.
.
أشرقت صباح يوم جديد .. كان صباحاً جميلاً ذا هواء منعش .. لا يحس به سوى من استيقظ مبكراً ...
تماماً كأصدقائنا في الفصل الدراسي .. والذين كانوا متجمعين قرب حافلة ضخمة ... يلملمون أغراضهم وينتظرون قدوم شخص ما ...
كانوا جميعاً .. بما فيهم الأستاذ نبيل !! يرتدون ملابس رياضية مختلفة تماماً عن ملابس الدراسة التي تعودنا على رؤيتهم بها !! ... ويحملون على أظهرهم حقائب متفاوتة في الحجم .. وأغراضاً كثيرة مختلفة وكانوا يرتدون أيضاً قبعات شمسية ذات ألوان وأشكال متنوعة ...
نعم .. إنه اليوم المقرر للرحلة المدرسية ... لقد استيقظ الجميع في الصباح الباكر وتجمعوا في المكان الذي اتفقوا عليه ... كما قد أقبل سائق الحافلة في موعده تماماً ...
لكن شخصاً واحداً فقط لم يأتي حتى الآن ... !!
نظر الأستاذ نبيل - والذي كان يبدو مضحكاً بملابسه الجديدة - .. نظر إلى ساعته وقال متضايقاً : أوووه ذلك الطفل الشقي .. ... لماذا يتأخر عن مواعيده دائماً .. نحن ننتظره منذ نصف ساعة !! ..
ردت وئام .. والتي كانت تقف إلى جانبه وبين يديها ورقة وقلم : حسب ورقة الحضور إنه الوحيد الذي لم يحضر حتى الآن يا أستاذ ...
تنهد الأستاذ .. وأجابته سارة التي كانت تقف أيضاً إلى جانبه : عدم الالتزام بالمواعيد عادة سيئة !! وأسوأ ما فيها أن التخلص منها صعب جداً .. ... ذلك الفتى إنه يغيظني دائماً ...
إبتسمت رنا وأخرجت هاتفها المحمول .. ضغطت على بعض أزراره ووضعته على أذنها وهي تقول : لا بأس سأتصل به الآن ... ^_^ ...
وبينما هي كذلك .. إذ لمح الجميع شخصاً قادماً من بعيد .. يهرول بأقصى ما يمكنه من سرعة !!
ذلك الشخص .. طبعاً .. كان سامي !! ... .. والذي وصل متأخراً وهو يركض بملابسه المبعثرة وشعره الأشعث .. مع فطيرة كان يحملها بين أسنانه .. ... لا بد أنه سرقها من عمته عندما كان خارجاً .. كان يركض وهو يصرخ بأعلى صوته : إنتظرونييييييييي أنا قااااااااااااااادم ...
كان مشهده مضحكاً جداً .. لدرجة أن الجميع انفجروا ضاحكاً بمجرد رؤيته : هاااااااااااااهاهاهاهاهاها ...
وصل سامي إلى المجموعة وهو يلهث واضعاً يديه على ركبته ...
خاطبه الأستاذ مؤنباً : ما هذا يا سامي لماذا تأخرت كل هذا الوقت ؟ ... ... يجب أن تتعلم الالتزام بمواعيدك وإلا لن تكون طفلاً جيداً ها !! ...
أجاب سامي : أنا آسف ... .. لقد ضبطت المنبه لكنني لم أنتبه لرنينه ...
ضرب حسان على كتفه وقال وهو ينظر إليه بعيون ماكرة : المنبه هاااااا ؟؟ ..
ثم أردف إياد ساخراً وهو يتظاهر بالنجابة : ما أسهل اختراع الأعذار !! ... لماذا لا تكون مثلي يا سامي .. ولداً طيباً وذكياً ويلتزم دائماً بموااااعييييييده .. .. أليس كذلك يا أستاذ ؟!! ...
.
.
وفي هذه اللحظة سمع الجميع صوت سائق الحافلة والذي كان قد جلس على كرسي القيادة .. ليناديهم قائلاً : هيا يا شبااااااب إصعدوا إلى الحافلة لا نريد تضييع المزيد من الوقــــت !! .. ...
وهكذا .. إندفع الطلاب نحو الحافلة يتسابقون على المقاعد ... أخذ الأستاذ نبيل مكاناً بجانب السائق الذي كان قريباً له في السن ... لكي يتجاذب معه أطراف الحديث ... أما بقية الطلاب فقد كانوا يتسابقون ويتشاجرون حول المقاعد ...
