- 14 -
اردت ماتيلدا ان تكون انيقة امام جيردم , فسرحت شعرها وغسلت عيونها بالماء البارد , وانتعلت مشاية من المخمل , ثم اتجهت نحو غرفة جيروم .
دقت على الباب ونادت عليه بهدوء , واخيراً عندما حاول بروك دفعها , دخلت بخجل , وعلى ضوء الشمعة التي بيدها , رأت السرير خالياً .
وبهذا الوقت , كان بروك قد بدأ يفقد صبره , فأمسك اسفل قميص نومها بأسنانه وتقدمها نحو السلم ولم يتوقف الا امام الباب الخارجي واخذا ينظر الى ماتيلدا ويهز ذنبه , ففتحت ماتيلدا الباب , عند ئذ انطلق الكلب كالسهم , واختفى في الظلام , وكان الفجر على وشك البزوغ , ولم تجروء ماتيلدا على المغامرة في الظلام , فعادت الى غرفتها , لكنها لم تقفل الباب جيدا و في حال عاد جيردم او فانسيـا , اما بالنسبة للكلب , فبإمكانه انتظار الفجر في الخارج .
صرخت فانسيـا عندما رماها جيردم على السرير , ورمي بكل ثقلة عليها , وضمها بعنف بحيث لم يكن بإمكانها المقاومة وبدأ بتقبيلها بهدوء على جفونها وخدودها وعنقها , وكانت عيونه تقدحان بلهيب مخيف , ثم اطبق فمه على فمها في قبلة طويلة حنونة ملحة , ففهمت فانسيـا انها تحبه , وانه اذا اعتدى عليها فهذا لن يكون رغماً عن اردتها .
وعندما اصبح اكثر عنفاً , واكثر جرأة , لم تقاومة بل اغمضت عينيها وانتظرت الى ان رفع رأسه عنها وتمتمت.
((جيردم ان احبك )).
لكن هذه الكلمات زادت من اندفاعه , فعادت وقالت له بهدوء حزين .
(( جيردم , اذا كنت تحبني , سيكون هذا رائعاً , لكنك لا تشعر بشيء تجاهي , وانا لا اريد ان اكرهك للأبد)).
تأملها جيروم بدهشة , ثم ابتسم بسخرية .
(( لن تكرهيني ! ستكوني سعيدة ! وهذا مانتِ عليه الآن ! )).
(( ليس هذا هو الامر , جيردم انه الانتقام , اليس كذالك ؟ انت لا ترغب بي , تريد فقط امرأة تشبع حاجتك , ولهذا السبب لن اتمكن من مسامحتك , ولا من مسامحة نفسي )).
نظر جيردم في عيونها ولا حظ الدموع فيها , لكنها حبست هذه الدموع , فهي لم تكن تريد ان تثير الشفقته , بالبكاء , فهي لم تفعل له شيئاً , لكنها حاولت فقط ان تنقذ صديقتها من حبائله , وهي تتكلم عن الحب ! واي حب ؟ .
لا حظ جيردم انها لا تخاطر بشيء , فنهض رغماً عنه , وسكب كأساً ثم عاد فوجدها لا تزال ترتجف والسرير يهتز بها , فأقسم لها انه لم يكن يريد اخافتها , وانه كان ضحية للكحول ولمزاجه السيء.
ما ان انهى كلامه هذا , حتى اجهشت فانسيـا بالبكاء , فاقترب وضمها اليه بحنان كما فعل اول مرة وهو يهمس بأذنها بكلمات رقيقة جداً , وكان يشعر بانفعال قوي يكبر ويكبر حتى ليكاد يمزق قلبه اذا لم يعترف لها بما يشعر نحوها , لكنه كان يعرف ان اية كلمة لن تعبر شفتيه , انه لا يستطيع الزواج من فتاة فقيرة , رغم مشاعره القوية , كما وانه لا يمكنه ان يجعل من هذه المخلوقة البريئة عشيقتة له .
وعندما هدأت , طلب منها ان ترتب ملابسها , وقال لها بأنه سيعيدها الى فندق ال ريزان .
((بإمكانك بعد كل هذا ان نعتقد بالمعجزات )) قال لها مازحاً .
