ سريع وجملٍ متعثرة ما يحصل لحرّاس جناح الأمير ليقتحم غرفته تحت أنظارهم مما دفع آرثر الي كان شديد الحساسية في نومه إلى الاستيقاظ قائلاً وهو يبعثر شعره الأشقر في ضيق:
    - هل تحاول اغتيالي؟ متى كان مسموحاً للحراس الولوج إلى غرف الأمراء دون إذن.
    - أستميحك عذراً سيدي ولكن الأمير إدوارد دخل في نوبة غضبٍ غريبة منهالاً بضرب الأميرة كيت زوجته بعنفٍ شديد ولم نستطع ايقافه.
    نظر إليه آرثر ببرودٍ قائلاً:
    - وما شأني؟
    قال الحارس برجاء:
    - قد تموت جراء الضرب!! لا وقت لدينا أرجوك تعال!
    نهض آرثر متأففاً وهو لا يعلم ما عليه فعله أصلاً إلا أن موقفه تغير تماماً ما إن رأى كيت تتلوى أرضاً من الألم وإدوارد ينهال عليها بركلٍ مستمر بينما كان الحارس الآخر جاثياً على ركبتيه ممسكاً بإحدى ساقيّ إدوارد راجياً التوقف.
    هب آرثر مسرعاً ليلكم إدوارد طارحاً إياه أرضاً في غضبٍ صارخاً به وهو يرفع كيت التي كانت تتأوه ألماً وقد جرت شفتها وشج رأسها:
    - مــاذا تفــعل أيــها الأحمــق!!
    ازدادت حدة غضب إدوارد خصوصاً وأنه قد وجد سبباً ليلقي عليه غضبه البلا مبررٍ سوى أن قلبه يصبح مكبوتاً كلما رأى كيت، لينهض بكل قوته مهاجماً أخيه الذي أمسك قبضتي الأخير.
    نظر في عينيه قائلاً:
    - لا آبه إن تشاجرنا حتى الصباح ولكن إن كنت غاضباً كن رجلاً ولا تلقي بغضبك على الضعفاء!
    ودفعه بقوةٍ ليسقطه أرضاً، أدار آرثر ظهره مغادراً بعد أن ألقى نظرةً على كيت المفزوعة ودموعها تختلط بدماء شفتيها بصمت ليقول لأحد الحراس المفزوعين:
    - عالجها وتأكد أن تنام جيداً.
    وانصرف تاركاً إدوارد الذي ازدادت كآبته التي بلا مبررٍ ولكنها طغت عليه أخيراً فكبلت حركته وشلّتها، ليستلقي على السرير وسط توجس الحراس مغطياً نفسه بالغطاء مغمضاً عينيه وبشكلٍ غريبٍ استغرق في النوم كأنه قد ارتاح فجأةً.
    ولأن كيت لم تكن تمتلك مكاناً آخراً اضطرت أن تستلقي بخوفٍ مرةً أخرى على طرف السرير محاولةً النوم..
    ___________________

    - تم الجزء 12 -


    - ماذا سوف تحمله بقية الاجزاء من أحداث بعد أن اختلفت حياة كيت جذرياً؟
    - كيف سيكون استعداد أليكساندر للاستعادة كيت؟
    نلقاكم بإذن الله الأسبوع القادم، مع الجزء الثالث عشر والذي يحمل أحداثاً قويةً نسبياً ستكون سبباً في تغيير مجرى الأحداث بصورةٍ أكبر.

  5. #244
    و أخيرا وصلت
    المعذرة على التأخر توته بالرد
    جاري القراءة
    attachment
    تصميم Lady Ɖeidara نياا ~ شكرا نياا 031



  6. #245
    تحول الأحداث كان غير متوقع فعلا
    شعرت بالغضب ......لما على الأمور أن تسير هكذا و لكن
    طبيعة الأحداث تركت القصة أمتع 003
    شعرت بالقهر و الإنقباض من انحطاط تصرفات إدوارد
    على الرغم من أنني كنت أقنع نفسي مرارا أنه ضحية فقط
    إنه نتيجة رؤية أفعال والده و سوء حضه لولادته داخل هذه المملكة و هذه العائلة المتعفنة
    و لكن لم أعد أحتمل سوء تصرفاته cry
    كيت الرقيقة المسكينة صارت تركل و تضرب و تهان e411
    و عائلتها المبجلة ...تركوها لهذا المصير و يتوقعون أن انقاذها لاحقا سيكون ذا فائدة؟
    من المؤكد أن كيت لن ترجع لهم كـ كيت التي يعرفونها
    لقد فقدوها في يوم زفافها و للأبد
    في البداية أحسست أن شيئا لن يحدث و أن الزفاف لن يتم
    فكرت أن كيت في نقطة ما تحت ضغط إنهيارها ستحاول الإنتحار أو شيء من هذا القبيل
    لكن الزواج تم بالفعل 003
    أليكسندر cry هو الذي يعيش أصعب وقت بينهم لأن الشعور بالضعف و العجز عن عدم مقدرة فعله شيء هو أصعب شعور

    يبدو أن مجرى الأحداث من هنا سيأخذ منحى ثان 003

    تحمست أكثر من سابق و أخيرا صارت هناك حركة أكبر في الأحداث
    تحولها من الطابع الهادئ إلى الحماس فجأة
    بالإنتظار توته لا تتأخري e411

    و لا تشغلي بالك بالردود ستأتيك لاحقا بالفعل *قامباريه*
    اخر تعديل كان بواسطة » Amai chan في يوم » 16-05-2018 عند الساعة » 11:24

  7. #246
    Part 13


    مرّت أربعة أشهر منذ أن تزوجت كيت إدوارد، أصبحت معتادةً على نوبات غضبه المفاجئة لدرجة أنها أصبحت روتينية بالنسبة لها، فليس غريباً عليها أن تكتشف يومياً كدمات وجروحٍ جديدة في جميع أنحاء جسدها، حتى مع أن جورجا ما إن اكتشفت ذلك كثفت حمايتها لكيت واقفةً كدرعٍ بينها وبين نوبات غضب إدوارد إلا أنها بطبيعة الحال لن تستطيع الولوج إلى غرفتهما الشخصية ليلاً ، وغالباً ما تقع كيت ضحيةً لضرب إدوارد في ذلك الوقت خصوصاً إن عاد ثملاً.
    بالطبع لم تكن علاقتها بريتشارد جيدة، كانت تحاول تحاشي الالتقاء به على قدر استطاعتها إلا أنها لا تستطيع تلافي أوقات الطعام التي تقضيها بصمتٍ دون أن تنطق ببنت شفة، وبالنسبة إلى آرثر، لم تتحدث معه أبداً منذ ساعدها يوم زفافها إلا بتحيةٍ بسيطة إن صادفته، خصوصاً وأنه انطوائي أصلاً، وغالباً ما يخرج لتدريباته المكثفة مع سام الذي كانت ترتاب من لطافة تعامله معها.
    كانت تقضي وقتها برفقة جورجا غالباً، خصوصاً وأن جورجا أصبحت تلازمها كظلّها، كأنها حارستها الشخصية أكثر من كونها خادمتها، حتى رداءها تغيّر إلى رداءٍ مختلف، أصبحت ترتدي ك جنود أورتيرا بنطالاً أزرقاً ضيقاً وسترةً زرقاء مطرزةً أطرافها باللون الفضي، لا فستان الخدم الأسود والأبيض الذي كانت ترتديه سابقاً، وبالنسبة لما تقضي فيه كيت غالب وقتها، اتجهت إلى التطريز والقراءة التي لم تكن تفعلها أبداً في أورتيرا، إلا أنها الآن في سيلنيا وجدتها الأنيس الوحيد لها.
    على كلٍ ، صباح هذا اليوم كان مختلفاً على الرغم من شعورها بالتوعك الشديد إلا أنها كانت واقفةً أمام زجاجة شرفة غرفة معيشتها المطلة على إحدى حدائق القصر تبتسم متأملةً الخارج بشرود، سترى عائلتها بعد يومين! أجمل خبرٍ وصلها ما إن استلمت بطاقتا دعوةٍ لها ولإدوارد للحضور إلى زفاف أخيها جورج، الأمر الذي أثار استغرابها، يفترض أن تكون المملكة منشغلة بالاستعدادات اللازمة لشن حربٍ كما سمعت ، لقد مرت أربعة أشهر! ألا يفترض للأمور أن تحد؟ إلا أنها طردت كل تلك الأفكار متجاهلةً إياها، الأهم أنها أخيراً سترى عائلتها، وستمر بأورتيرا أولاً قبل أن تذهب مع عائلتها إلى مملكة خطيبة أخيها لإقامة مراسم الزفاف.
    بالنسبة لها فقدت تغيرت كثيراً خلال الأربعة أشهر المنصرفة، أصبحت أكثر تعقلاً، صابرةً بشكل كبير، ازداد برودها اتجاه إدوارد الذي لاحظت أنه سبب ثورانه مما جعلها تتعمده أكثر.
    أعدت جورجا حقائب السفر الخاصة بكيت وإدوارد لكونهما الوحيدان المدعوان إلى الحفل.
    تنفست الصعداء بصعوبةٍ إثر الغثيان الذي لازمها فجأة، متجهةً بعد ذلك إلى غرفة الطعام.
    جلست يسار إدوارد أمام طاولة الطعام المستطيلة يترأسها ريتشارد وعلى الجهة المقابلة يقابل آرثر إدوارد، كانا يأكلان في صمتٍ كالعادة باستثناء أن إدوارد كالبارود الذي قد يشتعل فجأة، وآرثر كالجليد في بروده.
    قال ريتشارد مخاطباً إدوارد:
    - متى ستتجهون إلى أورتيرا؟
    - بعد الغداء.
    نطق بها ببرودٍ دون أن ينظر إلى وجه أبيه، هذا ما آل إليه الحال منذ أن تزوج بكيت أصبح وقحاً أكثر مع الجميع، وازداد غموضاً وحباً للتملك بشكل كبير، معاملاً كيت كأحد ممتلكاته الشخصية، والذي يحتاج إلى إخضاعٍ بالعنف على الدوام.
    لم يفهم أحدٌ ولا حتى هو ماذا يريد بالضبط؟ لماذا هذه المزاجية السيئة؟ لما هذا الغضب الذي بلا مبرر؟ لما كيت تثير غضبه وحنقه واستفزازه حتى إيلامه ما إن يراها غير مباليةً له؟ لم يجد جواباً حتى الآن، وكل ما يفعله لإخراس ذلك الشعور هو أن يعتدي عليها بكل ما يستطيعه من العنف، كأنه يمارس سطوته كرجلٍ على حسابها، لدرجة حتى مع اعتيادها على شكل الكدمات والخدوش والندوب التي أصبحت تشوه وجهها اضطرت يوماً أن تطلب من ريتشارد أن يعد لها غرفةً منفصلة عن إدوارد على الأقل لتنام ليلاً بسلام، خصوصاً أن ريتشارد عاين حالات غضب إدوارد ورأى بعينيه ما يفعله بها، إلا أنه قابلها بالسخرية مما جعلها تستسلم حيال ذلك تماماً.
    انهت كيت طعامها سريعاً أو بالأصح لم تستطع أكل شيءٍ يذكر، معدتها ازدادت سوءًا ما إن هبت رائحة الطعام، إلا أنها تماسكت خصوصاً وأن إدوارد قرر فجأةً تبكير موعد السفر ولن تدع مجرد توعكٍ أن يسلبها حماسها.
    نهضت مسرعةً لتعد نفسها، وقلبها يتراقص بقوةٍ كلما تخيّلت ردة فعل عائلتها إن وصلت، تبتسم لا شعورياً فجأة ما إن تتخيل تحلق إخوتها حولها.
    أمسكت قلبها فجأةً بعد أن شعرت بغصةٍ عصفت به مع مرور أليكساندر في مخيلتها بوجهه المبتسم الذي شعرت بأنها اشتاقت له جداً! ، على أن أيامها مع أليكساندر لم تكن طويلة، إلا أنها عاشت معه في هذه الأيام القلائل أسوأ الأحداث وأصعبها مما حفره بقلبها أكثر.
    أخذت نفساً بصعوبة تبعه دخول إدوارد العنيف قائلاً:
    - إن كنتِ انتهيتِ ف العربات تنتظر.
    وخرج صافعاً الباب بقوة، لم تكترث كيت لمزاجيته السيئة، بل صرخت مناديةً جورجا:
    - جورجـا ، سنـذهب.
    خرجت المعنية من غرفة الملابس وهي تحمل حقائب السفر، ولحقت بكيت التي كانت ترتدي لهذه المناسبة السعيدة فستاناً سماويّاً وقبعةً بذات اللون، تأنقت بعنايةٍ منذ زمن، لقد كانت سعيدةً لدرجة أنها لم تستطع السيطرة على الابتسامة التي اعتنقت وجهها وهي تركب العربة السوداء مقابلةً لإدوارد الذي تأفف مشيحاً بوجهه إلى الخارج ما إن رأى ابتسامتها، بشكلٍ غريب كان يشعر بالارتياح، كأن تغيّر تعابير كيت بعث به شعوراً بالاطمئنان لتستقر تعابيره بهدوءٍ على وجهه بشكلٍ غريب.
    استمرت الرحلة قرابة اليوم والنصف لم ينطق بها إدوارد حرفاً كان هادئاً بشكلٍ مريب ولكنه رغم ذلك جعل كيت تشعر بالاسترخاء معه لأول مرة على الرغم من أنها لم تحادثه أبداً هي فقط استمرت بالابتسام ما إن تسنح لها الفرصة بسبب اضطراب معدتها الذي يجعل ملامحها تمتعض لدقائقٍ ثم يهدأ لتكمل ابتسامها وهي تتأمل الثيّل الأخضر تارةً وأشجار الغابة تارةً أخرى.
    كان موكبٌ من الحراس في أحصنةٍ وعربات أخرى يمشي حولهم، وهما الوحيدان وسط العربة أما بالنسبة إلى جورجا فقد كانت تجلس بجانب السائق الذي يقود الأحصنة البيضاء متجهاً إلى أورتيرا.
    توقفت العربة أمام حدود المملكة تقدم أحد حراس سيلينيا بارزاً ختم مملكة سيلنيا وبطاقتا الدعوة إلى حراس حدود ليسمحو لهم بدخول أورتيرا، تلك السياسة الوحيدة المتبعة ما إن تزور مملكة معادية مملكة عدوها، وهذا ما حصل ف أورتيرا وسيلنيا أصبحتا متعاديتان.
    ولأن الوقت قد تأخر قررت كيت أن تفاجئ عائلتها صباحاً لكونها وصلت قبل الوقت الذي يفترض أن تصله، وهذا ما أمرت به حراس القصر والخدم الذين تسابقوا للترحيب بها وسوقها إلى جناحها الخاص في قصر الضيوف، بألا يوقظوا أحداً من عائلتها.
    كانت تتبع الحراس بين ممرات القصر الفسيحة والابتسامة لا تغادر وجهها، تتخيل ردة فعل عائلتها ما إن يروها صباحاً وتضحك مخفيةً وجهها بين يديها، الأمر الذي جعل إدوارد الذي كان ينظر إليها مستنكراً أن يبتسم لا شعورياً.
    كان الجناح المعد خصيصاً لهما يصغر جناحهما في سيلينيا إلا أنه كان معدٌ بعناية، ألوانه كانت مريحة جداً لكيت التي ما إن دخلت تنفست الصعداء فجأة، كأنها اشتاقت إلى كل زوايا مملكتها حتى الهواء.
    كانت عبارة عن غرفةٍ فسيحة جداً مطلية باللون الأبيض تحمل في جانبها الأيسر شرفةً زجاجية ضخمة على حجم الجدار، أما الجانب الايمن فقد كان يتوسطه سريرٌ ضخم ذو غطاءٍ كحليّ اللون يشبه الأزهار التي تسلقت الشرفة ذات الستائر البيضاء المطرزة بنقوشٍ كحليّة، كان السجـاد رماديّاً كما لون الأرائك الكلاسيكية التي احتلت إحدى زوايا الغرفة مقابلةً خزانة الملابس البيضاء.
    ركضت كيت نحو الشرفة لتفتحها على مصراعيها مستنشقةً هواء أورتيرا بعمق جاعلةً النسيم يداعب خصلات شعرها السوداء المنسدل على كتفيها، رفعت حدقتيها الرماديتين متأملةً سماء أورتيرا المليئة بالنجوم لتشعر بالدوار فجأة، مما دفع إدوارد الذي كان يراقبها من بعيد ما إن دخلا الجناح أن يركض ناحية الشرفة ممسكاً بها، فتحت عينيها بسرعةٍ فاضةً يديه عنها متمسكةً بأسوار الشرفة ناظرةً إلى الحديقة المليئة بأنواع الأزهار لتحاول التركيز حتى تستعيد وعيها الكامل، وغزة أصابت إدوارد إثر ردة فعلها إلا أنه لم يشعر بالحنق أو بذلك الشعور المقيت الذي كان يخالجه في سيلينيا، لم يتحرك من مكانه ظلَّ واقفاً ينظر إليها بعينيه الخضراوتين دون أن يمسها على الرغم من أنها بدت بحالةٍ سيئةٍ أمامه.
    استقامت بعد أن استطاعت السيطرة على وعيها إلا أن الغثيان عاد إليها من جديد بصورةٍ أقوى، كادت أن تستدير قاصدةً دورة المياة إلا أنها شهقت فجأة متصلبةً في مكانها وقلبها يخفق بشدةٍ، شعرت أنها تود الصراخ والقفز من أعلى الشرفة إلى ذلك الشخص الجالس ليس ببعيدٍ عن ناظريها مسنداً ظهره إلى جذع شجرة استطاعت تمييزه من شعره الذهبي المصفف بعشوائية، تزاحمت المشاعر في جوفها، غصّة توقفت في حنجرتها لتتجمع الدموع في مقليتها، ارتعشت شفتيها وهي تتأمله قريب جداً منها، لا يفصلهما سوى حاجز بسيط، لم تعد تستطيع التحمل، تريد الركض نحوه بأي طريقةٍ كانت، لم تشعر بنفسها إلا مناديةً اسمه بأعلى صوتها يفترض إلا أنه خانها وخرج متقطعاً ضعيفاً:
    - أليـ..ـكسـ..ـاندر..
    كأن المعني شعر بأن أحداً يناديه فرأته يدير رأسه يميناً وشمالاً كأنه يتفقد شبح صوتٍ تهيأ له، ازدادت حدة خفقان قلبها ما إن رأته بصدد رفع رأسه عالياً إلا أن إدوارد سحب كيت مغلقاً فمها بعنفٍ مدخلاً إياها الغرفة ومغلقاً أبواب الشرفة.
    نظر إليه بعيونٍ عادت لتشتعل غضباً ليصرخ قائلاً:
    - مـاذا كـنتِ بصـدد فعله بمنـادتك له أيتـها الحمقـاء!!!
    ركلها بعنفٍ لتسقط على الأرض ممسكةً ببطنها وقد عاد الغثيـان فجأة.
    تجاهلت غثيانها محاولةً النهوض إلى دورة المياة إلا أن إدوارد فسّر ذلك على
    أنه تجاهلها المعتاد له، ليغضب شاعراً بالحنق بشدة منهالاً عليها ضرباً، لم تود الصراخ في قصر مملكتها وتفزع الحراس و النائمين، كانت تود أن يسير كل شيءٍ على نحوٍ هادئ فقط، على الأقل طوال فترة مكوثها في أورتيرا، لم تود أن يعلم أحد من عائلتها، أو أن تظهر بمظهرٍ مثيرٍ للشفقة، عانت لكي تستطيع إخفاء آثار الكدمات حتى أنها اختارت الأزياء المخفية لأغلب أجزاء جسدها لاسيما العلوي الذي كان الأكثر تضرراً حتى تغطي الرقبة التي لم تختفي الأثار منها، وهاهو إدوارد يعود مرةً أخرى ينهال ضرباً بشكلٍ جنوني دون أسبابٍ منطقية قاصداً أكثر الاجزاء وضوحًا وبالأخص وجهها الذي شُج إثر سقوطها على زاوية السرير، لم يتوقف إدوارد عن الضرب إلا عندما تقيأت كيت على الأرض مغشياً عليها، أدرك فجأةً ما فعله.. كالعادة التي لا يعلم كيف بدأت أصبح الغضب الذي يتفاقم بلا مبررٍ يعميه حتى يحوله هو ذاته إلى شخصٍ آخر، ولكن هذه المرة لم يكن غضباً بقدر ما كان خوفاً من أن يرى مشهد احتضان أليكساندر لكيت، المشهد الذي لم يفارق مخيلته، المشهد الذي كان إحدى الأمور التي تثير حنقه بشكل عجيب.
    شعر بالذعر وهو يرى ملامح كيت المصفرة، لا يعلم ما يفعل، لا يستطيع حتى مناداة حراس أورتيرا، قد يُعدم جراء فعلته، إنه اعتداء صريح وعنيف لأميرة هذه المملكة وهو الآن عدوٌ لها، عض شفته السفلية بذعر، حتى الحراس الذين أتوا معه منعوا من الدخول إلى القصر، ولا يمكنه إطلاقاً استدعاء جورجا، خصوصاً هي، وجد نفسه يحمل كيت بين ذراعيه واضعاً إياها على السرير برفق، ذهب مسرعاً نحو دورة المياه وقد أخذ مناشف كثرة بلل إحداها بالماء ماسحاً الدماء عن جبينها، ضرب وجتيها بلطفٍ يحاول إفاقتها إلا أنها لم تستيقظ، شعر بالذعر.. ماذا فعل؟! ارتعشت شفتيه ليضع رأسه على صدرها يستشعر نبضها، ليشعر به بصورةٍ ضعيفة، تنهد مرتاحاً لوهلة تبعه سيلٌ من الشتائم بصوتٍ عالٍ:
    - تبـاً لك أيها الأحمق، ماذا فعلت! يـا إلهي.
    همَّ مسرعاً يحاول تنظيف القيء على الأرض، إلا أنه لم يعلم كيف ينبغي ذلك، ليكتفي بوضع المناشف فوقه مشمئزاً، غسل يديه وحمل كأساً من الماء محاولاً أن يسقي كيت التي كانت شفاهها جافةً جداً، بعثر خصلات شعره الكستنائية باضطراب، كل ذلك كان جديداً عليه تماماً، محاولة الاعتناء بأحدهم.. أمر لم يفعله في حياته قط، أمرٌ لم يدرك بأنه يحمل دفئاً غريباً لم يشعر به من قبل، شعور القلق على أحدهم، هل كان هكذا دوماً؟ الشعور المقيت كما يفترض، هل كان لذيذاً هكذا دائماً؟ تساءل في داخله قليلاً، إلا أنه تدارك ذلك ناظراً بعينيه الخضراوتين نحو وجه كيت الشاحب، تحسس جبينها واضعاً على وجهه تعابيراً لم تكن قد ظهرت على وجهه قط، رفعها مسنداً رأسها على كتفه ليرى تعابيرها امتعضت فجأةً ملتويةً تمسك بطنها بألم، أعادها إلى كتفه بقلقٍ محاولاً أن سقيها إلا أنها ما إن أدركت ما هي عليه ضربت يده ليسقط الكأس الزجاجي على الأرض متهشماً.
    نظرت إليه باشمئزاز شديد آلمه لسببٍ لا يعلمه، مشاعرٌ جديدة عصفت به مرة أخرى، مشاعر لا يعلم ماهيتها كذلك، لكنها بدت مؤلمةً بشكل غريب، بشكلٍ أثار حنقه كما يثير كل شيء حنقه في الآونة الأخيرة، إلا أنه هذه المرة تمالك نفسه خوفاً من أن يقتلها دون أن يدرك.
    ابتعدت عنه متوجهةً بتثاقلٍ إلى المرآة الكبيرة المعلقة بجانب الخزانة البيضاء، نظرت إلى وجهها الشـاحب، خطوطٌ سوداء تحت عينيها الذابلتين، دماءٌ لم تجف بعد على جبينها، شفتان متشققتان إثر الجفاف، كدمات على كتفيها، وأخرى في رقبتها، بكت بشدةٍ لأول مرةٍ أمام إدورد الذي وقف حائراً ومضطرباً لا يعلم ماذا عليه فعله، لا لأجل إسكاتها بقدر ما سيكون عليه قوله أمام عائلتها، هذه المرة والده ليس موجوداً ليلقي بالسموم، على الرغم من أنه اعتاد أن يكون سيء اللسان إلا أنه كان واضحاً على الأقل ، ليس كوالده، أمرٌ ليس في صالحه تماماً خصوصاً وأنه وريث العرش المستقبلي إلا أنه وجده مريحاً لسببٍ ما، إلا أنه في هذه الأثناء يحتاج أن يجد مبرراً على الأقل، لم يكن خائفاً بقدر ما كان مستاءً، كانه شعر بالازدراء بشدة على ما فعل، لقد كانت مريضةً طوال الرحلة إلا أنا كانت تكافح ذلك لأجل رؤية عائلتها، لأول مرةٍ خلال الأربعة أشهر يراها تضع تعبيراً مختلفاً عن تعبير البرود الذي تقابله به دائماً، كانت متحمسةً جداً، شعر بالشفقة عليها، وقف مفكراً عاقداً حاجبيه حتى تذكر أنها قد ترى أليكساندر صباح الغد، ويصبح لديها الدافعية الأكبر لأن تبكي بين ذراعيه، تقدم فجأة شاداً ذراعها بعنفٍ لتفض يده صارخةً وقد بُح صوتها إثر الإرهاق:
    - مــاذا الآن؟!!
    رفع إدوارد الحقائب التي ركنت بجانب الخزانة قائلاً:
    - سنعود إلى سيلينيا.
    بُهتت في مكنها .. لم تكن تريد ذلك ، العودة إلى سيلنيا تعني العودة إلى الجحيم، بالطبع لم يكن إدوارد يخيرها، وقفت مرةً أخرى تتأمل نفسها في المرآة لتجد أسباباً كثيرة تدفعها للانصياع إلى أمره وعدم المعارضة، لم تكن تريد أن ترى عائلتها وهي على تلك الحالة، وما زاد الأمر أكثر أنها لم تكن تريد أن تقابل أليكساندر وهي هكذا مثيرة للشفقة، أبداً، أقسمت لحظتها أن تحارب كما يفعلوا، لن تسمح أن يراها أحدٌ بلحظات ضعفٍ كهذه.
    وجدت نفسها تبكي بصمتٍ تابعةً إدوارد الذي خرج إلى حراس الجناح قائلاً:
    - استدعوا الخادمة جورجا إلى الخارج.
    ذهب حارس لاستدعائها بينما خرج إدوارد وكيت حاملاً الحقائب وسط ريبة الحراس.
    فاجأ إدوارد الجنود الذين اتوا معه باقتحامه مسكنهم المعد في مبناً منعزل عن القصر آمراً إياهم بالاستعداد للعودة.
    تأفف بعض الجنود بخفوت خصوصاً وأن رحلتهم كانت شاقة ولم تمضِ سوى ساعتان منذ ان وصلوا، إلا أنهم لا يملكون خياراً سوى الانصياع لأمره.

