الصفحة رقم 1 من 10 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 199
  1. #1

    Talking هِي و هُو ... و الخوف [ رُعب ]


    9bNupP


    نحن لا نستطيع رؤية أشياء كثيرة، فهل يعني ذلك أنها حقا غير موجودة ؟
    أحيانا من الأفضل لك أن تعتقد ذلك أو يتوجب عليك اغماض عينيك و صم أذنيك حتى تحافظ على سلامة عقلك .. لكن أسرع بذلك فكثير منا يغمض عينيه بعد فوات الأوان فهو بالفعل على شفير الهاوية ! .
    هكذا هي الحال إذا ما كنت تريد العبث مع شيء كهذا.. شيء أنت بالفعل لا تصدق بوجوده إلا أنه موجود .

    6wsCm6


    رحلة جديدة ، ومنزل جديد
    Part: 1


    " مذكرتي العزيزة ؛ لقد عادت أيام الخريف الباردة لزيارتنا من جديد ، أتمنى أن تكون اطلالتها هذه السنة أفضل من المرات الماضية ، أنا أحبك عزيزي الخريف ولكن ... حسنا ولكن أنت في الحقيقة تحمل لي كل مرة شيئا سيئا ؛ على كل حال ليس لدي الكثير لأكتبه هذه الليلة فأنا لم أغادر المنزل سوى للمدرسة ، لقد أردت أن أودع أصدقائي وكل الزملاء وبذكر هذا ، الفصل الدراسي على وشك الانتهاء وتنتظرني مذاكرة طويلة ، أتعجب أني مازلت أملك الوقت لأدون أحداث يومي .
    ربما هذا شيء جيد ، في النهاية ليس لدي أصدقاء أروي لهم ما يحدث معي ، وإذا استمر الأمر هكذا فبالتأكيد لن أحصل على المزيد منهم ، لا بأس .. ليس لأن الأمر يعجبني ولكن على الأقل أنه يساعد أبي ..
    وبذكر الأحداث ، لعل الخريف هذه السنة يحمل لي بين ثنايا أوراقه شيئا جديدا يكسر طابع الملل المسيطر على روتين حياتي ، لكم وددت أن تطول اقامتنا هنا بضع شهور أخرى ، لربما حملتني الصدفة إلى لقاء أخر مع ذلك المجهول صاحب قلم الفحم ... .
    أوه ، مذكرتي العزيزة ، أمي المسكينة تقوم بكل العمل لوحدها وأنا أتكاسل هنا ، أتهرب من مسؤولياتي ، ويبدوا أن ضميري النائم قد عاود الاستيقاظ ، ما يدفعني لمفارقتك الآن ، ولنا تكملة في ليلة أخرى ... " .

    كان ذلك أخر ما كتبته قبل أن تسجل التاريخ و التوقيت بخط مائل للأعلى كما هي العادة في كل الأوراق السابقة ، ابتعدت ببطء عن الكرسي الخشبي ولونه الدافئ إذ سيطر البني على أغلب أثاث الغرفة الفسيحة أو ... ما تبقى فيها من أثاث .
    في الطابق السفلي لهذا البيت المتواضع ، عمت فوضى كبيرة مكونة من عدد هائل من الصناديق الورقية ، بعضها قد تكوم تحت الدرج و قبالة الباب الرئيسي للمنزل ، و البعض الأخر انتشر بفوضوية في أرجاء الصالة ، كما انتشر الأثاث و مقتنيات المنزل بصورة تدفع لذهن الناظر أنهم حقا يستعدون للانتقال من هنا .
    صوت تصادم الأطباق و أدوات المائدة المعدنية يملأ المطبخ حيث كانت تلك السيدة تقف أمام المغسلة ، تتحرك على عجل لتنهي العمل بين يديها و تنتقل للأخر ، في محاولة لإتمام أكبر جزء من الأعمال المتكومة قبل أن ينقضي ما تبقى من الليل .
    أطلت الشابة ذات الشعر البني الفاتح – والذي اختلط ببعض الخصل النحاسية المشرقة – من زاوية الباب لتتمم بصوت متذمر : أمي ، ماذا تردين أن أفعل ؟ .
    استدارت السيدة نصف استدارة و يديها ما تزال تقلب القدر على النار : إيـفي ، هل أنهيت توضيب غرفتك ؟ .
    ــ : تقريبا ، لقد أنهيت الجزء الأكبر منها ..
    ــ : لا بأس ، حسنا اهتمي أنت بالعشاء ريثما أكملت وضع هذه الأغراض في الصناديق .
    ــ : أمي ، لماذا نقوم بذلك نحن ؟ ألا يمكن أن يقوم بذلك العمال في الغد ؟ .
    ــ : لا ، يجب أن نرتبها بأنفسنا حتى لا نتعب في إفراغها فيما بعد ، سوف يكون إيجاد الأغراض سهلا إن عرفنا كيف رتبناها ، والأفضل أن تتوقف عن التذمر
    .

    عقارب الساعة الجدارية العتيقة تعانق العاشرة ليلا ، ويترنح البندول المنحوت يدويا من أجود أنواع الخشب الأصلي يمينا ويسارا ثانية بعد أخرى ، ولكن لا أحد يهتم به الآن الكل منشغل بشيء ما ويتمنون أن يبطئ بضع ثوان لينهوا العمل الكثير الذي ينتظرهم .
    وفي الصالة الواسعة التي تشغل الصناديق معظمها ومن الواضح أن أثاثها قد رفع فهي خالية سوى من تلك المقاعد المبعثرة في أرضها ذات البلاط الأبيض والبني ، وتلك الطاولة التي تتسع لأربعة أفراد ، أنهت ترتيب المائدة ورفعت صوتها منادية على البقية : حسنا .. أتركوا ما بأيديكم وتعالوا للعشاء ، إن برد الطعام فلن أعيد تسخينه ..!! .

    ويبدو أنها لم تكن حقا في حاجة لذلك التهديد الأخير ، فهي لم تكد تنهي كلماتها حتى دخلوا الصالة واحدا إثر أخر يلتقطون أحد تلك المقاعد المبعثرة ويضعونها عند الطاولة للجلوس .
    أخر الواصلين كانت السيدة التي ما أن دخلت حتى جففت يديها في المئزر الأزرق حول وسطها ثم أدارتهما خلفها لتحل العقدة وتعلقه في مقبض الباب ، لم يستغرق الأمر منها سوى بضع ثوان لتجلس ، ومثل كل ليلة على العشاء يبدأ ذلك الحوار العائلي الذي يضجر إيفي بشدة ويسد شهيتها عن الطعام ، ولم تكن هذه المرة مختلفة بل كانت أسوء في نظرها لأنها تعرف مسبقا عما سيتكلمون الليلة .
    رغم هذا فقد أنصتت بصمت عندما بدأ السيد كلاركسون الكلام : حسنا إنها الليلة الأخيرة لنا في هذا المنزل،هل أنتم متشوقون للغد ؟ .
    لم يجب أحد في البداية سوى السيدة ماري التي اتسعت ابتسامتها على نحو مضطر لتساند زوجها : بالتأكيد هم كذلك ، سوف ننتقل لبلد جديد وسيتعرفون على أشخاص جدد ويكونون أصدقاء كثيرينــ .. .
    قاطعها صوت اصطدام غاضب أكثر من كونه عنيف على الطاولة حولت نظرها صوب المصدر ، لترى ذلك الشاب ذو الملامح الغاضبة و التي يختفي أغلبها تحت شعره المنسدل نحو الأمام لانحنائه على الطاولة يقطب حاجبيه بغضب مكبوت بعدما صدم كأس العصير على الطاولة : هذا لن يحدث أبدا ... !
    قاطعه السيد مجددا : ولماذا ؟ ما الخاطئ في الأمر ..؟
    أعاد الشاب كلامه بنفس النبرة الغاضبة : لأنه لم يحدث سابقا ، نحن لا نمكث في نفس المنزل أكثر من سنتين في أفضل الأحوال ، وكل مرة نضطر أن نودع أصدقائنا وكل الأشخاص المهمين في حياتنا ، بعهد ما ، بأمل أن نلتقي مجددا ولكن هذا لا يحصل أبدا ، حتى أنهم لا يستطيعون مراسلتنا بسبب تنقلنا المستمر ، لهذا فالأفضل ألا نكون صداقات من البداية حتى لا نضطر للتخلي عنها في نهاية الأمر .
    زفرت إيفي بنحو منزعج لتردف : أصمت جيمي .. لا داعي لهذا الكلام الآن ، إنه لن يغير الأمر في هذه اللحظة ، ثم يجب أن نراعي ظروف عمل أبي ، أنا متأكدة من أنه هو الأخر لا يحب هذا الوضع المشتت ، لذلك لنجاري الأمر قد نستقر في مكان واحد في نهاية الأمر ..
    همست السيدة برقة : إيف ... .

    وابتسم السيد بنحو جانبي متأمل ، هو سعيد أنهم يقدرون موقفه ، عند تلك اللحظة كان الكل شارد بتفكيره في شيء ما ، جيمي يحرك العصير في الكأس بغضب ، والسيدان ينظران لصحون الأكل بشرود ، بينما كانت إيفي تطرق بإصبعها على المنضدة وكأنها تفكر في شيء ما .
    صوت ارتطام عنيف صدر عنه تهشم ذلك الصحن الزجاجي الكبير الذي كان يحتوي السلطة ، استفاق الجميع بذعر ليجدوا الطفلة الصغيرة قد أوقعته على الأرض وهي تحاول الوصول للكؤوس القريبة منها .
    صاحت السيدة بحده : آنجل .... أوه يا إلهي ماذا فعلت ! .
    وضع جيمي يده على فمه وهو يغمغم بضحكة : إنها ملاك " آنجل " بالاسم فقط ، أما أفعالها فشيطانية ، على كلٍ لقد خفت حمولتنا صحنا ثقيلا .. ربما يجب أن تشكروها لذلك ..
    ضحك الجميع لحظة قبل أن يقاطعهم تتأوه السيدة الضجر : ولكن من سينظف هذه الفوضى ، لقد تأخر الوقت ويجب علي الاهتمام بأعمال كثيرة ! .
    أجابت إيفي وهي تبتعد عن كرسيها : سأفعل أنا ذلك يا أمي ، وأنتم اذهبوا للنوم ، سنتم العمل في الصباح الباكر ..
    أجابتها السيدة الكريمة بالموافقة ، فهي تدرك في حقيقة نفسها أن لا طاقة لها للمزيد من العمل هذه الليلة ، لذلك خطر لها أن ترتب باقي الثياب و تترك الباقي للصباح .
    جلست إيفي على ركبتيها وهي تجمع أوراق السلطة المبعثرة : لا بأس ، سأنهي التنظيف وأرتب ما تبقى من أغراض المطبخ يا أمي .

    دقات الساعة صارت واضحة وعالية بعدما هدأ المنزل ، كانت إيفي تسمع خطوات السيدة بين حين وأخر ولكن هذا لا يكفي لكسر طابع الهدوء المسيطر على المكان ، أنهت جمع الزجاج المبعثر في الكيس الورقي والتي كانت ذاهبة لترميه عندما أسندت يديها إلى الأرض متكئة عليها ولكن صدف ووضعتها في مكان سيء إذ أن قطعة زجاج مدببة أصابت اصبعها فجرحتها ، لم تشعر بالألم ولم تنتبه حتى رأت قطرات الدماء على البلاط ، زفرت بضيق : اللعنة ... .

    في حركات خفيفة قطعت الصالة لترمي الكيس في سلة بلاستيكية كانت تحتوي على زوائد غير هامة ، و من جوارها سحبت منديل ورقي من العلبة ذات الغلاف المخملي ، ظنت أن النزيف قد توقف عندما رفعت المنديل عن الجرح ، ولكن حدث خلاف ذلك إذ وقعت قطرتان متتاليتان من الدماء لتصبغ البلاط مشكلة بقعة قانية في حجم بصمة الإبهام ، زمت شفتيها بضيق و سارعت تبحث عن علبة الاسعافات الأولية المميزة بلونها الأحمر ، وما أن أنهت علاج جرحها النازف حتى ألقت باهتمامها للفوضى التي تعم المطبخ ، كان هناك مجموعة من الصناديق الورقية كتب عليها سلفا ما يجب أن تحتويه .
    زفرت بملل وارتدت المئزر لتبدأ العمل ، ولم يستغرق الأمر منها سوى نصف ساعة لتنهي غسل الأطباق فحركت يدها المبللة لتزيح خصل الشعر التي زحفت على وجهها ، رفعت رأسها وأبعدت عينيها عن صنبور المياه لتقع على صحن فضي كان ينتصب متكئ على مجموعة من الصحون الأخرى بجوارها ، ما أن وقعت عينيها عليه رأت انعكاس ظل أسود غير منتظم تماما يقف عند إطار الباب ، استدارت في أقل من جزء من الثانية ولكنها لم تجد شيئا خلفها ، أعادت النظر للصحن مجددا وإذا بالظل أو مهما كان ذلك الشيء قد اختفى ..! .
    تركت ما بيديها بسرعة وركضت في خطوتين إلى الباب ، لم يكن هناك أي أحد والممرالقصير الذي يفصل الصالة عن المطبخ هادئ ومضلم كما تركته عندما دخلت ، فكرت أنها تتوهم الأمر ولكن لتتأكد فقط رفعت صوتها بالنداء : أمي ..! ، هل مازلت مستيقظة ؟ .
    لم يجبها سوى تردد الحروف الأخيرة من كلمة مستيقظة إثر الصدى الناتج عن المكان الكبير الفارغ من الأثاث ومن أي شيء أخر سوى مجموعة الصناديق المكومة والتي لا تزال جامدة في مكانها .
    أصغت بانتباه يسير بعد أن تذكرت أن خطوات أمها السريعة والتي كانت تسمعها من الطابق الثاني قد توقفت منذ فترة قبل أن تنهي غسل الأطباق ، تقدمت بضع خطوات في الممر وبدا صوت تكتكة الساعة الجدارية مترددا بصوت عميق أشبه بقرع منظم للطبول .
    توقفت في مكانها وبدت على وجهها نظرة الغباء الشديد الذي تشعر به : أكاد أقسم أني فقدت عقلي ، أنا متأكدة من أن ما رأيته هو مجرد خيال وأن سطح الصحن المحدب هو سببه ... لكن يا إلـهي إنه أوضح من أن يكون خيالا ، إنه تماما مثل الظل الذي شاهدته صباحا .
    هزت رأسها بشدة وهي تبتسم : يا إلـهي ، من الجيد أن لا أحد هنا ليسمع هذه الهلوسات التي أنطقها .



    attachment
    شكرا سيمو على التصميم الجميل embarrassed

    شيء مما أكتبه حاليا :
    هِي وهُو... والخوف [ رُعب ] .
    Glass Of Juice [ بوليسية ] .


  2. ...

  3. #2
    .....