(( فقد تكون والدتي نجحت في الحفاظ على لسانها ! )).
ما ان عادت ماتيلدا الى النوم حتى دخلت الخادمة وفتحت الستائر , واعلنت ان اليوم هو يوم خريفي جميل ومشمس .
(( حسناً , يالهي انا لم انم جيداً , هل ايقظتِ الآنسة نوريس ؟ )).
(( لا , ولكنني سأحمل لها فطورها وهذه الرسالة , تناولي فطورك الآن قبل ان يبرد )).
(( اذا لم تجدي الآنسة نوريس في غرفتها , فتركي الرسالة معي , وسأعطيها لها فور عودتها )) قالت لها ماتيلدا بمكر , بعد دقائق عادت الخادمة .
(( لقد خرجت , قد تكون اردت ان تغتسل الشمس الصباح لكي تنزه كلبها الصغير , سأترك هذه الرسالة معك )).
وكانت ماتيلدا تموت من الفضول لمعرفة فحوى الرسالة , وما ان خرجت الخادمة , حتى فتحت الرسالة التي كانت موقعة من جيردم .
(( لقد طلبوني لأمر طارئ , لا تقلقي , لقد رتبت كل شيء بحيث ان ديمتريا ستأتي لنجدتك , اعدك بذلك , وفكري بأميرك ! )) اعدت ماتيلدا قرأة هذه الرسالة الغريبة عدة مرات , وتركت فطورها يبرد , وكلما فكرت بهذا اللغز اكثر , كلما تعقد اكثر , ديتريا ؟ من تكون ياترى ؟ ولماذا ترافق فانسيـا الى لندن بدلاً منه ؟ يجب علي انا ان ارفق فانسيـا الى لندن , انه يتلاعب بنا نحن الاثنتين بكل بساطة .
ثم اخذت افكارها اتجاهاً آخر , جيردم كان يلاحقها وكانت تجد لذة وتسلية في ان تكون محط الانظار و الانتباه , ولكنها كانت تشعر احياناً بأنه مهتم اكثر بفانسيـا واذا تأكدت من وجود علاقة بينهم فهي ستكرهه الى اللأبد , قطع افكارها دخول الخادمة مع بروك .
(( هذا كلب الآنسة نوريس ! يبدو انه كان يركض طوال الليل ! )).
(( ابعديه من هنا , انا لا اريده , انه متسخ , قولي لعامل الاسطبل ان يغسلة وان يعيد تضميد جرحه .... سلأهتم به فيما بعد )) ثم ترددت قليلاُ وسألت الخادمة .
(( هل عاد السيد هاركورت او الآنسة نوريس ؟ )).
(( اوه , هل هربا معاً ؟ )) سألتها الخادمة بدهشة , (( كنا نتساءل .... ولكن الآنسة نوريس تبدو متعقلة ! كيف استطاعت ان تترك كلبها ؟ فهي تحبه كثيراً و يا الهي انا ....))
(( لا , لا هما لم يهربا معاً , كم انتِ غبية ! هذه الرسالة تشرح كل شيء , الآنسة نوريس خرجت في وقت مبكر لزيارة مربتها القديمة التي تسكن بالقرب من هنا , وتركت رسالة للسيد هاركورت , تشرح فيها كل شيء , ولقد ذهب هو للبحث عنها , لقد اخذت حصانه , وكما ترين حصانه ليس مطيعة مناسبة لفتاة )).
((آه )) واحمر وجه الخادمة (( انا آسفة , لقد اسأت الظن بصديقنك ولكن ...))
(( هذا ليس مهماً , دعينا لا نتكلم فيه , ايمكنك مساعدتي في ارتداء ملابسي , بما ان صديقتي ليست هنا ؟ )).