-- أنا سأجلس هنا ...
-- لا بل أنا .. ..
-- هذا مكاني وقد حجزته قبل أن نأتي إلى هنا ..
-- لكنني سبقتك إليه وانتهى الأمر ... ..
.
.
وما هي إلا لحظات .. حتى كان الجميع قد أخذوا أماكنهم ..
وبدأت الحافلة بالتحرك أخيراً ... وما إن بدأت بالحركة حتى تعالت صرخات الطلاب فرحاً بذلك .. هييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ..
.
.
كانت رنا تجلس في مكان قريب من سعاد .. سألتها بلطف : هل تشعرين بالسعادة ؟
أجابت سعاد مبتسمة : أجل ... ^_^ ..
.
.
أما لجين فقد كانت تجلس إلى جانب رامي .. والذي لفتت انتباهه حقيبة كبيرة الحجم ذات شكل مستطيل .. كانت تحملها لجين ... سألها قائلاً : لجين !! .. ماذا تحملين في هذه الحقيبة .. ؟
لم تجب لجين لكنها ظلت تحدق في عينيه بنظرات ذكية !!
فهم رامي ما الذي رمت إليه لجين من نظراتها تلك .. ثم التفت من جديد إلى الحقيبة .. وابتسم فرحاً وهو يقول : أووووووووه راائع .. ... أحسنت يا لجين .. !!
فغمزته لجين بإحدى عينيها ( )
.
.
أما علاء .. فقد كان مبتسماً وهو ينظر من خلال النافذة .... أخرج هاتفه النقال من جيبه .. وهو يقول في نفسه : سأتصل به ^_^ ...
.
وهكذا بدأت الرحلة المدرسية لأصدقائنا .. نحو الغابة الشرقية ... ^_^
.
.
كان مجد يجلس على حافة فراشه بملابس النوم .. فقد استيقظ للتو .. إستيقظ على رنين هاتفه المفاجئ ... فقد اتصل به علاء بعد أن انطلقت الحافلة مباشرة ..
كانت ملامح مجد حزينة جداً ومتعبة .. كان يشعر بكآبة مفرطة بسبب تعامل والده معه ... حتى أن الحزن كان واضحاً من صوته عندما كان يكلم علاء عبر الهاتف : هذا جيد يا علاء .... .. أتمنى لكم رحلة سعيدة ...
إنبعث صوت علاء من الهاتف وهو يقول بكل سعادة : شكرااا لك يا مجد تمنيت حقاً لو كنت معنا هنا ... .. بدأنا الآن نخرج عن المدينة .. نحن على موعد مع مناظر خلااااااابة في الطريق ..
كان مجد يستمع إلى صوت علاء ويستمع أيضاً إلى أصوات ضحك البقية وصراخهم داخل الحافلة .. فلم يكن يزيده ذلك إلا حسرة وحزناً ... لم يكن علاء يحس بحزن مجد فقد كان منشغلاً بسعادته ..
لم يكن مجد يحسد بقية الطلاب .. لكنه كان يغبطهم على تلك النعمة التي لا يحس بها إلا فاقدها .. وهي وجود آباء متفهمين لأولادهم ..
أكمل علاء المكالمة قائلاً بكل سعادة : حسناً يا مجد سأتصل بك عندما نصل .. ... إلى اللقاااااااااااااء ..
أجاب مجد : مع السلامة ... .. ثم أقفل هاتفه النقال .. واتجه خارجاً من غرفته الصغيرة ... وهو يقول في نفسه : تباً .... ... لقد سئمت ... .... لقد سئمت ...
أجال بصره هنا وهناك .. فلم يجد سوى جدران بيته الصغير .. الأشبه بزنزانة سجن موصدة .. لم يكن مجد يخرج من بيته إلا للذهاب للمدرسة ... وحتى في أيام عطلته كان يظل حبيس منزله الممل ... والمفتقر لأسباب الترفيه بسبب فقر والده ... كان شعوراً فظيعاً ذلك الذي أحس به .. وهو يجيل بصره في أنحاء المنزل ... وأصوات ضحك وصراخ زملائه مازالت تتردد في أذنه .. بكل قوة ....
.
.