    عادت ترتب الصحون في الصناديق وتلفهم بعناية بقطع من النايلون السميك حتى لا تنكسر أثناء نقلها ، التقطت الشريط اللاصق العريض وأخذت تغلق الصندوق وهي تدندن بألحان أغنية جميلة ، وأخيرا حملته ووقفت مترنحة تحت ثقله لتضعه برفقة الصناديق الأخرى أمام الباب ، نجحت في ذلك بعد عدة محاولات فاشلة لإجاد مكان مناسب له ، وما أن استدارت حتى لمحت علبة المناديل لاتزال قابعة في مكانها نفسه ، ولكنها لفتت اهتمامها لشيء أخر ، سحبت منديل وجثت على ركبتيها تبحث عن قطرة الدماء التي أوقعتها لكنها في الحقيقة لم تجدها ، وقفت ونظرت حولها باهتمام بالغ وفي النهاية لمحتها ، كانت شبه مزالة وكأن أحدا داس عليها فمسحها ولم يبقى منها سوى قدر ضيئل جدا على البلاط .
    استولى عليها شعور غريب وجلست تتأكد للمرة الأخيرة أنها لم تدسها بنفسها، رفعت قدميها تلاحظ جوربها الأبيض الذي أكد لها لونه الناصع بأنها لم تفعل ، الأمر مربك بالنسبة لها بل أيضا يثير تساؤلها ، لم تكن يوما الشخص الذي يدع هذه الأمور وشأنها مهما بلغ صغرها ، بل يجب أن تبحث فيها حتى تحصل على أحد الأمرين ، إما أن تصل لتفسير يقنعها أو تستسلم لأنها لم تجد ما يرضي فضولها ..
    هي كذلك منذ أن بدأت تفقه في هذه الدنيا ، لذلك فكرت أن أمها يمكن أن تكون هي الفاعلة، ولكن لا يمكن هذا فهي تتذكر أنها أوقعتها قبل خطوتين من باب المطبخ ، وأنها كانت ستسمعها إن قدمت ، ثم مالذي سيأتي بها إلى هنا دون أن يدفعها للدخول إلى المطبخ لتطمئن عليها ؟! .
    في النهاية وعندما لم تجد ما يرضيها من نتائج حركت رأسها بعنف لتتطاير خصل شعرها النحاسية حول وجنتيها : اللعنة يا إيفي ، كم أكره لحظات التفكير .. حسنا هذا سخيف جدا لابد وأن أمي داست عليها أو جيمي أو..... ذلك الظل الذي كان هنا .

    ارتجف صوتها في هذا المقطع الأخير وشخصت عيناها نحو الصالة بالتحديد نحو النافذة الزجاجية المقابلة والتي يظهر من خلالها بعض معالم الحديقة المظلمة ؛ ولكن لم تلبث نضرة الغباء أن تغزو ملامحها فأصدرت ضحكة قصيرة بها رنة تدل على الإستخفاف : تبا لي ولخيالي الواسع ، رائع هذا ما كان ينقصني أن أصدق أن هناك شبحا كان يتجسس علي ..
    صدرت عنها ضحكة لم تكن أطول من الأولى ولكن هذه المرة كانت مرتجفة خائفة فربما جزء صغير من عقلها صدق هذه الفرضية السخيفة – كما سمتها – ولكنها لم تلبث في مكانها طويلا فقد القت المئزر على الأرض وارتقت درجات السلم في سرعة كبيرة لتنتهي بأن تصفع باب غرفتها بعد أن دخلت واتكأت عليه تبحث عن مفتاح الضوء ، وأخيرا استندت على الباب وتراخت قدماها فتزحلقت جالسة وشبح ابتسامة موجود على شفتيها : لما لا ، كنت دائما أشعر أن هناك من يراقبني ..! .
    أعادت جمع شعرها في ملقط الشعر في مؤخرة رأسها وعاودت الوقوف : هذه أخر ليلة في هذا المنزل ، لن أشغل عقلي بأفكار سخيفة الآن ، ربما سأستحم وأنام فغدا يوم طويل .
    بدأ أن فكرة الإستحمام قد راقت لها وخاصة في هذا الجو البارد ، فالمرأ يشعر بالراحة وسط الماء الدافئ وهذا ما فعلته فقد التقطت المنشفة من الخزانة ولم يستغرق الأمر منها سوى بضع دقائق قبل أن تكون تحت الماء الساخن ، اراحت رأسها للخلف وهي مغمضة العينين ، كذلك كان ذهنها فارغا تماما كصفحة بيضاء لم تخط عليها كلمة .
    استيقظت وهي تشعر بالبرد الشديد ، وما أن عاد وعيها لما حولها حتى وجدت نفسها لاتزال في الماء الذي أصبح باردا جدا ، تأوهت بألم وهي تحرك رقبتها التي تيبست في وضع غير صحيح ، ثم لفت المنشفة حول نفسها وغادرت بخطوات مرتجفة ، دخلت غرفتها وأغلقت الباب بإتكائها عليه لحظة، لم تشعر بالوقت .. بل لم تشعر بنفسها عندما نامت لذلك حركت عينيها نحو المنضدة القابعة بجانب السرير والتي يستريح فوقها ساعة منبه صغيرة وردية اللون ، كانت العقارب الخضراء الباهتة فيها تعانق الخامسة والنصف صباحا تشاغلت في الدقيقتين التاليتين بارتداء منامة ثقيلة وجلست على طرف السرير تجفف شعرها الطويل ، رفعت عينيها إلى النافذة وإذا بأشعة الفجر الولى تولد لتكسر جبروت الظلام البارد ، زفرت بحنق واندست تحت غطاء السرير وهناك ابتسامة على شفتيها .
    ذكرى الشبح الغريب لم تترك عقلها في اليقضة ، ولم تلبث إلا أن تغزو أحلامها أيضا ، كانت في مكان يلفه الضباب الكثيف، وهي تقف على حجر صلب في أعالي قمة جبل صخري ، لم يكن هناك شيء واضح سوى تلك الأعشاب القصيرة الرمادية تحت قدميها ، والرياح الباردة تعبث بشعرها الطويل بفوضاوية وكأنها تملكه ولها حرية التصرف فيه، وتشعر بها تتخلخل خيوط المنامة المتشابكة لتلامس جسمها باعثة شيء من الرجفة في أطرافها .
    بمثل المشاعر المأخوذة بجمال المكان ، كانت مشاعر أخرى أكثر حيرة حول كيفية وصولها إلى هنا ، استدارت على اعقابها تحرك قدميها بحذر فوق الأحجار الزلقة وكل فكرها مشغول بمكانها هذا ، رفعت عينيها لتحدق بستار الضباب الفضي الذي يقف كحاجز صلب أمام بصرها ، ولكنه لم يكن بتلك القوة فقد لمحت من بعيد مجموعة من جذوع الأشجار تنغرس في التربة ، تلك الأشجار فقط هي ما لفتت انتباهها للتراب الذي كان يبدو تماما كالرماد الناتج عن حرق كمية هائلة من الأوراق ، كان لونه تماما كرماد ورقة اختلط بذرات الفضة .
    طوقت نفسها بيديها وهمست في رعب " ما هذا المكان ، ومالذي اوصلني إليه ؟" لم تلبث أن تركت مكانها واسرعت الخطى نحو الأشجار ، كانت وكأنها تمشي في الفراغ فلم تستطع الإقتراب منها ولم تلمح أي منزل أو أي شيء سوى الضباب ، جلست على الأرض في تعب ويبدو أن عقلها توقف عن العمل أيضا فأخذت تحدق إلى الأرض بشرود وصدرها يرتفع وينخفض برتابة وهي تشعر بالهواء البارد يملأ رئتيها لحظة لتزفر أخر أكثر حرارة في لحظة أخرى ؛ استمرت بضع ثنوان هكذا قبل أن تقف مجددا وتعيد المشي في بطء هذه المرة ، لمحت أخيرا شيء ما يتكون بجانب فرع الشجرة ، شيء ليس له شكل محدد بل كنفخة من الدخان الأسود الكثيف ، يتشكل فيصير على صورة محددة ، صورة رجل ... بل في الحقيقة ظل لرجل طويل القامة وعريض المنكبين يتقدم نحوها بتأني و كانت يداه تهتزان في وضع ثابت بجانب جسمه ، وأصابعه الممدودة بدت أطول من الطبيعي إذ كانت تتدلى أسفل من مستوى ركبتيه ..
    ارتجف صوت قلبها وأضاع بعض نبضاته ، كان الصوت الوحيد الذي يكسر الهدوء الجاثم ، و لم تلبث مكانها أكثر من ذلك فقد استدارت بسرعة محاولة حمل نفسها على الركض بأسرع ما يمكنها مخترقة الضباب ، ركضت كثيرا حتى لم تعد قدماها تستطيعان حملها ولكنها كلما استدارت بنظرها رأت ذلك الشيء لا يزال يلاحقها ، أبقت عينيها متمسكة به في الخلف وهي تقاوم قدميها لتستمر في الجري ، في لحظة واحدة أحست أن التراب اللين التي كانت تغوص فيه صار صلبا قاسيا ، حركت قدميها مرة أخرى بعد أن أدركت أنها تدوس على الحجارة ، ولكن في اللحظة التالية لم تشعر بشيء تحتها ، قبل أن تعيد بصرها للأمام هوت في وادي سحيق كان مضيئا بلون ضبابي فضي من تحت قدميها صرخت بأعلى صوتها لتطلى رؤياها بالسواد .
    انتفضت جالسة في دهشة وهي تشعر بحرارة تجتاح وجنتها ، وضعت يدها عليها وحدقت بالشخص الواقف أمامها ، استغرق الأمر بضع توان لتستفيق فعلا ، همست في ارتباك : جيمي ؟ ماذا تفعل هنا ؟.
    أجابها بصوت ساخر : أنقذك من الوحش الشرير يا أختي العزيزة .
    -: ماذا ؟.

    -: على كل حال ، ما الذي جعلك تصرخين ؟ .
    تمددت بكسل وهي تلملم شعرها المبعثر : لا تهتم ، مجرد أحلام سخيفة ليس أكثر .
    -: كنت تبدين مرتعبة جدا ، أتمنى أن أعرف من هذا المحظوظ الذي أخافك بهذا الشكل !
    قالها بنبرة مستفزة طمعا منه في أن تثور وتغضب ولكنها على عكس ذلك لم تفعل بل زفرت لتجيبه : كم الساعة الآن ، هل استيقظ الجميع ؟ .
    -: نعم ، إنها الثامنة والنصف تقريبا .. .
    لم يلبث في مكانه طويلا بل استدار مغادرا وقبل أن يغلق الباب أمام وجهه استعجلها في اتمام ترتيب أغراضها قبل وصول شاحنات النقل .
    لم تجبه بل حركت رأسها بإيماءة صغيرة ، بعد أن غادر القت الغطاء وبخطى ثقيلة رفعت الستائر عن النافذة لتغزو أشعة الشمس الذهبية الغرفة ، كانت شبه فارغة سوى من بعض الملابس المبعثرة وبعض الكتب التي تستقر على المكتب ، خرجت من الغرفة بضع دقائق ثم عادت وهي تربط شعرها للخلف في تسريحة بسيطة كذيل الفرس .
    التقطت الملابس من الأرض وطوتها بحركات سريعة لتضعها في حقيبة السفر المفتوحة ، ولم تتوقف أو تبطء بل أسرعت تفتح الأدراج واحد تلو الأخر وتضع كل المحتويات في صندوق مبطن من الداخل بطبقة سميكة من الاسفنج المضغوط .
    كانت قد أعدت هذا الصندوق في الأمس خصيصا لأغراضها الشخصية ، بعض العطور والأشياء القابلة للكسر ، أغلقته بالشريط اللاصق وكتبت عليه بالخط الأسود العريض " إيفي " وككل كتاباتها العشوائية كان الخط مائلا للأعلى .
    إنها تكاد تكون التاسعة وعشر دقائق عندما خرجت من الغرفة حثيثة الخطى منزلقة إلى الطابق الأسفل وعلى وجهها ابتسامة مشرقة ، استقبلتها السيدة ماري بابتسامة مستغربة : لماذا كل هذه السعادة إيف ؟! .
    -: لست سعيدة ، ولكن لست مستاءة أيضا ، هل تناولتم الفطور ؟ .
    -: نعم فعلنا منذ فترة ، كنت أضن أنك سهرت طويلا بالأمس لذلك لم أشأ ايقاظك باكرا ، لكن تركت لك بعض الفطائر في المطبخ ، هناك أيضا بيض بالجبن إن رغبت .. لكن أسرعي في الأكل فسيصل العمال في أي لحظة لرفع أثاث المطبخ
    .
    أومأت ايف برأسها ودخلت المطبخ ، ولكنها تراجعت بخطواتها للخلف ونضرت إلى الأرضية بشرود ، ضحكت بخفة وهزت رأسها لتكمل ما بدأته .

