ورقة من حياتي هي إحدى الأوراق التي سقطت من شجرتي و التي احتفظت به .. ورقة و لكنها الأصعب و الأحزن بن كل الأوراق .. حتى قلمي بكى و هو يكتب هذه الورقة .. اسمحوا لي أن اكفكف دمعتين سقطت مني دون إرادة .. أحزن يوما ً في حياتي!؟ .. ما هو أصعب يوما ً في حياتك ؟! .. بسؤالها هذا وضعت يدها على الجرح دون أن تدري .. كنت أتبادل أطراف الحديث مع صديقتي في المحاضرة .. في حين كانت الأستاذة تتكلم أقصد تثرثر .. ما كنت لأعيرها انتباهي لولا ذلك السؤال .. كم كان سؤالا ً غبيا ً و كريهاً أو من قلة الأسئلة .. سألته بكل برود أعصاب و هدوء وكأنها تقول ما هو أسعد يوماً في حياتك !! كان سؤلاً عاماً بدأت الطالبات في الإجابة عليه .. فقالت إحداهن أصعب يوم في حياتها يوم نتائج الثانوية حيث لم تعجبها نتيجتها .. وأخرى محاولة إبداء الحزن أن أحزن يوم في حياتها عندما كسرت يدها لكنها الآن بخير ،، أحقاً يعتبرن هذه المواقف صعبة و حزينة يالسذاجة هؤلاء البنات .. المرء هو الذي يختار الموقف واليوم الذي يجعله بالنسبه له موقفا حزينا وصعبا .. لكن لا أظن أن هناك اصعب و احزن من أن يفقد الغنسان شخصا عزيزاً عليه .. تركتهم ودخلت عالمي سرحت بأفكاري .. سبخت في تلك الأيام و الأعوام اتذكر احداثها مواقفها ضحكاتها دموعها ، سبحت وسبحت حتى غرقت في ذلك اليوم غرقت من الحزن .. اصعب يوما في حياتي لم أسأل نفسي هذا السؤال لأني لا أعرف الإجابة .. وكيف لا أعرف يوما اتذكر احداثه بساعاته وداقائقه وثوانيه بكل لحظاته .. في ذلك اليوم الذي مر عليه 2 سنة ، كنت عائدة من سفري من رحلة العمرة التي نظمتها الدولة على حساب الشيخ زايد -رحمه الله - لمدرسة من كل الإمارات ، حيث يتم إختيار طالبات اللاتي فزن بالمركز الأول للمسرحية .. وفي يوم العودة كنت أحمل كل الأشواق التي فيها الدنيا لأهلي وصحبتي .. اتى أبي ليأخذني من مكان التجمع .. عندما رأيته حضنته وحضنني .. لكن لم يكن حضنه دافئا بل هامدا متعبا .. ودعت صديقاتي و انطلقت مع أبي و قد ترسمت على ثغري ابتسامة شوق وحنين .. عندما وصلت فتحت الخادمة الباب توقعت ان ترحب بي فهي كثيرة الكلام وصليطة اللسان .. ولكن الذي استغربته أنها لم تنطق بأي كلمه و عندما سلمت عليها لم ترد علي ، حسنا لا يهم .. دخلت الصالة حيث كانت أمي واختي وزوجة أخي سلمت عليهن اخبرتهم عن شوقي لهم .. سألوني عن حالي عن رحلتي عن أخباري .. أما بقية أخوتي الصغار كانوا نائمين لأن الوقت كان مبكرا جدا من الصباح .. أحسست ان هناك أمرا غير طبيعي .. دبت علينا لحظات صمت .. التفت إلى أمي وأختي وجوههن عابسة ما الأمر .. لم تستطع أمي الإجابة طبعا ولا حتى أختي فتمالكت زوجة اخي نفسها وقالت وقد خنقتها العبرات :لقد عدتي من العمرة و قد زاد إيمانك واصبح اقوى .. يجب علينا أن نرضى بقضاء الله و قدره .. هنا زادت نبضات قلبي .. وقفت .. ما الأمر !!!؟؟؟ لم تحملني قوامي سقطت على الأرض ما الذي حصل ؟! قالت : أختك ( أمل ) فارقت الحياة .. ماذا أمل .. لا .. مستحيل كيف يحدث ذلك .. هنا سمعت صوتا حزينا يائسا يقول : لو انك اتيت قبل اليوم لربما لحقت عليها فهي فارقت الحياة البارحة ظهرا .. لم أصق .. لم أستطع أن أصدق .. هرعت لأخرج من الصالة لم أعرف إلى أين ما أن فتحت الباب حتى وقع نظري على دراجتها الصغيرة القابعة في الزاوة .. دراجتها التي طلما حملتها عليها ودفعتها بها وتعالت ضحكاتها في كل مكان .. تبدو الآن مهجورة ووحيدة .. تبدو كالجواد الذي فقد فارسها .. احسست بيد ثقيلة على كتفي كان ابي .. قال : إن لله وإن إليه راجعون .. ماتت فماذا عسانا ان نفعل .. اصبري يا ابنتي واحتسبي .. لكني مازلت غير مستوعبة .. اتى أخي و حضنني يخفف عني محاولا خنق دمعتين كادت أن تتهاوا .. أما أنا فدموعي هي التي خنقتني وتهاوت رغم عني .. طلب من أن ادخل غرفتي وارتاح .. كنت اقول في نفسي عندما ادخل غرفة أمي سأحبها نائمة في سريرها .. دخلت غرفتي و ألقت بجسدي الهامد المتعب على السرير المتعب ليس من عناء السفر بل من هول الصدمة .. حاولت ان لا أفكر وأن ارتاح فغفوت قليلا .. عندما استيقظت احسست نفسي في عالم آخر ..كانت خالتي تقف بجانبي لتسلم علي .. عرفت انها لم تسلم علي لعودتي بالسلامة بل لتعزيني في اختي الصغيرة البالغة من العمر سنة ونصف .. هنا ادركت ان انها الحقيقة اذا اختي حقا ماتت ؟! يالسذاجة سؤال هل كنت أظن انهم يمزحون معي !!
هنا عرفت بأني لن أرى امل مرة أخرى لن ألاعبها مرة أخرى .. لن أحممها والبسها وامشط شعرها .. لن تستقبلني أمام الباب حين عودتي من المدرسة و لن أحملها بين أحضاني واقبلها ..لن نلعب معا ونركض معا لن احملها بين ذراعي و نتامل القمر معا ..كانت حبوبة رغم صغر سنها تضحك مع الجميع .. آه .. انقض اليوم وكلما اتذكراني لن أرها اجهش بالبكاء .. صعب .. صعب جدا أن لا تجد انسانا كنت تنتظره لقياه .. انسان نحبه ودعنا ويرحل ..
و اليوم اعادت لي الاستاذة هذه الذكريات .. التي لم انساها ولكن خبأتها في صندوق خاص سميته أمل .. اخرجني من عالمي و شرودي صوت قرعات احذية الطالبات وهن يخرجن معلنين انتهاء المحاضرة .. لممت كتبي واقلامي وخرجت حيث كانت تنتظرني صديقتي عند الباب .. ومشيت في هذا الممر الطويل .. أمل رحلت و لكن تبقى ذكراها ترفرف حولنا .. وكلنا راحلون ولن يبقى أحد سوى وجه ربي ..
( كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
المحبة : سوسو الشقية
المفضلات