- حـيـاة بـلاسـتـيـكـيـة -
.
.
أنتَ تدرك تماماً معنى شعور الرحيل ..
منذ أن تركتَ يدي الصغيرة لأبصر خبث هذا الكون الحقير ..
لأصنع لذاتي عالمي المستقل .. لأبني لنفسي أحلاماً أسعى لتحقيقها ..
لأرى أن الحياة في الواقع ؛ ليست وردية .. و أن أكبر همومي صارت في الواقع أصغرها !
.
.
.
-” ستنتهي عطلةُ الصيف الأسبوع القادم .. “-
-” إذاً ؟ “-
مع أن نبرة الصبيّ كانت شديدة الوضوح بالقدر الذي يسمحُ لمعرفة المغزى من خلال كلمآتهِ تلك إلا أن الرجل الثلاثيني على الأريكة فضّل المماطلة - كـ عادته - و رفض تحليل الشِفرة في عقلهِ ..
ضلّ يقلب القنوات بضجر لا مُبالياً بمن يقف أمامه مع أن ذاك الأخير يحجب عنه شاشة التلفاز قديم الطراز !
-” إذاً ؟؟.. إذاً أحتاج لأدواتٍ مدرسية جديدة و شراء زُيِّ مدرسي لهذا العام ! “-
-” بالنسبة لـ الأدوات فاستعرها من زُملائك حين حاجتك إليها أما الزيّ فارتدي زيَّك القديم فهو يناسب مقاسك الحالي تماماً و الآن تزحزح من أمامي كي أرى “-
ضلّ الفتى يحملق بذاك المتعجرف لدقيقة مرت يستوعب فيها ما تفوه به للتو !
-” و لكن... و لكن ما خطبك ؟؟.. تعلم تماماً أني محط سخرية للجميع و ها أنت ذَا تقول أن علي ارتداء ذات الزيّ للعام الثالث على التوالي ؟؟.. ثم إن الأغراض المدرسية غاية في الأهمية فلا يمكنني استعارتها طوال الوقت ! “-
-” يمكنك شراء قلمٌ و ممحاة .. “-
رفع بصره أخيراً ليستقرأ وقع حديثه هذا على الصبيّ فتنهد مستسلماً حين وجد علامات الصدمة و الاستيعاب ..
-” و كتاب إن لزم الأمر .. “-
طفح الكيل !.. زفر بحنق ثم أسرع راكضاً لحجرتهِ الضئيلة و صفق الباب خلفه بقوة هزّت أركان المنزل الصغير !
-” إن استمريتَ بإقفال الباب بهذه الطريقة فلن أشتري باباً آخر لو انكسر ! “-
صرخ بها غير مُبالياً و عاد يكمل متابعة برنامجه الساخر على التلفاز بتعابير باردة ..
إلا أنه سرعان ما تنهد بعمق و أطفأ التلفاز ثم نهض عن الأريكة متوجهاً لتلك الحُجرة ..
-” سأعد العشاء .. لا تماطل أعلم أنك تشعر بالجوع .. “-
-” اذهب للجحيم ! “-
-” هل تريد أن أضيف حساء الدجاج ؟.. أنت تحبه “-
-” أخبرتك أن تذهب للجحيم ! “-
-” حسناً سأضيفه “-
ضحك في طريق ذهابهِ للمطبخ الصغير و الذي لم يكن يحتوي سوى على طاولة خشبية ضئيلة بكرسيين خشبيين و ثلاجة لا يبدو أنها تعمل على نحو ممتاز و أخيراً الفرن حيث يُطبخ الطعام و بعض الرفوف التي احتوت على الأطباق الرخيصة مع القليل من الخضار لجوارها .. صادفتهُ صورة صغيرة موضوعة وسط بروازٍ بسيط على الطاولة الخشبية ، ابتسمَ بدفء ما إن لاحت لَهُ تلك الابتسامة الشقية فيها ...
.
.