    الساعة الجدارية العتيقة تعانق الثانية عشر عندما أنزلها السيد كلاركسون ليضعها في الصندوق المفتوح الأخير في الصالة كانت كل الفوضى في الأمس قد تحولت إلى كمية كبيرة من الصناديق المكومة أمام الباب وفي الفناء الخارجي ، ومن فوق الدرج أطل جيمي برأسه صارخا : إيف .. إيف ، لقد نفذ الشريط اللاصق مني ، هل ما يزال لديك منه ؟ .
    دخلت ايفي الباب لتجيبه : نعم ، هناك لفافة جديدة في غرفتي ، ولكن أنه عملك بها بسرعة لأني لم أنهي اغلاق كل الصناديق بعد .
    أجاب بإمائة ودخل غرفتها كانت موضبة بالكامل حتى أنها طوت أغطية السرير ووضعتها مع الوسادة على الأرض ، جال بنظره في الغرفة ليلمح الشريط اللاصق فوق المكتب ، التقطه وكاد أن يغادر لو لم يلفت انتباهه مذكرة كبيرة بلون رمادي مع بعض الزخارف السوداء ، حملها بين يديه ثم أعادها لمكانها ولكنه رفعها مجددا وهذه المرة فتح الورقة الأولى ، كانت مذكرة رسم وفي الصفحة الأولى كتبت ايفي بعض الكلمات بدت في عينيه مجرد خطوط متقاطعة ونقط ليس لها معنى ، لذلك قلب الصفحة فكانت تحتوي على رسمة غريبة ، شارع في مدينة ، ولكنها كانت أشبه بمدينة الأشباح !! الظلال غامقة والجدران متهدمة في بعض البنايات التي لاترتفع عن الأرض بأكثر من مترين أو ثلاثة والجزء الأسفل منها كان وضحا أنه غارق في التراب ، النوافذ مضللة بالأسود وبابها الخشبي يتدلى إلى الخارج في وضع مائل متشبت بمفصل واحد يكاد ينكسر ، والطرقات مرصوفة بحجارة غير منتظمة الشكل وكانت تبدو بارزة عن الأرض بسبب الظلال التي أتقنت رسمها ، كانت الصورة بقلم الرصاص وقلم الفحم لا أكثر ولكنها كانت تبدو كأنها رسمة فنان ، استغرب جيمي منها فهو لم يعرف سابقا أن ايف تجيد الرسم ... ليس تماما كان يعلم ذلك ولكن لم يضنها جيدة إلى هذه الدرجة .
    ولكن الغريب في الأمر – كما دار في ذهنه – أنها لم توقع أسفل الصورة بل كانت تحمل مجرد خربشة افقية منحنية للأسفل والأغرب من ذلك هو من أين استوحت هذا المنظر الغريب ؟ من أحد الأفلام أم من أحد أحلامها التي تستيقظ فزعة على إثرها في أحيان كثيرة ؟ .
    أخذ يقلب الأوراق واحدة تلو الأخرى ولكن كلها كانت رسمات لنفس المدينة من جوانب مختلفة نعم ، لكن جميعها لنفس المشهد ، ونفس المنارة التي تبدو في الأفق موجودة في كل الرسمات ، ورغم أن الصور متشابهة إلى أبعد الحدود كان جيمي يأخذ وقته في تأملها وفي كل ورقة يزداد تعجبه من هذه الفكرة الغريبة التي طرأت على بال أخته .
    توقف عند احدى الأوراق واتسعت عيناه دهشة ، إنها صورة مختلفة .. كانت رسمة لفتاة ، فتاة جميلة بشعر طويل وفستان بأكمام طويلة يلامس ركبتيها ، كانت جالسة على صخرة في مكان عال ، وشعرها متطاير وكأن الهواء يعبث به .
    الصورة مرسومة بدقة كبيرة وملامح الفتاة واضحة جدا بعينيها الواسعة والضلال الكثيفة حول رموشها الطويلة ، وابتسامتها الجانبية المتأملة ، كانت تضع قدم فوق الأخرى وتريح يديها على ركبتيها في هدوء كبير ، وككل الأوراق السابقة حملت الصورة نفس الخربشة في جزئها الأسفل ، قلب الورقة مرة أخرى ليرى بداية لمشهد لم يكتمل ، من الفكرة الواضحة كان يبدو أنها مدينة ملاهي ، أو ربما مجرد حديقة العاب صغيرة فالرسمة لم تكن تحتوي على اكثر من الخطوط الأولى لمجموعة من المباني العالية في الخلفية ، ومجموعة من الأشجار يمر أمامها طريق طويل ، وفي الجزء القريب من الصورة بدت رسمة متقنة لأرجوحة فارغة .



  4. #3
    تساءل لماذا لم تكملها ايفي ؟ كانت ستكون جميلة في مكان بهيج كهذا ، جال في فكره أنها لم تجد الوقت بعد ، ولكن التاريخ فيها كان مدونا على غير الرسمات الأولى ، كانت تحتوي على نفس الخربشة وتحتها تاريخ مسجل باليوم الرابع من سبتمبر في نفس السنة الحالية ، لقد مر على هذا التاريخ شهر وعشرة أيام، هل يمكن أنها كل هذه الفترة لم تجد الوقت لإكمالها ! .
    قطع تفكيرة العميق صوت صراخ ايفي على الباب : جيمي ! ماذا تفعل في غرفتي ؟ لقد أخبرتك أن تأخذ الشريط اللاصق لا أن تفتش في أغراضي الخاصة ! .
    لم يعبأ بصراخها بل رفع المذكرة أمام وجهها : إنها جميلة ، لم أعلم أنك تتمتعين بموهبة كهذه .
    تقدمت نحوه وأخذتها من بين يديه : لا شأن لك بأغراضي ، أخرج من غرفتي أبي يبحث عنك في الأسفل .
    -: لا بأس ، سأنهي عملي وأرجع لك لفافة اللاصق .

    خرج وأغلق الباب خلفه فاعادت نظرها للمذكرة بين يديها وبدا شبح ابتسامة على شفتيها : أعلم بأنها جميلة ، للأسف الرسمة الأخيرة لم تنتهي ، وهذه الساعات هي الأخيرة هنا لذلك لا أضن أنها ستنتهي أبدا ! .

    زفرت بانزعاج وأخرجت صندوق أخر من تحت المكتب كان أيضا مبطنا بالإسفنج المضغوط ، وضعت مذكرة الرسم فيه ، وأخرجت دفتر مذكراتها فأغلقت القفل ووضعته في الصندوق ، كان المفتاح على شكل زهرة ربيع يتدلى من مكان الغصن لسان المفتاح المسنن وقد اعتادت على تعليقها في رقبتها بسلسلة رفيعة لتكون كقلادة جميلة ، وبالإضافة لهذه الأشياء وضعت صندوق المجوهرات الخاصة بها ، و ألبوم صور بالإضافة إلى مذكرة أخرى وقلادة فضية ذات شكل غريب ، وأخيرا علبة أقلام الرصاص والفحم التي تستعملها في الرسم ، كان ذلك كل مايحتويه الصندوق وسطرت على جدرانه الخمس كلمة عريضة " خاص بـ إيفي ".
    لم تكن محتويات الصندوق بتلك الأهمية الكبيرة لكن ربما كانت تعني شيئا أخر لها ، أنهت جمع الأشياء القليلة الباقية وما أن أعاد لها جيمي لفافة اللاصق حتى اغلقتهم وأنزلتهم لتضعهم في الفناء الخارجي .
    انتصف النهار وهاهي شاحنات النقل قد وصلت ، بدا السيد كلاركسون غاضبا قليلا وهو يحدث رجل يرتدي بذلة زرقاء قاتمة ويضع قبعة على رأسه : لماذا تأخرتم كان موعدنا الحادية عشرة .
    أجابه الرجل بقليل من الحرج : نحن آسفون سيدي ، ولكن الطريق كان مزدحم لا تنسى أنها نهاية الأسبوع والكل في عطلة فيجوبون الطريق بمهل ، ثم لا تنسى سيدي أن موقع الشركة يبعد عن منزلك مسافة لا بأس بها انها خمسون كيلومتر ، لن نقطعها بأسرع من هذا
    .
    الساعة تكاد تصبح الثانية عندما غادرت السيارة فناء المنزل المسور وخلفه ثلاث شاحنات كبيرة ، وبالرغم من أن الحي الذي كانوا يسكنونه بعيد عن الضجة الكبيرة وهو لا يزدحم إلا نادرا ، لكن كان عليهم المرور من وسط المدينة بطرقها المزدحمة ، ولأول مرة لم يكن هذا مزعجا ، كانت ايفي تمضي الوقت بالتقاط صور سريعة تحتفظ بها كذكرى ، بينما جيمي فعل مثلما فعلت آنجل وتكور في المقعد ليغط في نوم عميق حتى يصلوا لوجهتهم ، كان المطار يبعد عن المدينة حوالي خمسة وأربعين دقيقة بالإضافة أنه عليهم التوجه أولا إلى الميناء ، فحيث أنهم يسافرون جوا ، أمتعتهم تسافر بحرا .

    وانتهى الأسبوع الطويل أخيرا والذي قضوه في شقة مفروشة ريثما تم اعداد بيتهم الدائم ، لم يتكلم السيد عنه أبدا ، بل أنه لم يرد على تساؤلاتهم حول مكانه أو في أي مدينة هو أصلا ..
    بعد ثلاث ساعات متواصلة من السفر بالسيارة غادروا أجواء المدينة والشوارع المزدحمة وبدأت معالم البنيان العالية في الاختفاء تدريجيا ، لم يلبثوا أن دخلو مدينة صغيرة ، ليس بها من الأبنية المرتفعة مايزيد عن الثلاث طوابق ، طرقها ضيقة وبالكاد تلاحظ حركة مرور فيها ، ولكن رغم هذا فقد كانت تحوي مدرسة ابتدائية وثانوية وبها مشفى صغير والكثير من المحال التجارية .
    بقدر الدهشة التي تملكت ايفي ، ساواها شعور جيمي بالإستياء حيث صرخ على والده غير مصدق وانتصب جالسا على حافة المقعد يحدق إلى المدينة خلال النافذة الزجاجية بجواره : أتقصد أننا سنمكث هنا ، أنت تمزح بالتأكيد حتى أن الشقة الصغيرة أفضل من هذا المكان ! .

    ضحك السيد ولم يجبه وجه كلامه لإيفي والتي أيضا لم تهتم له فقد شد كل انتباهها تلك السلاسل الجبلية التي تحيط بالمدينة الصغيرة ، صرخ بها طالبا جوابا : إيف قولي شيئا ، أبي يريد سجننا في هذه القرية الميتة ، حتى أنه لا توجد حركة فيها .
    أجابته بنبرة سعيدة : انها تعجبني في الواقع ، المكان هادئ وهناك الكثير من المناظر تصلح للرسم هنا .
    :- هل هذا كل ما يشغل فكرك الآن ، الرسم !! .. الا تفضلين أن نسكن في وسط المدينة حيث الحياة ، أشك أن في هذه القرية كهرباء حتى .
    أجابه السيد ضاحكا على نبرتة المستاءة : بلى جيمي ، هذه القرية التي لا تعجبك بها كل التكنلوجيا في المدن الكبيرة ، ثم أني لم أجد بيتا بمثل رفاهية منزلنا هذا في الضواحي ، أم تفضل أن تعيش في شقة قذرة لا تتسع لغرفتين ومطبخ ! .
    -: ليس الأمر هكذا ، ولكن المكان هنا حقا ..... هادئ ! .

    قال ذلك المقطع الأخير بشيء من الإحباط دليل على أن المكان لم يعجبه حقا ، ولا تزال عيناه تجول في الطرقات وبين الأبنية بملل ، بعد غروب الشمس بدقائق كانوا قد وصلوا بيتهم أخيرا ، وعلى طراز أبنية المدينة فقد كان من طابقين تحيط به مرجة من الواضح أنه تم تهذيبها منذ فترة قصيرة ، ويسورها سور بعلو مترين تقريبا من القضبان المعدنية ، وفصلتها تلك البوابة الحديدية المزخرفة برسوم هندسية عن الشارع المعبد أمام البيت ، كان الضلام قد بدأ يسدل ستاره ولكن ذلك المصباح ذو الشكل الهندسي الجميل والذي يتربع على جدار المنزل يقوم بانارة الفناء .

    و من الزقاق المقابل للمنزل كان هناك من يطل على هاؤلاء السكان الجدد .. ! .


    - انتهـى -

  5. #4

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    كيف حالكم جميعا ؟ بخير وصحة إن شاء الله ..

    ..

    كما قرأتم في الأعلى - أو لم تفعلوا بعد ^^ - هذه قصة أخرى لي ..
    هذه المرة تركت الجانب البوليسي بعض الوقت و تطرقت لعالم الأطياف ^^
    أحاول أن يكون الرعب أحد اساساتها هذه المرة ^^
    ..
    للأن عدد الفصول غير معروف ، و لم أنتهي من كتابتها بعد ..
    فإن حازت على متابعة سأكملها وإن لم تفعل فـ سأتوقف ^_^ ..

    في النهاية قراءة ممتعة لكم ^^ أتمنى أن تحوز على بعض استحسانكم ، وأعتذاراتي مقدما لأي أخطأ إملائية أو نحوية تصادفونها ..
    في انتظار ، آرائكم ، و انتقاداتكم ^_^

    سلامي لكم .

  6. #5
    السلآم عليكم ورحمة الله ~

    في البداية يا آنسة مرعبة ! 😨
    قرأت قصتك الطويلة هذه الساعة العاشرة ليلا وأنا وحيدة في غرفتي والباب مغلق فلك أن تتخيلي حجم الرعب الذي اجتاحني !

    أحسنت فلقد تملكني الخوف بالفعل وكأنني أشاهد القصة أمامي ك فيلم على mbc Action 😏

    طيعا كما اعتدنا منك أسلوب مميز سواء بالبوليسي أو بالرعب ، كتبت فأبدعتي *.*

    أنتظر أكمالها فلا تستطيعين مشاهدة نصف ساعة من فيلم ما وعدم أكماله !

    رد لا يليق بما أبدعتي اعذريني فأنا لا أتقن الرد بشكل جيد -.-'

    دمت بخير ♥♥

  7. #6
    يلا كملي القصة لان ممتعة ومخيفة 😭😭😭😇😇😇😇😈😈😈

    أرسلت من gt-i9100 بإستخدام تاباتلك
    Using Tapatalk

  8. #7
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة relena lover مشاهدة المشاركة
    السلآم عليكم ورحمة الله ~
    وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته ♥

    في البداية يا آنسة مرعبة ! 😨
    ههههه أحببت هذا اللقب ^^ احتفظِ لي به ارجوك ♥♥ .. لقب أخر يضاف إلى الأول ^^

    قرأت قصتك الطويلة هذه الساعة العاشرة ليلا وأنا وحيدة في غرفتي والباب مغلق فلك أن تتخيلي حجم الرعب الذي اجتاحني !
    عزيزتي لو اجتاحكي الرعب من البارت الأول فلا انصحك بمتابعتها ليلا و لوحد ^^ e105 فهذه البداية فقط ^^ .

    أحسنت فلقد تملكني الخوف بالفعل وكأنني أشاهد القصة أمامي ك فيلم على mbc Action 😏
    ^^ اسعدني ذلك ^^

    طيعا كما اعتدنا منك أسلوب مميز سواء بالبوليسي أو بالرعب ، كتبت فأبدعتي *.*
    ياااااه كم أشعر بالحبور الآن ^^ شكرا لك عزيزتي ^^

    أنتظر أكمالها فلا تستطيعين مشاهدة نصف ساعة من فيلم ما وعدم أكماله !
    سأفعل بإذن الله ^^ اتمنى ان تتابعيها فقط ^^

    رد لا يليق بما أبدعتي اعذريني فأنا لا أتقن الرد بشكل جيد -.-'

    دمت بخير ♥♥
    أدامك الله بألف خير ^^ سعيدة بردك كيفما كان ♥

  9. #8
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة kimon.dpwm مشاهدة المشاركة
    يلا كملي القصة لان ممتعة ومخيفة ��������������������

    أرسلت من gt-i9100 بإستخدام تاباتلك
    مرحباً بك ^^
    سأفعل بإذن الله ^^
    شكرا لجميل ردك ..

