فارس الظلام واميرة النور
اعتاد على جلوسه بين الكتب...يحدثها بطرف قلمه...وتحدثه بكلملتها المنقوشة على السطور....
اعتاد على مصباحه الفضي الذي كان يمكث فوق مكتبه محدقا بكتاباته طوال الوقت....
اعتاد على مقعده الاسود الذي مازال يحمله منذ ان كان شابا صغيرا في الثامنة عشرة من العمر....
اعتاد على همسة لقاء مع فنجان القهوة صباحا...وهمسة وداع مع آخر مساء....
وهكذا كان فقط مرت سنين تضم ايام وما اعتاد عليه الشاب يلازمه اينما كان....وذات مرة شعر وكان شيئا مما اعتاد عليه مفقود وغير موجود....نظر الى القلم فوجده يلتزم المقر.....اشاح بوجهه الى المصباح...فوجده بحلته الفضية وضوءه في ارجاء الغرفة سوّاح.....قرر تفقد الكرسي فوجده في مكانه غير الخفي.....امسك بفنجان القهوة فوجده عشرة على عشرة.....
اذا الكل في الغرفة..فما الذي يفلق فنان هذه العزلة؟؟؟؟
تفكّر للحظات ونظر باتجاه المخطوطات..ثم اطلق بعض التنهيدات منتظرا فنجان المساء...مرت الساعات ..وفجاة ووسط انهماكه بكتابة ما اعتاد من كلمات فُتح الباب ....كانت تلك هي الخادمة...تدخل وتخرج دون همسة لقاء او وداع واحدة...
كان ذلك الفنجان نفسه...لكنها لم تكن هي ذاتها التي تطل عليه كل يوم........
عندها ادرك الخلل..وخرج من الغرفة وصدره يملؤه الغضب والملل...متسائلاً عن التي كانت تجلب له فنجان القهوة ...اين اختفت؟؟
فاخبروه ان الحمى غزت جسمها..وفي فراش المستشفى خلّفتها...فوجئ بالخبر وعلى الفور ضرب الباب الذي كان يعترض طريقه بكلتا يديه.....وجعل المستشفى نصب عينيه...
وفور وصوله اخذ يجوب الاقسام باحثا باهتمام....حتى سالته احداهنَّ عن الذي يبحث عنه...فاجابها بان اسم من يبحث عنها يعرفه قلبه ويعجز عن ذكره اللسان....
واكمل طريقه ينظر هنا وهناك ...الى ان وجد غرفة اخيرة صغيرة...كُتب عليها ممنوع الدخول فحالتها خطيرة......نظر الى تلك الكلمات وعلى غير عادته في محاورتها بطرف قلمه...دفعها والباب بقبضته متجاهلا كل التحذيرات .....
وامام سريرها وقف وللوهلة الاولى ظن انه لن يرتجف.....لكنه بدلا من ذلك انهار وعبراته سيل حار....تنهمر على خديه لتهدا اي اعصار...
اقترب منها وجثى على ركبتيه بجانبها ونظر مطولا الى وجهها ...حاول الاستفسار منها عما حدث ..لكنها كانت ابعد بخيالها عن كل من حولها...غائبة عن الوعي ...شانها شأن اي كائن حي....امسك بيديها وبالاخرى داعب شعرها وبعينيه ذرف دموعا عنه وعنها....
دخل الطبيب الى الغرفة وسأله بلهفة وحرقة من تكون بالنسبة لها؟؟؟
اشاح بوجهه عن الطبيب بعد ان ألجم الصمت ذلك اللسان الطليق...وإليها نظر ولمدة نسي كل من حضر...حتى ظن الجميع انه في خطر......وبعد مدة طويلة قال:
انا نموذج لانسان عاش في الامان لمدة يعجز عن تصورها أياً كان...انا تجربة قد يتعلم منها الجميع عندما يعلمون انني احبس داخلي حبا كبيرا لم اسمح لنفسي باكتشافه او انني لم الحظ وجوده ..لانني كنت اشعر بالامان عندما يقترب ..لكنه عندما غاب وبعد ..اختفى الامان وتمردت نفسي على القضبان وحاولت ايقاظي من وهم الاحلام قائلةً:ايها الغريب ...الحبيب لم يظهر اليوم الا تشعر بحاجتك لوجوده قريب.....وها انا ذا يا سادة العاشق الولهان الذي لم يعرف هذا السر الا الآن اقف بين ايديكم..انظر الى نفسي والى عيوني المغلقة كيف لم ارى حبها الى الآن....
فردّ الطبيب بقول لم يتوقعه...أأنت هو فارس الظلام..فأجابه بدهشة كيف عرفت لقبي الخاص الآن ؟؟..فقال: لم تكف اميرة النور هذه عن ذكرك ..واظن انك ستبقى بالظلام..فقد سلّمت اميرتك روحها لبارئها منذ ساعات...قبل ان تنعم بسماع بعض تلك الكلمات...
لذلك من الافضل لك العودة للصفحات وخط معاناتها ومعاناتك لتنبه الآخرين قبل ضياع اللحظات......
المفضلات