وبعد قليل كانت ماتيلدا قد ارتدت ملابسها , واصبحت جاهزة لمواجهة هذا اليوم وما يحمله من اسرار , فنزلت الى البهو على أمل ان تجد رسالة اخرى لها و لكنها لم تجد شيئاً , ولاحظت من عدم اهتمام احد بها , ان الخادمة قد نشرت الاشاعة في كل الفندق , لكنها في قرارة نفسها لم تقتنع بزيارة فانسيـا لمربيتها , ثم خرجت الى الاسطبل لتسأل مت ستكون العربة جاهزة لمتابعة السفر الى لندن , وقبلت ان تنتظر ساعه او ساعتين و ومهما كان قد حصل , فهي تريد متابعة السفر و فرسالة فانسيـا تلمح الى انها لن تتأخر كثيراً , ورسالة جيروم تلمح الى وجود انسانة لا تزال مجهولة حتى الآن ولم يظهر سوى بروك المتعب جداً والذي يبدو عليه انه ركض طويلاً.
(( ولكن آنسة لقد رحلت العربة منذ ساعات طويلة ! ولست ادري اية ساعة بالتحديد و ولكن قبل طلوع الفجر وستمر عربة المسافرين بعد ساعة )).
(( اعتقد ان فانسيـا خافت من تيرور , وان جيردم تبعها على جواده)).
(( عفواً آنسة لكن السيد هاركورت هو الذي اخذ العربة وليست الآنسة فانسيـا )).
( آه .. في هذه الحالة , الآنسة نوريس اخذت تيرور كما كتبت لي , يالهي , اتمنى ان لا يكون قد حصل لها مكروه )).
(( بالطبع لا , لأن الحصان الاسود لا يزال هنا )).
(( ماذا ؟ )) سالته بدهشة (( ولكن من اذن ... ماذا ))
بهذا الوقت دخلت عربة فخمة الى باحة الفندق , ثم اخرجت امرأة رأسها من النافذة , ولم تكن صغيرة السن , لكنها جميلة ومثيرة , ووجهها ذكر ماتيلدا بشخص ما.
(( هاي , انت )).
وكان صوتها حاد ولهجتها متسلطة تدل على شخص قد اعتاد اصدرا الاومر , فأسرع عامل الاسطبل ورفع قبعته .
(( نعم سيدتي ؟ ))
(( ابني ...هل عادر الفندق ؟ انه يدعى السيد هاركورت و ..... )).
(( نعم سيدتي , لقد رحل مع آنسة شابة صديقة هذه الآنسة )).
(( حسناً الى اين ذهبا ؟ )).
شعرت بالاهمال ,لأن السيدة دميتريا لم تنظر اليها وهي منذ ان استيقظت هذا الصباح والجميع يهملها , كما وانها تواجه لغزاً يزداد كل احظة غموضاً و وهي تشعر برغبة للعراك مع احد ما .
(( ابنك سيدتي , لم يترك اي خبر عندما رحل , لكنه بدون شك خطف صديقتي , اعتقد انهما متجهان نحو الحدود )).
صرخت دمتريا بدهشة , ووضعت يدها على قلبها .
(( خطف ؟ ابني اوه لا , لا بد انهما متحابان جداً و ...)).
وما ان اكتشف انها وريثة وغنية جداً , لاحظ انه لن يستطيع العيش بدونها )) قاطعتها ماتيلدا باحتقار .
(( انا لا يمكني ان اسمح ...))
(( سيدتي , لا انا ولا انتِ يمكننا فعل اي شيء انا اريد مساعدة صديقتي , المسكينة البريئة الرفعية , فهي لا اهل لها , والوصي عليها سيكون غير قادر على مواجهة اخاديع شاب مثل السيد هاركورت ! )).
(( ابني ..))
(( انه يكبر ضحيته بخمسة عشرة عاماً تقريباً , وهو خبير بأمور النساء , والآن , اعذريني لأن صديقة يجب ان تصل لمرفقتي الى العاصمة )).
ثم دخلت ماتيلدا الى الفندق وغاضبة , صعدت الى غرفتها , وحزمت حقائبها وعندما نزلت الى البهو , طلبت فنجان قهوة , وسألت صاحبة الفندق اذا كان احد قد سأل عنها .
(( لا احد آنسة , ولكنك كنت تتكلمين مع السيدة في الباحة منذ قليل ....))
(( هذه السيدة هاركورت , وانا انتظر ... سخصياً آخر )).
(( من اذن , دمتريا هاركورت ؟ )) سألتها صاحبة الفندق باهتمام (( ولكن مابك آنسة ؟ ))
*********************************
المفضلات