  10. #9

    هي و هو ... و الخوف ( رحلة جديدة ، ومنزل جديد ) .. 2

    bbx7qH

    رحلة جديدة ، و منزل جديد
    Part : 2



    تقدم السيد أولا وفتح الباب ليضيء مصابيح الإنارة في الداخل ، كان كل أثاتهم قد رتب في مكانه ، ومجموعة الصناديق قد وضعت في الصالة الفسيحة التي تغطي أرضيتها الألواح الخشبية الدافئة .
    دخلت ايفي المنزل خلف السيد وجالت بعينيها فيه ملقية نظرة سريعة يتملكها الفضول ، فقد كانت الصالة تقوم أمام الباب مفروشة بمجموعة من الأرائك الخشبية بمساند بحمراء مزركشة بالبني وأمامهم طاولة خشبية مستطيلة الشكل بينما قبعت مثيلاتها المربعة في زوايا الصالة عليها أصص نباتات تنمو في الضل ، بينما من الجدار الأيمن كان الدرج المؤدي للطابق الثاني ، توجهت إلى أقرب غرفة إليها ، دخلتها ولم تكن سوى غرفة جلوس فسيحة مفروشة بمجموعة من الأرائك باللون البيج ناسب الأرضية الخشبية ، وفي أحد جدرانها كانت تستقر مدفئة انكليزية من الحجر للزينة ، أمامها قطعتين من كنبة جلدية سوداء وطاولة صغيرة مربعة الشكل بنفس اللون .
    اتسعت ابتسامتها وهي تلاحظ باقي أثاث الصالة وتحدق إلى المصابيح الصغيرة المثبة على الجدران الأربعة بالإضافة إلى الثريا الكبيرة من الكرستال في وسطها .
    تحدثت إيفي بمرح بعدما انظمت إلى السيدة ماري – وكعادة جميع الأمهات كان المطبخ أول اهتماماتها – : هذا المنزل جميل جدا ، لست نادمة أبدا على ترك منزلنا القديم .
    أجابتها السيدة بنفس الحبور : انتضري حتى تشاهدي الطابق الأعلى ، غرفتك إلى اليسار إنها أكبر من السابقة بكثير .

    و كأنما أشعلت تلك الجملة فتيل الحماس في قلبها ، فركضت بلا عقل إلى الطابق الأعلى ، كانت ستة عشر درجة هي ما يفصل بين الطابقين ، ومثل الأول فكانت قبالة الدرج صالة أخرى مفروشة بمجموعة من الأرائك البنية أمامها استقر تلفاز كبير على قطعة أثاث خشبية ، وهناك ممران في جانبي الصالة ، الأيسر كان يحتوي على ثلاثة أبواب ، طرقت أيف الباب الأول فأجابها جيمي من خلفه بغضب : لقد بدأ الإزعاج ! أنا لم أكد أصل بعد .
    فتحت الباب غير عابئة برده : أريد أن أرى غرفتك !.
    صمتت لحظة لتجيب في انبهار : أوه ، إنها واسعة وأثاث الغرفة الأولى لا يشغل مساحة كبيرة هنا .
    كانت غرفته كذلك بالفعل ولسبب ما كان يحاول كبح مشاعر الفرح بها فكان ينام على السرير الذي أعد من قبل ويقلب مجلة عن السيارات بين يديه ، ومجموعة كبيرة من الصناديق التي تحمل اسمه في وسط الغرفة .
    نظر إلى إيفي بملل : ماذا ؟ أدخلي أو أخرجي ، أتخذي موقفا وفي كلا الحالتين أغلقي الباب لأني أشعر بالبرد .
    بقيت على حالها في موقف استفزاز : كم أنت ممل ، ثم أن أجهزة التدفئة تشتغل فكيف تشعر بالبرد .
    لم يرفع عينيه عن المجلة عندما أجابها : ايفي إن لم تريدي شيئا ، فارحلي واتركين في سلام .
    -: لماذا كل هذا الكسل جيمي ، أنت لم تتجول في البيت حتى .. ! .
    وأعاد لها الصفعة ذاتها ردا على محاولة استفزازه : لدي سنة كاملة لفعل هذا .

    غضبت من رده اللامبالي لذلك صفعت الباب وغادرت ، الباب المواجه لغرفة جيمي كان غرفة آنجل ، وصحيح أنها لم تكن كبيرة جدا ، ولكنها كانت بهيجة بورق الجدران الملون ، والزاوية المملوءة بالألعاب ، وسريرها الصغير ذو المساند يقبع في الزاوية المقابلة بجانب نافذة تتدلى عليها ستارة رقيقة من الشيفون الوردي .
    غرفتها لم تكن أقل فخامة من بقية المنزل ، دخلتها بسرور و ابتسامة هادئة على شفتيها وكأن الإضاءة الخفيضة المنبعثة من المصباح ذي شكل زهرة الزنبق المنكفئة المتربع أعلى مكتبها قد أحاط المكان بروح رومانسية ذكرتها بتلك المشاعر التي لطالما تملكتها عندما كانت تشاهد أفلام أميرات دزني رغم عمرها هذا ، لطالما عشقت هذه الأجواء ! .
    تحركت بمهل لتصل النافذة و رفعت الستائر المخملية الثقيلة بأطراف اصابعها لتلقي نظرة متأملة للفناء الخلفي و شجرة الورد المتسلقة القريبة من النافذة .
    شعرت بالسعادة بسبب هذا المنزل الجميل واسرعت للمطبخ بعد أن سمعت نداء أمها ، كانت السيدة قد بدأت بإفراغ بعض الصناديق لذلك أتمت ايفي هذا العمل وكانت تدندن بألحان أغنية بسعادة وهي تنزع ورق النايلون عن الأطباق والكؤوس لتضعها في الخزانة الخاصة بها ، انتبهت السيدة لحبورها فضحكت لتردف : أرى أنك سعيدة جدا منذ اليوم الأول .
    -: بالتأكيد أنا كذلك ، المكان رائع حقا .
    -: انتظري حتى يطلع الصباح وستبتهجين أكثر بتجوالك في المدينة .

    بعد أن تحدثا قليلا ساعدتها في تجهيز العشاء وما أن أعلنت الساعة عن انتصاف الليل حتى اندس كل في غرفته ونام ، ليحط طابع السكون المطبق على المنزل الكبير ، كانت إيفي لا تزال في غرفتها تخرج أغراضها من الصناديق وتجتهد في ترتيب ملابسها في الخزانة ، وأخيرا فتحت صندوقها الثمين وأخرجت محتوياته لتضعها على المكتب .
    امسكت دفتر الرسم وقفزت على السرير لتضعه امام عينيها وهي تقلب أوراقه المرسومة ، ذبلت ابتسامتها عندما وصلت للصورة الأخيرة والتي لم تكن سوى صورة الحديقة الغير مكتملة ، اغمضت عينيها وزفرت بضيق لتتمتم بصوت أشبه بالهمس : مع كل هذا ، لم نتقابل مجددا .. ما كان علي أن أحضر الدفتر معي ، ربما كان من الأجدر أن أتركه هناك ...!

    ولأول مرة كان نومها هادئا من دون أحلام مزعجة تنغصه عليها ، استيقظت صباح اليوم التالي على صوت جرس المنبه تمددت بكسل قبل أن تلتقطه لتوقفه ، سارعت بالنهوض لتستمتع بدورة المياه في هدوء لأول مرة وهي متأكدة من أن جيمي لن يطرق عليها يطالبها بالخروج فالآن قد أصبح لكل منهم دورة مياه خاصة تابعة لغرفته ، بعد خمس دقائق خرجت وأبعدت الستائر الثقيلة عن النافذة وفتحتها ليدخل هواء الصباح البارد إلى الغرفة مبعثرا ذرات الدفء التي تكومت طوال الليل ويستبدلها بهواء بارد منعش يتخلله عطر الورد من الشجرة القريبة وممزوجا برائحة تراب الحديقة الندي .
    اسرعت خطواتها إلى الطابق الأسفل ولم يكن أحد قد استيقظ بعد ، فالساعة لازتزال متمهلة وتشير إلى السابعة والنصف ، أعدت الفطور والحقت فوضى عارمة بالمطبخ وهي تحاول صنع الفطائر بطريقة صحيحة ، ولكنها في النهاية تداركت الأمر ونظفت المكان قبل أن تراه السيدة وتصاب بأزمة قلبية منذ الصباح الاول .
    ولم يمضي وقت طويل حتى ضج البيت بالحركة ، فالسيد تناول بعض القضمات المتعجلة من الفطائر وأخذ كوب القهوة الساخنة في يده وخرج متجها لعمله بسرعة فالساعة تكاد تكون الثامنة والنصف وقد تأخر عن موعده مع رئيسه الجديد في هذا البلد .

    عندما أعلنت الساعة عن تمام العاشرة صرخت ايفي من أعلى الدرج : أمي ، سأخرج قليلا .. .
    نطقت السيدة لتجيبها : لابأس .. ولكن ارتدي شيئا ثقيلا درجة الحرارة منخفظة جدا في الخارج .... .
    وقبل أن تنهي كلماتها ابتعد جيمي عن الطاولة ولاتزال قطعة الفطائر بين أسنانه ، تمتم بنحو غير مفهوم وهو يرتدي جواربه : مهلا إيف ، سأتي معك .. لا أريد الخروج بمفردي .

    كان الصباح نديا في الخارج وخيوط رفيعة من الضباب تتكون بين الأزقة الضيقة ، و الغيوم الرمادية الكثيفة كانت تحتل السماء لتأسر الشمس تحت سلطانها ولكنها تحررها كل بضع ثوان وهي تمر في طريقها .
    خرجا من المنزل و تقدمته بضع خطوات بينما ظل هو يربط شريط حذائه في عناية ، تجولا بين شوارع المدينة وبما أن اليوم عطلة فكان أغلب السكان في فناء منزله يقوم بتشذيبه أو العناية بالنباتات التي أذبلتها الرياح الباردة وبدت أصوات الأطفال مبتهجة من الحديقة التي تقوم في نهاية الشارع .
    حدثها جيمي بفضول : أتعتقدين أننا سنجد أصدقاء هنا ؟.
    -: بالتأكيد ، فقط سيتطلب الأمر بعض الوقت .
    -: هل يوجد من يتكلم اللغة المحلية هنا ؟ قد يكون التواصل صعبا حينها
    .
    -: لا تكن أبله جيمي الإنكيزية هي اللغة الرسمية هنا بالإضافة للفرنسية ، ولكن بالتأكيد قد نصادف من يتكلم احدى اللغات المحلية .
    مرت بعض النسائم التي عبثث بشعرهما بفوضاوية ، أحبت إيفي هذه اللمسة الباردة بينما رشح جيمي عدة مرات ليجيب بحنق : أكره البرد ، وأكره البلدان الباردة .. لماذا لا ننتقل أبدا لبلد مداري دافئ ؟! .

    ضحكت عليه من دون أن تجيب وسبقته ببضع خطوات غير أنه توقف لحظة امام سور حديدي مرتفع من خلفه هناك مجموعة من أشجار الزينة الخضراء فوق تلة خفيضة من الأرض ، تخفي ما خلفها بعناية ولا يبدو أمامها سوى ثلات أمتار من مرجة مشذبة بعناية ، كانت البوابة الحديدية مفتوحة قليلا ، لذلك همس لها جيمي وفي عينيه بريق غريب : ما رأيك ببعض الإستكشاف ؟ .
    وجهت نظرها إلى حيث يثبت عينيه ثم صاحت : لا ..! إذا كنت تفكر بنفس الشيء الذي أفكر فيه فلا .. لن ندخل إلى المقبرة تحت أي ظرف .
    -: لما لا ، سنرى كيف تكون القبور ثم نخرج ، أم تخافين من أن يخرج لك وحش شرير من وسطها
    .
    نفخت وجنتيها بغضب : لا ، أنا لست جبانة يا سيد و ليس هذا السبب الذي دفعني للإعتراض ! .
    و بنفس روح الاستفزاز المميزة لديه نطق : وما هو إذا ؟.
    أجابته بتردد واضح ، إذ أن ما تريد قوله ما هو إلى أعذار واهية تخفي بها حقيقة خوفها من الدخول : ربما ... ربما تكون لهم عادات معينة في دخول المقابر ، وليس لنا الحق في تدنيسها .
    رمقها بنظرات مستغربة قبل أن ينفجر ضحكا : لا تكون سخيفة إيف ، نحن في كندا وليس في هنولولو أو الفلبيين حيث توجد طوائف غريبة تقيم شعائر وتعويذات في المقابر .
    اعادت الكلام بنفس النبرة الغاضبة : لا وهذا نهائي ، أنا لن أدخل إلى هناك إن كنت ترغب بهذا ففعله وحدك .. لن أتبعك في عمل أحمق وبدون داع .
    أمال رأسه للخلف لحظة وانعكست صورة السحب المارة على حدقتي عينيه البنية ليجيب بملل : كما تريدين ، لا أحب أن أرافق الجبناء على كل حال ، سأدخل ويمكنك متابعة المشي لوحدك .

    رغم اعتراضها الحاد عليه إلا أنه لم يستجب ، بل لم يلتفت ناحيتها وتقدم بخطى ثابتة مجتازا البوابة الحديدية وبنفس الخطوات صعد التلة الصغيرة لتبدو مقابر القرية من خلفها ، مساحة كبيرة تظللها أشجار وارفة ، وتقوم شواهد القبور الحجرية في تلك الأرض المغطاة بالعشب الأخضر .
    كانت نظيفة والعشب قصير ومشذب وهذا دليل على أن أحدا ما يهتم بها بصورة دورية ، مشى في أحد تلك المسالك المرصوفة بالحجر ، والتي لم تكن لتتسع لأكثر من شخص واحد تتخلل أرض المقبرة ، وفي لحظة فاجأته يد أمسكت بمرفقه ، استدار متفاجأ ولم تكن سوى إيفي بملامح امتزج فيها الخوف و الفضول في آن .
    رفع حاجبيه بتعجب فاستطردت الكلام : سأتي معك ، فقط لأثبت لك أن ما جعلني أعترض ليس الخوف ! .
    أومأ برأسه بابتسامة ولم يجب بل تابع مسيره وهو يضع يديه في جيوب بنطاله بينما هي تسير خلفه وتجول بعينيها في المكان ، لم تكن المقبرة غريبة بل لم يكن بها شيء مختلف حتى ، لذلك زفر جيمي بملل : ليست مختلفة في شيء ..
    -: أخبرتك أن الأمر لا يستحق ، ولكنك تعشق العناد .

    تقدم بضع خطوات وسط شواهد القبور وهو يجول بعينيه في المكان فلمح سور حجري أخر، منخفضو يحيط منطقة تخفيها أشجار أكثر كثافة ، خاطب ايفي بانتصار : ربما تسرعنا بالحكم ، برأيك لما تلك القبور مفصولة عن هذه ؟.
    نظرت ايفي بشرود نحوها ولم تجد اجابة تنطق بها لذلك رفعت كتفيها بـقلة حيلة وكأنها تقول " لا أعلم " فتابع جيمي خطواته السريعة إلى هناك .
    كانت تقريبا قطعة مستطيلة من الأرض تسطر عليها مجموعة كبيرة من القبور المعلمة بشواهد حجرية ولكن الغريب فيها أن هذه الشواهد كانت أعلى من بقية المقبرة ونقش عليها باللغة المحلية بعض الكلمات وتاريخ ما بالتأكيد هو الفترة الزمنية التي عاشها الشخص المتوفى ، إنما الشيء الأغرب من هذا أن العشب داخل السور كان طويلا وفي حال سيئة فبعضه لايزال أخضر وقليل منه يابس و أوراق الخريف لا تزال عالقة هناك ؛ ببسطة لم يكن أحد يهتم بهذا الجزء وجال السبب وراء ذلك في ذهنيهما بحيرة .
    بقيا ينظران نحوها قليلا بشرود وجيمي يحدق بالكتابة الغريبة التي على السور الحجري القصير أمامه وبالتأكيد لم يفهم منها شيئا ، من بين القبور، تحديدا من خلف أحد الأشجار ذات الجذع السميك ظهر فجأة شاب ، كان الجذع يخفيه باتقان لدرجة أن ظهوره عليهما هكذا فاجأهما وجعل خيط رفيع من الخوف والترقب يدخل قلب إيفي .