    ركبت كيت وإدوارد العربة ووضبت حقائبهما، استعد الجميع للعودة وازداد ارتياب حراس أورتيرا الذين شعرو بأن عليهم أن يخبروا أحداً..
    جاءت الخادمة جورجا مسرعةً وعلى وجهها ارتسمت تعابير تعجبٍ لتركب بجانب كيت متجاهلةً نظرات إدوارد الثاقبة إياها:
    - ماذا حصل انستي !! ما بكِ لمَ تبكين؟!
    شهقت ما إن لاحظت الكدمات على وجهه كيت، والدماء الجافة على جانب جبينها، نظرت بحنقٍ نحو إدوارد قائلةً بحدة:
    - ماذا فعلت!! كيف تجرؤ على مسها في مملكتها، - أدارت وجهها ناحية كيت قائلةً: لما نغادر؟!! انزلي، سأخبر الحراس أن يستدعوا جلالته!
    رمقها إدوارد لتجفل بذعرٍ لكنها لم تزحزح عينيها عنه وتعابيرها الحانقة لازالت تعتلي وجهها، تجاهلت نظرته لتقول لكيت :
    - سيدتي بيدك الآن إيقاف العربة، أوقفيها.
    أجاب إدوارد بحدةٍ قائلاً:
    - لا، كيت مريضة.
    - تستطيع علاجها هنا، طبيب القصر موجود!
    أمسكت كيت يد جورجا ضاغطةً عليها بقوةٍ لتنظر إليها بعينين دامعتين محركةً رأسها بقلة حيلةٍ كأنها تقول لها " لنعد فقط.."
    عضت جورجا شفتها السفلية بقهر، لتجلس بجانب سيدتها حتى مع نظرات إدوارد التي كانت تخترقها مشيراً بذلك إلى أمره بأن تجلس بالمكان المخصص لها، إلا أن جورجا نظرت إليه بتحدٍ قائلةً:
    - بعد فعتك هذه هل ستظنني سأدع سيدتي معك؟ وليكن بعلمك لن أنفذ أوامر أحدٍ سوى سيدتي.
    أغضبت تلك الجملة إدوارد إلا أنه تجاهلها فليس بمزاجٍ للعراك مع أحدٍ الآن، المقت والمشاعر المزعجة الأخرى تلك عادت مجدداً مثيرةً غضبه واشمئزازه في آنٍ واحد.
    ولأن كيت بدت ضعيفةً وهزيلةٍ بشكل واضح جداً، كبت شعوره المقيت ذاك، فليست تنظر إليه بتحدٍ على كل حال، كأنه نجح في إخضاعها أخيراً ولكنه لم يشعر بالارتياح، لم يكن سعيداً، وشعور المقت ذاته مازال مستمراً لم يفارقه، إلا أنه لم يجد في تعابيرها سبباً يدفعه ليلقي اللوم وجل غضبه عليها، استمر في النظر خارجاً والصراخ أحياناً كلما وصل الشعور المريع أوجه بداخله، أوقف العربة مراراً طوال مسيرة ذلك الطريق المظلم وسط الغابة، كان يحتاج أن يختلي بنفسه قليلاً ليهدأ، استمر الأمر حتى الصباح، إلى أن أخذ التعب مأخذه من إدوارد الذي استسلم أخيراً مستلقياً على أريكته في العربة، بينما حالة كيت ازدادت سوءاً حتى أنها تقيأت مراراً ولم تأكل شيئاً، الأمر الذي أثار قلق جورجا كثيراً.

    .......




    يتبع ..

  8. #247
    أما في مملكة أورتيرا..

    - أتقول بأن كيت وصلت ليلاً ولكنها عادت بنفس الوقت إلى سيلينيǿ
    قالها شخصٌ اعتلت الصرامة تقاسيمه في الأونة الأخيرة كثيراً بعد أن كانت الرحمة أبرز سماته، كان يوجه كلامه إلى جنديٍ واقفٍ باحترامٍ بعيداً قليلاً عن تحلق الأرائك البيضاء التي يجلس عليها أمراء تلك المملكة الأربعة وكذلك والدتهم الجالسة بجانب زوجها تقابلها صديقتها التي أصبحت وعائلتها تترد كثيراً على مملكتهم في الفترة الأخيرة يجلس عن يسارها زوجها الحاكم لمملكة كاميليا وعن يسارها ابنها الذي اعتلى تقاسيمَه القلقُ.
    أجاب الجندي وهو ينظر نحو الشرفة ذات الستائر الحمراء خلف حاكمه واضعاً يديه خلف ظهره واقفاً بانتصاب:
    - أجل جلالتك، ظلّت ساعتين فقط، وبشهادةٍ من حارسيّ الجناح خرجت خف الأمير إدوارد وقد كانت في حالةٍ سيئة و...
    قاطعها إدوارد باضطرابٍ قائلاً:
    - ماذا تقصد بحالةٍ سيئة؟!!
    - لقد كانت شفتاها مجروحتان ورأسها ينزف، وآثار كدماتٍ بدت واضحة على كتفيها و رقبتها، ويقال كذلك أنهما أشتبها بسماع أصوات صراخٍ إلا أنهما ليسا متأكدين.
    وقف أليكساندر معيداً خصلات شعره الذهبية إلى الخلف بتوترٍ يشوبه الغضب:
    - أمسها ذلك الوضيــع؟!
    أمسك جورج يد ألكساندر الذي أصبح ليس بغريبٍ على عائلته:
    - إهدá - وقف قائلاً:
    - سأذهب لأعاين جناحهما.
    قال الجندي متداركاً:
    - آه وأيضاً وجدنا آثار قيء، أظنها تعود للأميرة كيت فقد بدت شاحبةً جداً.
    - تبـــاً.
    قالها جون مخفضاً رأسه وواضعاً يديه فوقه، بينما أغمض أليكساندر عينيه متنفساً ببطء محاولاً السيطرة على نفسه.
    قال زاكس بعد أن استمع إلى كل الحادثة كعادته:
    - أظن بأن علينا تبكير هجومنا يـا والدي.
    أيده جورج قائلاً:
    - فلنأجل زفافي، لا نعلم ماذا قد يحصل لكيت.
    رد ليونارد بحزم:
    - لا، زفافك يجب أن يتم، نحتاج إلى تعاون مملكة "قابرينا" وغير ذلك، لقد استمرت خطبتك لسنوات، لن تؤجل.
    قال جون بنفاد صبر:
    - ولكن كيت بحالةٍ سيئة!
    أشار ليونارد للجندي بأن ينصرف، لينحني الأخير ثم يخرج مغلقاً الباب خلفه.
    قال ليونارد:
    - إنهـا سياسة ليست لعبة، لن يحصل لكيت شيء، إن ريتشارد أذكى من أن يفعل بها شيئاً، الحكمة تكمن في الوقت المناسب، كما هو مخطط، بعد زفاف جورج بثلاثة أشهرٍ تقريباً ، حتى نستعد تماماً، أما عن كيت فأنا واثق بأنها سوف تحتمل ذلك.
    على الرغم من أن الصرامة كانت أبرز سماته في الفترة الأخيرة إلا أن داخله كان يتقطع إلى أشلاء، أجهشت أليزابيث باكيةً ، لم تستطع السيطرة على ذاتها، أصبحت هكذا ما إن يتم ذكر كيت لا تستطيع تمالك نفسها وتجهش بالبكاء، أما عن الحاكم كارل فلم يكن يتدخل أبداً بما يخص أوضاع عائلة ليونارد، كأن تلك أمورٌ شخصية تخص عائلة آل أرسيون وحدها، وأن عليه مهما كان رأيه أن يحترم رأي ليونارد خصوصاً وأنه أكبر منه بما يقارب الثلاثة عشرة سنة، وعن مايك الصامت بجانب جورج، كان شارداً وداخله يغلي بأبشع الطرق لتقطيع ريتشارد و إدوارد وسيلنيا بأكملها حتى يُشفى غليله.
    ______________
    ألقى سيلاً من الأخبار السامة وقع على مسامعها كالصاعقة، كانت تجلس أمامه ممسكةً بقدحٍ من الشاي، تصلبت في حجرها ناظرةً إليه بعينيها العسليتين، لم تعي ما قاله أبـداً، ما هذه السياسة الجديدة التي قرر اعتناقهǿ!، كانت تحسب أن الأمور أخيراً عادت إلى مجراها منذ عادوا من سيلينيا إلى ايسنالي، أكلت الطعام بشكلٍ طبيعي ولم يعلق والدها على شيءٍ أو يستفزها، أصبحت قادرة أخيراً على احتساء الشاي برفقته دون أن يكون أخوها نيكولاس برفقتها، ولكنه عاد مجدداً يلقي سموماً مع ابتسامةٍ مخيفة لا تعلم كيف ترتسم على وجهه بسعادةٍ هكذǿ، أعاد على مسامعها ما قاله فلم يعجبه أن تنظر إليه مباشرةً دون أن تغض بصرها:
    - قررت أن أقيم حفلاً أدعوا فيه الأمراء المحالفين لنا، وأختار لكِ زوجـاً، ريتشارد ليس بأفضل مني.
    قهقه محتسياً شرابه، كانت الصدمة تعتلي وجه جولي، ما هذا الهراء الجديد؟ كيف لها أن تقابله بالضبط؟ قالت وعلى وجهها ارتسمت تعابيرٌ مضطربة:
    - مـاذا تقصد بـالضبط؟
    - أظن بأن مملكة " سـانيا" غنيةٌ جداً، ستكون هدفاً سهلاً، أذكر بأنها تمتلك ثلاثة أبناء.
    رفعت صوتها قائلةً بحدة:
    - ليس هذا أيضاً، لا لست بضاعةً للمتاجرة!
    نظر إليها ببرودٍ قائلاً:
    - يجب عليك الزواج على كل حـال.
    - ليس بهذه الطريقة!، أمرٌ ذليل أن ترغم أحداً على الزواج بي! لم تحصل من قبل أن تتقدم أميرةٌ إلى أمير آخر! ما هذا الهراء! نواياك سيئة ولا أريد أن أدنس نفسي بها!
    وقف غاضباً مما قالت، لا يقبل أن يلتمس أي نعتٍ بالإهانة أبداً:
    - أتعنتيني بالدنـاسة؟!
    ولأنها لا تعرف أن تمسك لسانها ما إن يتم استفزازها قالت غير مكترثةٍ:
    - أجل، كنت ولا زلت ولن تتغير، ذقت ذرعاً منك، أما الآن لن تسيرني لإتمام رغبـاتك.
    اشتعل غضباً على الرغم من أن جملة الموضوع لا تستحق كل ذلك أبداً، لكنه لا يقبل أن يهان أبداً فكيف إن عُصيَّ أمره أيضاً؟ قراراته ليست للتغير، إن قال شيئاً يجب أن يكون طواعيةً أو كرهاً، ولكن ابنته الجالسة أمامه الآن تشابهه في كثيرٍ من الخصل، خصوصاً اشتعال الغضب السريع إلا أن الخير حكم خصالها عوضاً عنه.
    كانت تنظر إليه باستحقارٍ أغضبه جداً ليس فقط كالحاكم العظيم سامث بل كوالد لهذه الصغيرة جولي التي ليست تحترمه، وكأنه انفجر بعد أن كان يحاول كبت نفسه كثيراً في الآونة الأخيرة ويحاول تجاهل تصرفاتها المهينة له، أمسك شعرها الأشقر المموج قائلاً بين صرير أسنانه:
    - لقد كنت رحيـماً بشدة في الآونة الأخيرة ولكنك تماديـتـي جـداً!
    حتى مع أن غضبه أكثر ما يرعبها إلا أنها أبداً لا تقبل الانكسار، نظرت إليه مباشرةً وسط عينيه السوداوتين، لا تعلم هل أرادت إثارة غضبه أكثر، أم قصدت تحديه بهذه الحركة الجريئة التي لا يقبلها أبداً، من أعظم الجرائم أن تنظر إلى عينيه مباشرةً وأنت لست أهلاً لذلك! إلا أنها تلقت صفعةً أسقطتها أرضاً رداً على تساؤلها الذي طرحته لنفسها لوهلة، كأنه انفجر فعلاً الآن:
    - كنت أفكر بطريقةٍ لأؤدبكِ لكن أظن ألا طريقةً تعملك معك إلا هذه، حتى تتحطم عظامكِ عليكِ أن تعلمي أن من تتحدثين معه ليس أحد خدمكِ أيتها الوضيعة!
    استمر بركلها وضربها متجاهلاً تأوهاتها وصراخها حتى دخل أحد الجنود دون أن يطرق الباب قائلاً بسرعةٍ دون أن يعي ما هو فاعله إثر توتره:
    - جـلالتـك لقد قُبض على قطاع طرق مملكتنا الذين كلفتهم بسرقة بضاعة مملكة " تاوريا" وأرسل حاكمها رسولاً يقول إما أن تدفع غرامةً مالية ضخمة أو سيقوم بتقطيعهم إلى أشلاء ونثرها وسط المملكة!
    زمجر سامث غضباً أولاً لأن الجندي قد دخل دون أذن وتكلم دون أذن كذلك، ثانياً لأنه لم ينحني احتراماً له قبل الكلام حتى، ثالثاً لأنه لم يعي أن الحاكم كان منشغلاً بتأديب ابنته الآن، ومازاد غضبه أكثر ابتسامة جولي الساخرة على الرغم من أن الدماء كانت تخرج من شفتيها، قائلةً وعلى وجهها ارتسمت تعابيرٌ ساخرة:
    - مثيـرٌ للشفقة، تسرق البضـائع أيضاً وأنت قادرٌ على شرائهǿ
    ليرفع سامث الأريكة البنيّة بجانبه مزمجراً بغضب وسط رعب الجندي الذي شهق فزعاً ما إن رأى حاكمه ينزلها مباشرةً على رأس ابنته التي أطلقت صرخةً مدوية سرعان ما تلاشت، عاود الكرة مرةً أخرى بقوةٍ أكثر محطماً جزءاً من الأريكة، قائلاً بغضب:
    - اخرسـي، اخرســي، اخرســــي أيتها الحــــثالة!! اخرســـــي وإلا ساومت بجـسدك رقاب أولائـــك الســـفلة!!
    - مــــاذا يحـــدث؟!!
    صرخ الداخل لتوه على صراخ والده وأصوات تحطيم الأريكة، كان لتوه قد عاد من تدريبات المبارزة المكثفة بعد أن عرج على غرفة أخته لوعده إياها باحتساء الشاي والكعك في الحديقة، ولما لم يجدها توقع أن تكون في قاعة المعيشة مع والده، رأى والده يضرب بشكلٍ جنوني بالأريكة التي تتحطم بين يديه فوق جسدٍ لم يميز صاحبه حتى لمح طرف فستانها الأرجواني وبركةٌ صغيرة من الدماء تسبح تحت رأسها، لا شعورياً ركض دافعاً والده بكل قوته أرضاً ومبعداً حطام الأريكة عن جسد أخته ليتصلب فزعاً ينظر إلى جمجمتها المسحوقة..كانت عظام رأسها تحطمت بما فيها أنفها وفكها، الدماء متضجرة في أنحاء وجهها مخفيةً معالمه :
    - جـ...ـولـ..ـي .. جـ..و..ولـ..ل..ـي ..
    هز جسدها محاولاً إيقاظها في صدمة، يداه وشفتاه ترتعشان.. دماغه لا يستطيع تفسير كل ما يحدث، لم يعي شيئاً، زادت حدة تحريكه لجسدها ، " لمَ لا تستيقظ؟!! "
    سؤالٌ لم يستطيع دماغه أن يفسره سوى بدموعٍ حارقة انهمرت على وجنتيه المحمرة إثر الاضطراب، ليصرخ بفزعٍ وقد أدرك ما حصل:
    - جـــــولــــي !!!!!!!!!!!
    شعر بظلٍ غطى الضوء عن بقعته ليدير رأسه إلى حيث والده الذي تصلب في حجره مدركاً ما حصل، رأى الرعشة تسري في جسد والده لأول مرة، شفتاه تتقوسان بارتعاشٍ تبعتها ضحكة غريبة لم يسمعها قبلاً، عيناه السوداويتان زائغتان تنظران على أوسعهما إلى جسد ابنته المحطم..
    لم يحتمل نيكولاس ما يحصل، لم يحتمل ما حدث بينما كان بعيداً، لقد فقد دون سابق إنذارٍ أكثر من يحب، لقد كان صابراً كفايةً ليحتمل كل ذلك، لأجلها فقط كان يحتمل كل نوبات الغضب والسخط، كانت الوحيدة التي ملأت حياته بعد وفاة والدتهما، كانت صغيرةً جداً آن ذاك، وقد كان عطوفاً عاقلاً ورحيماً، كان كل شيءٍ بالنسبة لها وكانت بالنسبة له كذلك، اخته التي بمثابة ابنته وصديقته.. يراها فجأةً قتيلةً بهذه الوحشية من قبل من؟ من قبله والدها!!
    لم يجد نفسه إلا منقضاً على والده ذو البنية الضخمة ضارباً إياه بكل قوته يصرخ بين دموعه:
    - مـت، مـت، مـت أيها الوحــش!! مت اللعنة عليـك، لقد قتـــلت ابنتــــك اللعنــة عليــك!!!
    كان داء العظمة من طغى على سامث الذي جعله يلقي بابنه عرض الحائط ليقول بصراخٍ جعل الحراس والخدم يتمركزون عند الباب:
    - أخـرج من هذه المملـكة، لم تعـد ابني، إني أنفيك باسمي حاكماً لهذه المملكة، إن عدت ستعدم! أيها الحـراس ارموه خارج المملكة بردائه هذا فقط!!
    لم يعي نيكولاس قول والده، عيناه السوداء كانت متمركزةً نحو جثمان جولي ، ليصرخ بعد أن حوطه الحراس:
    - جـولي، سـآخذ جولي! لن أدع جثمانها بين يدـك!
    تراجع سامث نحو جثمان ابنته شارداً، ليقول بعد أن قلب ناظريه بعيداً وقد ركل جسدها قائلاً لأحد الحرس:
    - ألقوا به عند أقرب جبل طعاماً للنسور.
    - آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه، لن تفعل أيها الحقــير.
    صرخ نيكولاس فاقداً صوابه ليلقي بالحراس الممسكين به راكضاً نحو جسد جولي حاملاً إياها بين ذراعيه، قال بينما نظر بعينيه السوداوتين الملتهبتين إثر الغضب:
    - عش وحيداً كما تحب، سأرحل ولن أعود أبـداً إلا لقطع رأسـك، وسأدفن جسد جولي في مكانٍ تستحقه، لن تستطيع أن تخلصها مني!
    قالها ثم استدار خارجاً وجموع الحرس لم يجرؤوا على اعتراض طريقه أبداً، كان بعضهم يبكي بصمتٍ على المجزرة التي حدثت وعلى نفسه لأنه بذهاب أمراء هذه المملكة قد أضحى ضحيةً بين يدي سـامث.
    _________________________
    وصلت كيت صباح الأربعاء إلى مملكة سيلنيا ومعها كانت حالتها الصحية سيئة جداً، أُرهقت كثيراً بسبب الرحلة الطويلة التي استمرت خمسة أيامٍ متصلة، لم تكن تقوى على المشي دون مساعدة، جبينها كان متعرقاً وجروحها وكدماتها لم تعالج طوال سفرها، المظهر الذي اثار استنكار الجنود الذين استقبلوهم فاتحين بوابة القصر الضخمة، وكذلك استنكار آرثر وسـام الذين بدت علاقتهما جيدة فقد كانا يقضيان بعض الوقت في تبادل أطراف الحديث وسط الحديقة القريبة من بوابة القصر الرئيسية، تعجبا من العودة الغير متوقعة وكذلك من كيت التي ما إن وقفت على قدميها حتى سقطت مغشيةً عليها بين يديّ جورجا.
    تقدم آرثر إلى جورجا سريعاً قائلاً بعد أن عاين جيد كيت البارد:
    - ماذا حصل ؟ ألم تذهبوا إلى أورتيرǿ!
    قالت جورجا بشيءٍ من الحنق وهي ترى ظهر إدوارد الذي تجاهل كل ما حصل داخلاً القصر:
    - بلـى.
    - إذاً لمَ عدتم؟
    نظرت إلى عينيه الخضراةتين مباشرةً لتقول بحدةٍ:
    - اسأل أخاك.
    وقف ناظراً إلى أحد الحراس الذي تقدم هامساً في أذن آرثر:
    - لم نمكث إلا ساعتين ثم خرج الأمير إدوارد والأميرة كيت مليئة بالكدمات والجروح.
    تنهد آرثر ممسداً جبينه بنفاذ صبر ليحمل كيت عن جورجا التي كانت تحاول جعلها تمشي مستندةً عليها، على الرغم من رفض الأخيرة إلا أن آرثر قال بصرامة:
    - يجب أن نذهب بها إلى الطبيب، ألا ترين حالتها الحرجة؟
    صمتت راضخةً لتتبعه إلى المبنى الفرعي بجانب القصر، كان مبنىً من دورٍ واحد منفصل عن القصر ولكنه داخلٌ في حدوده، كأنه مشفىً خاص بكل من في القصر، يعج بالممرضين والاطباء تحت إشراف طبيب العائلة الحاكمة لا يستطيع أيُ شخصس التقدم إلى هناك دون أن يخضع اختابراتٍ صارمة.
    دخل آرثر سريعاً قاصدًا غرفة الطبيب الرئيسية، الطبيب ذاته الذي أعلن وفاة والدته، لم يره منذ حينها، لم يكن يريد الاحتكاك به أبداً، لإلى يتذكر أسوأ ذكرى قد حصل عليها إلا أنه كان مضطراً الآن، والتهرب ليس حلاً!
    وضع كيت على سريرٍ أبيض مركون في إحدى زوايا تلك الغرفة، ليتقدم الطبيب الأشيب على عجلٍ قائلاً:
    - ماذا حصل للأميرة؟ لما هي في حالةٍ سيئة هكذǿ!
    تحدثت جورجا قائلةً:
    - لقد كانت تشعر بتوعكٍ منذ أسبوع، ثم أصبحت تتقيأ ولا تستطيع احتمال روائح الأطعمة.
    قال متفحصاً جروح جسدها وكدماته مرتاباً:
    - ماذا عن هذه الكدمات؟ هل اختطفت وتم تعذيبهǿ!!
    لم تستطع جورجا أن تجيب، تحاشت النظر إلى الطبيب خافضةً عينيها البنيتين أرضاً، ليتنحنح آرثر متداركاً الوضع مما جعل الطبيب يتجاهل الأمر دون أن يعقب عليه، نادى إحدى ممرضاته لتساعده في تضميد جروح كيت التي كانت فاقدة الوعي ووجهها شاحبٌ جداً و شفتاها متشققتان.
    مرّت نصف ساعةٍ والطبيب وممرضته يعايناها بين حقنٍ و تضميد، حالتها لم تكن جيدة، امتعض وجهها فجأةً كأنها عادت لوعيها ولكن سرعان ما تلاشى ذلك التعبير ليحل محله تعابيرٌ مسترخية، لقد غطت في النوم إثر الأدوية التي أعطاها الطبيب الذي تنهد أخيراً بعد أن استطاع أن يجعل حالتها مستقرة، أدار وجهه نحو آرثر وجورجا الذيِّن كانا ينتظران بنفاد صبرٍ ليقول وعلى وجهه ابتسامة:
    - مبـاركٌ للمملكة وجلالة الحاكم، يبدو بأن الأميرة كيت حبلى في بداية شهرها الـثـالـث.

    - تم البارت 13 -



    أهلللا ، رمضان مبارك عليكم جميعًا 3>
    ومرحبًا بعودة آممي تشااان 3>
    نلقاكم ان شاء الله الأسبوع القادم

  9. #248
    بااااك
    عذرا على التأخر ....ما لحقت أدخل 003
    للعلم أني أدخل مكسات فقط من أجل قراءة روايتك cry

    حجز

  10. #249
    لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااا 003003003003003003003

    شعرت بضيق بصدري طوال قراءة البارت cry
    إلا أني لا أنكر أني أصبحت أفضل بقاءها مع إدوارد من العودة إلى عائلتها و ألكسندر
    إدوارد لديه جانب طيب سيتغير فعلا ...كيت فقط لم تعطه فرصة و لم تحاول ان تترك جانب طيبته يظهر باستمرار استفزازها له
    لم يكن أبدا الإنتظار حلا في هذا الموقف مما جعلني اعتقد أن عائلتها لطالما كانت على خطأ في قرارها
    كيف سيحاولون الآن ارجاعها و قد أصبحت حامل؟؟؟ سيقتلون إدوارد الذي هو والد الطفل الذي تحمله؟؟؟ سيكون من الظلم للطفل أن يعيش بدون والده ...خاصة أن إدوارد ليس فعلا بالشخص السيء 003

    يبدو أن الجميع لم يضع هذا الشيء في حسابه قبل أن يتركو كيت في هذه المملكة
    انقهرت مما آلت إليه الأمور عند قراءتي للبارت 12 و لكن أصبحت أرى أن الأمور هكذا لربما ستكون أفضل
    لم أعد أريدها أن تعود لعائلتها أو لأليكساندر

    جولي قتلت!!!!! هذه كانت أكبر صدمة لي عند قراءة البارت
    لربما انزعجت قليلا في البداية و لكنني أصبحت أشفق عليها جدا
    في الأخير قتلت من طرف والدها المعتوه و أخيرا فقد عقله كليا

    توت شكرا لك على البارت و اعتذر مؤخرا على التأخر
    انشغلت مع اختباراتي التي انتهت من أسبوع فقط
    و أخيرا استطعت قراءة البارت cry

    تحمست كثيرا بعد نهاية البارت
    مع الذي سيحصل بعدها
    اتمنى أن تنزلي القادم بسرعة

    في أمان الله

  11. #250
    Part 14




    تصلبت جورجا وكذلك آرثر، لم يعرفا ماذا يقولان، الأمر كارثيٌّ جداً، كل الأمور ستقلب، كل الموازين ستقلب تمامًا، الجميع يعرف بأن حرباً على وشك الاندلاع، أن تصبح كيت حبلى أمرٌ سوف ينكس كل شيء، أمر قد لا يعجب إدوارد، وقد يجعل الحاكم ريتشارد يستغل الوضع لصالحه بأبشع الطرق.
    أخفضت جورجا عينيها البنيتين أرضًا عاضًة شفتها السفلية بتوترٍ وأفكارها الداخلية بدأت تزاحم عقلها بعنف:
    - " ما هذه الكارثة، ماهذه الكارثة، يجب أن أخبر الحاكم ليونارد، يجب أن يعلم قبل اندلاع الحرب! ولكن كيف ذلك؟ ماذا أفعل؟!! ، ماذا أفعل!! ترك سيدتي الآن أمر مستحيل، ولكن الحرب يجب إيقافها فوراً!!"

    - - - - - - -
    كان ريتشارد يجلس مترئساً طاولةً أُعدت للاجتماع مع قوّاد سيلينيا وملازميها الكبار عن بناء حصونٍ منيعة حول المملكة، وتعزيز حمايتها.
    دخل أحد الحراس مقاطعاً أواصر الاجتماع، لينحني باحترامٍ قائلاً:
    - معذرةَ ولكن لدي أخبار لك سيدي.
    لم يشأ ريتشارد مقاطعة الاجتماع خصوصاً وأن الأوضاع كانت جدية إلا أنه سمح له فقد تكون أخباره مهمة.
    تقدم الحارس ذو الشارب الكثيف، ليقول هامساً في أذن الحاكم:
    - الطبيب يزف لك بشرى ، إن الأميرة كيت حبلى في شهرها الثالث.
    اتسعت حدقتا ريتشارد الخضراء لوهلة، ليقول بعد أن ضحك ضحكةً مجلجلة وسط دهشة القواد:
    - يبدو أن ابني أذكى مما توقعت!
    تعجبت الوجوه من حوله، لتوه كان جدياً تماماً، ما هذه الأخبار التي قلبت مزاجه، قال مبتسماً ابتسامةً كان مكرها واضحاً جلياً بعد أو وقف مستأذناً:
    - اعذروني جميعاً، يجب أن نؤجل الاجتماع إلى وقتٍ لاحق، يبدو بأنني سأصبح جداً قريباً.
    وقف الجمع المتواجد يهنئ الحاكم ريتشارد بسعادةٍ وحماقة في آن واحد، الجميع يعرف بالعداوة بين المملكتين، لم يفقه أحدهم أن هذا الحمل ليس إلا كارثةً سياسية ضخمة، ولكن لا عتب عليهم، فكيت بين أيديهم وجنينها كذلك! الورقة الرابحة تحت سيطرتهم أصلاً!.
    ________________
    اغتسل بعد السفر الطويل مرتدياً زيّاً رمادياً اختاره بناءً على سوء ما يشعر به في الآونة الأخيرة، تأججت مشاعر السوء ما إن تذكر حماس كيت ثم انكسارها، لم يود أن يحدث ذلك خصوصاً أن الأوضاع ازدادت سوءاً مع ازدياد مرضها، كان يُحمِّل ذاته جزءًا من اللوم على ما حصل لكيت، لم يكن يريد الاعتراف المطلق، كأنه خشيَّ أن يضعف بعد أن لاحظ بأن قلبه يلين ما إن تتغير تعابير البرود عن وجه كيت ويجد نفسه في تيك الأثناء غارقاً في تعابيرها..
    وقف عند شرفة غرفة المعيشة المطلة على إحدى حدائق القصر، يشعر بأنه لا يريد أن يقابل أحداً، لا يريد التفكير ولكن مشهد تعابيرها الباكية لم يغادر مخيلته أبداً.
    بدأ يشعر بالملكية اتجاهها، لا يود أن يراها بين يديّ شخصٍ آخر، هذا ما قرره ليكون تفسيراً على سوء شعوره حينما يشعر بأنها بدأت تتفلت منه، على أنه حتى الآن لم يستطع أن يملكها أبداً، وهذا ما يثير جنونه، شخصٌ مثله لم يتعامل بشكلٍ مباشر مع الكائنات الناعمة من قبل أبداً، هو الشخص الخالي من كل شيء، الذي لم يتربى تحت كنف والدته، الذي هُجر حتى من قبل زوجة والده، الذي بحث عن الاهتمام طوال حياته ولم يجده حتى عندما كبر، وقد شاءت الأقدار أن تصبح زوجته، أراد أن يكسبه منها على الأقل، حتى مع أنها أصبحت زوجته قصراً، لم يكن يرى خطة والده الخبيثة أمراً سيئاً، لقد رأى أنها منذ البداية كانت ملكه الذي عليه أن يعود إليه والذي ازدادت أهميته حينما رأى مشهد احتضانها لأليكساندر ونظراته القلقة، حتى شعر بأنه هو الذي يجب أن يكون مكانه، وأن أليكساندر ليس إلا دخيلاً كان لابد أن يُفرق عنها.
    طُرق الباب قاطعاً شروده ليتأفف بانزعاجٍ ، لا يريد أن يرى أحداً، حتى أنه فكر في أن يعود للنوم في غرفته الخاصة بعيداً عن كيت لفترة، عاد طرق الباب ليقول مبعثراً شعره الكستنائي بتململ:
    - ادخـل.
    دخل آرثر مغلقاً الباب خلفه لتمتعض تعابير إدوارد بانزعاجٍ قائلاً:
    - إنني متعب، لا طاقة لي للعب معك، أخرج.
    لم يبالي آرثر بل تقدم جالساً على الأرائك المتوسطة غرفة المعيشة، انزعج إدوارد وبدأ صبره ينفذ لكنه رمق آرثر بنظراتٍ ثاقبة عوضاً عن الصراخ والشتم، قال آرثر أخيراً ناظراً بعينيه الخضراوين ببرود:
    - لم أفهم سبب اعتدائك على زوجتك حتى الآن وهي لم تفعل شيئاً.
    - ما ئأنك لتتدخل بأمورٍ لا تعنيك؟
    - حتى أنك لا تأتي للتدريبات المكثفة لأجل الحرب القادمة، إنك لا تفكر في شن حربٍ ضد أورتيرا أليس كذلك؟
    تقدم إدوارد نحو آرثر وقد نفذ صبره ممسكاً بياقة الأخير قاصداً دفعه إلى الأرض لكن آرثر باغته قائلاً وهو ينظر إلى الخضراوين الخاصة بأخيه مباشرةً:
    - كيت حبلى.
    تصلب إدوارد تماماً، لم يعي ما سمعه ، لم يفهم حتى ما يقوله هذا الجالس أمامه، أعاد السؤال بصدمةٍ ولازال ممسكاً بياقة أخيه:
    - حبـ..ـلى ..؟
    شعورٌ غريب خالجه كأن هواءً منعشاً دب في أوصاله، قال جملةً عفوية أثارت تعجب آرثر بشدة:
    - أتعني بأنني سأصبح أباً؟!
    قطب آرثر حاجبيه بريبةٍ ليقول بنبرةٍ شاكة :
    - ألم تكن تخطط إلى شيءٍ ما؟
    تجاهل إدوارد سؤال آرثر بل لم يعي ما قاله، كان باله مشغولاً ، ما هذه المفاجأة التي بشكلٍ غريب أثارت سعادته ليجد نفسه يبتسم؟ متى كانت آخر مرةٍ ابتسم فيها هكذا؟! مرّت فترة طويلة! طويلة جداً منذ أن شعر بمشاعرٍ صادقة كتلك، قال وعيناه بشكلٍ غريب كانتا تلمعان بشدة:
    - أين كيت؟
    لازال حاجبا آرثر معقودان بارتياب ليقول :
    - نـائمة في المشفى.
    - لما نائمة هناك؟! هل يجب أن تقنط بالمشفى إن كانت حبلى؟!
    وقف آرثر غاضبًا وقد دفع إدوارد بقوةٍ قائلاً:
    - تتكلم وكأنك لم تفعل شيئاً، حالتها سيئة بالفعل بسببك، جسدها مليء بالكدمات والجروح حتى أن الطبيب حسبها قد خطفت وعرضت إلى التعذيب! عليك أن تراجع انسانيتك!
    لم يبدي إدوارد تعابيراً نظر إلى أخيه ببرودٍ ثم تخطاه خارجاً ، ومع خروجه ارتسمت تعابيره الحقيقة، هو يشعر بالخزي أصلاً دون أن يخبره آرثر بذلك.
    طرد مشاعره المتضاربة، معتزماً بحماسٍ طفوليّ أن يصبح أباً جيداً، كما كان يريد أن يكون والده!
    كان بسيطاً جداً في حقيقة الأمر! البساطة التي تجعله يظهر بمظهر التعقيد، البساطة التي تجعله يعبرعن مشاعره بالطريقة الخاطئة جداً، البساطة التي لم تكن مقبولة في هذا العالم المعقد مذ البداية والتي جعلته يعاني، لم يفكر حتى بعمق ما فعل، كيف سيكون الأمر على النطاق السياسي وما الذي ستؤول إليه الأوضاع؟ جلّ ما حدث أن المفاجأة كانت كبيرةً جداً وهو تفاعل معها بكل عفوية، تخطى الممرات المكسوة بالسجاد الأسود المذهب متسابقاً مع الريح نحو المشفى ليتأكد من صدق ما سمع، كان يعلم يقيناً كيف ستكون ردة فعل كيت، ولكنه تقبل الأمر وكأنه قدرها الذي لا مفر منه ويجب أن ترضخ الآن كما لو أنه وجد الفرصة لتصبح كيت ودودةً معه ويستطيع أخيراً التفاهم معها، وجد الكثير من المحاسن التي أسعدته جداً وكأن الحياة ابتسمت في وجهه أخيراً.
    _____________
    وسط غابة مترامية الأطراف، لا يعلم ما تخفي من مخاطر، لا يعلم أين يذهب، كان واقفاً وسط بقعة تلاحمت الأشجار فيها حاجبةً ضياء الشمس إلا من أشعةٍ تسللت بتحدٍ من بين بعض ثغراتها، حمد الإله على برودة الجو خارجاً وإلا كان جثمان أخته الملفوف بقماشٍ داكن بين يديه قد امتلأ بالديدان،مر يومان وهو لم يجد البقعة المناسبة، قلبه يتمزق بشدة!، لقد نبذ بالفعل مع أسوأ سيناريو قد يحدث دون أحد إلا من بضع أمتعةٍ جهزها بعض الخدم إشفاقًا، لم يعتقد أن والده متحجرٌ هكذا!، لم يطرده فحسب بل مع جثمان أخته، كان يود على الأقل حتى مع قوله بأنه سيختار مكاناً مناسباً لها، أن يرسل حراساً ليكون الأمر أسرع!، لمجرد الشفقة فقط!، هاهو الآن وقد مر يومان وبدأت رائحة الجيفة تخرج وهو يترحل وسط الغابة مع جثة، ولا يجد سوى الأشجار المتلاحمة مهما استمر بالمشي كأنه يدور حول حلقة فارغة وهذا أكثر ما يخيفه، قربة الماء التي في حوزته شارفت على الانتهاء وهو لم يجد حتى الآن نهراً واحداً ولا جدول ماء وهو الذي سمع أن الغابة خارج أسوار مملكته مليئةٌ بأبهى ما قد ترى عيناه، أين ذلك؟ يجب أن يدفنها اليوم حتى لو اضطر أن يكون قبرها عند أحد الأشجار العملاقة المتشابهة أمامه.
    عضَّ شفته السفلية الشاحبة بألم محاولاً السيطرة على العبرة التي وقفت كالأشواك في حنجرته إلا أن الدموع ما لبثت إلا وانهمرت بغزارةٍ على وجنتيه ليسقط على ركبتيه محتضناً الجثمان باكياً بشدة وصوته المهزوز يخرج بصعوبة من بين شهقاته:
    - آسـ..ـف .. آسـف .. آسف لأنني لم أحمكِ كما يجب.. آسف.
    صوت خرير ماءٍ أعاده إلى وعيه ليرفع رأسه مستجيباً إلى غريزة الحياة يجول بعينيه السوادء الملتمعة إثر البكاء باحثاً عن مصدر الصوت، والذي وجده عن يساره، ليقف حاملاً الجثمان يعدو بأسرع ما لديه، الآن سيجد مكاناً لائقاً ، الآن سيجد بساطاً أخضراً ووروداً بألوانٍ شتى لابد أن يكون المكان حول النهر جميلاً أو هذا ما كان يتخيله.. ولكن ما إن ظهر النهر المزعوم أمامه حتى وجد نفسه لازال عند ذات البقعة، هي ذاتها الأشجار المتلاحمة ولا شيء سواها، أما بالنسبة إلى النهر فلم يكن إلا جدول ماءٍ ضيق سمع صوته لأن غزلاناً كانت تعبر من خلاله والتي ما إن رأته حتى هربت بأقصى ما لديها فزعة.
    لقد وصل إلى مكانٍ خطرٍ جداً، لا يستطيع حتى أن يبيت فيه وجثة أخته تصدر رائحةً نتنة ستجذب الحيوانات المفترسة مما سيجعله لن يسامح نفسه أبداً إن أصبحت نهايتها هكذا!
    وبالتأكيد ستكون هذه نهايته كذلك، فما من شيء ليحمي نفسه به، ووجد نفسه مرتاحاً لهذا الخيار، فلم يعد يملك مكاناً يذهب إليه أصلاً، ناهيك على أن الدخول إلى مملكته التي يحفظها ممنوع، ولا مال لديه، إلى أين يتجه وهو لا يعرف الطريق إلى أي مخرج؟
    وضع جثمان أخته جانباً، ملأ قربته الجلدية بالماء وهناك تذكر بأن الجدول لا يمكن أن يأتي من فراغ، عليه فقط أن يتبع مجرى الماء وبالتأكيد سيعثر على مخرج، وبالرغم من أنه لم يأكل إلا قطعة خبزٍ منذ أن خرج من مملكته، إلا أن لا شهية لديه، كما أن بنيته القوية ساعدته على التحمل على الرغم من أنه يحمل جثماناً قد يزن حوالي 50 كيلو غرام طوال الوقت، تتبع النهر مسيرة ساعتين إلى ثلاثة ساعات كان يجلس بينها ليرتاح قليلاً ثم لا يلبث إلا ويعتزم المسير من جديد قبل غروب الشمس، يريد أن يرى نهاية هذا الماء قبل غروب الشمس على الأقل، وإلا لن يكون الأمر في صالحه مطلقاً والحيوانات المفترسة ستظهر بالتأكيد وهو لا يملك ما يحميه سوى خنجرٍ صغير اعتاد على حمله أينما ذهب.
    وفجأةً وقعت عيناه على منظر يحبس الأنفاس، منظر جعله يقف مشدوهاً يتأمل السفوح الخضراء الواسعة والممتدة إلى الأفق حتى كأنها تبدو كلوحةٍ دمج رسامها برتقاليَّ الغروب بأخضر الثيّل المزين بشتى أنواع الورود بمختلف ألوانها.
    كان واقفاً أعلى مصب النهر، تحته شلالُ تُصب مياه المجرى به والذي كان يتسع في حجمه بين بقعةٍ وأخرى.
    كان المكان آسراً بحق، خصوصاً تلك الشجرة التي انتصبت بشموخٍ وسط إحدى التلال، لم تكن الوحيدة وسط تلك السفوح ولكنها كانت المميزة حيث كانت تحيطها ورودٌ بيضاء، وهناك وجد نيكولاس المكان المناسب ليكون موطن أخته الجديد.
    نزل من أعلى المنحدر بحذرٍ مستعيناً بعض الصخور الثابتة، حتى وطأت قدماه الأرض ليذهب ركضاً نحو تلك الشجرة قبل غروب الشمس.
    وأخيراً دفن جسد أخته في المكان الذي وجده لائقاً مدركاً فجأة بأن قواه قد خارت، ليستلقي بعدم اكتراث إلى جانب قبرها مقابلاً له، قائلاً بصوتٍ بُحَّ إثر الإرهاق:
    - لقد أردت أن أجد لكِ مكاناً أفضل وأكثر جمالاً، ولكنني وجدت هذه البقعة المليئة بالورود البيضاء تشبهك، آسف إن لم يرضي كبريائك هذا المكان البسيط، آسف لأنني سأضطر إلى تركك وحيدة ، لا أعلم كيف سأعيش ما تبقى من حياتي؟، لقد أدركت بأنني لم أكن أملك شيئاً سواكِ، وها أنا غدوت لا أمتلك شيئاً.. إنني مثيرٌ للشفقة، لا أعرف حتى كيف أتصرف في هذه الحالة، كيف كنت سأحكم بلاداً ؟ أظن بأنه كان قراراً صائباً، أن أُنفى .. آآآه
    أطلق تنهيدةً عميقة مغطياً وجهه بيديه، مسنداً رأسه على حقيبته القماشية الصفراء، والتي غدت داكنةً إثر الاتساخ، كانت تحمل في داخلها خبزاً فقد طراوته وغدا يابساً، وقميص وضعته إحدى الخادمات خلسة، لم يكن يملك شيئاً غير لك، ولا يعلم كيف سيقتات بدءاً من الآن، دقائقٌ حتى غفى مع تلاشي ما تبقى من ضوء، دون أن يكترث لما قد يحصل حتى لو هُجم من ذئابٍ شرسة، لقد فعل ما عليه فعله، وهذا كان ما يهمه.
    استغرق في النوم بعمقٍ كأنه لم ينم كذلك منذ مدة، كأن تعب الثلاثة أيامٍ الماضية قد خرج أخيراً ليفقد الوعي تماماً بما يحدث حوله وهناك عمَّ السواد فجأة... أصواتُ ضحكاتٍ لطالما أحبها، اسمه يتردد بصداً أعجبه، إنها تلك النغمة التي لا يناديه أحدٌ سواها بها، ثم فجأة ظهرت طفلة شقراء ترتدي فستاناً أبيضاً تركض بشقاوة، ووجد نفسه عندما كان صبياً، يركض خلفها، ثم تلاشت الأصوات فجأة، وعمَّ السواد ثانيةً، ظهرت من جديد في عمرها الآن، في التاسعة عشرة، تستند إلى جذع شجرةٍ بجانبه، وقد وضعت رأسها على كتفه تستمتع إليه وهو يروي قصةً يقرأها من الكتاب بين يديه، بدت مسترخيةً جداً، سعيدةً جداً، وهو كان كذلك، يبدو مستمتعاً إلى أقصى حد، عم السواد مرةً أخرى، ولكن هذه المرة ظهر والده غاضباً بشدة، يضرب جولي بكل ما يملك من قوته، بينما تصرخ مذعورةً بأعلى صوتها، رأى نفسه واقفاً ينظر بفزعٍ دون أن يتحرك، قدماه مشلولة تماماً، صوته لا يخرج، وجولي تنظر إليه باستغاثةٍ حتى رأها أمام عينيه تسقط مضجرةً بالدماء واختفى المشهد.. ليفتح عينيه فزعاً.
    كان يلهث والعرق يتصبب من جبينه، رفع حدقتيه السوداء ينظر إلى ما حوله، السماء كانت تحمل ضياءً خافتاً ينبئ بقدوم صبحِ يومٍ جديد، زقزقة العصافير تملأ المكان، نسيم لطيف داعب خصلات شعره الأشقر الأشعث إثر السفر، كان جسده متعباً جداً، يشعر بثقلٍ فظيع لا يستطيع أن يقف على قديمه دون أن يجتاحه دوارٌ شديد، تنهد ممسكاً برأسه، كان حلماً مريعاً، كان واقعه أيضاً.
    نظر إلى ردائه البيجي المذهب الذي يفترض أن يكون حريرياً، ليجده تحول إلى اللون البنيّ الداكن، رائحته لا تطاق، لم يعتد أن يكون قذراً، وجد نفسه يتجه ناحية النهر، لا يوجد حل آخر سوى الاغتسال هناك، يجب عليه بعد ذلك أن يغادر هذا المكان مهما كان جميلاً ليبحث عن مأوى، عن مكانٍ يستطيع أن يقتات منه ما يجعله يبقى حياً، إنها غريزة الحياة، لا يستطيع أن يقاوم الرغبة في العيش نهاية المطاف..
    نظر ناحية القبر، يجب أن يضع علامةً عليه، أدار ظهره عائداً إلى حيث القبر، أمسك بخنجره قاطعاً غصناً متيناً، سطحه بصعوبة لينحت عليه اسمها وتاريخ ميلادها ووفاتها، وغرسه وسط القبر، قطف وروداً بيضاء ووضعها عليه، ثم عاد إلى النهر مغتسلاً تحت ماء الشلال المتدفق، مغيراً رداءه إلى الوحيد الذي بحوزته والذي لم يكن إلا الرداء الأزرق الذي دسته إحدى الخادمات خلسة، تيمن به نيكولاس أن يبقى مرتباً أطول فترة ممكنة.
    وقف ينظر إلى المكان الشاسع أمامه لا يعلم إلى أين يتجه الآن؟ أين يذهب؟ إلى من يقصد؟ لم يكن اجتماعياً، لم يكون صداقاتٍ مع أمراء المماليك الأخرى، بعد موت جولي، اتضح له بأنها كان مكتفياً بها.. ولأن الوضع تحول إلى هذا الحال، لا سبيل، لا وجِهة معينة، قرر أن يمشي باتجاه الشمس التي انتصبت أمام عينيه مضيةً المكان، متيمناً أن يجد ما يعادل ضياءها.





    يتبع ....

  12. #251
    __________________
    الحياة .. ماهي الحياة؟ لونٌ رماديّ، طعام مر، ماءٌ عكر، كل سوءٍ فيها يصفها أو هذا ما كان يتراءى إلى كيت التي ما إن علمت حتى جنت تماماً، لقد وسمت نفسها بالعار، كيف ستلتقي بأليكساندر الذي وعدها بأنه سيعود لإنقاذهǿ كيف ستواجه عائلتها التي تكافح لأجلها، لأجل تخليصها، ماذا حدث الآن؟ كل سيذهب هباءً، ولادة طفل من سلالة هذه العائلة مختلط بدمائها، يعني أمران لا ثالث لهما، أن تبقى حبيسة هذه المملكة للأبد، أو أن تقتل نفسها أو من في بطنها وهذا ما حاولت فعله أمام إدوارد الذي كان سعيداً جداً بطريقة أثارت اشمئزازها لدرجة أنها حاولت طعن بطنها بأقرب أداة حادة، والتي لم تكن إلا إبرةً قد حقنت بها، ولولا تدخل آرثر وجورجا لكانت حالتها حرجة، أما ما حصل بعد ذلك فهي قد أصبحت سجينة المشفى تحت أنظار مجموعةٍ كبيرة من الحراس بأمرٍ من ريتشارد وتحت أنظار طبيب القصر خصوصًا، ذلك لأن اكتئاباً حاداً نزل بها لدرجة أنها لا تنام إلا بعد نوبة انتحاب لا تذهب إلا بحقنها.
    وجهها أصبح داكناً، لم تعد بشرتها البيضاء الصافية كما كانت، عيناها الكحيلتان أصبحتا ذابلتين، سوادٌ يملأ أسفلهما،شفتاها المكتنزتان بحمرةٍ طبيعية كلون التوت، أصبحتا باهتتين متشققتين.. بدت أكبر من عمرها بكثير.. فقدت نظارة شبابها في غضون أشهر فقط، كنت تبدو مريعةً جداً إلى أقصى حد على الرغم من أنه لم تمر سو ثلاثة أيام منذ عرفت بأمر حملها، لم تنطق شيئاً، غالب وقتها تنظر كالأموات إلى الفراغ أمامها، وإن تحدثت فلا تقول إلا الشتائم وعبارات الرغبة بالموت أثناء نوبات انهياراتها العصبية.
    وقفت جورجا بعيداً عن سرير كيت، مسندةً ظهرها إلى الجدار قرب الباب، كانت تنظر إلى سيدتها بألمٍ عاضةً على شفتها السفلية بقهر، تيد عمل شيءٍ ولكن ماذا بوسعها أن تفعل؟ ، جالت بعينيها البنيتين أرجاء الغرفة الفسيحة، تنظر إلى عدد الجنود الواقفين عند كل زاوية في تلك الغرفة كالتماثيل بأمرٍ من ريتشارد، لكي لا تفعل كيت أية حماقاتٍ ك محاولة الإجهاض، فهو المستفيد الأول، الحفيد الغالي ووالدته بين يديه، الحرب بين أصبعيه يسيرها كيف يشاء، وبالطبع لا يود أن يبدأ صلحاً، هو بالتأكيد سيستخدمها كتهديدٍ في أسوأ المواقف اتجاه أورتيرا التي لا تعلم شيئاً، حتى أنه وضع حارسان لتعقب جورجا، الأمر الذي لن يسمح لها أبداً من إيصال رسالةٍ إلى أورتيرا بما آلت إليه الأوضاع.
    - " الحرب يجب أن تقف"
    كان هذا أكثر ما يعصف بشدةٍ في ذهن جورجا يبحث عن حلٍ أو منفС وأكثر ما يؤرقها وحدها في هذه المملكة، والتي بطبيعة الحال لن تستطيع التحرك وحدها دون أن يكون لها سندٌ داخلها.
    لقد وضع الحاكم ليونارد كيت بين يديها، وتحت عنايتها، وهي لم تستطع أن تحميها كما يجب، ولا تستطيع أن توصل مجرد رسالة، وضعت يديها على وجهها محندبةً اتجاه الأرض، قائلةً بصوتٍ خافت خرج من أعماقها:
    - آآآآه، كان على جلالته أن يجعل مكاني رجلاً، أو بالإضافة لي أن يترك رجلاً ما، جلست على الأرض القرفصاء مسندةً ظهرها إلى الجدار وقد رفعت حدقتيها باتجاه سيدتها التي كانت تنظر إلى الجدار كجسدٍ بلا روح مردفةً في سرها:
    - " ماذا ستفعل امرأة ضعيفة مثلي لم تكن إلا تسخر من نفسهǿ ، هه امرأة قوية؟ - ضحكت بسخريةٍ بصوتٍ خافت مردفة : " لم أكن قوية قط، كل ما تعلمته مجرد فنون دفاعٍ عن النفس، لم أوظفها حتى الآن، تباً لك يا جورجا ، تبـــاً لك. "
    كانت تشعر بالإرهاق الشديد، دماغها لم يوقف عن التفكير بشدةٍ الأيام الاماضية، حتى أنها مع كونها تعلم بأن ريتشارد قد وضع حارسين يتبعانها أينما ذهبت ، فكرت بالهروب إلى أورتيرا ولكن ذلك سيجعل سيدتها بلا حماية، ناهيك على أنها لن تستطيع العودة إلى سيلينيا إن ذهبت، الأمر الذي جعلها تطرد فكرة التسلل نهائياً مما يجعل الخيار الوحيد هو القتال حيث تقف الآن، عليها أولاً أن تعيد الحيوية إلى سيدتها بأي طريقةٍ استطاعت، حقيقة الأمر بأن جورجا لا تكبر كيت إلا بخمس سنوات، الأمر الذي يفترض بكيت ذات التاسعة عشر أن تلجأ إليها في هذه الأثناء خصوصاً وأن جورجا هي الأنثى الوحيدة المتاحة لها الآن، إلا أنه وقد مرت أربعة أشهر مذ أن كانتا حبيستا هذه المملكة لم تتحدث بها كيت إلى جورجا أية أحاديثٍ جانبية قط، لقد كانت دوما غير اجتماعية، وتكتفي بالاختلاط بإخوتها فقط.
    أما بالنسبة لإدوارد فقد منعه الطبيب من زيارة كيت لكونها تجن ما إن تراه، معللاً بأنها تحتاج إلى أن ترتاح فترةً حتى تجمع شتات نفسها، وبالنسبة له وجد نفسه يتقبل ذلك خصوصاً بعد أن علم بحملها، أصبح يحاول أن يسيطر على غضبه ليكون أباً ناجحاً، هذا ما كان يشغله هذه الأيام، الأمر الذي استغله ريتشارد كامل الاستغلال مرغماً ابنه على خوض التدريبات العسكرية، لم يكن إدوارد مهتماً بالحرب مطلقاً، ليس خبثاً بقدر ما كان يرى أنه لا يملك سبباً ليكون عدواً لأورتيرا، هو لم يجد سبباً للحرب ضدها، هو فقط سيكون جدياً ويدخل أرض المعركة إن كان أليكساندر متواجداً، وهذا أمرٌ متوقع، الأمر الذي جعله يرغم نفسه على دخول التدريبات كذلك.
    أما بالنسبة لآرثر، فقد أبهر إدوارد حتى وإن لم يعترف بذلك، تطور بشكلٍ مذهل حتى أنه أطاح بأقوى مبارزين سيلينيا بعد توجيهات القائد سام الذي كان يقضي معه أغلب وقته.
    لقد تقبل آرثر كونه أمير حتى مع أن الأمر ممل بالنسبة له، إلا أنه وجد نفسه راضياً بكل ما يحصل له ، راضياً بكل ما يقدر له.
    _____________________
    أعيـاه التعب، سقط لا شعورياً خائر القوى وسط طرق الغابة التي عادت متلاحمة الأشجار، لقد مرّت أربعة أيام منذ أن دخل وسط الغابة فير قادرٍ على الخروج منها، قربة مائه نفدت منذ الأمس، بقايا الخبز اليابس انتهت منذ يومين، لم يجد فاكهةً في الطريق ولم يقوى على اصطياد بعض الحيوانات، لا يمتلك حتى ما يساعده على إشعال النار الأمر الذي جعله يبيت اليالي الأخيرة في برد الليل القارص، كل مقومات الحياة فرغت أمامه، إنه عطش جداً حتى أنه لا يستطيع ازدراد ريقه الذي جف تماماً حتى بدأ بالتجرح.
    فتح عينيه بصعوبةٍ كل ما أمامه امتزج في عينه، كل ما به لا يقدر على استيعاب توجيهات دماغه:
    - " يجب أن أقف، يجب أن أقف، ستغيب الشمس يجب أن أختبơ يجب أن أختبئ قبل أن تتكرر حادثة الأمس، الآن لن أستطيع حماية نفسي كما الأمس عندما طعنت ذئباً "
    رفع جسده بصعوبةٍ ممسكاً بجذع الشجرة يساره، اتكأ عليه محاولاً الوقوف بكل ما تبقى لديه من قوة:
    - " علي أن أجد مكاناً مناسباً.. يجب أن أجد مكاناً مناسباً"
    ولأن الشجر كان متلاحماً قريباً جداً من بعضه، ساعده ذلك على المشي متمسكاً به في طريقٍ مستقيم، دون أن يعرف إلى أين يؤدي ذلك، العطش والجوع حولتا رؤيته إلى هذيانٍ فقط، الأيام المنصرمة جعلته يتحول أشعثاً أغبراً لا يشبه ذاته النبيلة ذات التفاصيل الجذابة بأيِّ شكلٍ من الأشكال، رفع عينيه الفارغتين ينظر أمامه وجد منحدراً شديداً يمنعه من مواصلة الطريق، لا يفصله عنه سوى عشر خطوات، لم يكن يستطيع التوقف جسده لم يكن يستجيب إلى دماغه أبداً، كأن جسده يتحرك من تلقاء نفسه:
    - " منحدر، منحدر حاد، يجب أن أتوقف، لكن الشمس تذهب بعيداً، الشمس تختبئ خلف الجبال، يجب أن أتبعها يجب أن أختبئ"
    كان ينظر إلى الأفق البنفسجيّ أمامه، كان يخشى ابتعاد الشمس بشدة خصوصاً في هذه الأثناء.
    قطب حاجبيه ما إن وقعت عيناه عن طريق الخطأ أسفل المنحدر، لم يكن ينظر بشكلٍ جيد، لم يستطيع أن يميز ما كان يتحرك في أسفله بشكلٍ منتظم وألوانٍ مختلفة:
    - " ما هذǿ، ماذا يحصل في الأسفل، أهو قطيع من الذئاب؟، إن له ألواناً مختلفة، قطيع أحمر، قطيع أبيض، قطيع كحلي، إنه يتحرك بشكلٍ منتظم، يجب أن أخبơ لا يجب أن يروني، إلى أين أذهب، لم أرى ذئاباً حمراء من قبل، يجب أن أخبơ ماذا إن كانت دببة؟ يجب أن اختبơ يجب أن أخـ... "
    رفع عينيه يبحث فوق الأشجار عن مكانٍ يخبئ به، ولكن اختلطت جميع الألوان والأشكال أمامه، ليسقط من أعلى المنحدر متدحرجاً إلى أسفله، وبالضبط عند جمع الألوان المختلفة الذي كان يخشى أن يصل إليه.
    ولأن صوت ارتطامه بالأشجار كان واضحاً، سبب ذلك في جذب انتباه تلك الأشياء والتي لم تكن إلا بشراً، أشهر أحد أولائك الرجال المرتدين الازياء الحمراء سيفه مستعداً للانقضاض على المتطفل القادم الذي حسبه حيواناً مفترساً ليفاجأ بجسد نيكولاس الغائب عن الوعي والمتضرر ببعض خدوشٍ وكدمات مما أثار تعجب المتواجدين ليجتمعوا حوله:
    - تبدو ملابسه مكلفة، أنظر إلى النقوش على الرغم من انها متسخة وممزقة.
    وافقه آخر كان يتفحص نبض نيكولاس:
    - يبدو أن مجموعةً من قطاع الطرق قد هاجمت أحد النبلاء.
    - سأذهب لأنادي سيدي ، ماذا نفعل به؟!
    كاد أن يدير ظهره ذاهباً إلا أن المعني ظهر مباشرةً خلفه يستطلع أمر الضجة التي حدثت فجأة، قطب حاجبيه السودواين كلون عينيه وشعره قائلاً ليتشتت الجمع المتكدس مصطفاً بانتظام:
    - ماذا يحصل هنـǿ
    وقف الجندي الذي كان يتفحص نبض نيكولاس قائلاً:
    - لقد سقط فجأةً من أعلى المنحدر، إنه فاقدٌ للوعي، يبدو أن مجموعةً من قطاع الطرق هاجمت إحدى النبلاء، إنه يبدو نبيلاً.
    أمسك زاكس وجه نيكولاس مضيقاً عينيه:
    - " أين شاهدته ؟ أم يخيّل لي فقط"
    - نيكولاس أمير ايسنالي!
    نطقها الواقف بصدمةٍ رجلٌ بين الثانية إلى الرابعة والعشرين، كان شعره ذهبياً تغطي غرته جبينه الأسمر إثر الشمس، توسعت عيناه النيليتان ليقترب سريعاً متفقداً نبض نيكولاس قائلاً بقلقٍ بان على تقاسيمه:
    - ماذا حصل له؟ ماذا حدث؟ هل أُغتيلت ايسنالي؟!
    - أأنت متأكدٌ أليكساندر؟
    - بالطبع! كيف لي ألا أميزه أتمزح معي؟ على الرغم من أنه يبدو هزيلاً أشعثًا وشاحباً، لننقله إلى طوارئ المعسكر، احملوه!
    رفعه بعض الجنود الذين كانو متحلقين حوله، وقف أليكساندر بجانب زاكس ، كان يبدو عليه القلق، لقد كان نيكولاس رجلاً نبيلاً حكيماً جداً، حتى أنه هنأه بخطبته على كيت على الرغم من أن أليكساندر هو الذي انفصل عن أخته، لم يحقد عليه، أو يحمل الضغائن ضده.
    قال زاكس بعد ان وضع يده على كتف أليكس:
    - لا تقلق، سنعلم ما حصل إن عاد إلى وعيه، من الجيد أنك تعرفت عليه.
    قال أليكساندر بعد أن نظر إلى عيني زاكس مباشرة:
    - سيكون الأمر سيئاً جداً إن تعرضت ايسانلي للاغتيال، إنها تقع شمال كاميليا، ستكون كاميليا مهددةً بالخطر، أخشى أن نتأخر أكثر على شن الحرب اتجاه سيلينيا جراء ذلك، إنني لم أعد أستطيع الصبر أكثر!!، إن كيت تنتظر والله وحده يعلم ما يحصل لها هناك!!
    - هون عليك، حربي مع سيلينيا ستكون بعد ثلاثة أشهر، سأتأكد من أن أنتصر.
    - أتحسبني أستطيع الصبر ثلاثة أشهرٍ إضافية؟ إنني أموت هنا كل يوم فكيف بثلاثة أشهر أخرى؟!!
    - لقد صبرت أربعة أشهرٍ ماضية، تحمل القليل المتبقي، أتحسبني أقل منك قلقاً، إنني أعوض ذلك بتكثيف التدريب، وأرى أنك تفعل المثل، لقد أصبحت أسمراً أراهن على أن كيت لن تستطيع التعرف عليك بادئ الأمر.
    ثم ضحك ملطفاً الجو ليبتسم أليكساندر متنهداً.



    يتبع..

  13. #252
    _ _ _ _ _ _ _

    نُقل نيكولاس إلى قصر الحكم في أورتيرا و قد استفاق مساء اليوم التالي واستقرت حالته نسبياً إلا أن حالته النفسية كانت سيئة جداً، لم يعرف كيف انتهى به المطاف في أورتيرا .. لا يلعم إن كان سيفرح لأنه أصبح على قيد الحياة أو يكتئب لأنه لم يمت ويرتاح من مقت الحياة.
    كان يقنط وسط غرفةٍ بيضاء الجدران والفراش، بيجية الأثاث، كان شاحباً يستند إلى السرير، انتهى الطبيب لتوه من تشخيص حالته التي قال بأنها مستقرة وقد ساعدته بنية جسده القوية على التحمل طوال الأسبوع المنصرم الذي قضاه في العراء يقاتل الجوع والعطش، وأنه يحتاج إلى الراحة فقط.
    كان الحاكم ليونارد هو من يتلقى هذا التشخيص من الطبيب، لم يسمح لأحدٍ بزيارة نيكولاس لألى يزعج ذلك ضيفه، جلس على كرسيٍ بالقرب من سرير نيكولاس قائلاً بصوتٍ بدى القلق واضحاً عليه:
    - أتشعر بأنك بخيرٍ يا بني؟ أتشكي من أمرٍ مǿ
    لم يجب المعني، كانت الكآبة طاغية عليه مفرغةً عينيه السوداوتين من أي لمعة حياة، سالبةً عقله مخرسةً لسانه، لم يجب لأنه لم يكن يقوى على الإجابة، كأنه نسي كيف يتواصل مع أي بشري بعد الأسبوع الماضي الذي لم يسمع به صوته حتى.
    أعاد ليونارد السؤال بصيغةٍ أخرى قائلاً:
    - هل أصاب ايسنالي أمر سيء؟ هل أرسل جيوشي لحمايتهǿ ماذا حصل يا بني؟!
    وجد نيكولاس نفسه مضطراً إلى إجابة هذا السؤال على الأقل، فتح فمه ليحال النطق ليكتشف مقدار جفاف حلقه، كح بشدةٍ حتى شعر بأن حنجرته قد تخرج، أخذ ليونارد كأس الماء الموضوع على المنضدة بجانب السرير ليجلس على طرف السرير بالقرب من نيكولاس مساعداً إياه في الشرب، تنفس الأخير الصعداء ليقول بعد أن نظر إلى الحاكم ليونارد بتعابيرٍ فارغة:
    - لا، ...
    - إذاً هل هوجمت من قبل قطاع الطرق؟
    أبعد عينيه لينظر إلى الفراغ أمامه:
    - لا.
    - لا تقلق يا بني، أخبرني، سأرسلك إلى مملكتك مع موكبٍ من الحراس، ولكن قبلها يجب أن ترتاح إلى أن تتعافى، سأرسل إلى والدك رسالة، لا تقلق، لقد أرسلك الله إلينا الحمدلله.
    - لا داعي لذلك.
    قالها دون أن يحرك طرف عينيه عن الفراغ أمامه، مما جعل التساؤل يبدو جلياً على تعابير ليونارد، ليردف نيكولاس وهو ذات الوتيرة:
    - لقد نفيت.
    قالها بكل شفافية كأنه لا يكترث لما قد يحصل من سوء فهم، كأنه حتى لا يفكر في توضيح ما سيحصل، فكيف سيفسر أمراً كنفي أميرٍ عن مملكته بطريقةٍ حسنة على أية حال؟ نظر ليونارد بتعجبٍ إلى نيكولاس ليقول محاولاً أن يحسن الظن قدر الإمكان:
    - لم نسمع عنك سوءًا من قبل، ماذا حصل يا بني؟ هل كان ذلك نتيجة غضب والدك؟
    لم يجب لم يبعد عينيه عن الحائط الأبيض أمامه، في تلك الأثناء دخلت إليزابيث زوجة الحاكم وفي يدها كانت تحمل حساءً قد صنعته ينفسها لأجل ضيفها، جلست بالقرب من زوجها على كرسي القريب من سرير نيكولاس واضعةً الصينية على المنضدة غير مقاطعةٍ حديث زوجها، تنتظره ينتهي لتساعد نيكولاس على أكل شيءٍ يرد إليه بعض من عافيته، نظرت إلى المعني الذي تغيرت تعابيره فجأة وشحبت ملامحه، لكنه لم يبعد نظره عن الحائط حتى نطق ليونارد بما وقع كصاعقةٍ آلمت قلبه:
    - لا علم لدي ما قد حصل لك، ولكن إن أردت مني أن أتوسط لك عند والدك فسأفعل ما أستطيع، لا تنسى بأن لكَ أختاً هناك تنتظرك، كيف ستحتمل غيابك؟
    صوتٍ شهيقٍ بكاءٍ خرج فجأة كان مصدره أليزابيث التي لم تستطع تمالك نفسها وكأنها وجدت كيت في جولي، رفع نيكولاس عينيه إلى السقف بعد أن رأى ردة فعل أليزابيث التي بدت له غريبة قليلاً، تنهد بقوةٍ ليزفر قائلاً:
    - لقد قُتلت.
    توسعت عينا ليونارد ليقول بصدمةٍ :
    - كيف؟ من قتلهǿ
    - أبي.
    فزع ليونارد تماماً، كيف لأبٍ أن يستطيع قتل ابنته ؟ ابنته الوحيدة كذلك، إنه يفهم بعمق شعور فقد الأب لأحد ابنائه هذا وهي على قيد الحياة، كيف له أن يتصور أن يفقد أحد ابنائه وبيده؟ لم يستطع أن يقول شيئاً تسمر ينظر إلى نيكولاس الذي ارتسمت على وجهه تعابيرٌ ساخرةٌ تحمل حزناً فضيعاً، ولأن قلب الأم ألين من قلب الرجل، يستجيب لأيٍ كان بصورةٍ مفرطة في الحنان، وجدت نفسها تمسك بيد نيكولاس مجهشةً بالبكاء تمسح عليها وهي تئن قائلةً:
    - لابد أنه كان أمراً صعباً عليك، لا بد أنه كان أمراً صعباً عليك..
    مسد ليونارد جبينه محاولاً تدارك الفاجعة التي سقطت على مسامعه، ليقول بجديةٍ بعد أن نظر إلى عيني نيكولاس مباشرة:
    - إذاً ماذا ستفعل؟
    ابتسم ابتسامة ازدراء لذاته ليقول وهو ينظر إلى الأسفل:
    - لا أعلم.
    أدارت إليزابيث وجهها الباكي قائلةً بين دموعها:
    - ما هذا السؤال يا ليونارد، إنه ابني السادس منذ الآن!
    - كنت أفكر بذلك أيضاً.
    امتزجت تعابير التعجب ممزوجةً بالاستياء ليقول نيكولاس وهو ينظر إلى الحاكم ليونارد:
    - لا .. لا بأس، أشكر لك تفكيرك بذلك، أستطيع تدبر نفسي، فقط أسدي لي معروفاً واجعلني أعيش في مملكتك.
    - أبـداً، ما هذا الهراء الذي تتفوه به؟ ستعيش هنا كباقي ابنائي، أميراً خامساً لهذه المملكة، وإن شئت أن تستعيد مملكتك فسأساعدك على ذلك، منذ الآن أصبحت ابني الخامس من الذكور.
    قالها ليونارد بابتسامة جعلت نيكولاس ينحني قائلاً:
    - لن أنسى حسنك أبرداً طالما حييت.
    _____________________________
    مرت ثلاثة أشهر الفعل، وهاهو زاكس قد أعد نفسه وجيشه الذي سيقوده أخيراً ضد سيلنيا، أراد نيكولاس الانضمام إلى صفوف زاكس بشدة إلا أن الحاكم ليونارد منعه من ذلك معللاً بأنه سيدخره إلى وقتٍ آخر حسب التصنيف الجديد الذي فرضه الحاكم كارل كخطة محكمة، إلا أنها جعلت ابنه أليكساندر يجن غضباً، فقد قسم المعارك إلى ثلاثة معارك، والجيس إلى قسمين، قسم في المقدمة ولديه قائد، وقسم في المؤخرة وله قائد أخر، أي كل معركة ستكون تحت قيادة قائدين، والكلمة الأولى لقائد المقدمة.
    أي أن قائد جيش الآخر هو نائب القائد، وقد وقع الاختيار لأن يقود هذه الحرب الأولى، زاكس ومايك، الأمر الذي سيجعل أليكساندر ينتظر أكثر، وما زاد الأمر سوءاً أنه استناداً إلى تقسيم والده فهو سيقود ونيكولاس المعركة الأخيرة، أي أن المعركة الثانية ستكون تحت قيادة جورج وجون، وقد ساهمت مملكة " قابرينا" مملكة زوجة جورج بالكثير من الدعم، حيث أرسلت أفضل جيوشها لتقاتل جنباً إلى جنب مع أورتيرا.
    أما بالنسبة للحاكم كارل والحاكم ليونارد، فلا يستطيعان مغادرة مملكنهما في الوقت الراهن، تحسباً لأي بادرةٍ قد يقوم بها ريتشارد، فلا يخفى عليه أن يداهم المملكتان على حين غرةٍ.
    وقف اليكساندر المحبط بسبب التقسيم الجديد، أمام زاكس الذي استعد بكل شيءٍ لابساً درعه الحديدي ومجهزاً سيفه وفرسه، قال الأول بنبرةٍ لا تخلو من إحباطه:
    - يجب أن تبلي جيداً، حاول خطف كيت على الأقل، بل يجب عليك ذلك، لا أريد أن تكون معلقةً هناك وسلسلة الحروب هذه لا تنتهي، إنني أعتمد عليك يا زاكس.
    ابتسم الأخير قائلاً:
    - اعتمد علي.
    ثم استدار نحو الموكب العظيم من جيش أورتيرا المندمج كجيشٍ واحد مع جيش كاميليا، اعتلى حصانه الأسود قائداً الجيش وخلفه مايك أمام توديعات والدتهما التي كانت تمسك بذراع زوجها غير قادرةٍ على السيطرة على بكائها وكلها رجاء أن يعود ابناؤها سالمين وبين أيديهم أخبار سعيدة.

    وفي سيلينيا.

    لقد أصبحت في شهرها السادس الآن، برزت بطنها، أصبحت تشعر بحركة جنينها، حتى أنها بدأت تحيك القفازات والجوارب بخيوط صوفٍ فاخر، أجل لقد استسلمت منذ زمن، لقد يأست تماماً من عائلتها، حتى أنها على كرهها لسيلينيا ومقتها لها، قررت أن تتقبل واقعها مضطرة، تقبلت حتى إدوارد الذي لم يصدق أنها أصبحت تتحدث إليه حتى وإن لم تبتسم في وجهه قط.
    كانت مسندةً ظهرها إلى أريكة غرفة معيشتها، تنظر إلى خارج الشرفة الزجاجية تراةً ثم تعود لتنظر ما تحيكه بالصوف بين يديها، كانت شاردة البال، يداها اعتادتا على ما تفعل حتى إن لم تكن تركز تماماً ، بجانبها وقفت جورجا التي لم يكن يعجبها أبداً ما آلت إليه سيدتها من حال، كانت تسكب لها كوباً من الشاي، ووجدت أن بإمكانها أن تفتح الموضوع معها كما تباغتها دائماً في الآونة الأخيرة محاولةً ثنيها على ما تفعل:
    - ماذا حدث لروحك يا سيدتي؟ لماذا استسلمتِ هكذǿ
    - لقد قررت أن أربي هذا الذي لا ذنب له بكل ما يحصل، إنني لن أغير شيئاً الآن، وقد تم التخلي عني بالفعل.
    - لا تقولي ذلك!، يستحيل أن تتخلى عنك عائلتك!
    ضحكت بسخريةٍ قائلةً:
    - توقفي لقد سئمت من تكرار هذه المحادثة يا جورجا، أين هم إن لم يكونوا قد تخلوا عني بالفعل؟ لقد غادرت القصر بطريقةٍ مريبة، كيف لم يرسوا أحداً خلفي على الأقل، لا تأخذيها كإهانة، ولكن وجودك وحدة لا يغير شيئاً مما يحصل.
    - إنني أعلم ذلك يا سيدتي، أعلم بأنني مقصرة جداً في حمايتك، وإنني أحمّل نفسي خطأ ما حصل لك، ولكن ليس عليك اليأس من عائلتك، إنهم يستعدون لحرب، والحرب ليست لعبة، الأمر يأخذ وقتاً للاستعداد، لم نخض حرباً منذ زمنٍ طويل، لقد كنا في معاهدة سلام زائفة، جيوشنا تحتاج إلى تدريب!! لقد استغرق الأمر سبعة أشهر، إنني أشعر بأن الحرب اقتربت جداً، ثقي بي.
    لم تجب .. لم تزحزح عينيها الرماديتين ببؤس كحياتها عن الصوف الذي بين يديها، لقد كانت يائسةً فعلا، لقد كرهت الأمل الذي تحلت به طوال السبعة أشهر الماضية، لقد بدأت تتقبل واقعها أخيراً، لا تريد لأملٍ زائفٍ آخر أن يعود جاعلاً إياها تعاني من جديد، هي أخيراً استطاعت التفاهم مع إدوارد وإن كان تفاهمها لا يخرج عن دائرة إجابته إن نادها لوقت الطعام، حتى أنه توقف عن ضربها منذ أن أصبحت كذلك، إلا أن السلام الذي حل فجأة بدأ يعجبها، حتى مع أنه لا يسعدها إطلاقاً، لقد نسيت السعادة أصلاً، بل ودعتها، لقد نذرت حياتها أن تعيش مهما كان دون أن تفكر بها أو تتطلع إلى ذلك.
    دوى صخب مفاجئ في ممرات القصر بين الجنود منبئاً عن وجود اضطراب واضح، تبعه دخول إدوارد السريع إلى جناحه وعلى وجهه ارتسمت تعابير الاضطراب التي جعلت قلب كيت يجفل لوهلة، كأنه بدخوله يود الهرب فقط من شيءٍ لم يعجبه ، الشيء الذي بث شعوراً فزعاً في قلب كيت والذي تأكد ما إن دخل الملازم ويليام دون أن يطرق الباب تابعاً إدوارد، منهالاً عليه بسيلٍ من أوامر الالحاكم ريتشارد تمثلت ب:
    - جيش أورتيرا قادم وعليك وآرثر أن تقودا جيشنا ، تلك أوامر الحاكم ريتشارد، قلتتحرك الآن، حـــــالاً.





    -تم الجزء
    14 -

    صدق أو لا تصدق .. تتبقى فقط 4 تشابترات على نهاية الرواية ..
    آمي تشان أنتِ الأفضل حقًا على مواصلتك حتى الآن معي ..


  14. #253
    اوي031

    مرحباً
    كيف حالكٍ
    توت؟
    ي فتاه روايتك رائعه احببتها بـ بشده هي من الرويات المفضلة لدي حقاً
    بالرغم مما فعلة ادورد لكيت الا انني احبه هو شخص جيد لكن لم يعطى فرصه
    اتعلمين لقد قراءة روايتك في مكان ما
    cheeky، وقد انهيتها في يوم واحد حقا لم استطع التوقف knockedout
    وبعدها بدأ الصراع النفسي هل اعلق هنا ام هناك ، واتيت اخيراً
    biggrin
    ربما لـ اضع حــــــجــــز ، وهكذا تنظم لصندوق الروايات التي يجب علي العودة لها
    rambo
    بما اني انهيتها ستكون اعلى القائمة بإذن الله ، لي عودة قريبة
    smokerlaugh



  15. #254
    حجز و لي عودة em_1f606

    ع¤لفت بالفعل أحسنت الختيار بالرد هنا ذلك سيدعم الكاتبة أكثر للإكمال

  16. #255
    و مازلت أقول بنفسي ما الفائدة الآن؟؟؟
    بالفعل ما الفائدة هههههههههه لدي شعور أنهم بمجرد أن يعرفو بحمل كيت كل الخطط ستصبح بوضع توتر و تردد
    em_1f62b فعلا بدأت الأمور تهدأ لربما قد تكون كيت قد فقدت سعادتها
    و لكن من المؤكد أن الأمور ستسير للأفضل فقد دعو كيت تعش حياتها بسلام ...لربما ليس بسلام فعلا laugh
    طفلها بدون شك سيغير حياتها لربما ستصبح حالها أفضلا بفضله
    إدوارد يتحسن كذلك 003 لذا كم أتمنى أن تستمر الأمور فقط هكذا و حتما ستصير أفضل cry

    أهم جزئية بهذا البارت كانت جزئية نيكولاس 003 لقد انفعلت و تأثرت بكل لحظة عاشها خلال ذلك الأسبوع المشؤوم
    أتمنى أن حاله قد صارت للأفضل الآن

    هذا كل ما لدي بخصوص هذا البارت
    أعتذر عن الرد القصير و لكن مخي بحالة خمول هههههههه جلست لدقائق طويلة أحاول معه ليأتيني بتعليق ثاني على البارت و لكن ميؤوس منه laugh

    أتمنى ألا تتأخري علينا بالبارت الذي يليه
    و أخيرا تبقى أربعة فقط 003 ماذا سيحصل بالفعل؟؟؟
    لا داعي للشكر توته أنا التي علي شكرك لإمتاعي بروايتك e106 استمري
    أنتي الأفضل

  17. #256
    part 15

    عاد الذعر من جديد يجتاح صدر كيت التي وأخيرًا استطاعت التأقلم في الثلاثة الأشهر الماضية، التأقلم الذي اتضح نهايةً بأنه لم يكن إلا زيفًا بعد أن التحم الجيشان صباحًا واضطربت أوضاع المملكة بأكملها، كما اضطرب داخلها، كما تزعزع الخوف داخل صدرها فأخذت تقضم أظافرها دون أن تشعر، وما زاد خوفها ذعرًا، أنها كنت تعلم كما كان يعلم ريتشارد بأن هذه الحرب خاسرة لصالحه لا محالة، بما أن الورقة الرابحة كانت بين يديه، وتحت أمره بل تحت قدميه، يدهسها ومملكتها كما يشاء، الأمر الذي أفقد كيت صوابها من جديد، ليجعل حالتها السابقة تعود مرةً أخرى، أمسكت بإناءٍ كان موضوعاً على طاولة غرفة المعيشة الخاصة بجناحها، أمسكته وقد بدأت تفقد صوابها وكسرته برميه على الأرض حاملةً شظيّة حادةً منه، رفعتها عاليًا لتنزل بها على أسفل بطنها لولا تدخل جورجا التي اقتحمت الغرفة فورًا حينما سمعت صوت تحطم الإناء، أمسكت بكيت من الخلف محيطةً إياها بذراعيها مثبتةً حالة الهستيريا التي ولجت بكيت:
    - سيدتي ماذا تفعليـــــن؟! ، أجننتي!! ستقتلين نفسـك!
    صرخت والهلع بان جليًا على تقاسيمها ، بالأخص حدقتيها الرماديتين اللتين كانتا تتوهجان بشدة:
    - يجب أن يموت، يجب أن يموت، يجب أن يموت، حتى إن كان بريئًا من كل ما يحدث!!، إنه لعنـة، لعـــنـــة.
    أخذت جورجا الزجاجة من يد كيت، لتجلس الأخيرة خائرة القوى على الأريكة ودموع حارقة تنساب على وجهها بغزارة، قد عادت لوعيها الذي سيّد همًا فوق كاهليها، والذي أخذ من طاقتها نصيبًا وفيرًا لتقول وقد نظرت بخواءٍ إلى جورجا التي أخذت تنظف الزجاج من على الأرضية:
    - أتعلمين ماذا سيحصل؟ إن حرب أورتيرا خاسرة، سيستغل ريتشارد حملي.. سيضغط على مملكتي، كل شيء غدا بلا فائدة.
    كانت جورجا تعلم بالفعل، تعلم بأنه يجب أن يُضحى بجنين كيت، أو بكيت وجنينها معًا، وإلا فقد لا تتوقف الحرب، بل قد تذهب أورتيرا، تذهب نهائيًا ...
    ومع ذلك قالت لسيدتها ولا زال شبح أملٍ لا ماهية له يقبع في صدرها:
    - عليكِ أن تقاتلي حيث تقفين يا سيدتي، غير ذلك لا تفكري بحماقاتٍ كقتل الجنين، الآن الأمر مستحيل.
    أجهشت كيت بالبكاء واضعةً يديها على وجهها، هكذا يكون الحال عندما لا يكون بين يديك إلا اليأس.
    - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
    أسند ظهره إلى جدار المعسكر المعد حديثًا شاردًا في تدريبات الجنود أمامه، كان مكتفًا يديه، انعكست أشعة الشمس على خصلات شعره الذهبية لتزداد لمعانًا ، جاعلةً عينيه الزرقاء تظهران صافيتين جداً، عميقتين تبدوان كالبحر، عقله كان منشغلاً بعنف، لقد مر يوم، المعركة لازالت قائمة بل مشتعلة، من يعلم إن كانت قد استمرت طوال الأمس بلا انقطاع ؟ من يعلم كذلك متى ستنتهي؟
    قد تستمر أسابيعًا، قد تستمر شهوراً.. من يعلم؟ ، كان موقعها وسط بقعةٍ فسيحة من رمال الصحراء بين هضابٍ ضخمة، خلف الهضاب نصبت أورتيرا معسكرها الخاص، المكان الذي تفحصه زاكس مرارًا قبل أن يشن الحرب.
    مسح أليكساندر وجهه بكفيّه ليأخذ نفساً عميقًا وقد ارتجل واقفًا قاصدًا الجنود الذين سيقوم بتدريبيهم كم أُمر إلا أنه في لحظةٍ تقف وقد طرأت فكرة مجنونة في دماغه، أخفض نظره إلى الأرض والأفكار تتدفق إلى دماغه كما الشلال:
    - " هذه الحرب حتى وإن فزنا بها لن تجلب كيت معها، ... لن تستطع أورتيرا التوغل من حربٍ واحدة إلى قلب سيلينيا الضخمة، قد تسيطر على مقاطعتين على الأكثر فقط إن حالفنا الحظ.. ، الأمر الذي سيولد مزيدًا من الانتظار، والله وحده يعلم ماذا قد يحصل.. - توقف دماغه عن العمل لبرهة وأردف فجأة بصوتٍ عالٍ بعد أن رفع رأسه: أجل هذه هي!!"
    صرخ وقد دب الحماس في أوصاله إلى نيكولاس الذي أصبح فردًا من اعائلة الآن، والذي كان يتوسط مجموعةً من الجنود يشرح حركةً دقيقة في فن المبارزة:
    - نيكولاس، طرأ لي عمل، سأدع تمارين المبارزة عند امتطاء الخيل عندك، آسف ، قم بها من أجلي.
    لم يترك فرصةً لنيكولاس أن يتحدث، ركض خارجًا من المعسكر فوق فرسه الأبيض متجهًا إلى مملكته التي تستغرق من طرقه المختصرة مسافة الخمسة عشرة إلى العشرين دقيقة فوق ظهر الحصان عدوًا.
    ربط سرج حصانة عند أحد أشجار الحديقة الخلفية لقصره في مملكة كاميليا، بالطبع لم يدخل من البوابة لأمامية، لأنه لا ينوي أمرًا هينًا، صعد متجهًا إلى غرفته من سلم الخدمة الخاص بالخدم، أفزع بعضهن ، لم يتوقعن أن يصادفن الأمير، خصوصًا وأنهن كنَّ يتحدثن للتو عن كيف ازداد وسامةً بعد أن اسمرت بشرته، لكن أليكساندر لم يكن ينصت، دماغه كان مشغولًا جدَا، دخل إلى غرفته عابثًا بالخزانة يبحث عن أي ملابسٍ قديمة، بالية، ولكن من أين يمتلك أمير متطلبًا كذلك؟
    مسحه وجهه بكفيه صعودًا إلى شعره الذهبي، وقد جلس على طرف سريره مسندًا كوعه الأيسر على فخذه ويده تمسك جبينه، يفكر بعمقٍ كيف يستطيع الحصول على رداءٍ كرداء العامة، كيف يتسلل إلى السوق الشعبي لاقتناء بعض الملابس، مملكة كاميليا بأكلمها تحفظ تفاصيل وجهه وغدت مملكة أورتيرا كذلك تقريبًا، وفجأةً باغت دماغه العاصف البسانيّ بزغز لينهض قائلًا:
    - لن أجد أفضل منه!
    وقف مسرعًا بعد أن أخذ من بين ملابسه خنجرًا كان يخبئوه، دسه في سترته الزرقاء التي كان يرتديها نازلًا مرةً أخرى من سلم الخدم مرعبًا بعضهن، أسرع مغادرًا إلى البناية المنفصلة والتي تبعد عن القصر بعض الكيلو مترات إلى جانب الاسطبلات.
    كان هناك بناء من طابق واحد يختبئ خلف مجموعة أشجارٍ في إحدى جوانب حدائق القصر ، بالقرب من الاسطبلات الخاصة بالعائلة الملكية حيث فرس أليكساندر، وقف أمام الباب الخشبي لذلك البناء، كيف سيفاتح بوغز؟ وماذا سيخبره؟ لطالما كان بوغز بمثابة الجد له، لقد كان موجودًا منذ كان والده طفلًا، كان يخدم في الجيش أيام حكم جده، ولولا أصابةٌ قد أعمت إحدى عينيه لكان الآن لا يزال كذلك ببنية جسمه القوية والضخمة، على الرغم من كبر سنه إلا أنه نشيطٌ جدًا كأنه في الأربعين من عمره بينما هو يناهز السبعة والسبعين!، لم يرضى بوغز أبدًا أن يغادر الجيش، لم يرضى أن يصبح أحد العامة بعيدًا عن الحاكم، لذلك طلب من حاكم كاميليا الذي كان جد أليكساندر أن يسمح له بأن يعمل بستانيًا للقصر على الأقل، إنه أكثر من يعلم بمسيرة حياة كارل ناهيك عن حياة أليكساندر.
    بعثر أليكساندر خصلات شعره الذهبية بتوتر قبل أن يسمع صوتًا خشنًا خلفه:
    - يبدو أنك مقدم على شيء خطير لتقف عند بابي مترددًا هكذا.
    استدار إليه ألكساندر وعلى وجهه ارتسمت تعابير من قبض عليه ملتبسًا بأفعال شغل، بعثر شعره قائلًا:
    - كالعادة .. تكتشفني دائمًا.
    تقدم بوغز، رمادي الشعر، عريض المكبين، طويل القامة، حتى أنه أطول من أليكساندر بثلاثة أشبار، له شاربٌ كثيف ولا لحية له، كان يحمل أغصانًا لأشجارٍ قد قلمها لتوه، وضعها وسط صندوق خشبي مرمي بالقرب من منزله، قائلًا:
    - ماذا تنوي فعله هذه المرة غبر الاختباء بمنزلي هربًا من الدروس المكثفة؟ - وضحك وهو يستعيد ذكرياته مع أليكساندر الطفل الكاره للدراسة -
    ضخك أليكساندر بدوره، وهو يلعب بقدميه بحفنة أوراقِ شجرٍ يابسة على الأرض دون أن يرفع رأسه، أردف بوغز قائلًا وقد جلس على طرف سورٍ من الطوب الذي يحيط بساحة منزله البسيط:
    - أخبرني، .. لا تقلق لن أخبر أحدًا
    تردد أليكساندر قبل أن يفتح فمه قائلًا:
    - أردت أن أستعير منك بعض الملابس لكـي... - انعقد لسانه فجأة، لم يستطع أن يقول ما يدور في ذهنه، ووجد نفسه يبحث عن أعذارٍ يخفي بها فعلته، وهو يرجو ألا تفضحه تعابيره: لكي آخذ جولةً في أحياء كاميليا، لقد انشغلت بالحرب في الآونة الأخيرة، وأهمت دورة التفقد الأسبوعية.
    نظر إليه بزغز بعينه السوداء الوحيدة مطولًا قبل أن يجيب بالإيجاب، وكأنه كشف كذبة أليكساندر قطعًا، لكنه فضل عدم الجدال حول ذلك، مما جعل أليكساندر يزدرد ريقه بصعوبة متوترًا.
    دخل بوغز إلى منزله البسيط وتبعه أليكساندر إلى داخل فناء البناء، ماسحًا قطرات العرق عن جبينه، وقد عض شفته السفلية بقلق.
    لقد شعر بخطورة ماهو مقدم عليه، إنه الجنون بحد ذاته، وعلى قدر حماسه الذي يشتعل بداخل أوصاله، كان الخوف يدب في أقدامه التي وبشكلٍ غريب أخذت ترتعش، ليس نقصٍا بالشجاعة، ولكنها طبيعة الإنسان إن كان مقدمًا على أمرٍ يفوق مجرى رؤيته، إن الشجاعة تكمن بالإقدام على السير في خطٍ مستقيم مهما حاولت قدماك أن تثنياك عن الطريق.
    مرت بضع دقائقٍ حتى خرج بوغز فاتحًا الباب على مصراعيه قائلًا:
    - تفضل بالدخول، ألن تستبدل ملابسك هنǿ
    - أوه، بلى.
    تقدم أليكساندر حتى دخل إلى غرفة المعيشة التي يأخذ إحدى زواياها مطبخٌ مفتوح، و في زوايا أخرى أبوابٌ خشبية متعددة لغرفٍ مختلفة.
    مد بوغز إلى أليكساندر بنطالًا أسودًا ضيقًا وقميصًا أبيضًا، إنه زي الخدم الخاص بمختلف القصور، وكأن اللونين أولائك قد عدا ليكوناللخدم في أي مكان بالعالم، نظر أليكساندر بدهشة، إن بوغز مخيفٌ فيما يتعلق بالتنبؤ.
    قال بوغز:
    - ظننت أنها قد تكون أفضل ما تحتاج إليه، وأيضًا أظنك قد تحتاج إلى هذه بشكلٍ خاص - ثم ناول أليكساندر عباءةً سوداء لها غطاء رأس -
    نظر إليه أليكساندر غير قادرٍ على نطق شيء، ابتسم بوغز قائلًا:
    - لقد أصبحت راشدًا، وعلى الراشدين القتال دفاعًا عن أملاكهم، انتبه إلى نفسك.
    ووضع يده الضخمة على كتف أليكساندر، ليقول الأخير مبتسمًا وقد دبت قوةٌ غريبة في داخله:
    - بالتـاكيد!، شكرًا لك.
    أخذ الملابس واتجه إلى دورة المياه التي يعرفها جيدًا، فقد كان يسكن هناك طوال طفولته تقريبًا، بدل ملابسه بما أعطاه بوغز، ارتدى العباءة على كتفيه ووضع الغطاء على رأسه بحرص، تأكد جيدًا من أن شكله لن يكون واضحًا، ثم خرج من منزل بوغز مسرعًا إلى الحديقة الخلفية، حيث تقف فرسه اليضاء، ولكي يبعد عنه الشبهات لأطول فترة ممكنة، أخذ فرسه وأدخلها إلى اسطبلها مبدلًا إياها مع فرسٍ بندقيةٍ رفيعة، بعد أن تفحص سرجها، ثم غادر بها عدوًا متوغلًا وسط الغابة باتجاه الغرب، حيث ستغيب الشمس بعد بضع ساعات خلف جبال سيلينيا.
    ______________________________





    يتبع ...

  18. #257
    .
    .

    ظهر التعب جليًا على تقاسيم زاكس الذي لم يتوقف عن القتال لساعاتٍ متواصلة، ولأن الأجواء كانت غريبة جدًا في تلك البقعة حيث الليل قارص البرودة بينما الأجواء حارقة جدًا فترة الظهيرة كما يحدث الآن وسط المعركة.
    لم يرى زاكس إدوارد أبدًا إلا بداية المعركة خلف الملازم ويليام الذي كان يقاتل زاكس منذ تلك اللحظة حتى الآن في فترات متقطعة، كانا قد تركا الأحصنة منذ مدةٍ لا تقل عن أربعة ساعات، لم يصب كلاهما بخدش واحد، إلا إن الإرهاق كان باديًا وبصورةٍ كبيرة على كليهما، أضعف من حدة قتالهما إلا أنهما بالتأكيد يؤمنان ظهريهما لدا جنيدهما وإلا أرديا قتله.
    نطق شابٌ في مقتبل العمر يحمي ظهر زاكس وهو يلوح سيفه ببراعةٍ صادًا هجماتٍ من جنود سيلينيا طاعنًا ما استطاع منهم:
    - سيدي، بدأ الجيش بالتعب، إن قوتنا تضعف، لست أرى إلا ربع رجالنا الآن، إن جيش سيلنيا لا يتوقف عن التقدم.
    ضحك وليام كمن ضمن النصر لا محالة، بينما صرخ زاكس وهو يوجه سيفه إلى عنق وليام:
    - اصرخ للجنود ليكونوا صفًا واحدًا، يجب أن توقفوا سيلنيا عن التوغل!
    صد وليام هجمة زاكس بعنفٍ وقد دب حماسٌ مفاجئٌ بين أوصاله ليقول ملئ فمه مشيرًا إلى الجيش من خلفه:
    - اهـــجـــمــــــوا مـــا اســـتطـــعتــم!
    بدا الوضع سيئًا جدًا، أورتيرا مقبلة بالفعل على خسارةٍ فضيعة بينما سيلنيا تزداد قوتها مع كل ساعةٍ كأنها تستمر بالتجدد دون توقف، إلا أن أمرًا كهذا لم يكن ليخفى على زاكس الذي وضع لكل شيءٍ حسبانه.
    على بعد يارداتٍ قليلة، كان آرثر يقاتل لأول مرة، كان مضطربًا في بادئ الأمر حين غرس سيفه لأول مرةٍ في صدر بضع رجالٍ ورآهم أمامه يتهاوون على الأرض قتلى، إلا أن رائحة الدماء سرعان ما اعتاد أنفه عليها حتى مع كونه لا يزال يشعر بالرغبة في التقيؤ.
    كان يتصارع بعنفٍ مع رجلٍ قويٍّ من جيش أورتيرا، لأول مرةٍ يشعر بقيمة حياته، تلك التي لم تعد تهمه كما توقع، لا يعلم لما لا يستطيع أبدًا التفريط بها مع أن فرصةً مثالية أمامه الآن، صد الهجمات ببراعةٍ وصعوبةٍ في آن واحد، صحيح أنه قوي البنية من أساس ، إلا أنه لم يتقن المبارزة إلا قبل بضعة أشهر، الأمر الذي يعد ما يفعله الآن يعد انتحارًا، صد هجمةً جاءت عن يمينه، ورأى أمام عينيه الجندي الذي يحرس جانبه الأيسر قد هوى من فوق حصانه مقتولًا، الأمر الذي سنح فرصةً لعدوه أن يجد الثغرة المناسبة في أن يطعن سيفه في كتف آرثر الذي صرخ مفزوعًا متألمًا، سحب جندي أورتيرا سيفه وهم به على عنق آرثر الذي كاد يفقد توازنه، إلا أن الملازم وليام الذي كان رافضًا فكرة انضمام آرثر، ركض مسرعًا صادًا الهجمة ملئ قوته، ليسقط المبارز من على فرسه أرضًا، على الرغم من أن الملازم وليام لم يكن يمتطي فرسًا إلا أنه استطاع أن يقاتل بكل قوته وبكل ثقة، فقد كان ضخم الجثة، لا يشكل وجوده على الأرض فارقًا كبيرًا.
    التفت مجموعةٌ من جنود من سيلينا حول الملازم وليام والأمير آرثر الذي أمسك كتفه متألمًا منحنيًا إلى الأمام، قال الملازم آمرًا بعض الجنود:
    - خذوا الأمير آرثر إلى وحدة العلاج فورًا.
    في تيك اللحظة، وعلى الرغم من أنها فرصة ذهبية لزاكس في أن ينقض على اللازم وليام إلا أنه رأى أن تطبيق الخطة الثانية في هذه الأثناء هو القرار الأسلم والأكثر حكمةً، حيث سيلينا تكون منشغلةً بنشوة النصر.
    ركب فرسه السوداء متراجعًا إلى داخل جيشه مما أعطى رسالةً إلى جنود أورتيرا إلى الانسحاب خلفه، موهمين سيلينيا بالنصر، ليتفاجأ جيش سيلينيا الذي منذ لحظةٍ فقط وقف يهتف فرحًا، بجيشٍ يضعف سابقه عدداً بكامل طاقته ونشاطه بقيادة مايك.
    أجل كانت هذه الخطة، المواصلة بجيش أعظم لم يقاتل وأخذ كفايته من الراحة والانتظار.
    __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
    في تلك الاثناء، وقريبًا جدًا من أرض المعركة، كان أليكساندر يقف فوق هضبةٍ يرى منها كل ما يحدث في أرض المعركة، مغطيًا رأسه بغطاء العباءة السوداء.
    رسم في مخيلته الطريق إلى سيلينيا دون المرور إلى أرض المعركة، ووجد طريقًا مثاليًا مختصرًا، إلا أن تعزيز الحراسة أمام حدود المملكة سيكون هائلًا ولن يكون هناك سبيل للدخول من أحد أحياء سيلنيا الفقيرة فبالتأكيد توجد حراسة كما أن لا وقت أمامه فهو يحتاج أن يذهب ويعود خلال فترة الحرب بقدر المستطاع، ولكن كيف سيكون ذلك؟ كيف يستطيع المرور من بين حدود الحراسة لسيلنيǿ
    عض شفته السفلية شارد الذهن كما يفعل كل مرةٍ حينما يفكر بعمق طارحًا الكثير من الاسئلة في دخله:
    - " كيف سأدخل الآن؟ سيكون انتحارًا أن أدعي أنني تاجر أو رحالة، بل سأجذب الانتباه، يبدو أن سيلنيا بنت الحصون من هذه الجهة، ويستحيل أن أذهب من جهة الشرق، سيستغرق الأمر ثلاثة أسابيع تقريبًا. - هدأ قليلًا ليردف بصوتٍ يسمعه فقط: ليس أمامي إلا أن أدعي أنني أحد جنود سيلنيا، يبدو أنني مضطر إلى الاقتراب من أرض المعركة لأسرق زيًا "
    وجد نفسه يضحك بصوتٍ عالٍ على طريقة تفكيره ليقول بعد أن نزل من المنحدر الشديد باتجاه حدود المعركة:
    - يبدو أنك بدأت تجن يا أليكساندر!
    رأى على بعد جبلين منه معسكر أورتيرا يعج بالجرحى .. يستطيع أن يميز الأمير زاكس الذي كان واقفًا يتحدث مع أحد القادة بينما يقف طبيبٌ إلى جانبه يعالج بضع جروحٍ أصابت كتفه الأيسر، شعر أليكساندر برغبةٍ شديدة في الدخول في أرض المعركة الآن، ولكن ما كان مقدمًا عليه ثناه عن فعلته ليسلك طريقًا بين الأشجار مبتعدًا قدر استطاعته عن معسكر أورتيرا، حتى اقترب بعد أن خاض طريقًا وعرًا مختصرًا مدة خمسة عشرة دقيقةٍ متواصلة من معسكر سيلنيا، ولكن بالطبع يستحيل أن يقترب بشكلٍ واضحٍ هناك، سيكتشف لا محالة، وقد يعد جاسوسًا ، مما يجعل الوضع أصعب، بل قد يقتل فورًا حيث يوجد.
    عض أليكساندر شفته السفلية بعد أن أدرك جديّة الموقف وخطورته، أبعد فرسه بين الأشجار مختفيًا قدر المستطاع عن الأنظار، مقررًا أن ينتظر قرابة العشر دقائق مرور أحد الجنود في هذه البقعة، وإلا سيضطر إلى فعل الأمر المتهور جدًا، ألا وهو دخول أرض المعركة وسحب أيّة جثة يراها على الأرض، أجل إنه يتحول إلى مجنون إن أراد الوصول إلى شيءٍ يريده.
    من حسن حظ أليكساندر، مر رجلٌ من جنود سيلنيا ليلقي ماءً ملوثًا بعد دماء الجرحى، معطيًا أليكساندر ظهره، والذي انتهز الفرصة ليضرب مؤخرة رأس الأخير بحجرٍ بحجم أرنبٍ بري، ليسقط أرضًا مغشيًا عليه.:
    - عذرًا ولكن علي أن استعارة هذه.
    أخذ عباءة الجندي الحمراء، المنقوش عليها شعار سيلنيا باللون الأبيض، مرتديًا إياها بعد أن دس العباءة السوداء بداخل حقيبةٍ كان قد وضع فيها بعض الطعام للطريق، أخذ بعض الدروع كي يتقن دوره بلا ثغرات، وعندما هم بالمغادرة تذكر السيف الذي كان مثبتًا في خاصرة الجندي، ليرجع إليه ويثبته على خاصرته، ويمتطي حصانه إلى حدود سيلنيا مبتعدًا قبل أن يكتشفه أحد، وبالفعل، وصل بعد ساعةٍ ونصف من الطرق المختصرة ونزول الأودية، والكثير الكثير من برك الوحل التي ولأول مرةٍ يشعر بالامتنان لها، فقد أعطته ايحاء الذي حارب بصعوبةٍ ليستطيع الخروج من حربٍ مشتحنة.
    لم يتوقع أن يرى حراس سيلنيا يغلقون الطريق أمامه على الرغم من ارتدائه لزيّ الجيش:
    - " أوه سحقـًا، ليس ذلك... يفترض أن يفتحوا الطرق لا أن يغلقوها، ما هذه الورطة.."
    تقدم رجلٌ قد اتضح بأنه قائد حرس هذه المنطقة استنادًا على الشارات أعلى كتفيه، قال مقطبًا حاجبيه الكثيفين:
    - ما الذي يعيد جنديًا من أرض المعركة؟
    ووجد أليكساندر نفسه يختلق كذبةً حاول بقدر المستطاع أن تبدو حقيقية، غير واثقٍ من مقدرته على تحمل عواقبها:
    - إنني أحمل رسالةً هامةً إلى الحاكم.
    - ومن الذي أرسلك؟ وجهك لا يبدو مألوفًا!
    تعرق جبين أليكساندر واضطرب تنفسه، إنها ورطة حقيقية، إلا أنه مثلّ الاسترخاء ولحسن حظه أنه أتقنه قائلًا بعقلانية:
    - أرسلني الأمير إدوارد، ومن الطبيعي ألا تحفظ وجوه آلاف الجنود ياسيدي، والآن أفسح لي الطريق، إنني في عجلةٍ من أمري.
    قطب قائد الحرس ذاك حاجبيه مرةً أخرى في شكٍ إلا أن كذبة أليكساندر قد أثمرت بنجاحٍ لتفتح البوابة الحديدية من أجله، مما جعله يصل إلى قصر سيلينيا بسلام.
    - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
    عند أرض المعركة، وبالأخص بالقرب من معسكر سيلنيا، توغل إلى داخل الغابة رجل في أواخر الثلاثين من عمره، أسمر البشرة، كان ينادي بقلقٍ ظهر جليّا في تعابيره ونبرة صوته:
    - جـاك؟ جاك، أين أنت ، لقد تأخـ... - شهق بفزعٍ ما إن رأى المعني متمددًا على الأرض الترابية، مجرّدٌ من عباءته ودرعه وأصلحته، هزه بضع هزاتٍ صافعًا وجهه حتى يستيقظ، ليفتح جاك عينيه بصعوبةٍ واضعًا يده على رأسه مكان الإصابة، تأوه متألمًا ليسأله الرجل قائلًا:
    - ماذا حصل لك؟ أين عباءتك وأسلحتك؟
    أخفض جاك عينيه البندقيتين يتفحص فزعًا نفسه، قال ولا زال يتأوه ألمًا:
    - لا أذكر إلا أنني جئت لإلقاء المياه التالفة! ، آآه..
    قطب الرجل الأسمر حاجبيه بريبة، ساعد جاك على الوقوف، ثم ما لبث إلا وأن اقتاد جاك إلى خيمةٍ وسط المعسكر حيث نُقل آرثر وضمد جرحه الغائر بصعوبة، دخل الرجل وجاك إلى الخيمة، جلسا على ركبتيهما منكسيَّن رأسيهما، قال الأسمر بنبرةٍ خاضعة:
    - المعذرة منك سيدي على قلة كفاءتنا، يبدو أنه يوجد جاسوس بيننا، لقد جُرد جاك من عباءته وأسلحته بعد أن أصيب في رأسه بغتةً.
    كان آرثر يبدو متألمًا فقد توغل السيف بعمقٍ في كتفه الأيمن، إلا أنه وبفضل الله لم يكن في وضعٍ سيءٍ جدًا.
    أسند آرثر ظهره بصعوبةٍ إلى جدار الخيمة، ليقول آمرًا الرجل الأسمر:
    - اذهب وتفحص الجنود هنا وانشر الخبر بين بقية الجيش، إنكم قد تدربتم معًا في الآونة الأخيرة، تعرفون بعضكم جيدًا، إن وجدتم الغريب فلا تقتلوه! أحضروه لي أولًا. - سكت قليلًا ثم أردف كم تذكر شيئًا: وشيء آخر، أرسل رجلًا موثوقًا إلى حراس الحدود ليمنعوا دخول أي غريب.
    انحنى الرجل قائلًا :
    - أمرك سيدي.
    - - - - - -
    يتبع ..