نعود من جديد إلى الحافلة .. وهذه المرة كان كثير من الطلاب قد نهضوا من أماكنهم وتكدسوا قرب السائق .. وهم يحملون أقراصاً مضغوطة لمختلف أنواع الموسيقى والأغاني ... كانوا يتشاجرون حول نوع الموسيقى التي سيستمعون إليها في الطريق .. وكان الأستاذ نبيل في حيرة من أمره لا يعرف أي قرص سيقبل ...
فراس يمد قرصه قائلاً : أستااااااااااذ هذا النوع من الموسيقى هو الأروع وهو مناسب لجو الرحلااات .. أرجوووووك قم بتشغيله ...
تقاطعه فرح وهي تناول الأستاذ قرصها الخاص : لا لا يا أستااااذ تلك الفرقة الموسيقية سيئة جداً خذ هذا القرص فهو أفضل ...
أما الأستاذ فكان يحاول تهدئتهم قائلاً : حسناً حسناً إهدؤوا قليلاً ... .. أرجوكم يا أبنائي لا تتشاجروا داخل الباص هكذا ... .. أنتم تزعجون السائق بصراخكم ....
.
وفعلاً .. كان منظر السائق مضحكاً وهو ينكمش قرب المقود ويدور بعينيه يمنة ويسرة .. كان يرتعش خوفاً وهو يقول في نفسه : يا إلهي ... .. إنهم يزعجونني .... .. أخشى أن أفقد تركيزي في القيادة ....
لكن الطلاب لم يهتموا بكلام الأستاذ إطلاقاً .. فمازالوا يتشاجرون ويصرخون حول نوع الموسيقى التي سيستمعون إليها ..
أما سامي فقد كان جالساً في مكانه مع حسان .. بملامحه التي تدل على أنه يشعر بالملل ... قال ساخراً : هــه !! وهل سماع الأغاني ضروري في الرحلات ... ؟ .. أن نبقى هادئين أفضل بكثير .. لا أدري ماذا يعجبهم في صخب الموسيقى ... ..
لكن .. وفجأة .. صرخ الأستاذ بأعلى صوته قائلاً : هدوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووء ..
كان صراخه قوياً لدرجة أنه أرعب السائق المسكين الذي كان يجلس بقربه .. .. صمت جميع الطلاب بفعل تلك الصرخة القوية .. وفجأة ابتسم الأستاذ ابتسامة ماكرة .. وهو يخرج من جيبه شريطاً قديماً جداً ...
أدخل الشريط في المسجل وهو يقول : لا هذا ولا ذاك ... .. سنستمع إلى هذا الشريط القديم الذي يحمل أغاني كلاسيكية رائعة ... ... إنها أفضل من أغانيكم الحديثة التي لا تجلب سوى صداع الرأس ... ... آآآآآآآآه من الجيل الجديد كم هم قليلو الذوق اهئ اهئ ...
ثم جلس الأستاذ في مكانه تاركاً الطلاب وراءه يحملون أقراصهم العصرية .. وخيبة أملهم الكبيرة أيضاً .. وانبعثت من المسجل أغاني قديمة جداً ذات إيقاع بطيء ممل لا يتناسب مع المرحلة العمرية التي يمر بها أصدقاؤنا الشباب ..
شعر الطلاب بخيبة أمل كبيرة .. وعادوا إلى أماكنهم متذمرين .. وهم يصدرون تعليقات ساخطة ..
-- ما هذا يا أستاااذ ؟ .. ما هذه الأغاني السخيفة ؟
-- إنها من أغاني أجدادنا ... ... نحن شباااااب يا أستاااذ .. !!
-- هكذا سنشعر بالنعاااس وسننام قبل أن نصل إلى الغاابة ..
.
لكن الأستاذ لم يكن يستمع لهم إطلاقاً .. فقد كان منشغلاً بالاستماع إلى الطرب القديم وهو يميل رأسه ببطء يمنة ويسرة ... كان يترنم مستمتعاً بتلك الأغاني القديمة وهو يبتسم ابتسامة عريضة جداً : يااا ليييييييييل .. يااا عيييييييييييييين .. .. يا ليل يا عيييييين .. يااا لييييييلييييييييي آآآآآآآآآه .. ...
ثم قال ساخراً : شباب اليوم ينقصهم الذوق السليم .. ... هيهيهيهيهيهي ...
كل هذا .. بينما كان السائق لا يزال منكمشاً في مكانه يحاول التركيز على السياقة .. بملامح خائفة مترقبة ...
.
.
المفضلات