  11. #10
    صحيح أن ضهوره فاجأ جيمي أيضا ولكن عندما مر بجانبها رفع يده في الهواء كتحية ونطق بابتسامة : مرحبا ..!.
    نظر إليه الشاب لحظة من تحت أهدابه الوارفة وتابع مسيره من دون أن ينطق وكأنه لم يرهما ، رفع جيمي حاجبيه تعجبا بينما ضلت ايفي مشدودة الإنتباه نحو هذا الشخص و متعلقة بذراع أخيها في خوف .
    تمتم جيمي بحنق : اللعنة ، لماذا يتصرف هكذا ؟ ألا يتمتع بقليل من الذوق ليرد التحية حتى ! .
    -: ربما ... ربما لا يفهم الإنكليزية .
    نضر لها بغباء : لا يعرف مرحبا بالإنكليزية ! هذا أسخف شيء سمعته ، بالتأكيد فهمنا ولكن لسبب ما لم يرد .
    -: حسنا ، معك حق في هذا ، لكنه كان يقف جوار أحد القبور لابد وأنه لشخص عزيز عليه وكان حزينا لذلك لم يرد .
    -: ربما ، ولكن قريبه ذاك لماذا هو مدفون في الجزء المعزول من المقبرة
    ؟ .
    طرفت إيفي بعينيها لحظة : المعزول ! ماذا تعني بهذا ؟ .
    رفع كتفيه بلا مبالاة : لا أعلم ، كما في الأفلام أقصد ، إنهم دائما ما يخصصون مكان في المقبرة للمجرمين أو الغرباء عن أهل المدينة ونحو هذا ، وربما حتى المجانين .
    -: توقف عن التفوه بالحماقات جيمي ، وهيا نخرج من هنا
    .

    مشى خلفها بهدوء وهو يطوف بعينيه في المكان المحيط ، بينما هي كان كل عقلها لايزال يسترجع لحظة واحدة ويحاول فهمها ، تلك اللحظة التي رمقهما الشاب بنظراته ... نظراته تلك كانت .. كانت تحمل شيئا ما ، شيء فكرت فيه ايفي طويلا حتى عودتها للمنزل بعد ساعتين كاملتين من التجوال في المدينة الصغيرة .
    إنها تكاد تكون الواحدة ظهرا وإيفي لا تزال مستلقية على سريرها ذو الملاءات البنفسجية الفاتحة منذ أكثر من نصف ساعة تتأمل الثريا التي تتخذ شكل هندسي و تتدلى منها بعض القطع الكرستالية ، غمغمت ببعض الكلمات الغير واضحة في البداية ولكنها عادت وضبطت نبرة صوتها : من هو هذا الشاب ؟ لا يبدوا أنه يكبرني كثيرا ربما بسنة أو اثنتين فقط ، لكن لماذا كان في الجزء المعزول من المقبرة ، ونظرته تلك ! يا إلـهي لو أجد كلمات تصف ما رأيته فيها ! إنها لا تدل على الحزن أبدا .. إنها ليست نظرات شخص حزين لفراق عزيز ، بل كان فيها شيء من الحقد ... نعم حقد شديد وألم دفين .. !
    انتفضت جالسة وهي تحرك رأسها بسرعة لتتناثر حصل شعرها متحررة من الدبابيس : أكره لحظات استغراقي في التفكير ، لو أمكنني التخلص من هذه العادة اللعينة ، يجب أن أتوقف عن هذه الفرضيات والهلوسات ، أنا لم اصل إلى هنا سوى بالأمس وصرت أطلق أحكاما على اشخاص لم أرهم سوى لثلاث ثوان فقط ! .
    جاء صوت السيدة ماري يفسد عليها جلستها المتأملة ويدعوها للنزول ، لم يأخذ منها تلبية النداء من الوقت سوى ما مكنها من لملمة شعرها المبعثر واتجهت للمطبخ حيث كانت السيدة لتطل بابتسامة : نعم ، هل أساعد في شيء ؟ .
    طلبت منها أن تنهي اعداد الغذاء بينما تشاغلت هي بترتيب باقي أغراض المنزل .

    انتهى اليوم بغروب الشمس ، أضيئت أنوار المنزل وارتفعت ضجة التلفاز الذي كان يحتله جيمي بالمحطة التي تعرض جولة من المصارعة والتي حاصرت عيناه وأسرتهما في الشاشة بترقب وانسجام حمله عن ملاحظة ما يدور حوله .
    كان وضع إيفي أكثر هدوء فكانت تتصفح الإنترنت في غرفتها وتبحث عن تاريخ المدينة وأشهر معالمها في محرك البحث ، لم تعثر على ما يثير الإهتمام بالفعل لذلك أصابها الملل وأغلقت الحاسوب وتشاغلت بتجهيز لباس ما ترتديه في الغد كونها ستذهب للثانوية .
    وعلى غير العادة لم تطل السهر بل غطت في النوم قبل أن تعانق الساعة الحادية عشر ليلا ، لكن ذكرى ذلك الشاب ونظراته الغريبة لم يتركها تنعم بنوم هادئ ، فكانت تراه باستمرار في نفس المشهد في المقبرة ، لكن الإختلاف الوحيد أنهما كانا لوحدهما وكان كل شيء ضبابيا في الخلفية ، كل شيء باستتناء تلك الشواهد الحجرية التي بدت أطول من الواقع بقليل و كانت الكتابات عليها واضحة جدا .
    استفاقت على صوت جرس المنبه في تمام الساعة السادسة صباحا ، فتحت عينيها وجالت بنظرها في الغرفة لحظة قبل أن تضغط بالوسادة على وجهها في ضجر ، ظل المنبه يرن طويلا من دون أن تغلقه وأخيرا ضربته بالوسادة فوقع على الأرض وسقطت البطارية منه ليتوقف .
    ابتسمت ببهجة وهي تفكر فيما ينتظرها خلال اليوم ، رغم أنها تعلق في التفكير زمنا طويلا ، إلا أنها شخصية مرحة متفائلة ، تحب أن تفسر كل شيء على أنه جيد وأنه ما حصل إلا ليتبعه شيء حسن .
    وكانت تنظر للحياة من وجهة متفائلة حتى أنه عندما أطلق جيمي مفرد " المنعزل " على ذلك الجزء من المقبرة ، وبالرغم من تكهنه بأنه يحوي قبور المجرمين ومن ماثلهم إلا أنها فكرت في الوهلة الأولى ، بل وضلت هذه الفكرة متشبثة في رأسها بأن ذلك الجزء ربما يحمل كبار شخصيات المدينة أو حتى الأفراد المتميزين فيها ، لذلك غادرت سريرها صباحا وفي رأسها خطة محددة ، أنها بعدما تغادر الثانوية ستتجه للمكتبة وتشتري قاموسا للغة المحلية وستكون وجهتها التالية المقبرة لمعرفة معنى تلك الكلمات المنقوشة على السور الحجري .

    رغم الصباح البارد والضباب الذي يطبق على الجو ليفرض شعورا بالإرتخاء وعدم الرغبة في ترك السرير الدافئ ، إلا أن إيفي أسرعت بالإغتسال وارتدت ملابس زاهية مكونة من قميص وردي وبنطال جينز رمادي متجهزة للخروج ، قبل أن تنزل مرت على غرفة جيمي وطرقت الباب ولكنه لم يجب ، نظرت إلى الساعة في معصمها وإذا بها تشير إلى السابعة ، فكرت في أنه سيتأخر لو لم توقضه ، لذلك فتحت الباب لتجده لايزال نائما كما توقعت ، لذلك اسرعت بسحب الغطاء الثقيل من عليه ليستفيق في فزع : أوه ، إيفي توقفي وأعيدي غطائي إني أتجمد بردا ! .
    -: يكفي كسلا ، استيقظ سوف تتأخر ..
    - : بماذا تهلوسين إيفي
    ؟!
    إنه دائما ينجح في جعلها تغضب لذلك أجابت في حنق : يا أخي الأبله سوف تتأخر عن المدرسة إنها السابعة الآن .
    -: أوه ، لا أريد الذهاب اليوم ، إذهبي أنت وأخبريني كيف ستكون الأمور
    ..
    رفعت رأسها للخلف وزفرت باستسلام : حسنا ، سوف تتعفن من الكسل جيمي ، ولكن فقط أحب أن أخبرك أني سأعود للمقبرة فيما بعد لأعرف معنى تلك الكلمات على السور ! .
    ارتفعت عيناه إليها باهتمام : مهلا ، لقد غيرت رأيي سوف أذهب معك للمدرسة أمهليني خمس دقائق لأستعد .
    هزت رأسها بقله حيلة وغادرت غرفته ، سبقته إلى المطبخ حيث أعدت الفطور وما هي إلا نصف ساعة إضافية حتى خرجا من المنزل .
    مع أول نسمة من الرياح الباردة ارتجف جيمي وجذب القبعة الصوفية على رأسه باحكام : أتمنى أن يستحق الأمر مغادرتي السرير ، اللعنة عليك إيفي كيف لا تشعرين بالبرد .
    رغم كونه يرتدي ثيابا صوفية ثقيلة كان يرتجف كورقة يابسة تهزها نسمات الخريف ، ولكن ايفي كانت تضحك عليه بسبب أنفه المحمر وعيونه الممتلئة بالدموع : أنت مثير للشفقة ، حتى أن الطقس ليس باردا جدا ..
    -: الطقس بارد ولكن الخلل فيك أنت ، فإما أنك تعانين من مشكلة في جهازك العصبي أو أنك متحجرة الإحساس وكلا الأمرين يدل على أن لديك مشكلة تتطلب عناية طبية فائقة
    .
    رغم نبرته المستهزئة وتهكمه الواضح منها إلا أنها لم تغضب بل أغلقت معطفها الرمادي جيدا وتقدمته المسير : توقف عن الثرثرة وتابع السير ، نحتاج إلى عشرين دقيقة على الأقل لنصل للمدرسة .


    كان للثانوية إطلالة جميلة على المدينة ، ببنائها المرتفع بثلاثة طوابق وطلائها الأبيض والأزرق الشاحب ، كما كانت تحيط بها حديقة مشذبة بعناية بالغة تتوسطها نافورة مياه ذو شكل هندسي متوازي؛ وتخترق الحديقة العشبية طرقات مرصوفة باحجار خماسية الشكل متراصة بجانب بعضها بإتقان ، كانت كذلك واجهتها الأمامية ، أما الخلفية فكانت تطل على الغابة أو شيء كهذا فتحيط بها أرض واسعة تكسوها الأشجار العالية عريضة الساق وبما أن الطقس كان ضبابيا فقد أضفى عليها مسحة غامضة قليلا كونه يخفي كل شيء سوى جذوع الأشجار التي مال لونها البني الباهت لدرجة من الرمادي المختلط بالأسود ! .
    قدما أوراق التسجيل لمدير المدرسة ولم يستغرق الأمر منهما طويلا قبل أن يغادرا مكتبه ،كانا لا يزالان معا حينما صعدا درج الطابق الثاني حيث أرشدهما المدير ، ولكنهما انفصلا بعدها فتابعت إيفي للطابق الثالث بينما طرق جيمي أحد الأبواب الخشبية والتي تحتوي على فتحة زجاجية طولية فوق المقبض الفضي لها .
    رأته إيفي يبدي ابتسامة وهو ينطق بمرحبا ويدخل ليغلق الباب خلفه ، لذلك تابعت الدرجات لأعلى وجالت ببصرها في الممر الطويل تقرأ اللوحات فوق الأبواب حتى وصلت للمكان المنشود ، ترددت في الطرق لحظة فالتوتر والإرتباك أحد أبرز الصفات في شخصيتها ، ولكنها أخيرا فعلت ، لمحت السيدة التي في الداخل تنظر نحوها لذلك لم تتأخر في فتح الباب ، تقدمت خطوة لتنطق بـ مرحبا ، ابتسمت وأعادت لها التحية .

    كانت وعلى ما يبدوا من الخربشات على اللوح خلفها أنها مدرسة الفيزياء فكانت هناك بعض الرموز التي تدل على الجاذبية ومعادلة لتحديد الوزن والكتلة عند جاذبية توازي جاذبية القمر .
    ورغم الخاتم في إصبعها والذي يدل على أنها متزوجة فكانت ملابسها المكونة من بنطال جينز أزرق وقميص ابيض من الصوف يدل على أنها صغيرة في السن وربما لم تتجاوز السابعة والعشرين على أعلى تقدير .

    أيضا ابتسامتها المطمئنة وملامحها الدقيقة بعينين عسلية وشعر كستنائي فاتح يجعلك تلاحظ أنها سيدة لطيفة طيبة الخلق ، وهذا ما كانت عليه بالفعل فما أن خطت ايفي أول خطوة للداخل تقدمت إليها وصافحتها بابتسامة ولم تمهلها الوقت للتكلم بل بدأت هي بطرح الأسئلة : هل أنت طالبة جديدة ؟ .
    أرتبكت قليلا لكنها أجابت : نعم .. .
    -: حسنا ، عرفينا عن نفسك في البداية ثم خذي مكانك في أحد المقاعد الشاغرة
    .

    جالت إيفي في الفصل وكان الجميع يحدق نحوها بطريقة ما ، البعض غير مهتم ويبدو أنه سينام على المكتب ، والبعض الأخر يحدق وينصت باهتمام ، والجزء الأخير كان يرمقها بنظرات غريبة فيها شيء من التعجرف والـ لا مبالاة بمن تكون ، ورغم تركيزها على المكان لم يستغرق الأمر منها سوى ثوان قليلة لتعاود الكلام : أدعى إيفانجلين كلاركسون ، لكن الجميع يدعوني إيفي فقط ، انتقلنا حديثا من لندن إلى هذه المدينة .

    أومأت لها السيدة بابتسامة ما دفعها للرد عليها بنفس الطريقة ثم اتخذت طريقها إلى الخلف واستقرت على المكتب المجاور للنافذة ، وضعت الكتاب الذي تحمله على سطح المكتب وطافت بعينيها نحو من يجاورها ، كانت تجلس أمامها فتاة شقراء بشعر قصير بالكاد يلامس رقبتها ، ولم تلبث أن استدارت عليها بابتسامة خافتة قبل أن تعود لوضعها الأول ، ومن جانبها كان يشغل المكتب شاب من ذلك الصنف الذي يوشك على النوم .
    ابتسمت وهي تراقب ملامحه الشاردة ، كان يسند وجنته إلى يده ويحدق إلى الأمام بعينين مثقلتين ولكن كان لهما ظل جميل بسبب لونهما الأزرق القاتم ، ولابد أنه شعر أنها تراقبه لذلك حول مقلتيه إليها من دون أن يحرك رأسه ما جعلها تتدارك الأمر وتبتعد بعينيها للأمام وقد توردت وجنتاها خجلا .
    نسيت بعدها كل ما يحيط بها وغرقت في محاولة لفهم ما تثرثر به السيدة في الأمام ولكن بسبب انتقالهم في وسط الفصل الدراسي فقد أضاعت عدة دروس من حيث توقفت في لندن وحتى هذا الدرس اليوم ، بدا الأمر مزعجا وخاصة أن لا طويل يفصلها عن امتحان نهاية الفصل .
    ولكن رغم هذا فقد مضى الوقت بسرعة لتنتهي تلك الحصة والتي بعدها وهي لا تزال جامدة في مكانها تجول بنظرها في الفصل وبين الطلاب الذي لم يتجاوز عددهم الخمسة و العشرين ، تثاءبت بملل ولكنها تداركت نفسها وأخفت فمها بيدها ، و يبدو أنها فعلت ذلك متأخرا فقد استفاقت لصوت الضحك الساخر القادم نحوها ، احمرت وجنتاها ولم تتجرأ على أن ترفع رأسها لمواجهة هذا الشخص الذي لم تلمح منه سوى بنطال الجينز الأسود الذي كان يرتديه ، بعد لحظة استجمعت جرأتها المبعثرة و رفعت عينها لتجد أنه نفس الشاب الذي حدقت إليه في البداية ولم يتنظر طويلا قبل أن يبدأ الكلام .

    -: إذا ايفانجلين ؟! إسمك غريب ولكنه جميل .. .
    لم تتوقع أن يتذكر اسمها وخاصة بحالته تلك ولكن هذا لم يمنعها من الوقوف ومد يدها بمصافحة : نعم ، شكرا لك .
    صافحها بقوة ولازالت نفس الإبتسامة على شفتيه : ولكن سأدعوك إيفي ، هذا أسهل .
    أجاب معتذرا وهو يعبث بشعره الأشقر الغامق : عذار لم أعرفك بنفسي ، أدعى تشاد سعيد بلقائك .

    أومأت برأسها لتجيبه ولم يكد يبدأ بالكلام مجددا حتى انطلق الجرس قاطعا محادثتهما ، وقف تشاد والتقط الكتاب في يده : هل أخذت جدول الحصص ؟ .
    -: نعم ، أعتقد أن علي التوجه لمعمل الأحياء الآن .
    -: جيد يبدو أنك حصلتي على نسخة من جدولي ، سنذهب معا أنا متأكد من انك ستضيعين نصف الحصة في محاولتك العثور عليه
    .
    ابتسمت بحرج وغادرت مكانها خلفه .
    مضى ما تبقى من اليوم في هدوئه المعتاد وما أن دقت الساعة الثانية ظهرا حتى أنتهى الدوام المدرسي لذلك اليوم ، كانت إيفي قد حصلت بالفعل على أقرب نسخة من جدول تشاد فهما معا في كل الحصص بإستتناء حصتي علم الهندسة والكيمياء.
    بعد يوم طويل غادرت ايفي بناء الثانوية لتقابل جيمي يتحدث مع أحدهم بجانب السور ، وعندما رأها أومأ لها ما دفعها للإقتراب منه ، تابع جيمي كلامه وهو يشير للشاب بجانبه : إيف ، يبدو أنك ستذهبين للمكتبة لوحدك ، لقد غيرت خطتي ، فقد دعاني كايل لقضاء اليوم معه .
    حولت نظرها للشاب المبتسم كان ذو ملامح تدل على أنه من أهل القرية فلم يكن به ما يميز الغرور على وجهه ، لذلك أردفت : لا بأس ، سعيدة بلقائك كايل ..
    -: سررت بمعرفتك
    .

    بعد أن أجابها الشاب بذلك رفعت يدها في تحية واستدارت مغادرة ، ضلت تجول بعينيها تبحث عن لافتة أو لوحة تدل على مكتبة ، ولكنها تذكرت في الأمس عندما كانت تتصفح خريطة المدينة كانت هناك مكتبة في نهاية الشارع الشمالي بجانب الثانوية ، ذهبت لهناك بخطى سريعة ، دفعت الباب بهدوء ليصدر صوت أشبه بالموسيقى بسبب تصادم تلك القضبان المعدنية فوق الباب ، محدثا صوتا يشبه صوت آلة السكسيفون ، نطقت إيفي بخفوت : مرحبا ..!
    أطل من خلف الرفوف رجل بدا كبير في السن فشعره البني يشتعل شيبا والتجاعيد الخفيفة تحيط بعينيه البندقية الناعسة وفمه المبتسم بخفة تشير إلى أنه تجاوز العقد الخامس من العمر وقد يناهز الستين عاما ربما .
    اقترب وهو يضع الكتاب من يده فوق مكتبه : كيف أساعدك يا ابنتي ؟! .
    -: في الحقيقة أبحث عن قاموس للغة المحلية ، هل أجد لديك واحدا .
    تعجب العجوز قليلا ليردف : قاموس ! وما حاجتك إليه .. الجميع هنا يتكلم الانكليزية بصفة رسمية .
    توقف لحظة يتأمل في ملامحها قليلا وخطر في باله أنه لم يرها قبلا ، فأردف : هل أنتم جدد هنا يا ابنتي ؟ .
    -: نعم سيدي ، وصلنا منذ يومين فقط .
    أزداد فضوله لما تريده بالقاموس لذلك تابع : نعم ، فهمت .. حسنا أخبريني تردين قاموس لأي لغة تماما ، فكما تعلمين هناك عدد كبير من اللهجات المحلية في الإقليم الشمالي .



  12. #11
    ...........................





    صمتت ايفي لحظة تفكر في الأمر ، إنها لا تملك أي فكرة عن اللغة في المقبرة ، وشيء ما في قلبها أخبرها ألا تصرح بالحقيقة لهذا العجوز رغم اللطف الظاهر على وجهه ، ربما فقط خشيت أن يخبرها بمعنى الكلمات فيفسد عليها كل متعة الإكتشاف ، لذلك فكرت في حجة تجيبه بها : في الحقيقة ، كنت أتوقع أن أجد قاموس عام أو يحتوي على أكثر من لهجة ، فأنا لا أريده لسبب معين ، ولكن كما أخبرتك سلفا انتقلنا هنا حديثا وأحب أن أحصل على معلومات عن المكان الذي أعيش فيه .
    صمت العجوز مفكرا بضع لحظات : أضن أن حظك جيد يا ابنتي ، فأنا أملك مطلبك ، فقط لا أعرف إذا كان تبقى واحد أخير، فأنا لم أحضر مثلها منذ فترة لا بأس بها .. ولكن انظري في محتوى الرف الأخير في اليسار ، قد تجدينه هناك .

    ابتسمت ايفي وتقدمت حثيثة الخطى لذلك الرف ، بحثث طويلا ولكنها لم تجد ما تبحث عنه وكادت تعود لتخبره بذلك ، لولا أن لفت انتباهها رف أخر بعد هذا الذي تقف عنه مكون من ثلاث رفوف افقية وقد بدا قديما وممتلأ بالغبار اقتربت منه بتردد ، لتجد وسط الرف كتاب سميك جدا معنون بأنه قاموس للهجات المحلية .
    اقترب منها العجوز بخفة : هل وجدت ما تبحثين عنه ؟ .
    سحبت الكتاب بين يديها لتهبط كمية كبية من الغبار على وجهها وينقطع بيت العنكبوت الذي نسج على زاوية الرف العلوية ، سعلت مرة مفردة وهزت رأسها بخفة ، رفعت يدها ملوحة أمام وجهها وهدفها ابعاد الهواء المحمل بالغبار ولكن نظرة التساؤل لا تزال في عينيها ، لمح السيد نظرتها فأجابها وكأنه أدرك ما تفكر فيه : لقد توقفت عن الإهتمام بذلك الجزء فلا أحد يزوره ، وأنا في الحقيقة أخصصه للكتب القديمة والتي لا يطلبها أحد ، ولكن لا أعلم ما الذي أوصل القاموس إلى هناك ، ربما اخطأت مرة في ترتيبه .

    -: لا بأس سيدي ، عثرت على ما أبحث عنه ، شكرا لك .
    مدت له ثمن الكتاب وغادرت مغلقة الباب خلفها ليصدر نفس الموسيقى مرة أخرى ، وبمثل سرعتها في القدوم توجهت نحو المقبرة ، ارتقت تلك التلة الصغيرة حيث تقبع القبور الجاثمة في صمت ثم تجاوزتها حتى وصلت لحافة السور، وضعت حقيبتها على الأرض وجلست القرفصاء تتصفح القاموس تبحث عن أول كلمة منقوشة على الجدار .. اخرجت قلم رصاص من الحقيبة وبدأت تتصفح الكتاب ، أخذت منها الكلمة الأولى وقتا لا بأس به لتعثر عليها ثم أجادت الأمر وبدأت الكلمات تخرج تباعا دونت معنى كل واحدة على حدى في الصفحة الأخيرة من الكتاب وعندما أنهت ترجمة الكلمة الأخيرة أعادت قراءة الجملة لتتسع عيناها بطابع مندهش غير مصدق ولكن لم تبتعد نظرة الفضول عن مقلتيها ، بالإضافة إلى طابع الرعب الذي تملكها .

    كانت الجملة هي " هنا يقبع من فقدناهم بطريقة غامضة ، وما كنا لنفسر اختفاءهم لولا عثورنا على هذه الأشلاء من أجسامهم "




    - انتهى -

  13. #12
    قصة رائعة يسودها الرعب والفضول ...... حقا ابدعتي بوصف ما في القصة لدرجة اني خفت كثيرا😱 ههههههه بانتظار التكملة 😊

    أرسلت من gt-i9100 بإستخدام تاباتلك

  14. #13
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    كيف حالك ، وايت ؟

    يليق بك الرعب يا فتاة ! ادمجيه مرة مع البوليسي .
    فعلاً ، كتابة مميزة للغاية ، ونصوص جميلة .
    لولا الأخطاء الإملائية التي وجدت في بعضه ، وأرجح الأمر لكونها سهواً .
    مثل :.
    ففعله -----> فافعله وحدك .

    عموماً ، تاه مني ما عثرت عليه .

    بشأن القبور ، بالفعل ، أتاني تساؤل ، لماذا لم تذهب عقولهم إلى كونها شواهد قبور ملوك أو علماء لهم قيمته !
    النفس أمارة بالسوء فعلاً جيمي !!!

    أنتظر القادم بفارغ الصبر ؛ فحيتماً هناك علاقة بين صاحب الظل العزيز ، وشواهد القبور الحبيبة ، والشاب المتمرد الظريف – لقب غريب - !!

    هذا كان تسجيل متابعة ، رغم أنني اعتقدتها في البدء قصة قصيرة !!
    من الجميل أنها رواية ؛ فقد استمتعت في فصليها ، وعلى أمل ببهجة تغلفني في القادم أيضاً ..
    صباحك سعيد ، ومساؤك أسعد ...

    موفقة .

  15. #14
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Claudia Recari مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته ^^ .

    كيف حالك ، وايت ؟
    بخير الحمد لله ، كيف حالكِ أنتِ عزيزتي ؟

    يليق بك الرعب يا فتاة ! ادمجيه مرة مع البوليسي .
    فعلاً ، كتابة مميزة للغاية ، ونصوص جميلة .
    شكرا لكِ حقا .. اسعدتني بجميل كلامك ^^ .. ربما سأفعل في المستقبل و أدمجه مع البوليسي ^^ هههه

    لولا الأخطاء الإملائية التي وجدت في بعضه ، وأرجح الأمر لكونها سهواً .
    مثل :.
    ففعله -----> فافعله وحدك .

    أوه ، نعم ، أحيانا تسقط مني سهوا ، رغم أني أحاول الانتباه للمسائل الإملائية و النحوية >.< .

    عموماً ، تاه مني ما عثرت عليه .

    بشأن القبور ، بالفعل ، أتاني تساؤل ، لماذا لم تذهب عقولهم إلى كونها شواهد قبور ملوك أو علماء لهم قيمته !
    النفس أمارة بالسوء فعلاً جيمي !!!
    هههههه صحيح ، لكن أحيانا نذهب للاحتمال الأكثر منطقية ، فلو كانت لأناس مهمين ، لما تركوها في حالة مهملة ^^
    وربما هذا ما قفز إلى عقل جيمي ^^ .


    أنتظر القادم بفارغ الصبر ؛ فحيتماً هناك علاقة بين صاحب الظل العزيز ، وشواهد القبور الحبيبة ، والشاب المتمرد الظريف – لقب غريب - !!

    القادم آتٍ بإذن الله ^^

    هذا كان تسجيل متابعة ، رغم أنني اعتقدتها في البدء قصة قصيرة !!
    من الجميل أنها رواية ؛ فقد استمتعت في فصليها ، وعلى أمل ببهجة تغلفني في القادم أيضاً ..
    صباحك سعيد ، ومساؤك أسعد ...

    سأنتظر ردودك بشوق دائم ^^
    أتمنى أن تروقك حقا الأجزاء التالية ^^
    صباحي وكل أيامي سعيدة بوجودكِ و وجدودكم أعزائي ^^
    في حفظ الله ~

    موفقة .


  16. #15
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة kimon.dpwm مشاهدة المشاركة
    قصة رائعة يسودها الرعب والفضول ...... حقا ابدعتي بوصف ما في القصة لدرجة اني خفت كثيرا�� ههههههه بانتظار التكملة ��

    أرسلت من gt-i9100 بإستخدام تاباتلك
    شكرا لردك الجميل ، اسعدني أنها راقت لك و أخافتك ههههه ^^ ، غير أن جرعات الرعب ستزداد تباعا في الفصول التالية ^^
    سأضع التكملة قريبا بإذن الله ^^

  17. #16

    هي و هو ... و الخوف ( رحلة جديدة ، ومنزل جديد ) .. 3 .


    1402016493121مركز تحميل الصور
    رحلة جديدة ، ومنزل جديد
    Part :3




    وقفت ببطء وما تزال عيناها متعلقة بالسور الحجري ، بينما تقوست كتفاها إلى الأمام في استعداد دفاعي ، فكرة مرعبة مرت بذهنها سريعا ، كان مضمونها أن قاتلا مجنون ذو ميول سادٍ يتربص بأهل القرية ، و يتلذذ بتمزيقهم أحياء ، امتقع لونها رعبا ، وخطت سريعا إلى الخلف بنية الفِرار .
    -: عدتِ مجددا ؟ .
    انتفضت بعنف وكأنها لامست سلك كهرباء عارٍ ، وصدر عنها شبه صرخة مكتومة في استدارتها للخلف ، تحدق بالشخص الذي يقف وراءها ، تتسع عيناه على نحو حائر ، استعادت وعيها بعدما تبينت كنهه ، و أول ما شد عينيها هو الشعر الأسود الكثيف الذي ينساب بحرية يغطي جبينه العاجي ، و مضفيا لعينيه الدخانية بريق جذاب ، تفرست ثانية أخرى في ملامح وجهه الدقيقة ، بشفتين رفيعة ذات لون باهت ، وأنف حاد يرتفع بشيء من الغرور .
    استغرق الأمر منها بضع ثوان لتدرك تماما ما يحيطها وتخرج من عالم التفكير الذي دخلته على حين غرة أبعدتها عن الواقع بكل معنى ؛ في النهاية تداركت ما حدث وصرحت : أنا آسفة ، لقد تفاجأت .. .
    لم تختلف ملامح الشاب ، ولم يرد لها الكلام ، وكأنه ينتظر أن تفسر له ما تفعل ، نطقت هي بحرج متردد : كنتُ ... في الواقع كنتُ أتساءل عن معنى الكلمات فقط .. اسفة إن تخطيتُ حدودِ .
    ثم بدا وأنها تذكرت فأردفت سريعا : أدعى إيفانجـ ... إيفي ! أدعى إيفي .
    حدق نحوها برهة من الزمن دون أن يجيب ، توترت بشدة لعدم ظهور أي ملامح على وجهه وكأنه تمثال رخامي منحوت ، أو لوحة زيتية على جدار كنيسة ، متناهية الدقة شديدة الجمال ، غير أنها جماد ! وفي النهاية ظهر شبح خافت لـ ابتسامة جانبية بالكاد انحنت بها شفتاه : سعيد بلقائك .

    قالها بصوت هادئ ، مطمئن لسبب ما ، لم تدري إيفي ما هذا الشعور الذي تملكها الآن ، وما سببه ؟ هي فقط تعرف أنها غير مرتاحة بِوجودها أمامه ! وقفته جامدة ويداه تستقيمان على جانبي جسده في وضع ثابت ، ملابسه الداكنة و صوته الهامس ، جعلها تشعر وكأنه تمثال فحم خالٍ من الحياه .
    وفي الثانية التالية ، تحرك بخطى بطيئة متجاوزا السور ، ظلت تحدق إليه بشعور أوفر من الراحة إنما بفضول متزايد ، و مثلما ظهر فجأة كذلك اختفى ، وفكرت لوهلة أنه ربما تجاوز السور من الجهة الأخرى ، تقدمت خطوة إلى الأمام في نيتها اللحاق به ، غير أن قطرة ماء باردة ذرفتها السماء على خدها جعلتها تستفيق ، و تفكر في الأمر بعقلانية ، حيث رفعت عينيها إلى السماء و أدركت أن العاصفة على وشك الهبوب ، فقد تلبد الفضاء بغيوم دخانية كثيفة ، و جندي الرياح قد استيقظ نشيطا يعبث بما حولها .

    ألقت نظرة سريعة لما حولها ، وأخرى أكثر تمعنا بالنقوش المرسومة على الجدار ، هل ما فكرت فيه حول القاتل المجنون صحيح ؟ ظل هذا السؤال يبحث عن اجابة في ذهنها و هي تجر قدميها كأنهما غللتا بالسلاسل في طريقها إلى البيت .
    اهل المساء ضيفا غاضبا ليتلاشى طيف النور تحت وطأت سلطانه ، وبكت السماء بمرارة لِيُسْمَعَ نًجِيعُ نحيبها كضربات عنيفة تصدرعنها ضجة كأنها انفجار قذيفة ... انفجار مسبوق بسيل متدفق من الضوء الأبيض المزرق ، يخطف في لمح البصر ثم يختفي ويعود ليلمع في مكان أخر بعد عدة انفجارات متلاحقة .
    هكذا الحال خارج تلك الجدران المكونة من ثلاث طبقات سميكة من الخشب ، أما داخلها فكان الحال مغايرا تماما ، الدفء يملأ المكان ورائحة شيء ما في الفرن ... شيء تعبق منه رائحة القرفة الحُلْوَة ، والضجة المرحة الصادرة عن الشجار الطفولي بين جيمي و آنجل حول لوح الشكولا الأخير بالمكسرات والكراميل .
    كان جيمي مولعا بهذا النوع من الحلويات ، إنما لن يستطيع استرداده من يدي آنجل الصغيرة ، وخاصة وهي ترمقه بنظرات توسل رائعة بلونها العسلي الفاتح ممزوجا بلمسة ناعمة من الأخضر البراق ، وابتسامتها المترجية من شفتين صغيرتين أشعلتهما الحمرة .

    ظل متصلبا أمام ملامحها الملائكية لحظة من الزمن ، ثم عاد ليستلقي باستسلام على الأريكة بلون الشكولا الدافئة : حسنا... حسنا ، أنتي الفائزة كما في كل مرة ، الشوكولا من نصيبك يا صغيرة .
    قالها بلهجة مرحة ما لبث أن اختطفها من بين يديها بسرعة ، تغيرت ملامحها في تلك اللحظة ، فتجمعت شفتيها وتقوست للأعلى ، واغرورقت عيناها الواسعة بالدموع كما كانت شهقات مكتومة تعلو من صدرها فترتفع بها كتفاها في نبضات سريعة .
    فتح جيمي غلاف الشكولا وأعادها إليها وبنفس السرعة التي تغيرت بها ملامحها في المرة الأولى تغيرت مرة أخرى لتتسع ابتسامتها وتصبح ضحكة رائعة بصوتها الرنان ، ضحك جيمي معها لحظة وما أن وضعت الشكولا بين شفتيها رفعها من قدميها لتتأرجح بالمقلوب ومشى بخطى سريعة إلى المطبخ حيث كانت السيدة وإيفي منهمكتان في إعداد العشاء وصنع كعكة القرفة التي يضوع ريحها في البيت ، كانت آنجل لا تزال تضحك وتمسك بالشوكولا بين أسنانها عندما صاحت السيدة فور دخولهم المطبخ : جيمي .. يا إلـهي أنزلها بهدوء سوف توقعها .
    -: هذه الشيطانة الصغيرة احتالت علي وسرقت لوح الشوكولا خاصتي وسوف تدفع الثمن .
    أردفت السيدة في نبرة تأنيب : لطالما طلبت منك أن خفي هذه الحلويات عنها ، ستؤذي أسنانها ، وأنت المُلام ! .

    لم يبقى طويلا يحملها بالمقلوب بل وضعها على الأرض برفق لتلامس أطراف بنطالها الزهري الأرض قبل أن تصل لها أصابع قدميها ، انحنى وعبث بشعرها الكستنائي المنساب بحرية محيطا بوجهها المستدير ذي الغمازة ، وفيما عاد هو إلى موقعه الأول ظلت هي محتفلة بانتصارها ، تأكل لوح الشكولا بنهم .
    كان البيت مملؤا بالدفء وأصوات الضحك الرنانة ترتفع متراقصة مع حركة بندول الساعة الذي يترنح ثانية بعد أخرى حتى أعلن عن انتصاف تلك الليلة البهيجة ، و من أمام مرجة المنزل المسيجة بالمعدن ظلت تلك المُقل ترقب ما يتحرك خلال النافذة ، فلم تكن الستائر البيضاء الحريرية كافية لتخفي حركاتهم عن العيون المترصدة في الظلام ! .

    – انتهى –


  18. #17

    السلام عليكم زوار قصتي الأعزاء .
    رجائي أن تكونوا بأتم صحة وعافية ..
    هذا كان البارت الثالث و الأخير للجزء الأول ، أو البداية ..
    ومن هنا تبدأ تفاصيل القصة الحقيقية ..
    ..
    وكما سأزيد من درجة الخوف ، أتمنى أن يزيد التفاعل هنا لأدرك أخطائي ^^ وأعرف اراءكم ..

    إلى الفصل التاني :
    كونوا بخير في رعاية الله ^^

  19. #18
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    كيف الحال ، وايت ؟

    إنني أمني نفسي بجرعة رعب من لديك في الفصول القادمة ..
    اجعلينا مذعورين يا فتاة ، لا تبقي فينا حياة .

    لديك بعض التكرار ..
    لم يبقى طويلا يحملها بالمقلوب بل وضعها على الأرض برفق لتلامس أطراف بنطالها الزهري الأرض
    كان من الممكن أن تزيلي " على الأرض " ، وتتركي بقية الجملة كما هي !!

    " سعيد بلقائك " .
    أجل ، واضح ..

    عموماً ، من المؤسف أنني لا أمتلك الكثير للتعليق عليه !
    لهذا ، ما بيدي إلا أن أحييك وأتشوق للقاء قادم جعله الله قريباً .
    موفقة .

  20. #19
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Claudia Recari مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته ..

    كيف الحال ، وايت ؟
    الحمد لله بخير ، كيف حالكِ أنتِ عزيزتي ؟

    إنني أمني نفسي بجرعة رعب من لديك في الفصول القادمة ..
    اجعلينا مذعورين يا فتاة ، لا تبقي فينا حياة .
    ههههه سأحاول ^^ لا تعلقِ أمال كبيرة فأنا حديثة العهد في الرعب ^_^

    لديك بعض التكرار ..
    لم يبقى طويلا يحملها بالمقلوب بل وضعها على الأرض برفق لتلامس أطراف بنطالها الزهري الأرض
    كان من الممكن أن تزيلي " على الأرض " ، وتتركي بقية الجملة كما هي !!
    سأنتبه لمثل هذه النقاط ^^ شكري لك ^^


    " سعيد بلقائك " .
    أجل ، واضح ..
    e404 e404

    عموماً ، من المؤسف أنني لا أمتلك الكثير للتعليق عليه !
    لهذا ، ما بيدي إلا أن أحييك وأتشوق للقاء قادم جعله الله قريباً .
    موفقة .
    سيكون القادم سريع بإذن الله ..
    شكري لمرورك الرائع عزيزتي ♥


  21. #20

    و لكن أنا لا أعتقد بالأشباح .. Part : 1


    1402650161161مركز تحميل الصور

    ولكن أنا لا أعتقد بالأشباح ..!
    Part : 1



    مضى أسبوع كامل على انتقال إيفي لبيتها الجديد ، أسبوع مشوق وجميل بالنسبة لها ، ولكنه بارد وممل بالنسبة لـ جيمي رغم أنه لا يمضي الكثير من الوقت في البيت وخلال هذا الأسبوع كان قد حصل على مجموعة من الأصدقاء واختلط بطريقة أو بأخرى بأغلب أهل المدينة الصغيرة ، غير أن انزعاجه مازال مستمرا ، إذ أنه تعود السُّكنى في الضواحي الكبيرة ، و المدن المزدحمة التي تظل صاحية طوال الليل ، إلا أنه كان ممتنا بطريقة ما لِـحصوله على اصدقاء في وقت قصير مثل هذا ، أصدقاء جيدين وليسوا مثل باقي الأشخاص الذين تعرف عليهم في السنوات الماضية .
    في ذلك المساء كان جيمي يعبث مع آنجل ، يضعها على ركبيته ويهزها لتضحك أو يعبث بشعرها الجميل ، بينما كان السيدان بجانبهم يعلقون أعينهم بالتلفاز الذي يعرض برنامج حواري مع أحد الرجال المهمين في البلد .
    غابت إيفي عن المكان فكانت في غرفتها مستلقية على السرير مستندة على مرفقيها وتجول بعينيها في دفتر يومياتها ، أخذت تقلب الأوراق ، تقرأ بعض السطور لتصلح شكل الحروف أو ما شابه هذا .
    توقفت عند الورقة الأخيرة ومحتوياتها عن تلك الظلال الغريبة التي كانت تلاحظها ، تذكرت ذلك اليوم بكل أحداثه وذلك الظل الذي أطل عليها في المطبخ و تذكرت فجأة أنها لم تعد تشعر بكونها مراقبة كما الأيام السابقة ، فكرت أن كل ما سبق كان مجرد أوهام مختلقة ليس أكثر وأنها عندما ابتعدت عن ذلك المكان رحلت أوهامها ، أو ربما لأنها كانت تشغل نفسها ولم تهتم كثيرا لهذه التفاصيل التي تحتاج من ينتبه لها .

    لكن رغم هذا ذكرى السيد بلاك – كما أسمته – لم تغب عن فكرها لحظة ، وقررت في اليوم التالي أن تزور تلك المقبرة أو بالأصح ذلك الجزء المعزول من المقبرة ، قفزت من مكانها لتتجه إلى المكتب حاملة المذكرة وفتحتها على الصفحة التالية ، سجلت الوقت في جزئها الأيسر من أعلى وأخذت تخط أحداث يومها بسرعة : مذكرتي العزيزة ، أعتذر لأني أطلت الغياب ولا أخفي عليك أني مررت بأحداث كثيرة تستحق التسجيل ، سأبدأ وأخبرك بأنني التقيت بشخص... شخص غريب بكل معنى ! لقد التقيته مرتين في المقبرة ، وربما المكان نفسه يوحي بالريبة .
    ولكن صدقيني ليس كما توحي تصرفاته إنه حتى لم ينطق سوى أربع كلمات متناثرة ، إنه يشعرني بالريبة ، لماذا يذهب إلى ذلك الجزء من المقبرة ؟ كلها أسئلة تحيرني ولم اجد إجابة مقنعة لها ، على كل حال ربما لا أستطيع وصف المشاعر التي تملكتني حينها ، وفي لحظة ما تغيرت نظرته نحوي ، لقد رمقني بطريقة ... بطريقة لا أعرف تماما ما أصابني جراءها لقد شعرت أن صاعقة بقوة ألف فولت أصابتني لحظتها ، إن كل ما يدور حوله غريب وكأن عيناه الدخانية تنسج هالة غامضة تحيطه ، لأول مرة لا أجد الكلمات التي أحتاجها للتعبير ! فقط وجودي معه تلك الدقائق الثلاث كان غير مريح أبدا ، شعرت أنني أتحدث إلى تمثال من الفحم ، شعرت وكأنني أتحدث إلى ..... شبح
    ! .


    سرت رجفة عميقة في أطرافها ، ضلت مشدودة الإنتباه بضع لحظات وكأنها تفكر في مدى كون كلمتها الأخيرة صحيحة ، انتهت تلك الثوان بحركة طرف سريعة من عينيها تصاعد على إثرها نفس مضطرب وزفرته بهدوء ، أسندت مرفقها إلى المكتب فيما أراحت ذقنها على كفها ، كآبة غريبة اكتست ملامحها ، وظلت تدون شيء ما على الورق بخط سيء ، وكأن عقلها سابح في مكان أخر ولا سلطة له على عضلات يدها الكاتبة : يا إلـهي ، هل تصدقين يا مذكرتي العزيزة أنني مررت بلحظة صدقت فيها افتراضي السخيف ! أعترف أني قد صرت أكثر جنونا من السابق ، ولما لا ، المكان هنا يبعث على الجنون من عدة نواحي ففي البداية هو رائع لدرجة تكاد تفقدني عقلي ثم أن تفكيري بهذا الشاب أخذ ما تبقى سليما منه ، ربما يجب أن أغير اسمه من " السيد بلاك " إلى " السيد شبح " أعتقد أن هذا الوصف أحق به ، وأعتقد أنه يجب علي الذهاب إلى المقبرة غدا لأكتشف سره .

    أغلقت المذكرة ووضعت القلم فوقها بهدوء ، بقيت جامدة دقيقة من الزمن ثم زفرت كل الهواء في رئتيها وملأتها بأخر جديد : حسنا ، ربما يكون من الجيد أن ألتقط بعض الصور أيضا .
    طرق خفيض على الباب شتت انتباهها ، و محى تلك الصورة المتكونة في خيالها ، لم ينتظر الطارق ليسمع الرد ، بل فتح الباب بهدوء وتسلل كأنه أحد اللصوص ، اقفله ببطء و اتكأ عليه : إيفي أرجوك ساعديني .
    ملامحه كانت مرتعبة ، وكأنه رآى شبح ، أو جثة مضرجة بالدماء ، لكنها تعرف تماما سبب هذه التعابير المفزوعة ، فصرحت بملل : ماذا تريد ؟ .
    ــ : أمي قد ارسلتني إلى محل البقالة الآن ... تخيلي ! في هذا الطقس المتجمد
    ! .
    ــ : و ما دوري أنا في الموضوع ؟
    ــ : أنا مستعد لأن أفعل أي شيء تطلبينه لمدة أسبوع كامل شرط أن تذهبِ بدلا عني الآن
    .

    فكرت في الأمر مليا ، ومالت شفتاها بابتسامة خبيثة ، صرحت بالموافقة و طردته من الغرفة لتبدل ملابسها ، بسرعة أرتدت ثياب سوداء ثقيلة ومعطفها المفضل ذو اللون القاني ، كان جيمي ينتظرها أعلى الدرج ، حيث سلمها قصاصة ورق متراصة الطلبات ، و محفظة نقود جلدية ذات نقوش نباتية .
    ألقت نظرة سريعة على القائمة وصاحت : تبا لك جيمي ! من سيحمل معي كل هذه الأغراض ؟ .
    ــ : توقفي عن الشكوى إيف ، ربما تصادفين ذلك الشبح من المقبرة و يمد لك يد العون .
    صاعقة أخرى ضربت إيفي عند سماعها تلك الجملة ولم تنطق بكلمة حتى جعلها صوت السيدة تستفيق : أي مقبرة ؟ هل دخلتم المقبرة ؟ .
    كادت أن تخبرها بكل شيء لولا أن جيمي قطع عليها الأمر : لا ، كنا نتحدث عن فلم شاهدناه معا ليس أكثر .

    هزت إيفي رأسها بخفة وأصلحت وضع الشال على رقبتها وهي ترمقه بنظرات ذات معنى ، خرجت من الباب وصفعته خلفها تاركة السيدة في حيرة من أمرها ، استلت هاتفها وارسلت لـ جيمي رسالة بها كلمة واحدة " ستندم " ، أرسلتها بكل غضب رغم أن بعض مشاعر الخوف احتلت قلبها أيضا تلك اللحظة ، ولكن جيمي انفجر ضاحكا عندما قرأها .
    مشت بشرود على الرصيف المرصوص بالأجآر الأحمر والرمادي بتبادل تحاول أن تدوس على الآجار الحمراء دون الأخرى ، وتسلت بتك اللعبة حتى وصلت مقصدها ، كان المتجر هادئ نسبيا ، القليل من الأشخاص يجولون بين الرفوف ويلتقطون بضع أشياء خفيفة ، كان للمكان ديكور جميل يساعدك على ايجاد ضالتك بسهولة ، حيث أن كل قسم معنون ومصنف حسب المحتوى ، أخذ منها الأمر قرابة العشرين دقيقة أو أقل ، وفكرت أن هذا ثمن قليل تدفعه مقابل أسبوع كامل من الراحة .

    في طريق العودة كان انتباهها لما حولها أكبر و كان الطريق مظلما تقريبا سوى من مناطق صغيرة من الضوء سلطتها على الإسفلت المتشقق تلك الأعمدة المنحنية من الأعلى يتدلى منها مصباح صغير يشع بلون أصفر شاحب ، اسرعت خطواتها عندما بدأت السماء في ارسال زخات خفيفة من المطر ، وهي تركض أوقعت المحفظة من جيب معطفها انحنت تلتقطها وعادت منتصبة ، رفعت عينيها لتلتقي بعينيه فظهر شبح ابتسامة خفيفة على شفتيه الباهتة : مرحبا ...! .
    تسمرت مكانها وعلت علامات الصدمة وجهها ، شعرت بالحرارة فجأة تتدفق إلى داخلها رغم البرد الشديد في الخارج وأن الدماء بدأت تغلي في شرايينها ، قلبها يسرع في دقاته وكأنه يحاول إدراكها قبل أن تفلت منه : مـ .. مرحبا ..! .
    أعاد الكلام وهو لايزال على حالته الأولى : أتحتاجين إلى مساعدة ؟ .
    مرت جملة جيمي في عقلها كأنها صدى ، ظلت الكلمات متشبثة بحلقها مانعة إياها من النطق ، مرت بضع ثوان ولم يحرى لها ردا ، فما كان منه سوى أن نظر إلى سماء الليل و همس : من يرك يظن أنك شاهدتِ شبحا ... بأي حال إن ضللت متصنمة هكذا فستصابين بالبرد ، فالمطر صار أقوى .
    استفاقت عندها و أجابت مرتجفة : شكرا لك ، إنها ليست ثقيلة .
    أومأ برأسه بابتسامة وتقدمها الخطوات ، ركضت قليلا لتلحق به وشعرت برغبة مفاجأة تدفعها للكلام وكأنها لم تكن ترتعد خوفا منذ لحظة ، تجاهلت كل ذلك وسألت : لماذا تتجول في الخارج في هذا البرد ؟ .

    كانت تجاريه الخطوات لذلك حول مقلتيه إليها من دون أن يدير رأسه ، تلك الحركة ونظرة عينيه جعلت رجفة عميقة تتغلغل في أوصالها وكأنها لمست وتر حساس ما كان يجب عليها أن تسأل عنه ، ولكنه أجابها في النهاية بأنه يحب المطر ليس أكثر ، زفرت بشيء من الراحة إثر سماعها إجابته فتشكلت أمامها غيمة بخار صغيرة سارعت بالتبدد ، أعاد الكلام : هذا منزلك صحيح ؟ .
    نظرت للأعلى وإذا بها أمام البوابة الحديدية فأجابت : نعم ، شكرا لك على مرافقتي ، هل ترغب في الدخول قليلا .. ساعد لك بعض الشاي الساخن ، إنه مريح في هذا البرد .
    تباعدت شفتاه قليلا لتظهر أسنانه في ابتسامة قصيرة : شكرا لك ، ربما في مرة أخرى ... وداعا .
    أومأت برأسها مجيبة ودخلت بسرعة ، كان جيمي يتجه للمطبخ بخطوات كسولة حاملا كوب فخاري أنيق تتصاعد منه أبخرة باهته تصرح بوضوح بمحتواه الساخن رمقها بنظرات متعجبة : لقد عدت بسرعة ! .
    ــ : التقيت بشبح المقبرة وساعدني ، كان مفيدا أكثر منك .

    ظل هو مشدود القسمات إثر اجابتها السريعة ، ولم يعرف إن كانت تمازحه أم أنه حدثٌ واقع ، لم تنتظره بل ألقت أمامه الأكياس الورقية و صعدت سريعا إلى غرفتها ، صفعت الباب خلفها بقوة و نزعت المعطف المبلل ، فيما حررت شعرها من الدبابيس المعدنية التي تمسكه ، تركته حرا ليجف ، فلم تكن يوما من محبي القبعات الشتوية ، وتفضل أن تصاب بالبرد على ارتدائها ، فركت يديها بسرعة ونفخت فيهما : يجب ألا أنسى قفازاتي مرة أخرى .

    وفي تلك النقطة توقفت كلماتها وتوقفت معها أنفاسها ، اتسعت عيناها ونظرت إلى راحتيها التي أحالها البرد شاحبة ، فكرة مرعبة تسللت إلي عقلها ، حاولت تفسيرها بكل الطرق المنطقية ، فعزت الأمر للظلام غير أنه لم يكن قاتما في وجود مصابيح الطريق التي تكسر العتمة و تنير محيطها ، همست قائلة : كلما أضن أن الأمر صار منطقيا ، يصبح محيرا وبعيدا عن الواقع أكثر من السابق ، ربما يجدر بي أن أخبر جيمي بكل شيء ، وحتى لو عنى هذا سخريته مني ... قد يفيدني بوجهة رأي إن لم يثبت كونِ مجنونة .
    عزمت الأمر واستدارت لتخرج من الغرفة ، ولكنها رأت حقيبتها المدرسية بجوار الباب فخطرت لها فكرة أفضل : ربما كان إخبار تشاد أفضل من إخبار جيمي ، على الأقل قد يعرف هذا الشخص ويرحني من التفكير في الأمر .

    وعلى تلك الفكرة قضت ليلتها أما صباح اليوم التالي فذهبت سريعة الخطى إلى الثانوية ، كانت ساعات الصباح الأولى كثيفة الضباب ، هادئة و تثير المخاوف ، وخاصة أن جيمي توقف عن مرافقتها ، فتواجده مع كايل أكثر متعة بالنسبة له ، مضت الساعات الأولى ضجرة مملة عليها ، لم تكن تنتبه لشيء من محيطها ، وظلت غارقة في بحر خيالات خاص بها ، تضرب بالقلم على المنضدة بضع لحظات ثم تتوقف عن ذلك و تشرع برسم خطوط مائلة و خربشات لم يكن لها أيما معنى في الكتاب أمامها ، شعرت أن الوقت يمر كسولا على غير العادة ، وكأنه يتقصد أن يمنعها من مخاطبة تشاد فيما أرادت .
    عندما توجهت لمعمل الكيمياء وجدته قد سبقها إلى هناك ، ركضت خطوتين إلى الأمام وتوقفت فجأة كونه يتحدث مع فتاة أخرى ، أمعنت النظر فيها من بعيد ولم تذكر أنها رأته سابقا ، انتبه لها تشاد و إلى ملامحها الشاردة وكأنها غائبة عن الوعي ، فصدح باسمها عاليا لعله يعيدها إلى الواقع ، وهذا ما حدث إذ طرفت بعينيها سريعا في تفاجئ ، وحاولت محو ما يتملكها من تساؤلات اقتربت ببطء تأسرها نظرات الشابة و ابتسامتها الصغيرة .
    ــ : مرحبا ..! .
    قالتها بخفوت فأجاب مبتسما : كيف حالكِ إيفي ، تبدين شاردة .. هل أنتِ مريضة ؟ .
    ــ : أنا بخير .
    أعاد الكلام وقد لاحظ نظراتها نحو الفتاة وكأنها تسأله من تكون : أوه ، نسيت أن أعرفك ، صديقتي إيمي .. كانت مسافرة الأسبوعين الماضيين و عادت بالأمس .

    نظرت مجددا إلى الفتاة الحسناء ، و أول ما لفت اهتمامها هو بشرتها البيضاء الشاحبة كأنها سرقت من الثلج لونه ، و شعرها الذي بدا كقطعة من الليل ، بسرعة تشكلت صورة ذلك الشاب أمامها ، و غرقت في الشبه الكبير بينهما ، ايقظها صوت الفتاة فيما مدت يدها في مصافحة : أدعى إيميلي في الحقيقة ولكن تشاد يبتلع نصف حروف اسمي ، سعيدة بمعرفتك إيفي .. كنا نتحدث عنك قبل قليل .
    ــ : سعيدة بمعرفتك إيميلي .
    لم تحتوي نبرتها على أي حماس ، عندما ايقنت أنها لن تستطيع الكلام مع تشاد في الوقت الراهن ، استأذنت بلطف و جلست في ركن منزوي من القاعة مستطيلة الشكل ، ظل تشاد يرمقها بقلق بين الفنية و الأخرى ، ولكنه في كل مرة يستدير يجدها منكبة على الكتاب و لا تعير محيطها أيما اهتمام .

    عند انتصاف الثانية ظهرا اجتمع ثلاثتهم أمام بوابة الثانوية ذات الطلاء القرمزي ، فاستعجل تشاد السؤال : هل أنتِ بخير إيف ؟ لم تكون على سجيتك طوال اليوم .
    كادت أن تجيبه ولكنها فجأة شعرت بصدمة قوية تتولد من داخلها ، اندفعت خطوة مفردة إلى الأمام و بشكل تلقائي وضعت كلتا يديها على قلبها ، رفعت عينيها نحو تشاد الذي تتسع عيناه بنحو غريب ، وكأنه لا يفهم ما يدور حولها ، وفيما كانت تستعد للنطق مرة أخرى زاغت عيناها في شيء ما خلفه .
    همست إيملي ممسكة بذراعها : إيفي ؟! .
    ــ : هل رأيت شيئا ما بين الأشجار ؟ .
    استدار تشاد من فوره فيما نظرت إيملي هناك ثانيتين قبل أن تجيب : لا .. لم أنتبه لشيء ، هل فعلت ؟
    هزت رأسها بخفة : لا ، لا .. تهتمِ مجرد وهم ليس أكثر .
    وعندها حسمت أمرها وسألت على عجل : تشاد أتعرف الكثير من سكان القرية ؟ .
    ــ : الجميع تقريبا ، لماذا ؟ .
    ــ : هناك شاب ، لا يبدوا أكبر منا بكثير ... بسنتين على الأكثر ، رأيته ثلاث أو أربع مرات بلباس أسود تماما ، أبيض البشرة غزير الشعر وحسب رأيي فيه لا أعتقد أنه يتكلم كثيرا .
    استغرق تشاد بضع ثوان يرسم صورة في مخيلته بحسب وصف إيفي له ونطق أخيرا : لا أعتقد أني قابلت أحدا بمثل هذه الأوصاف هنا ... لماذا تسألين وأين إلتقيته ؟ .
    أملها في أن تشاد قد يفيدها قد نسفته الرياح ، بل الواقع أنه زاد تعقيد الأمر عليها : ليس لسبب مهم ، لقد التقيته أول مرة في المقبرة ، أوه ... بذكر المقبرة ، لماذا هي مفصولة من الداخل ؟ أفصد هناك مجموعة من القبور داخل سور يفصلها عن البقية ؟.

    تجمدت ملامح إيملي صدمة بينما حاول تشاد ابتلاع القلق و اضافة بعض المرح على الموضوع : هل دخلت المقبرة ؟ يالك من فتاة شجاعة ، لا يوجد أحد يدخلها هنا وخاصة الفتيات إلا في أحوال نادرة ، فلاسبب يدعونا لدخولها إلا عندما يتوفى شخص من القرية فإننا ندفنه ونخرج .
    كلماته لم ترضي فضولها بعد ، و تولد شعور إضافي في نفسها ينبئها بالخطر ، همست إيملي مقاطة لها : هل دخلت المقبرة إيف ؟ .

    - يتبع ,,

الصفحة رقم 1 من 10 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter