( لُجَّة )
ل -
لم يكُن واعيًا باقتراب الأمواج التي ما إن أدركتهُ حتَّى ألحفتهُ طبقةً فوق طبقة، غمرتهُ في المياهُ
مُجرِّدةً الهواء من رئتيه، ولعلَّ يديهِ حاولت تأديةَ الغرض بمقاومة الماء الذي كانَ قد كبَّلها رغم
سيولتهِ المُنعدمَةِ اللزوجة!
كان يُحكم إغلاق عينيهِ، لكنَّهُ وبعد أن أولَجَ كميَّةً من المياه المالحة أبصرَ بها على وسعِها.. وكأنَّهُ
يُخيف الموت بنظراتِه المستنجِدة بالحياة، ولرُبَّما لم يكفِ ذلك لإخافة الموتِ الذي استعدَّ لاستقبالهِ،
فتراءى لهُ في لحظةٍ صمَّاء أن الكون يميلُ للظُّلمة.. وأن لا شُعاع بعد هذا قادر على إضاءةِ ما حوله!
حِملٌ ثقيلٌ شَعَر بهِ على جسمِه الواهِن، وكأنَّما قد أُزجِيَت عليهِ مِرساةٌ حديديَّة صلبة، وبرودةٌ تكلَّلت
روحُه بها.. قُبَيْل أن تُفارق جسدهُ الذي نازَع الموت بغريزتهِ الشَّغُوفة بالحياة.
ج -
جرفتِ التيَّارت المُتضاربة طفلها ذو الثلاثِ سنوات، صاحَت دونما وعي.. حتَّى نفثت بُصاقًا دامِيًا!
استنجدَت باسمهِ.. ثمّ قذفت بجسدِها المُصفرِّ خلفهُ، لم يلتمس أحدٌ أبدًا استغاثتها، فالطُّيُور تغرِّد..
والوِلدان يتضَاحَكُون.. والأزواج يتسامَرُون ويلتقطون الصُّور أمام الشلَّالاتِ العريضة ذات الصُّخور
القاسية..
صيحاتٌ مُتتابِعة قطعت الجو الحميميّ في تلكَ المنطقة.. إذ رسَت أقدامُها المنزوعة على اليابسةِ
الضَّحلة.. وجمجمتهُ الصَّغيرة تُجاورها، لم يقترب أحدٌ حينها من ذلك المكان، حلَّ الشُؤم عليهِ كما يزعمُون.
ة -
تنفَّس هواءَ الجزيرةِ الاستوائي، كوبٌ من العصيرِ المُثلَّج تُحوِّطهُ يدُه اليمنى، ومجلَةٌ حديثة محصُورة
بين أصابع يدهِ اليُسرى، هيئتهُ التي مالت إلى السُّمرة جرَّاء استراحتهِ على الشاطئ سخَنَت ؛ لذا راودَهُ
حديثُ نفسٍ أخذهُ إلى تمنِّي إحاطةِ الماء به.
نفض عنهُ ما بيديهِ.. ووقف شارِعًا للاقتراب من المُسطَّحِ المائيّ، ظلٌّ هائلٌ حجب عنهُ حرارة الشَّمس
التي كانَ للتو يهنأ بها، رفع رأسهُ.. وإذا بمدٍّ هائلٍ اضمحلَّ فيهِ!
دقائق معدُودة تكفَّلت بسلبِ الرُّوحِ منه.. حتَّى جثى على السَّاحِل هامِدًا.. وكُوب العصير المُثلَّج اختلط
مع الماء ليتسرَّب لفمِه المفتُوحِ على استطاعة، لم يتلذَّذ بهِ كما يجب.
- تمَّت -
* أرجو الامتناعَ عن الرَّد..........................
المفضلات