دراسة في اضطرابات الحياة : مخاوف نعيشها وقلق
أهلا بالأصدقاء الكرام
موضوعي اليوم سأتطرق فيه إلى دراسة بعض اضرابات الحياة والعيش ومايصاحب ذلك من قلق وتوتر ، وإن شاء الله تستفيدو من بحثي المتواضع ويجيب على بعض التساؤلات التي تمر في حياتنا .
تعقدت الحياة واضطربت ، جملة تتردد باستمرار في حاضرنا ، فالإنسان أصبح يتسائل في خوف وقلق :( ترى كيف سيكون الغد ؟ كيف ستكون الحياة المستقبلية وشبح الحرب النووية يخيم على الكون كله ؟ )
لقد ولت الأيام التي عاشها أجدادنا تحت الشمس الدافئة ، لم تعد الحياة بسيطة آمنة ، لقد تغير كل شيء ، فأصبح انسان هذا القرن يعيش في قلق وتوتر ...ترى ما الذي يمكن أن نفعله للخروج من هذه الدائرة المظلمة .
القلق والتفكير
لقد اختلفت آراء علماء النفس وتضاربت ، ولكنهم أجمعوا في النهاية على أن هذه المشاعر التي تعتلي صدورنا ، وتهدد كياننا ، هي نتيجة حتمية لإستجابة نفوسنا للعوامل التي تسبب هذه المشاعر...فإن تعلمنا كيف نفهم هذه العوامل نجحنا في التغلب على قلقنا ومخاوفنا .
والقلق والفكر شيئان متلازمان ..فالإنسان يفكر لكن هناك فرق بين تفكير وتفكير ، فهناك من يترك المجال لأفكاره تسبح وسط الظلام الذي يحيط بكل شيء حوله ، وهناك من يفكر بأسلوب آخر فلا يدع للأفكار المظلمة والصور الكئيبة مجالا لغزو عقله . وحتى إن دخلت قلبه وعقله فإنه يطردها باستمرار .
كل واحد منا يجد نفسه مشغولا بالتفكير في أمور كثيرة طوال اليوم ، ولكن كثيرا ما يجد المرء نفسه وقد ركز تفكيره كله في أمر معين أو مشكلة بذاتها لا تلبث أن تسيطر على تفكيره .
هذا الشعور المضطرب يبدأ أولا مثل خيط نراه كالطيف أمامنا ولكن الصورة لا تلبث أن تتكرر أمامنا وتستقر في أذهاننا .
هههههه لا بد أنني لخبطتكم قليلا أصدقائي بهذه التحليلات المعقدة ، لكن افرحو فلقد أحضرت لكم أمثلة مبسطة لكي تفهموا تحليلي بشكل أكبر :
لنأخذ مثلا قصة الأم التي كانت تقف أمام ابنتها في صباح كل يوم قبل ذهابها إلى المدرسة وتقول لها : ( خذي حذرك يا ابنتي وأنت تعبرين الطريق .....لاتنسي أن تلتفتي يمينا ويسارا لتتأكدي من خلو الشارع من السيارات ) .
لقد كانت الأم المسكينة تعاني من تعب نفسي غير مدرك وانعكس على تصرفاتها وأحاديثها .
وقد أدى تكرار هذا التحذير ، لتولد شعور غريب لدى الفتاة فلقد أصبحت حتى بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة ..تشعر بخطر تلك الرحلة اليومية التي تقوم بها أثناء توجهها إلى المدرسة . ولقد كبرت معها مخاوفها وأصبحت الدنيا مظلمة في وجهها ، حتى تزوجت ، واستطاع زوجها أن يريها الحياة بعينين جديدتين ، وتدرك بأن الدنيا ليست بالسوء التي كانت تتصوره .
ربما يرى بعض الأعضاء أن هذه الحالة غير مرضية ومبالغ فيها ، لكن للأسف هي حالة خطيرة وتوجد لدى أشخاص كثيرين .
