[IMG]http://img102.***********/2009/08/03/962245982.png[/IMG]
نسمة شتاء باردة، تلك التي تنفح جسدي، و تشعرني بقشعريرة ترتعد لها فرائصي، و أنا أمشي في هذا الحي البائس كعادة ألِفتُها من عوائدي، حيث تراني في مِثل هذه الأيام أختلف إلى أماكن الدوقعة و الشقاء، أتردد على أهلها و أتفضل عليهم بما تُمِنُّ به يدي من معروف يصلح من حالهم، و لعل إصلاح الحال من شأن الله وحده، فإذا بي في إحدى المرات أدخل إلى مقبرة ذلك الحي، و هناك فوجئت بوجود شاب ينتحب على أحد القبور، كان يرتدي ثيابا رثة وضيعة لا تقيه حرّا و لا قرّا، بل توحي بأن حاله أفقر مما يكون، اقتربت منه ناظرة إلى وجهه فتفرست فيه ملامح الحزن و الأسى، وقد جفت عينه من الدمع، و تغير لون وجهه إلى ما يشبه الأجساد الميتة، ابتدرته بتحية الإسلام فرفع رأسه و ألقى عليّ نظرة حزينة تضارع الثلج في برودتها، ثم رد تحيتي ردا جميلا زاد من احترامي له، بعدها غيّر مجلسه إلى صخرة هناك فما كان من أمري إلا أن تبعته و جلست بجانبه، ثم ردفت أقول: ما قصتك أنت و هذا القبر الذي كنت تبكي أهله؟ فردّ متنهدا: ما أنا يا أختاه إلا فتًى أشقاه الدهر و لعبت بحياته الأيام … فتحت عيني على البؤس و أهواله و وجدت بجانبي أختي الصغيرة النائمة في هذا القبر أمامي، توفي والدانا و نحن في مقتبل حياتنا و لم يتركا لنا شيئا يعيننا على عذاب السنين ، حتى البيت الذي كان يأوينا صادره أحد سماسرة المنطقة؛ مدعيًا أن أبي كان يدين له بالمال، و عهدي بوالدي أنه لا يتعامل مع أناس في مثل تلك الجشاعة، لم أقدر على استرجاع المنزل وقتها فقد كنت صغيرا لا أقوى على شيء، لكن الحظ ابتسم لي عندما جمعت بعض المال من مساءلة الناس و اشتريت به عُدَّةً لتنظيف الأحذية، و بهذا ضمنت شراء قوتي وقوت أختي، كما أنني تمكنت من استئجار أحد الأكواخ العتيقة لتقينا برد هذه المدينة ، مرّت سنتان و أنا أشتغل هذه الصنعة إلى أن جاء اليوم الذي سرق فيها أحد الصبيان عُدَّةَ عملي، فعُدت إلى حياة الشوارع ، و كان قلبي يتمزق كلما سمعت أنِين ملاكي و هي تقول أنا جائعة أو بردانة، حيث كنا نأكل من خشاش الأرض و ننام على الأرصفة، فأدى هذا إلى التهاب رئتيها وصارت تبصق الدم بين الفيْنة و الأخرى، و مع أنني تضرعت إلى الناس من أجل علاجها؛ لكن وا حسرتاه على من مثل دور الأصم الأبكم ودور الكفيف الضرير، و أخذت حالتها المرضية بالتدهور مع مرور الأيام لكن رغم ذلك لم تفقد لا ابتسامتها و لا بريق عينيها. و استمرت على تلك الحال إلى أن صعدت روحها إلى السماء، و من يومها لم أدر لِمَ أو لمن أعيش، و هذه هي قصة عذابي مع غدر الزمان…
عندما انتهى من حديثه لم ألفظ ببنت شفة ، كل ما فعلته هو الرجوع إلى مضجعي و الألم يعتصر فؤادي، حاولت أن أوِيَ إلى فراشي فنبا بي و أن أستزير الغمض فامتنع علَيَّ، و ان أهدأ في مكاني فلم أستطع، و ما أن أصبح الصباح حتى عقدت العزم على زيارته لأساعده في تخطي محنته، و لكن عندما وصلت إليه راعني ما رأيت؛ فقد وجدته جثة هامدة لا تدب فيها الحياة، عندها شعرت بقلبي يتمزق لوعة وأسى و بنفسي تسيل رحمة واشفاقا،و بكيته كما لو كنت أعرفه منذ أزمان،ثم دفناه أنا و أهل هذا الحيّ البائس بجانب أخته.
و هكذا فقد سطرت نسمة الشتاء الباردة قصة هذا الشاب، لتحيي ذكراها كل حبة ثلج، و قطرة مطر، و كل هبة ريح ، و أنين فتاة تنادي : يا أخي
بقلمي...
[IMG]http://img101.***********/2009/08/03/957211733.png[/IMG]
اضافة رد مع اقتباس
المفضلات