  19. #258
    .
    .

    عند حراس الحدود، وبعد نصف ساعة منذ أن ذيع خبر وجود جاسوس من أورتيرا وسط جيش سيلنيا، تقدم رجلٌ بارزٌ في جيش سيلنيا يدعى " ثيو" قال وقد حيّا قائد الحراس:
    - إنني في عجلةٍ من أمري، سأكلفك بتبليغ أمرٍ إلى بقية حرّاس حدود المملكة، لقد انتشر نبأٌ عن وجود جاسوسٍ بيننا ، ولقد أمر صاحب الجلالة الأمير آرثر، ألأا تسمح لأي غريبٍ متخفٍ على شكل جندي بالدخول إلى المملكة.
    فزع قائد الحرس، وتلعثم لسانه قائلًا:
    - م.ماذ.. لحظ..لحظة، ألم يرسل الأمير إدوارد حارسًا يحمل رسالةً طارئةً إلى الحاكم؟
    قطب ثيو حاجبيه مستنكرًا:
    - رسالة طارئة؟ لا، لم أسمع بوجود أمرٍ يستدعي ذلك؟ كما أنني أظن الأمير إدوارد متوغلٌ في القتال الآن وسط المعركة، فلم أرى له أثرًا منذ بدأت! ولم أكن إلا ف الصفوف المتأخرة حتى الآن لأي ظرفٍ طارئ كما حصل الآن! ولو كان قد أرسل جنديًا يستحل أن يستطيع الخروج دون إصاباتٍ وسط الالتحام، كما أنه يستحيل أن يخرج دون أن يمر عليّ أولًا!
    قال قائد الحرس بعد أن نظر بفزعٍ وسط عين ثيو مباشرةً:
    - لقد جاء رجلٌ قبل ساعةٍ ونصف تقريبًا، مدعيًا بأن الأمير إدوارد قد أرسله للحاكم...
    صرخ ثيو آمرًا:
    - قد تكون عملية اغتيـال! أرسل رسولًا إلى القصر فورًا!!
    أمر قائد الحرس اثنين من حراسه بالانطلاق فورًا إلى القصر، بينما عاد ثيو مسرعًا إلى المعسكر، حاملًا الأخبار الهامة هذه إلى مسامع الأمير آرثر.
    - داخل قصر سيلنيا-
    كان أليكساندر يمشي في الممرات، محاولًا تذكر الأجزاء التي مرّ بها قبل ثمانية أشهرٍ ونصف تقريبًا حينما كان يبحث بجنون عن كيت كما يفعل الآن، لكن القصر كان أشبه بمتاهةٍ بالنسبة له، فكل الممرات والطرق متشابهه، ناهيك عن شكله الغريب الذي بدأ يثير شبهات الخدم، فماذا قد يفعل جنديٌ خرج من وسط المعركة الملتهبة هنǿ وحينما يأس من العثور عليها بنفسه، ووجد أنه من الحماقة الولوج إلى الغرف متفحصًا، ماذا إن ولج على غرفة الحاكم ريتشارد مثلًǿ سينتهي أمره تمامًا!
    لمح مجموعةً من الخادمات التفيّن على أنفسهن مرتابين يتظرون إليه بشك، ووجد أن خير ما يعمل هو سؤالهن مباشرةً، لذا تقدم إليهن قائلًا دون مقدمات:
    - أين أجد الأميرة كيت؟
    قالت إحدى الخادمات متجاهلةً سؤاله:
    - هل الحرب تجري بشكلٍ سيء؟ هل يحتاج الجيش إلى دعم؟ إن الملك في هذا الاتجاه، دعني آخذك إليه، أسرع!
    أمسكت ذراعه تجره خلفها إلى الجهة الغربية عن أليكساندر، لتوقفها خادمةٌ أخرى كانت أكثر تعقلًا من سابقتها:
    - لم يسأل عن الحاكم، سأل عن الأميرة كيت. - أدارت رأسها إليه قائلةً: لابد أنك في عجلةٍ من أمرك، لقد سألت عن مكان الأميرة كيت أليس كذلك؟
    أومأ أليكساندر رأسه بتوتر، كان منافيًا لخطته أن يدخل كجندي، ولكن هذا ما آل إليه الحال.
    تقدمته إحدى الخادمات قائلةً: اتبعني.
    تبعها صاعدًا درجاتٍ لسلم ضخم ليتوقف أمام بوابةٍ كبيرة داخل جناحٍ وقع مقابلًا للسلم.
    أشارت الخادمة للباب قائلةً :
    - إنها هنا. - طرقت الباب مردفةً : يوجد زائر للأميرة من الجنود.
    فتحت جورجا الباب متفحصةً القادم لتتسع عيناها العسليتان من هول ما رأت!، كادت أن تفتح فمها لولا أنها لاحظت نظرات الخادمة المرتابة، فأغلقت فمها محافظةً على هدوئها مفسحةً لألكساندر ومغلقةً الباب خلفه.:
    - كيت ...
    قال وعيناه الزرقاوتان تتوهجان بشدة كما كان اشتياقه لها يشعل نارًا في صدره، أسرع في خطواته فاتحًا ذراعيه إليها ما إن رأى وجهها ، تفاصيلها الذي اشتاقها، عيناها الرماديتان ، أنفها الصغير المعقوف، شفتاها المكتنزتان،
    كاد أن يحيطها بذراعيه بكل قوته ولكنه توقف مصدومًا، توقف وعيناه تنظران بفزعٍ إلى بطنها البارز بوضوح، .. أدركت كيت التي لم تنطق بشيءٍ من هول الصدمة ما وقعت عليه أنظار أليكساندر وما جعل تعابيره تهت تمامًا ، نظر إلى كيت بصدمةٍ قائلًا:
    - ما هذا .. ؟
    ارتعشت كيت كما لم ترتعش من قبل، جف ريقها وتصبب العرق من جبينها، لم تكن بحالةٍ جيدة أساسًا قبل قدومه، والآن حصل أكثر ما كان يخيفها، أن يراها ألأيكساندر وهي حبلى..
    تقدمت جورجا متداركةً الموقف قبل حدوث أي أمر جنوني من قبل كيت التي بصعوبةٍ هدأت بعد أن كادت قتل نفسها اليوم.
    وقفت مقابلةً لألكساندر تغطي كيت خلف ظهرها قائلةً:
    - أرجوك سيدي لا تفهم خطأً، لم يكن بإرادتها، أرجو أن تتفهم ذلك.. - ثم فجأةً وجدت نفسها تركع أمام أليكساندر مردفةً :
    - إنه خطأي بالكامل، لم أحمها كما يجب، فلتعاقبني بما تشاء إنني أستحق ذلك!
    دب قهرٌ عنيف داخل أليكساندر الذي شد على قبضته بقوةٍ عاضًا على شفته السفلية دون أن يبعد عيناه عن بطن كيت، لقد حدث أسوأ ما قد يحدث، لم يتخيل حتى أن يحدث شيء كهذا، على قدر سوداوية خيالاته الماضية، على قدر خوفه من شتى أنواع الأمور كموت كيت، أو أن تفقد الرغبة به مثلًا، لم يعتقد أن خوفه سيتفاقم هكذا ما إن يراها حبلى من شخص آخر..
    تغّير لون وجهه الذي غدا أسمرًا إلى الحمرة إثر الغضب، ولو كان إدوارد موجودًا لكان قتله بأبشع طريقة إلى أن يشفي غليله، حاول ضبط أعصابه متنفسًا الصعداء، لم يكن هذا ما يريد الوصول إليه، لم تكن تلك خطته، يجب أن يحافظ على سير خطته حتى النهاية، لقد أقدم على خطوةٍ خطرة جدًا ووضعه الآن حرج كذلك، يجب أن يسيطر على الوضع، وإن أصبح في بر الأمان يعيد التفكير فيما يحتاج.
    رفع حدقتيه الزرقاوتين لينظر إلى كيت التي كانت تحاول منع شهقاتها من الخروج،بينما دموعها تنساب بغزارةٍ على وجنتيها المحمرتين بشدة، تقدم إليها ماسحًا دموعها وقد رفع وجهها لتنظر إليه، قائلًا بألم:
    - لابد أنه كان وقتًا عصيبًا عليك، قاتلتي لوحدك.. إنني أشعر بالعار، بالعار مني.. لأنني عاجزٌ عن فعل شيء..
    أخفض عينيه إلى بطنها، كان بروزه واضحًا، إنها بالشهر السابع على كل حال، وضع يده عليه قائلًا وابتسامة ألمٍ ظهرت جليةً على وجهه:
    - كان ليصبح ابننا لو لم يحصل ما حصل.. - تنهد بضيق إلا أنه سرعان ما تذكر بأن لا وقت لديه ليردف وقد أمسك كيت التي كانت تجهش بالبكاء من كتفيها:
    - حتى وإن كان ابننًا لذلك الحقير فلست أهتم، الآن جئت لأستعيدك، يجب أن نهرب من هنا بأسرع وقت!
    نطقت كيت أخيرًا:
    - أجننت؟ كيف سنهرب والحراسة مشددةٌ في كل مكان!!
    تدخلت جورجا قائلةً بصدمة:
    - سيدي ماذا تقول؟!! ، بالأصح كيف أتيت وأنت ممنوع من الدخول إلى المملكة! إنها ملابس سيلنيا! كيف حصلت عليها!!
    نظرت كيت إلى ردائه لتقول فزعةً:
    - ماذا إن اكتشفك ريتشارد؟؟!!! أتدرك ماقمت بفعله الآن يا أليكساندر!! ستعدم!! إن عقوبة الدخول إلى مملكة مضادة الإعدام! أنسيت شروط عقد التحالف؟! كيف يغيب عنك أمرٌ كهذا وأنت أمير لأكثر مملكة مبغوضةٍ هنا!
    - لا أكترث!
    أوقفها عن حركة يديها العنفية وهي تتحدث بفزع، أمسك كفيها بيديه قائلًا وهو ينظر إلى وسط عينيها الرماديتين:
    - لقد أصابني الجنون من فرط الانتظار، إنني لا أستطيع الصبر أكثر، لن أسكت أكثر من ذلك!
    صرخت كيت قائلةً وقد انفعلت تمامًا، تغيرت عن تلك الباردة التي لا تكترث إلا تريده، خصوصًا بعد حملها أصبحت أكثر توترًا، أكثر غضبًا، أكثر خوفًا، جُبنًا، لقد ضعفت جدًا..:
    - كيف لك أن تبقى متهورًا هكذا حتى الآن!! لقد أتيت مع ذلك، وانظر إنني كما ترى حبلى! لن أستطيع تحمل الطريق على ظهر حصان!، كما أنه يصعب إخفاء ذلك، ومن أين ستتمكن من الهرب!! لقد جئت بلا تخطيط ، إنك تقدم على الانتحار !!!
    - سيدتي اخفضي صوتـك!
    همست جورجا بحدةٍ بعد أن سمعت أصوات أقدامٍ مسرعة، جفلت كيت تمامًا حينما توقفت الأصوات عند باب جناحها مباشرةً، وماهي إلا لحظات حتى فُتح الباب ليدخل جنديٌ مشهر بسيفه أمام وجه اليكساندر الذي استل سيفه بدوره مستعدًا للمبارزة والقتال وإن تطلب الأمر القيام بمذبحةٍ في سبيل الهرب بكيت فسوف يفعل، لكنه بهت تمامًا حينما تبع دخول الجندي، دخول ريتشارد الذي كان يصفق بيديه ضاحكًا، قائلًا وقد ظهرت نواجذه الصفراء بأكملها:
    - أهلًا .. أهلًا بمن زارنا
    شعرت كيت بالدوار من كل ما يحدث، أمسكتها جورجا قبل أن تسقط أرضًا مسندةً إياها على كتفها بقلق.
    كان أليكساندر يقف وجهًا لوجه مع ريتشارد، شعر لوهلةٍ بحماقة ما أقدم عليه، إلا أنه كان واثقًا، بأنها كان ليعيد الكرة مع كل مرة تسنح له فيها الفرصة، إنه حتمًا لن يندم على ما فعل ولو كلفه ذلك حياته، أن يموت في سبيل ذلك أهون عليه من أن يموت من الانتظار دون أن يقدم على ما يفترض به فعله!
    أعاد سيفه إلى غمده، لن يستطيع الآن فعل شيء مع كل الحرس الذين اقتحموا الجناح مشهرين بسيوفهم استعدادًا لأي حركة.
    نظر بعيونٍ واثقة إلى ريتشارد الذي تقدم إليه قائلًا:
    - ما أجمل أن تأتي الفريسة خاضعةً بين يدي الصياد!
    لم يحرك أليكساندر طرفًا، ظل ينظر بثباتٍ وسط عينيّ ريتشارد الخضراوتين، وفي دماغه ظلّت الأفكار تعصف عن أي طريقةٍ يستطيع بها الفرار من هذه الورطة، إلا نظرة الثبات تبددت تمامًا ما إن أردف ريتشارد وقد رسم ابتسامةً خبيثة على وجهه:
    - أراهن بأن والدك لا يعلم عن فعلتك، لأنه حتمًا لم يكن ليدع ابنه من الإقدام على أمرٍ أحمق، أتعلم أيها الشهم بأن جيشكم انتصر تقريبًا الآن؟ بالفعل لقد أذهلني استعدادكم الهائل، وهذه القوة الجبارة التي أتيتم بها، ولكن أتعلم ماذا حصل؟
    ضحك ضحكةً مجلجلة إثر انشراح صدره مردفًا: لقد قلبت الطاولة عليهم، إنني مدين لك بذلك، شكرًا لشهامتك الحمقاء.
    تصلب أليكساندر غير قادرٍ على الحركة، كان ينتظر اللحظة المناسبة التي تسمح له بالقفز من الشرفة هربًا، ولكن قدماه في هذه اللحظة لا تقويان على حمله حتى، بخ جسده عرقًا باردًا، وارتفعت الدماء إلى رأسه، لقد أفسد معركةً برمتها... لم تكن نيته أن يحدث ذلك... ووجد نفسه مع كل ما يحدث ينعت نفسه بالحمق في رأسه، وتلك النظرة الواثقة في عينيه تزعزعت تمامًا زعزعةً أحبها ريتشارد كثيرًا ، والذي قال ببرودٍ مؤشرًا للحراس من خلفه:
    - ألقوه في زنزانة انفرادية، وأمروا بإعداد مأدبةٍ ضخمة لصباح بعد غد - ابتسم بخبثٍ مردفًا: أعدوا منصة الإعدام، سيكون احتفالًا ضخمة بمناسبة قطع رأسه.

    - تم الجزء الخامس عشر. -

  20. #259
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ع¤لفت مشاهدة المشاركة
    اوي031

    مرحباً
    كيف حالكٍ
    توت؟
    ي فتاه روايتك رائعه احببتها بـ بشده هي من الرويات المفضلة لدي حقاً
    بالرغم مما فعلة ادورد لكيت الا انني احبه هو شخص جيد لكن لم يعطى فرصه
    اتعلمين لقد قراءة روايتك في مكان ما
    cheeky، وقد انهيتها في يوم واحد حقا لم استطع التوقف knockedout
    وبعدها بدأ الصراع النفسي هل اعلق هنا ام هناك ، واتيت اخيراً
    biggrin
    ربما لـ اضع حــــــجــــز ، وهكذا تنظم لصندوق الروايات التي يجب علي العودة لها
    rambo
    بما اني انهيتها ستكون اعلى القائمة بإذن الله ، لي عودة قريبة
    smokerlaugh



    أووه مرحبًا knockedout
    أصدقاء جدد ل أرجوك تزوجيني! جدًا سعيد بك
    الحمدلله على أحسن ما يرام

    اوووووووهههه أمسكتني بالجرم المشهود، أكملتها ب - المكان الما- ولم أكملها هنا laugh biggrin
    أشكرك لاختيارك هذه البقعة، سنكون سعيدين بك لاحياء ما اندثر من حيوية هذا المكان

    نتشرف بك أهلًا وسهلًا asian

  21. #260
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Amai chan مشاهدة المشاركة
    و مازلت أقول بنفسي ما الفائدة الآن؟؟؟
    بالفعل ما الفائدة هههههههههه لدي شعور أنهم بمجرد أن يعرفو بحمل كيت كل الخطط ستصبح بوضع توتر و تردد
    em_1f62b فعلا بدأت الأمور تهدأ لربما قد تكون كيت قد فقدت سعادتها
    و لكن من المؤكد أن الأمور ستسير للأفضل فقد دعو كيت تعش حياتها بسلام ...لربما ليس بسلام فعلا laugh
    طفلها بدون شك سيغير حياتها لربما ستصبح حالها أفضلا بفضله
    إدوارد يتحسن كذلك 003 لذا كم أتمنى أن تستمر الأمور فقط هكذا و حتما ستصير أفضل cry

    أهم جزئية بهذا البارت كانت جزئية نيكولاس 003 لقد انفعلت و تأثرت بكل لحظة عاشها خلال ذلك الأسبوع المشؤوم
    أتمنى أن حاله قد صارت للأفضل الآن

    هذا كل ما لدي بخصوص هذا البارت
    أعتذر عن الرد القصير و لكن مخي بحالة خمول هههههههه جلست لدقائق طويلة أحاول معه ليأتيني بتعليق ثاني على البارت و لكن ميؤوس منه laugh

    أتمنى ألا تتأخري علينا بالبارت الذي يليه
    و أخيرا تبقى أربعة فقط 003 ماذا سيحصل بالفعل؟؟؟
    لا داعي للشكر توته أنا التي علي شكرك لإمتاعي بروايتك e106 استمري
    أنتي الأفضل
    هااااييي آمممي 3>
    لا أعلم لماذا ولكنني أشعر بأنك - مهسترة - biggrin
    الحيقة أنني لا أعقب على ردودك لأنني نسيت أحداث البارت هذه ماذا كانت، وأخشى أن أجيب و - أحرق القصة بأكملها - laugh
    لكنني حقا سعيد لوجودك embarrassed

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter