بسم الله الرحمان الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..
الحمد لله رب العالمين .. باعث الأنبياء و الرسل بالحق المبين .. و الصلاة والسلام على نبينا محمد و آله وصحبه اجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، و إنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله و رسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
أما بــــــــــــعد ..
أيها الإخوة و الأخوات عدنا لنلتقي في حلقة جديدة من حلقات هذه السلسلة ، و التي اسأل الله جل و علا أن ينفعنا بها ، و أن نكون من الذين قيل فيهم : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }.. فكل سبيل لا بد من الأخذ به و التمسك به حتى يوصلنا إلى هذه الجنة ..
و معنا اليوم موضوع مهم أكثر الله عز وجل ذكره في القرآن و النبي صلى الله عليه وسلم في السنة ، بل و كما قال الإمام أحمد رحمه الله : ( هذا الأمر بالدين كمنزلة الرأس من الجسد ) ، فهل هناك حياة إذا قطع الرأس ؟ . و أخبرنا الله جل و علا أن الجنة من أسباب دخولها هذا الأمر ، و تستقبلهم الملائكة عند أبواب الجنان تذكرهم بهذا الخلق .. أي صفة هذه ؟ قال عز وجل : " و جزاهم بما صبروا جنة وحريرا " .. و عليه فالجنة من أسباب دخولها الصبر .. و الصبر ثلاثة أنواع :
1 / صبر على طاعة الله جل وعلا ، و هذا أعظم الصبر .. أن يصبر الإنسان على طاعته ، على عبادته ، على صلاته ، على صيامه ، على ذكره ، على بره ، على تقواه ..
2 / صبر عن معصية الله أي أن يصبر العبد عن ترك الزنا ، عن شرب الخمور ، عن النظر إلى الحرام ، عن السماع إلى الأغاني .. يصبر على جميع الذنوب و المعاصي ..
3 / صبر إذا نزل البلاء و حلت المصيبة ، أن يتصبر العبد و يتجلد و يحتسب الأجر والثواب عند الله .. قل عز من قائل : { وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰاجِعونَ} ، هؤلاء ما جزائهم يا رب ؟ .. { أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } ..
من منا لا تنزل به مصيبة أحيانا ، من منا لا تأتيه فاجعة ، من منا لا يأتيه خبر يحزنه .. من منا ؟؟؟ .. فلننظر إلى من حولنا ! هل ترى إلا مبتلى أو مهموم أو مكروب .. فمن الناس من يأتيه مرض يبتلى به .. و هذا الحديث بشارة إلى المرضى ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين ، فقال أنظرا ماذا يقول لعواده ؟ فإن هو إذا جاءوه حمد الله و أثنى عليه فيعودان إلى الله عز وجل ، فيقول الله عز وجل : إن لعبدي علي إن توفيتـُه أن أدخله الجنة ، وإن أنا شفيتـُه أن أُبدله لحما خيرا من لحمه و دما خيرا من دمه و أن أُكفر عنه سيئاته " ، قال سبحانه : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ، فإذا أتت الكارثة و نزلت المصيبة و فقدت الأموال و ضاع الأحباب و ذهبت الصحة و العافية .. { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ..
هذا عبد من عباد الله أبو الحسن التهامي آتاه خبر أفجعه في يوم من الأيام أن ابنك قد مات .. ابنه فلتة كبده حبيبه في الدنيا ، الذي تعلق قلبه به .. ماذا يفعل ؟ هل يقتل نفسه ؟ هل يصرخ ؟ هل ينوح ؟ هل يعترض على قضاء الله و قدره ؟ .. و كان هذا الرجل شاعرا فكتب في ابنه رثاء :
حكم المنية في البرية جــاري ... ما هذه الدنيا بدار قـــــــرار
بينا يرى فيها الإنسان مخبرا ... حتى يُرى خبرا من الأخبار
جاورت أعدائي و جاور ربـــــه ... شتان بين جواره و جــواري
يروي من عاشر هذا الرجل أنه مات بعد زمن ، فرآه أحد الناس بالمنام ؛ و الرؤيا أحيانا تكون حق ، فقال له : يا أبا الحسن ما الذي جرى لك ، ماذا فعل بك ربك ، قال : رضي عني ربي و غفر لي ذنبي ، فقال الرجل متعجبا : كيف ! و ما الذي أدخلك هذا الرضوان ، وكيف غفر الله ذنبك ؟ قال ببيت شعر قلته ، فقال : أي بيت .. قال :
جاورت أعدائي و جاور ربـه ... شتان بين جواره و جــــواري
قالها راضيا ، محتسبا الأجر عند الله عز وجل .. إياكــ َ و إياكــِ أو يقول أحد منا أن المصيبة التي بي لم تحل على أحد من العالمين ، عبد الله لا تقل هذا الكلام ، فإن هناك من هو أكثر منكـ مصيبة .. اعلم يا عبد الله أنه كلما ارتفع إيمان العبد ازدادا بلاؤه ، و ازدادت المصيبة عظما عليه .. و إذا أحب الله عبدا ابتلاه .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون فالأمثل فالأمثل "، و قال أيضا عليه الصلاة والسلام : " يبتلى الرجل حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " ..
المفضلات