مثال 2
قصة امرأة كاد التعب النفسي أن يودي بحياتها ..لقد عرفت الخوف في طفولتها وتولدت لديها عقدة خطيرة .
طفلة صغيرة وقفت تراقب في فزع ورعب شديدين ، ما حدث لأمها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن وضعت طفلها الثاني..فقد أصيبت الأم بنوبة قلبية في نفس الوقت الذي كان طفلها يطلق صرخته الأولى .
وترك الحادث في نفس الطفلة جرحا عميقا ، ومرت السنون وكبرت طفلتنا وتقدم أحد الشبان يطلب يدها من والدها وفوجئ الأب بابنته تختفي تماما ...فراح الأب يبحث عنها في كل مكان لكن لا أثر لها .
ماذا حدث ؟ ذهب الأب إلى أحد المتخصصين في علم النفس ، وحكى لهم قصة ابنته وطفولتها ، عندها أجابه المتخصص قائلا : ( لقد هربت ابنتك من الزواج سيدي..لا لأنها لا تريد أن تتزوج ...ولكن لأنها لا تريد أن تحمل وتنجب ويحدث لها ما حدث لأمها !
وأخيرا شاء القدر أن يلتقي الأب ابنته بالمصادفة ، ولقد كان لقاء حارا ، وقالت الإبنة وهي تمسح دموعها : ( اعذرني يا أبي فأنا أخاف الموت ) .
عادا إلى المنزل ، وعاد ذلك الشاب وطلب يدها مجددا ، فوافقت بعد قرار عسير ، ومرت السنون وحملت ، وبدأ عذابها مع نفسها ، هل تتخلص من الجنين ؟ وكيف تضمن أنها ستنجو في هذه المحاولة مما خافت منه ؟ أخيرا رضخت للأمر الواقع ، وجاءت لحظة الحسم .
عندما حملوها إلى المستشفى كانت تهذي وتنادي أمها ، وكأنها على موعد معها .
لقد حملها الأطباء إلى غرفة الجراحة ، ولم تشعر بشيء لأنهم أجرو لها عملية تخدير فغطت في نوم عميق . وعندما فتحت عينيها وجدت مولودها الصغير بجوارها ..لقد عاشت ورأت طفلها ، ولأول مرة أحست الفتاة بالهاجس الغريب الذي ظل يحتويها ، وقد فارقها إلى غير عودة..لقد ولدت من جديد..وقال الأطباء " لقد كاد قلبها قبل التخدير يتوقف عن النبض تماما ، لقد جاءت إلينا في أسوأ حالاتها " .
ونعود من حيث بدأنا ، إننا نعيش اليوم في عالم مليء بأسباب القلق والخوف والتعب النفسي . لهذا يجب أن نتعلم كيف نميز بين الأسباب الحقيقية التي تدعو إلى القلق وبين الأوهام والتخيلات التي قد تثير مخاوفنا بلا مبرر . ولكي ننجح في محاولاتنا لا بد أن نكون على قدر من الذكاء والحكم السليم على الأمور . وأن ندرك متى يجب أن نشرك أمورنا مع الآخرين أو نحتفظ بها لأنفسنا ، فنواجهها بكل شجاعة .
يقول علماء النفس : ان 80 بالمئة من حالات الأمراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء الذين يترددون على عياداتهم لا تقوم على أساس من الخطر الحقيقي الذي يتصورون أنه يتهددهم ، وإنما هو خوف قائم على أساس خطر مرتقب أو متوقع .
فالخوف من الغرباء ، والخوف من الجراثيم والأمراض ، والخوف من الولادة عند الأمهات اللاتي ينتظرن مولودهن الأول .. كل هذه المخاوف قائمة على خطر غير مرئي ، وقد لا يكون له وجود إلا في مخيلتهم فقط .
فتشبتو أصدقائي بالأمل ، بالحكم الجيد ، بالنظرة الجيدة وأخيرا وهو أهم شيء وأكبر علاج ودواء من أي طبيب نفسي وهو الثقة الكبيرة بالله سبحانه وتعالى .