][IMG]http://www.**************/imgcache/1938.imgcache[/IMG] [/]
القصة....::
كانت فكرة لقاء أبيها تلح في خاطرها بقوة , لقد أقترب عيد ميلادها السابع عشر , وهي تقريباً لا تعرف أباها
فقد إنفصل عن والدتها وهي في عامها الأول , لا تعرفه إلا من خلال صور يتيمة تحتفظ بها بعيداً عن زوج
أمها , الرجل الذي أحسن إليها , وأعدها إبنة له.
رسخت الفكرة وأختمرت , إلى أن جاء الوقت الذي أفصحت فيه عن مكونات قلبها ... كان ذلك في
ليلة باردة , وبينما والدتها مع زوجها تتسامر أمام شاشة التلفاز , قالت في تردد:
-أمي , أرجوكِ أعيريني إهتمامك برهة من الوقت , وأنت أيضاً يا أبي.
خفض والدها صوت التلفاز , ورمقها في حنان , وهتف:
-كلنا آذان صاغية يا حبيبتي.
شحب وجهها , وأرتجفت شفتيها من الخوف والتوتر , فعقدت والدتها حاجبيها قائلة في ضيق:
-ماذا يا (كاترينا) ؟
ربت الأب على كتف الأم في رفق , قائلاً في هدوء:
-أفصحي يا (كاترينا) , هل حدث مكروه لك في المدرسة؟
أومأت برأسها نفياً في بطء , وأطرقت برأسها , وتمتمت في حرج:
-بل هو أمر يتعلق بوالدي , أقصد أبي الحقيقي.
إلتقى حاجبا والدتها في صرامة , وحدجت إبنتها بنظرة نارية , وصرخت:
-من؟؟
قال الأب موجهاً حديثه للأم في حزم:
-هذا حقها يا (دورثي).
أجابته في إنفعال:
-عن أي حق تتكلم يا (نيل) , (كاترينا) الحمقاء تسأل عن الحقير الذي هجرني وهجرها
سته عشر عاماً , إنه....
قاطعها في صرامة وحدة مفاجئة:
-والدها الحقيقي ومن حقها لقاءه.
إتقدت عيناها شرراً , وتصاعدت انفاسها على نحو مقلق والكلمات تندفع كالطلقات النارية
من شفتيها:
-والدها زير نساء أصيل , لايشرفها رؤية وجهه الكريه , حمدلله على اننا نحيا بعيداً
عن نزقه وفجوره , إنه سافل , وضيع , منحط و...
هب الأب من الأريكة صائحاً في شدة::
-هذا يكفي يا (دورثي) , كل ما قلته لايغير من الواقع شيئاً , السيد (دوجلاس) والد (كاترينا)
ولا يجوز إهانته أمام إبنته.
تصببت (كاترينا) عرقاً وهي ترى والدها-زوج أمها- يتشاجر مع والدتها على هذا النحو القاسي , وتمنت
التدخل بينهما , لكن خوفها الغريزي من أمها , وقف حائلاً دون ذلك , فأكتفت بدور الكومبارس الصامت ,
والمناقشة الحادة مستمرة , حسمها أخيراً عبارة قوية , حماسية قالها الزوج في حزم , وهو يرمق
(كاترينا) في حنان قوي , وعاطفة مشبوبة:
-القرار لـ (كاترينا) فقط , وأنا أجبرها الأن على مقابلة أبيها.
شهقت الأم , وتمتمت بدموع عينيها:
-تجبرها... أنت...
أجابها في صرامة , برأس مرفوع في شموخ:
-نعم.. أنا.
وقفت (كاترينا) في بطء , ونظراتها المندهشة تتطل جلياً من خلف أهدابها الطويلة , نحو والدها ,
نظرات تحمل من الإمتنان , أضعاف ما تحمله من الحب , أدركت في هذه اللحظة , أي رجل هذا,
بل أي إنسان هو , ووجدت نفسها تندفع نحوه وتتعلق بعنقه في حبور , في حين إنسحبت الأم
باكية , مقهورة , وتوارث خلف باب غرفتها , تجر أذيال الهزيمة.
أجهشت (كاترينا) بالبكاء , وتركها والدها تسكب إنفعالاتها على صدره وهو يقول في
لهجة تحمل حنان الدنيا كلها:
-ليس هناك إنسان يحرم إبن من رؤية والده , حتى لو كان والده سفاحاً قاتلاً , الأبوة
إحساس رائع , لن أحرمك من تذوقه.
وضمها إلى صدره...
************************************
في اليوم التالي بدت والدة (كاترينا) عصبية للغاية , لاسيما عندما قالت لها (كاترينا)
"صباح الخير" فأنفجرت مشاعر والدتها المكبوتة منذ الليلة الماضية , وهي تصرخ في وجهها ,
وترمي أطباق الإفطار رمياً على المائدة:
-عن أي خير تتكلمين , وأنت تصيرين على رؤية ذلك الحيوان...
إرتجفت شفتي (كاترينا) , وتحفظت على وصف والدها بالحيوان , فحملت حقيبتها المدرسية وركضت خارج
المنزل...
وفي المدرسة لم تجد شخصاً تروي له ألامها سوى صاحب الإحساس الدافىء , والصدر الحنون
(جون مارتيل) , وجدته يقرأ كتاباً كعادته كل صباح في ركنه المفضل بعيداً عن الجميع ,
أسرعت إليه ودموع عينيها تسبقها , جثمت أمامه دون إستئذان , قائلة::
-(جون) أنا في حيرة من أمري.
دُهش (جون) من موقفها الباكي , فأزاح كتابه جانباً وسألها في قلق:
-ما الأمر؟؟
بكت وهي تشرح له ما حدث الليلة الماضية من نقاش حول ضرورة مقابلة أبيها , متجنبه
الحديث عن الشجار الذي إندلع بين أمها وزوجها , و(جون) يصغي إلى حديثها في إهتمام
وإشفاق , حتى إنتهت والدموع تبلل وجنتيها , وشهقاتها تندفع من صدرها آهات مؤلمة.
رسم (جون) على شفتيه إبتسامة العذبة , وأخرج منديلاً ورقياً مسح به دموعها وهو
يهمس في حنان ورفق:
-لماذا البكاء يا عزيزتي , أنت تتمنين رؤية والدك , وأمك محقة بعض الشيء في منعك
لماذا تخلى والدك عن أمك سنوات طويلة , لهذا تحسبك أسقطته من ذاكرتك , وحين جاهرت
بأمنيتك , صدمت أمك , لاسيما أن هذا الطلب جاء مفاجئاً لها , وليس مفاجئاً للسيد (نيل)
تمتمت (كاترينا) مطرقة الرأس , وآثار البكاء على نبرة صوتها::
-ما رأيك أنت؟
لمس وجينتها بكفيه وهمس:
-إرفعي وجهك , أنتِ لم تطلبي أمراً يلحق العار بكِ , ذلك والدك , ويجب أن تذهبي للقاءه
حتى لو غضبت منك والدتك.
هزت رأسها نفياً , وتمتمت:
-أخشى أن يطول غضبها.
داعبت أنامله شعرها الناعم , أخذ يتأمل ملامحها الحائرة المضطربة , الأمر الذي حرك وتراً
حساساً في فؤاده , قال بعد صمت طويل:
-سأساعدك.
رفعت عينيها إليه , ولم تدري كم أثرت فيه نظرتها تلك , لقد شعر أنه مستعد لدفع كامل
ثروته ليوقف إنحدار دموعها اللؤلؤية.
نهض في هدوء وساعدها على النهوض وهو يقول:
-بعد إنتهاء الدوام المدرسي , سنتصل به.
كان يخاطبها وراحيتها مستقرتان بين كفيه القويين , دون أن يشعر بنفسه ضغط راحتيها
وبعث المزيد من الدفء إلى جسدها , وتساءلت (كاترينا) في أعماقها أي إنسان هو , يتفانى
لخدمة الجميع بلا مقابل , ولا ينتظر حتى كلمة شكر , في نفس الوقت كتوم فيما يتعلق به ,
ولا أحد يعرف شيئاً عنه , سوى ما ذكره هو عن نفسه.
إنتهى اليوم الدراسي في صعوبة من وجهه نظر (كاترينا) , ثم أسرعت تركب سيارة (جون)
الذي كان في إنتظارها , وتحرك في سرعة.
في الطريق إتصل هو بالإستعلامات من هاتفه النقال , وطلب رقم السيد (دوجلاس ألكون)
الخلوي , فأعتذر الموظف عن منحه الرقم , ومنحه بالمقابل رقم هاتف مكتبه في لندن.
قال (جون) في حماس , وهو يقود سيارته في إهتمام:
-جيد , حصلنا على الرقم.
وتطلع لـ (كاترينا) بطرف عينيه , وعاد ينظر للطريق وأخذ يطلب رقم المكتب في هدوء ,
وأنتظر ... دقيقة , ثم التقط شخص السماعة وتناهى إلى اسماعه صوتاً رجولياً يقول في
آليه ::
-مؤسسة (ألكوت) التجارية , مرحباً بك.
قال (جون) في إهتمام:
-مساء الخير , صلني مشكوراً بالسيد (دوجلاس ألكوت).
أجابه الصوت:
-عرف عن نفسك أولاً يا سيدي.
صمت (جون) برهة , وقال في تأن:
-أخبره أن هذا إتصال من قبل إبنته الوحيدة (كاترينا ألكوت).
قال الرجل:
-عفواً يا سيدي , لا دليل يؤكد صحة ما تقول , ثم أن سيد (ألكوت) مشغول , و..
قاطعه (جون) في هدوء مثير:
-هذه حالةٌ إنسانية يا رجل , الفتاة تصر على محادثة أبيها , بضع دقائق فقط .
زفر الرجل في ضجر :
-سأفعل.
بعدها بثوان أجابه صوت يدل على عجلة صاحبه:
-نعم.. أنا (دوجلاس ألكوت).
ألقى (جون) بهاتفه النقال لـ (كاترينا) التي إلتقطته بلهفة , وسمعت صوت والدها
للمرة الأولى , فأضطربت أحاسيسها , وفاضت مشاعرها وهي تقول في خفوت:
-أنا (كاترينا).... يا أبي.
صمت والدها , ونقل إليها الهاتف صوت أنفاسه , ثم قال في برود:
-(كاترينا) من ؟
صُعقت (كاترينا)... وتمنت الموت في هذه اللحظة , وأمتلئت عينيها بدموع القهر
والأسى والمرارة , و (جون) يراقبها في صمت , دون أن يشعرها بمراقبته , لقد
إستنتج ما يحدث , وشعر به , وتألم , فعل ذلك وتمكن من إخفاءه عنها لكيلا
يعقد الأمر أكثر.
عجزت لسان (كاترينا) عن الكلام , وحارت في إختيار الكلمة المناسبة لترد بها على
هذا الشخص , الذي حطم بكلمة واحدة أمل سته عشر عاماً في اللقاء , لكنه لم
يمهلها , فقد قال ضجراً:
-أكرر وأقول ... من أنتِ بالضبط؟
ضاعت قواها عند هذه النقطة وأخفضت الهاتف وأجهشت بالبكاء , فنزع (جون)
الهاتف وتحدث مع الرجل قائلاً في صرامة::
-معذرة على الإزعاج ياسيد (ألكوت) , معك (جون ألفرد مارتيل).
هتف والد (كاترينا) في حماس:
-إبن (ألفريد مارتيل) أهلاً بك يا بني ,أي صدفة هذه وكيف حال والدك؟
ألتقى حاجبا (جون) في صرامة , وهو يقول - محافظاً على هدوءه - متجاهلاً ترحيبه:
-الأمر جدي يا سيدي , فالفتاة التي حادثتك منذ قليل هي إبنتك (كاترينا) من
زوجتك الأولى (دورثي).
أجابه في سخرية:
-ثم ماذا؟
شدد (جون) من الضغط على أذنه بهاتفه وهو يتابع:
-يجب ان تراها , فالفتاة تريد ذلك في شدة وإصرار , وأظنه من حقها ياسيدي.
هتف الأب في إنفعال:
-أتملي علي ما يتوجب فعله , أهذا ما تعلمته يا (جون مارتيل) من حياتك الماضية.
أرتجفت شفتي (جون) غضباً , لكنه تمالك أعصابه , وزفر في قوة وهتف:
-أنا أرجوك , أتوسل إليك , رأفة بالفتاة.
بدا أن الرجل العنيد قد إقتنع نوعاً ما , فقد قال بلهجة رجل أعمال , خالية من
أي ترحيب :
-حسناً , سأنتظرها في نادي (جولد سيتي) في الثامنة مساءً الليلة.
أسبل (جون) جفينه مغمغماً في إرتياح:
-وهو كذلك.
المفضلات